سُحُبٌ مستعجلة! سَرْد

 


 

 

يقلّب صفحات المواقع الإلكترونية الإخبارية كالباحث عن إبرة لامعة في صحراء بيوضة. إبرة سقطت عن يد أمّه التي كانت تُخيطُ السَحَاب المُستعجِل في سماء شمال البلد. يقلّب الصفحات مستخدما فأرة يمتد سِلكُها من جسد الكمبيوتر المُنهَك. الكمبيوتر أغبر اللون و صفحات الإنترنت ملونة تتقافز علي جنباتها صورُ الإعلانات و فيديوهاتها. يقلّب الصفحات و لا يجد سطرا واحدا يجيب سؤاله الناشب في رأسه كسِنّةِ رمح من رماح شعب الإيغوروت الفلبيني. سِنّة رمح مشرشر بزوائد حادّة تجعل خروجه أكثر فتكاً من إنغراسه. السؤال الناشب هو متي ستقف الحرْب؟ يستدعي هذا السؤال شقيقه من سيوقف الحرْب؟ الذي يرافقه السؤال المتمرد كيف ستوقف الحرْب؟
إنتهر نفسه زاجراً "فلنعد إلي موضوع أمّي التي تُخِيط السَحَاب المستعجل في سماء شمال الوطن". جالت بخاطره فكرة حول شعب الإيغوروت أو الشعب الكورديليراني بالفلبين، الشعب الذي إمتنع عن مخالطة الغُزاة و رفض إستلاف مفردات من لغتهم و لم يعتنق مُعتقَداً من دينهم الذي جاء به إلهٌ لقيط. مكث شعب الإيغوروت في عزلته بأراضيه الشحيحة المغطاة بالعشب و أشجار الصنوبر العنيدة. هنا إنتهر نفسه قائلا " فلنعد إلي موضع أمّي التي تُخيط السَحاَب المستعجل في سماء شمال البلد". تَذكّر أنها قالت له " تعلمّت الطيران و مهارة تخييط السَحَاب من أمّي " . قال لنفسه " كانت تقصد جِدَتي الغاضبة تلك، التي لم تكن تحب الكلام و الضحك، كانت تبتسم بإختصار حتي لا يسرق الجيران المتطفلون أفكارها و أحلامها. في أيام جِدَتي خاف السياسيون من حربٍ واحدة حدثت في جنوب البلاد، خافوا لأنها هددّت إستقلالهم بالحكم عن المُحتل. المُحتل الذي هاموا بحبه و تمَثّلوا خطاه إلي أن أصبح الواحد منهم بلاك إنقلشمان. كان السياسيون في ذلك الوقت يحبون المُحتلين و طريقة حكمهم للعالم و لأنفسهم. أما من أطلقوا رصاصة الإحتجاج فكانوا صورة المرآة للمحتل و أخذوا عنه دينه و أسمائهم حتي. أحفاد من أطلقوا رصاصة الإحتجاج الأولي لم يجدوا مرايا ليعرفوا صورهم، المرايا لا تمشي للبلاد التي ليس للفرد إسم أو هيئة خارج إسم أو هيئة القبيلة، المرايا للوجه المفرد لكن صورتها لمجموعة وجوه أفراد القبيلة مشوشة"
إستدرك غاضباً و أنتهر نفسه بحزم و قال" ما هذه الأفكار التافهة؟ الناس سواسية كأسنان المِشْط المنشغل بتخرين بيض القمْل في الفرجات بين قواعد أسنانه. أنا أعرف أن المحتلين سرقوا حضارتهم من أهلي العرب الذين (عمّروا الأرض حيثما قطنوا )."
خرجت الأسئلة كالنِصال عن شاشة الكمبيوتر هاربةً من مقالات الكُتّاب و أخبار الصحفيين التي تشبه كلام الماشطات و الحلّاقين فهم لا يتكلمون لوجهك بل إلي الجزء الخلفي من رأسك الممسوك بأيديهم. خرجت كالنِصَال و رؤوس السِهام منغرسةً في وجهه و مؤلمة و بلا إجابات. لذلك قرّر الرجوع لموضوع أمّه التي تٌخِيط السَحَاب المستعجل في سماء شمال البلد و يبحث معها عن الإبْرة التي ضاعت في رمال صحراء بيوضة.

طه جعفر الخليفة
كندا – اونتاريو
22 مارس 2025م

taha.e.taha@gmail.com

 

آراء