سيرة الفلسفة الوضعية  (3)

 


 

 


د. أبوبكر الصديق على أحمد مهدي


المرحلة الأولي - علم اللاهوت ((Theology

أنا نجمة الصباح

عندما سطع ضوئي في كبد السماء

ومن ظلام دامس لم يتمكن ضوء آخر

أن يضاهيه أو يتسلط عليه...

"في الواقع، يجب أن يكون كل شخص لاهوتياً. وفي الحقيقة، كل شخص هو لاهوتي - بشكل ما أو بآخر، وهنا تكمن المعضلة. وليس هناك حرجاً في أن تكون لاهوتياً هاوياً أو لاهوتياً محترفاً، ولكن هناك المصيبة الكبرى والمعضلة العظمى في أن تكون لاهوتياً جاهلاً أو لاهوتياً قذراً."-تشارلز رايري

"ما أعجب السير في الضباب!

الحياة وحدة..

فليس هناك انسان يعرف الآخر، كل انسان وحيد." Hermann Hesse

...انه... الضياع!


مقدمة

في هذه الحالة، يفترض العقل البشري، الذي يتابع الطبيعة الأساسية للوجود، والأسباب الأولى والنهائية (الأصل والغرض) لجميع التأثيرات -باختصار، المعرفة المطلقة- أن جميع الظواهر ستُصنع وتُخلق من خلال الفعل الفوري للكائنات الخارقة للطبيعة.

علم اللاهوت "Theo-God؛ - كلمة، تكلم، اقرأ، اكتب، فكر، ادرس". دراسة الاله أو دراسة الله، لماذا نحن كبشر نحتاج لأن ندرس الله؟ ندرس عن الاله من خلال كلمته "الكتاب المقدس أو الكتب المقدسة"، قد أظهر الاله نفسه لنا، وكشفها لنا، وعرفنا بها.

ولكن وبمجرد الخطيئة والسقوط، تنفصل البشرية كلها جمعاء عن الاله الخالق. وقد خاطبنا الله وتكلم معنا عن طريق الأنبياء ومن خلال الرسل، بالكلمات التي أراد أن يلخصها ويسلمها ويوصلها لنا لنعرفه ولنفهمه ولنؤمن به ومن ثم نعبده.

ونادى علينا ابن سيناء قائلاً:

نزل اللاهوت في ناسوتها

كنزول الشمس في أبراج يوح

قال فيها بعض من هام بها

مثل ما قال النصارى في المسيح

هي والكاس وما مازجها

كأب متحد وابن روح

تعريفات

1. أحياناً تكون الكلمة مقصورة على معناها الاشتقاقي، "خطاب يتعلق بالإله" "خطاب عن الله". لقد تم تسمية أورفيوس* وهوميروس* باللاهوتيين بين الإغريق لأن قصائدهم عالجت طبيعة الآلهة.

وقد صنف أرسطو العلوم تحت مظلات أو عناوين الفيزياء والرياضيات واللاهوت، أي أولئك الذين يتعاملون مع الطبيعة ومع العدد، وهؤلاء الذين يهتمون بالإله "الله".

فلنتوقف قليلاً لنري ونقرأ ونسمع ماذا قالت النحلة في أسطورة "أورفيوس والنِّحلة الأورفية"، في أصل العالم، وخلق الكون، وحقيقة الإنسان، لقد قالت:

في المبدأ كان الزمان، وهو المبدأ الأول.

ويروي إيديموس أن الليل هو المبدأ الأول.

ويذهب هيرونيموس وهيلانيكوس إلى أن المبدأ الأول هو الماء، تكوَّن منه التراب أو الطين، وهو الذي تجمَّد فيما بعدُ فأصبح الأرض. ومن الطين خرج الزمان.

وكان الزمان وحشاً مخيفاً في صورة ثعبان له رؤوس ثلاثة:

رأس ثور، ورأس أسد، ووجه إله بينهما.

وكان يُسمَّى أيضاً هرقل.

ونشأت مع الزمان الضرورة Ardastcia، وهي قانون القضاء والقدر الذي يُسيطر على الكون بأسره ويضم أطرافه.

