سلفا كير وطبول الحرب (2 ــ 2)

 


 

الطيب مصطفى
12 October, 2010

 


قلنا بالأمس إن سلفا كير بتحذيره من اغتياله من قِبل الشمال قد صبّ الزيت على نار كانت مشتعلة أصلاً في نفوس مشحونة بالحقد الأعمى ولم تكن في حاجة إلى تحريضها ضد الشمال وأهله وما الإثنين عنا ببعيد، ونقول اليوم إن سلفا كير الذي أخرج أضغانه التي لطالما حبسها إلى أن تفجّرت خلال زيارته الأخيرة إلى أمريكا يعلم أنّ الشمال لم يعرف الاغتيال السياسي مثل الجنوب الممتلئة أضابيرُه بسجلّ حافل من التصفيات الجسدية التي طالت حتى الآباء المؤسسين للحركة الشعبية والقيادات التاريخية الجنوبية أمثال صمويل قاي توت وكاربينو كوانين وول?م نون والقاضي مارتن ماجير وغيرهم ويعلم كذلك عن اغتيال قرنق أكثر مما نعلم مما لفّه الغموض ومُنع العالِمون به من الحديث بسياط الترهيب والترغيب.
نحمد الله أن الأيام والليالي بل والساعات تكشف كل حين صحة رؤية منبر السلام العادل و(انتباهته) الظافرة أنه لا فائدة البتة من التعلُّق بخيط عنكبوت الوحدة ذلك أن حديث سلفا كير الذي سأواصله بعد قليل لا يعدو كونه تجسيداً حياً للمشكلة المزمنة التي تلخِّص تاريخ العلاقة بين الشمال والجنوب.. علاقة الكراهية والعداء المستحكِم الذي فشلت كل المحاولات لردم هُوَّته السحيقة.
وأنا أكتب هذا المقال شاهدتُ قناة الجزيرة تورد خبراً عن اعتراض وتحرُّش مجموعة من أبناء الجنوب بتظاهرة سيّرها المؤتمر الوطني في قلب الخرطوم لمقر الأمم المتحدة احتجاجاً على تحامل مجلس الأمن على السودان وشجباً للمحكمة الجنائية الدولية..
بربكم هل يجرؤ أحد بعد اليوم على الحديث عن السماح ببقاء أبناء الجنوب في الشمال حال الانفصال خلال فترة الستة أشهر الانتقالية التي تعقب الاستفتاء؟ هل يجوز استبقاء أحصنة طروادة العملاء لدولة مجاورة بيننا وبينها مرارات وحروب وثأرات ليكونوا شوكة سامة تدمي خاصرة الشمال وتكيد له وتتربص به وتدمره من الداخل.. هل يجوز ذلك ناهيك عن أن نمحنهم الجنسية المزدوجة أو نتيح لهم ما يسمى بالحريات الأربع التي هي بمثابة أسلحة الدمار والفتك الشامل التي ننصبها داخل بيوتنا لتكون قنابل موقوتة يفجِّرها الأعداء وقتما يشاءون؟ السؤال م?جه إلى د. عبد الرحمن الخضر الذي أدلى بتصريح لم أجده إلا في صحيفة (أجراس الكنائس) التي أبرزته مانشيتًا يقول: الخضر: الجنوبيون أحرار في البقاء بالخرطوم بعد الاستفتاء... وقد ورد ذلك في يوم 5/10/2010م، بالطبع لن أصدق خبراً تنفرد به صحيفة الحركة الشعبية والحزب الشيوعي التي تسعى بالليل والنهار ولا تدخر وسعاً لاستصدار قرار يتيح لباقان وعرمان تنفيذ وعيدهما بتحطيم السودان وإحالته إلى رواندا من الحرب الأهلية والموت الزؤام.. لكني لا أستبعده الآن بعد أن قرأت خبراً آخر يقول إن الخضر قد زار جوبا وأعلن عن توأمة بينها وب?ن الخرطوم وأنه أغدق عليها مشاريع بمئات الملايين في وقت تحتاج فيه ولايته إلى كثيرٍ من الخدمات وهل أدلّ على ذلك من حاجة بعض مناطق الخرطوم إلى المياه التي يشتريها الناس أحياناً بالبراميل من عربات الكارو؟!
