سقوط بشار وقصة اختراق ايميل الرئيس

 


 

 

محمد المكي أحمد

سقوط نظام بشار الأسد ( 8 ديسمبر 2024 )، بضربات المعارضة، يشكل أبرز حدث تشهده سوريا في تاريخها الحديث، والمنطقة العربية حاليا ، والعالم، وهو يرسل رسالة مهمة للداخل والخارج، عنوانها الأبرز أن من يراهن على إرادة الشعوب يكسب، ومن يدعم الديكتاتورية وقمع الشعوب يخسر، اليوم أو غدا.
معلوم أن النظام الديكتاتوري في سوريا ، حكم بالحديد والنار، قتل أعدادا لا حصر لها من السوريين، أذل الشعب، رجالا ونساء، بالاعتقالات، التعذيب، ، استخدم السلاح الكيمائي، دمر بلدا جميلا، رائعا، بانسانه، وتاريخه، وغنيا بموارده، ومواقف شعبه النضالية.
نظام بشار انهار رغم استخدامه القمع، وهاهي المعارضة تدخل العاصمة التاريخية دمشق ، وكان لافتا خروج مواطنين إلى الشوارع يحتفلون بالانتصار في قلب ساحة الأمويين، و مواقع أخرى .
الانتصار الشعبي السوري أسعدني لأسباب عدة.
دوري الصحافي المهني دعم سعي الشعب السوري نحو الحرية والديمقراطية والعيش الكريم.
التقيت عددا من قادة المعارضة السورية، نشرت صحيفة ” الحياة” اللندنية تصريحاتهم وأحاديثهم ، كما بثتها إذاعة مونت كارلو الدولية بباريس ، في فترة عملي مراسلا للصحيفة اللندنية والإذاعة الفرنسية في العاصمة القطرية الدوحة.
في لندن انتقدت بشدة في قناة ” الحوار” نظام بشار، وزيارة الرئيس السوداني المخلوع عمر البشير لدمشق في محاولة فاشلة لاخراجه من عزلته.
تذكرت اليوم تفاصيل حوار انفردت باجرائه مع مخترق ” ايميل” بشار الأسد .
حواري مع عبد الله حاجم الشمري نشرته صحيفة ” الحياة” اللندنية في سبتمبر 2012، إذ كشف قصة اختراقه ” إيميل” ( الرئيس) بشار الأسد .
حواري مع المعارض السوري أحدث أصداء واسعة عربيا ودوليا، ، وقوبل باهتمام قناة “العربية” التي نشرته في موقعها الالكتروني .
قائد فريق اختراق ايميل (الرئيس السوري بشار الأسد) قال إنه يحتفط بنحو 7500 رسالة إلكترونية لبشار، و” تضم كنزاً من الأسرار والفضائح،ورسائل مثيرة من الحلقة الضيقة للرئيس”
أوضح كيفية اختراقه ” إيميل” بشار” ، وقال إنه كتب مقالات عن الوضع السوري، وأرسلها إلى مكتب وزير شؤؤون الرئاسة ، ثم تلقى اتصالا من شخص في مكتب شؤون الرئاسة فوصف مضمون مقالات الشمري بأنها تتضمن ” كلاما صعبا ولا أستطيع إيصاله إلى الرئيس، لكنني سأعطيك إيميل الرئيس الخاص والسري، وأرسل إليه مقالاتك”.
مخترق “ايميل” بشار ، أضاف ” تلقىت عنوان بريد بشار الالكتروني في 28 مارس 2010، فأرسلت مقالاتي لبشار ، وكانت تحمل “تحذيراً ومطالبة بالإصلاح قبل فوات الأوان”.
بعدما اندلعت تظاهرات في ريف دمشق اقترح على أصدقائه أهمية التفكير في طريقة لدعمها، و “قررنا أن نخترق “إيميل” بشار بالبحث عن كلمة السر التي تفتح بريده الإلكتروني”.
في 18 في مارس 2011 أحضر فريق الاختراق “أجهزة وبرامج لفك كلمة السر، وأنشأوا قاعدة بيانات لتزويد برامج الاختراق مع تركيب حروف وأرقام لكشف كلمة السر، لكن لم ننجح”.
تابع: خلال أسبوع لم ننجح في كشف كلمة السر، ثم قال لي صديقي – والكلام لقائد فريق الاختراق- “أنت تصفهم بالغباء دعنا نعمل بطريقة غبية، ثم فاجأني الصديق، بقوله “مبروك اخترقنا إيميل الرئيس، وجرى هذا في 16 نيسان (ابريل) 2011، وقد “كشفنا كلمة السر وهي 1234”.
كشف الشمري أن بشار “كان يلغي أية رسالة فور قراءتها، وكنا لا نستطيع فتح الرسائل غير المقروءة حتى لا يُكشف أمرنا، ولهذا قررنا السفر إلى الخارج من أجل اختراق (السيرفر)، فغادرت إلى لبنان في 4 من مايو2011 ، ثم اخترت الإقامة في دولة لا تربطها علاقات مع سوريا كي لا تسلمنا للنظام، فوصلت إلى المكسيك في 9 مايو 2011”.

