سيناريو افتراضي للمواجهة بين الاسلاميين والحكومة الانتقالية
تزايد ايقاع تدهور الاوضاع الاقتصادية في السودان علي مدار الثانية واجواء ملبدة بالغيوم والتربص والمؤامرات.
الاغلبية الصامتة في الشارع السوداني كانت متفهمة للمهمة الصعبة التي تواجه السلطة الانتقالية في اعادة ترتيب الاوضاع علي الاصعدة الاقتصادية والامنية وعبرت مرات كثيرة وحتي هذه اللحظة عن رفضها المطلق لاي خيارات تفتح الباب امام الاسلاميين للعودة الي الحياة السياسية من اي مدخل والاقصاء الذي يتحدث عنه الاسلاميين كان مصدرة في الاصل الشارع السوداني قبل الدوائر الرسمية في الدولة اذا جاز التعبير.
هناك انتقادات للحكومة الانتقالية بعدم الواقعية في التعامل مع الكثير من القضايا والملفات والاتهام بالتقصير في التعامل مع قضية العدالة الانتقالية ومحاكمات قيادات النظام السابق والاتهامات المتعلقة بتدبير انقلاب الحركة الاسلامية في الثلاثين من يونيو العمل الذي يرقي الي مستوي شن الحرب علي الدولة وليس مجرد انقلاب تقليدي مثل الانقلابات العسكرية المعروفة.
انشغلت الحكومة الانتقالية بمفاوضات شاقة وشائكة حول قضايا السلام مع الحركات المسلحة وكيانات اخري استهلكت الكثير من الوقت والجهد علي حساب الاولويات العاجلة المتعلقة بتوفير الخدمات الاساسية والحيوية التي تتوقف عليها حياة الملايين من الناس.
بدت الحكومة السودانية مشغولة بتلبية مطالب خارجية اكثر من تقديرها للاولويات المفترضة علي صعيد السياسة الداخلية وحاولت اختصار الطريق لكسب رضا الولايات المتحدة الامريكية باي ثمن وباي طريقة من اجل رفع العقوبات واسم السودان من القائمة الامريكية للدول الداعمة للارهاب.
للذين يتحدثون عن احتمالات الانقلاب العسكري نقول الاسلاميين لن بفكروا في المغامرة بالتورط في انقلاب عسكري تقليدي باعتبارذلك امر مستحيل من الممكن ان يفتح عليهم ابواب الجحيم نسبة لحجم الرفض الواضح للاسلاميين في الشارع السوداني وقد يتجهوا الي التفكير في وسيلة اخري والعمل علي تازيم الاوضاع باستغلال الضائقة الاقتصادية ودعم مخطط دقيق لاسقاط الحكم القائم من علي البعد دون التورط في عمل مباشر ضده يستنزف ماتبقي لهم من جهد يحتاجونه في معركة البقاء التي يخوضونها ثم الاستثمار في الاوضاع من اجل التحكم في البدائل ما استطاعوا الي ذلك سبيلا في حال سقوط الحكم القائم وحدوث نوع من الفراغ السياسي في البلاد.
الكيان الوحيد المتبقي علي حالة للاسلاميين والذي لايزال يعمل بفاعلية يتمثل في شبكات ومحطات المراقبة الاليكترونية الداخلية والخارجية والتي من الممكن ان تستخدم ضد الاخرين بطرق مختلفة في العمليات التخريبية والحرب النفسية واختراق مؤسسات وقيادات السلطة الانتقالية وحتي الموظفين والاداريين بطريقة تسهل لهم مهمتهم بايقاع اكبر قدر من الخسائر الامنية والاقتصادية داخل الحكومة الانتقالية.
ولكن تبقي هناك حقيقة لايجب اغفالها عند الحديث عن احتمالات الموقف السياسي في السودان وهي ان اليوم ليس مثل الامس فقد انهارت عمليا بسقوط المخلوع عمر البشير امبراطورية الحركة الاسلامية العملاقة الممثلة في مؤسساتها الامنية والعسكرية والاقتصادية الجبارة التي عملت علي تاسيسها بمنتهي السرية منذ منتصف العام 1977 ومرحلة ماكانت تعرف بالمصالحة الوطنية بين نميري والاسلاميين وحزب الامة وبعض رموز القوي التقليدية من الشخصيات المستقلة.
لقد استخدم الاسلاميين المؤسسات المشار اليها في الافلات بمهارة من مشانق النميري قبل ايام قليلة من سقوط نظامه الي جانب الاختراق المبكر لانتفاضة ابريل 1985 وحركة الشارع السوداني واجواء التململ في القيادة العامة للقوات المسلحة والتحكم العقلي والنفسي في المشير سوار الدهب وقيادة الجيش وتخويفها من الاخرين وتوجيهها الوجهة التي يريدون. وقد نجحوا ايضا في اثارة الشكوك بين العسكريين وابعاد من يريدون من مسرح الاحداث قبل اذاعة بيان سوار الذهب وماتلاه من احدث واعاد الاسلاميين نفس السيناريو مع الحكومة الحزبية المنتخبة والقوي السياسية المكونة لها حتي لحظة تنفيذ الانقلاب الدرامي الذي هدم كل مؤسسات الدولة السودانية العسكرية والمدنية والانفراد بادارتها علي مدي ثلاثين عام عندما كان الترابي يدلي باعترافات حية لقناة الجزيرة ويفاخر بنجاح الاسلاميين في شل شبكة الاتصالات التابعة للقوات المسلحة السودانية قبل تنفيذ الانقلاب بساعات وعن نجاح عناصرهم المدنية في السيطرة علي المرافق الاستراتيجية في العاصمة السودانية بعد ان ارتدوا الازياء الرسمية للجيش السوداني التي وزعت عليهم باشراف الامن الخاص للجبهة الاسلامية .
من الصعب جدا التكهن بكيفية وضع حد لحالة التصدع الاقتصادي ومعاناة الاغلبية السودانية او بالكيفية التي ستنتهي اليها الامور.
لقد انشغلت السلطة الانتقالية ولم تقوم بمحاكمة قيادات النظام البائد علي اي مستوي في قضية الانقلاب والفساد ونهب ثروات البلاد ومواردها القومية وجرائم و انتهاكات حقوق الانسان المريعة التي ارتكبوها وحتي قضية جرائم الحرب والابادة في دارفور فقد ابدت الحكومة الانتقالية الرغبة في التنحي عنها واحالتها الي محكمة لاهاي وهي قضية لاتنفصل عن بقية القضايا والاتهامات الاخري المتعلقة بالانقلاب والنتائج المترتبة عليه واهمال حقيقة هامة وهي ان الشرارة الاولي في حرب دارفور تعود جذورها الي صراع الاسلاميين علي السلطة ولا احد في هذا العالم يمكنة التوصل للحقائق المتعلقة بجرائم دارفور وجذورها الحقيقية غير العدالة السودانية .
من المبكر جدا الحديث عن التاثير المحتمل لتكليف الجنرال حميدتي الاشراف علي اللجنة الاقتصادية في هذا المنعطف الخطير ودورة في التقليل من المخاطر التي من الممكن ان تترتب علي اي عملية انهيار عشوائي و غير محسوب للاوضاع في السودان.