اقرأوا بربكم هذا الهراء الذي تفوَّه به سلفا كير في أحد المراكز الثقافية بجوبا يوم الأربعاء الماضي فقد قال الرجل إن (خمس سنوات قد مضت وقد كان من المفترض أن تقوم الحكومة المركزية ببناء المدارس والمستشفيات.. إلا أن شيئاً من ذلك لم يحدث حتى الآن وبدلاً من ذلك فإنهم يهددوننا بالحرب)!!
عجيبٌ والله.. سلفا كير يطلب تنمية الجنوب من حصة الشمال رغم أنف اتفاقية نيفاشا التي منحت الجنوب 50% من البترول كان مفترضاً أن تذهب في تنمية الجنوب بدلاً من أن تذهب في تسليح الجيش الشعبي وفي جيوب قيادات الحركة الشعبية وفي بناء وشراء القصور الفارهة في أستراليا وأمريكا والدول الغربية بل والخرطوم.. عجيبٌ والله أن يطلب سلفا كير من الحكومة (الشمالية) صرف أموال الشمال في تنمية الجنوب بالرغم من حاجة ولايات الشمال إلى التنمية والخدمات التي يعاني كثيرٌ منها من انعدامها أو شحها.. وعجيبٌ أن يطلب سلفا كير من الشمال أن ي?رف على الجنوب في وقت تتنكر فيه الحركة للشمال وتكيد له وتطلب من أمريكا الاستمرار في فرض العقوبات عليه بل وفي زرع الأشواك والتآمر وقيادة المعارضة بالرغم من أنها جزء من الحكومة بل هي الشريك الأكبر في حكومة الشمال؟!
لكن ألم يصرف الشمال من ماله الشحيح على التنمية في الجنوب؟! ألم تُوقَّع عقود بمئات الملايين من الدولارات لتنمية الجنوب من حصة الشمال الذي يعاني أهله وشوارعُه ومنشآتُه ومدارسُه ومستشفياتُه؟!
الاختشوا ماتوا والله وإلا لسكت سلفا كير ولم يكِلْ الاتهامات للشمال وشعبه وحكومته.
بالله عليكم هل يحق للدكتور عبد الرحمن الخضر أن يصرف قرشاً واحداً على الجنوب ناهيك عن أن يصرح بما لا أظن أنه قد أُجيز في أيٍّ من مؤسسات الولاية بل هل يحق للحكومة الاتحادية أن تتهافت على الوحدة التي تركلها حكومة الجنوب والحركة الشعبية ورئيسها بأقدامهم أليس في ذلك إهدار لكرامة الإنسان الشمالي الذي تمثله هذه الحكومة التي تهرول وتركض في استخزاء يأباه الكريم ويتأبّى العزيز أن يمرِّغ كرامته في رمضائه؟!
ألا ينبغي أن تُلغى جميع العقود التي وُقِّعت مع شركات لإنجاز مشاريع تنموية في جنوب السودان بعد التصريحات الأخيرة التي تفوّه بها سلفا كير وحسم بها موقف الجنوب والحركة الشعبية من قضية الوحدة والانفصال؟!
سلفا كير لم يكتفِ في هجومه الكاسح على الشمال وحكومته بالتحذير من اغتياله إنما أعاد القصة القديمة ألا وهي الاتهام بأن الجنوب لا يحصل على سوى 26% من الثروة البترولية بدلاً من 50% واستخدم سلفا كير عبارة (الخداع) وهو يتهم شريكه حيث يقول إن الجنوب تتم مخادعته أو غشه في شأن حصته المستحَقّة من البترول!! تخيلوا!! يقول سلفا كير ذلك حتى بعد أن حصلوا على منصب وزير البترول!!
 

 

آراء