قال في حواري معه ” اخترقنا السيرفر كله في 16 و18 مايو 2011، ودخلنا إلى (إيميل) أسماء زوجة (الرئيس) وهي ” لا تمسح الرسائل، وعثرنا على كنز من المعلومات، وكنا نقرأ رسائل بشار وهو نائم بسبب فارق التوقيت بين دمشق والمكسيك”
جاء في الحوار أنه اطلع على “معلومات تدور في كواليس الاستخبارات، ومواقف دول غير معلنة، واجتماعات سرية مع شخصيات عربية ودولية، وما كتبه جواسيس النظام السوري إلى الرئيس وما نصحوه به ، وهناك رسالة من مستشارة إعلامية طلبت من الرئيس فتح مكتب لها في القصر، و رسائل عن تحويلات مالية ضخمة إلى الخارج، وخطط النظام في شأن الاعتقال واستخدام القمع”.
قال مخترق ” الايميل” أنه تعرض لمحاولة اغتيال في المكسيك بعد كشف قصة الاختراق” و” لديّ 7500 رسالة “إيميل” فيها الكثير من الأسرار والفضائح وسأوثقها للتاريخ”
الشمري قال لي إنه خريج طب في بلغاريا. و إنه أنشأ مع فريقه أول شبكة معلومات عربية على الإنترنت وتولى إدارتها.
إعادتي نشر قصة اختراق ” ايميل” بشار التي انفردت بنشرها قبل سنوات تؤشر إلى أن نضال السوريين الذين قالوا لا لنظام البطش و الطغيان قد تعددت ساحاته، وأساليبه، وبينها استخدام الانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، وكانت ثورتهم خلال فترة ” الربيع العربي” عارمة لكن ضُربت بقسوة داخليا، وحوصرت بتدخلات خارجية، لكن ما جرى اليوم هو نتاج ثورة شعب قديمة متجددة .
سقوط بشار رسالة ساخنة تحتاج إلى أن يقرأ دلالاتها القابضون على كراسي الحكم الساخنة في السودان، و مَن أشعلوا نيران الحرب الحالية، ويقمعون الشعب ويفقرونه ويُذلونه ويدمرون حياته بمختلف انواع الأسلحة، وبالكلام السخيف، والممجوج .
إرادة الشعب السوداني لن تموت ، ونضاله السلمي سينتصر مثلما أبهر العالم بثورة ديسمبر 2018 التي انتصرت في العام 2019.
الثوار السوريون ، لم يقدموا اليوم الدرس الجديد عن إرادة الشعوب الغلابة للمنطقة العربية فحسب بل للعالم، الذي فاجأته سرعة الأحداث و هروب بشار، وانهيار حسابات سياسية فاشلة لم يتعلم أصحابها من دروس التاريخ .
الحدث السوري أعاد إلى الذاكرة مشاهداتي في بلد رائع، زرته، وجلت في أرجائه قبل سنوات ، في دمشق حيث الجامع الأموي العريق، وساحة العباسيين، وروعة جبل قاسيون ليلا.
زرت حلب ، اللاذقية المدينة الساحلية على البحر الابيض الأبيض المتوسط، كسب البلدة السياحية، صلنفة المصيف الجميل ، وغيرها من مواقع التاريخ والنضار والجمال.
مبروك من الأعماق للشعب السوري ، الذي صبر، وعانى ، وانتصر انتصارا تاريخيا باهرا.
التحدي أمام المعارضة السورية التي أسقطت بشار أن تحترم حقوق السوريين كافة ، باختلاف رؤاهم، وتوجهاتهم، وتبني وتقوي أواصر الوحدة الوطنية.
التحديات أمام قوى التغيير السورية لا حصر لها، وفي صدارتها، وحدة الكلمة والصف، و ستشكل كيفية إدارة الفترة الانتقالية في ظل تحديات اقليمية كثيرة مؤشر النجاح أو الفشل في بناء سوريا الجديدة.
المواطن السوري يتطلع إلى مناخ الأمن والحرية، والعدالة، والاستقرار، والعيش الكريم.
دول الجوار السوري قلقة، وتحتاج إلى طمأنة ومد جسور التواصل ، كما أن تلك الدول تحتاج إلى تلتزم بسياسة جديدة تحترم إرادة التغيير في سوريا الجديدة.
الكرة أيضا في ملعب الدول العربية، خصوصا التي فاجأها سقوط وهروب بشار السريع ، وأيضا في مرمى حلفائه في موسكو وايران ولبنان، كي يتم احترام ودعم ارادة الشعب السوري، إذ لا خيار أمامها سوى الاقرار بحقائق الواقع الجديد اذا أرادت أن تستقر دولها و المنطقة .
الرئيس الأميركي المنتخب أمامه التحدي الأكبر..
هل يدعم دونالد ترامب قادة سوريا الجدد، كي تنجح الفترة الانتقالية، ويمنع بصرامة أي استهداف خارجي لسوريا في هذه الظروف الدقيقة التي تواجه دول المنطقة والعالم، ليساهم في استقرار دمشق، ويمنع الحروب في العالم، كما قال في تصريحاته، قبل وبعد فورزه بفترة رئاسية جديدة؟.

modalmakki@hotmail.com

 

 

آراء