ثم أنجب الزمان: الأثير (الهواء)، والعماء Chaos، والظلام Erebus، أو كما تُحدِّثنا الأسطورة: الأثير، ثم خليج هائل من الماء، يُحيط بهما الظلام.

ثم يُشكِّل الزمان بيضةً في الأثير، وتتفتح البيضة فيخرج منها فانس أو النور Phanês.

وفي رواية أُخرى أن البيضة انفلقت نصفَين فصار أحدهما السماء، والآخر الأرض.

وفي رواية ثالثة أن القشرة ذهبت فأصبحت قبة السماء، واتحد الأثير مكان الغرقى. أمَّا المُحُّ الذي يُمثِّل الخصب فهو السحاب. وهكذا!

2. ويُنظر إلى علم اللاهوت باستمرار، وبصورة دائمة، على أنه علم ما وراء الطبيعة. ومع ذلك، ما هو الخارق للطبيعة؟ وتعتمد الإجابة عن هذا السؤال، على المعنى المرتبط بمصطلح الطبيعة.

فإذا كانت الطبيعة تعني الكون الخارجي، وهذا الكون محكوم بقوانين ثابتة، فإن أرواح البشر، والكائنات الروحية الأخرى، لا يتم تضمينها أو احتواؤها تحت مظلة أو عنوان هذا المصطلح.

وفي مثل هذا الاستخدام لمصطلح الطبيعة ومفهومها، يتوافق ما هو خارق للطبيعة مع الروحانيات واللاهوت، ومثال لذلك علم الخوارق. وإذا نجح هذا الرأي، فسيصبح علم النفس أحد فروع علم اللاهوت، وعلى اللاهوتي، على هذا النحو، وفي هذا المسار، تدريس وتعليم الفلسفة الفكرية.

3. ومصطلح الطبيعة، مع ذلك، يستخدم بانتظام، وبمعنى أوسع، لاحتواء وتضمين الإنسان. وهذا يعني أن لدينا عالم طبيعي وروحي أيضاً. وعلاوة على ذلك، فإن الطبيعة الخارقة تحوِّل الطبيعة بهذا المعنى بحيث يصبح ما هو خارق للطبيعة جوهرياً أيضاً هو قوة بشرية خارقة أو خارق بشرياً.

ومع ذلك، فهو ليس ملائكياً في الأصل ولا في الأساس. ومرة أخرى، قد تعني الطبيعة كل شيء خارج عن الاله.

إذاً، ما هو فوق الطبيعي، حتماً هو لاهوتي أو ديني، والاله هو القضية الشرعية الوحيدة في علم اللاهوت، أو في العلم الديني. ومع عدم وجود طعم أو مذاق للكلمة، فإن علم اللاهوت هو علم ما وراء الطبيعة.

يقول هوكر2 (Hooker2)، "اللاهوت هو علم الأشياء المقدسة." وإذا كان يقصد بالأشياء المقدسة، أو "أشياء الاله"، الأشياء التي تهم الاله، فإن اللاهوت يقتصر على "الحديث عن الاله، عن الله". وإذا قال العناصر التي يعرضها الله ويطرحها، بناءً على تشبيه عبارة "أشياء الروح".

4. التعريف الواسع لعلم اللاهوت، ولا سيما في وقت النهار، هو أنه علم الدين. ومصطلح الدين، مع ذلك، غير واضح، وغير مفهوم بصوره شاملة. وأصله مشكوك فيه.

ويُنظر إلى "الدين"، على أنه حفظ ومراعاة الورع، لا سيما ما يشير إلى عبادة الله وخدمة الله. فالأديان والمتدينين مخلصين وأصحاب ضمير. وكلمة "ديني"، بمعناها الجيد الخير، مشابهة لمصطلحنا الديني بمعناه الشرير، فهذا وهذا يعنيان الأساطير وأيضاً يعنيان الخرافات.

أما فيما يتعلق باللاهوت الطبيعي، فهناك وجهتا نظر متعمقات. الأولي هي أن أعمال الطبيعة لا تقدم أو تطرح إعلاناً صادقاً عن كيان الله وكماله؛ والأخرى، أن هذا الكشف واضح جداً، وشفاف جداً، وشامل تماماً، بحيث يستبعد جوهر أي وحي خارق للطبيعة.

اذن، "علم اللاهوت هو" علم الأشياء الإلهية". وهي تنبثق من كلمتين يونانيتين: "Theos" والتي تعني "الاله" و "logia" والتي تعني "الخطاب أو الكلام".

ومسار المعرفة، في الأزمنة المعاصرة، هو الذي ينوع السعي العلماني للمعرفة من المحدودية بسبب نقطة البداية: تبدأ جميع التحقيقات أو الدراسات الزمنية بالعقل وبالخبرة، بينما يبدأ اللاهوت بالإيمان.

من وجهة النظر الأكاديمية والمهنية، اللاهوت هو النظام الذي يسعى إليه شخص مهتم بالانضمام إلى الخدمة المسيحية أو غير المسيحية، دعونا نقول عنها الخدمة الدينية، بدوام كامل، بعد أن استشعر دعوة الله.

... وعوض الكريم موسى، لا يمل من ترديد انشودته عن الله في نشوة وفي خشوع...

... الله هنا..... الله الآن

.. يوم الدينونة.. فينا آن

وأتى يسعى.. وهو المسعي

وله رجعى... كل الأكوان

وهو المولى... وهو الأولي

كان الأعلى.. والأعلى كان

كنز اللاهوت.. إرث الناسوت

وله الرهبوت... وهو السبحان

هذا الخفاق... مثوى الإطلاق

سر الآفاق.... أنس الإنسان


معنى علم اللاهوت

بالنسبة لنا، حضور الله ووجوده هو القبول العالي والرفيع لعلم اللاهوت. فلا طعم ولا مذاق للحديث عن الاله، وعن معرفة الاله، إلا أنه قد يبدو أنه حاضر وأنه موجود بشدة. ويعتبر قبول اللاهوت المسيحي من النوع الخاص الاستثنائي.

والافتراض ليس فقط أن هناك شيئاً ما، أو فكرة ما أو نموذجاً ما، أو قوة أو اتجاهاً محدداً، من المحتمل أن ينفذ اسم الاله. وبالأحرى، هو كائن فردي قائم بذاته، وواعي بذاته، وهو مصدر كل الأشياء، ويتجاوز الخليقة بأكملها، ولكنه في نفس الوقت متأصل في كل جزء منها.

ويمكن إجراء التساؤل حول ما إذا كان هذا افتراضاً منطقياً، وقد يكون لهذا السؤال إجابة في المقابل. ومع ذلك، فإن الافتراض لا يعني أبداً أن وجود الاله هو إنجاز لإثبات منطقي، لا يترك وراءه مجالاً أو حيزاً للشك.

ومع ذلك، فهذا لا يعني أبداً أنه بينما يمكن الوصول إلى حقيقة وجود الاله أو وجود الله عن طريق الإيمان، فإن هذا الإيمان يعتمد على معلومات موثوقة. بينما يعتبر اللاهوت المصلح وجود الاله افتراضاً عقلانياً بالكامل، فإنه لا يدعي القدرة على إثبات ذلك من خلال الجدل المنطقي.

يتحدث الدكتور كويبر (Dr. Kuyper) على النحو التالي عن محاولة القيام بذلك: "محاولات إثبات حضور ووجود الاله، إما أن تكون غير مثمرة أو غير فعالة. ومن غير المجدي أن يعتقد الباحث أن الاله هو جائزة لمن يسعون وراءه"...

و... أنا الذي من بدء الخليقة

.. الي اليوم.. أسحب ورائي

جميع جثث الماضي وكل الدماء

.. واضطهادات الزمن والتاريخ

آلاف جروح أحدثتها السيوف والرماح

تلك التي غرسوها في فؤادي...

... وللسيرة سلسلة متتابعة من الحلقات...

* أورفيوس باليونانية: (Ὀρφεύς)‏ وهو كاتب وموسيقي أسطوري إغريقي ونبي في الديانة اليونانية القديمة وفي الميثولوجيا الإغريقية.

* غذت ملاحم هوميروس وغيرها من القصص الميثولوجية الأخرى الأدب في مراحل اليونان القديمة والكلاسيكية والهلنستية.


bakoor501@yahoo.com

 

آراء