سُقوط الحركات المسلحة.. (1-2)
اسماعيل عبدالله
25 June, 2024
25 June, 2024
عندما هجمت حركة تحرير السودان (تحرير دارفور) على مدينة الفاشر، الحركة التي كانت موحّدة تحت قيادة الأستاذ عبد الواحد محمد نور، بعد شهور من إعلانها عن تمردها على حكومة الخرطوم، خرج منظروها ومفكروها بطرحهم السياسي المطالب بتحرير دارفور – السودان من سطوة الدولة القديمة، وبانتهاج رؤية السودان الجديد كعتبة أولى لانطلاق فكر (الثورة) الجديدة، فاكتسبت الحركة بعد ذلك تعاطفاً من بعض أبناء دارفور، بينما انزوى البعض الآخر، وتحفظ على المظهر الاثني والتكوين القبلي لهيكلها الإداري، وانخرط كثير من الناطقين اعلامياً باسمها في تبريرات واهية، ذهبت مذهب أن الثورة حينما تندلع لا تشاور أحداً، وأن من لم يلتحق بركب (الثورة) ليس من حقه أن ينتقد الخلل البنيوي والهيكلي للأجسام المعبّرة عنها، لقد صدق حدس المعترضين على قيام أي عمل مسلح أياً كان نوعه، يهدف للحصول على مطالب مجتمع الإقليم المهمش، باعتبار أن التركيبة السكانية أساسها قبلي هش، يمكن أن يستغل هشاشته النظام المركزي الحاكم، ليفجّر صراعاً عرقياً لا يبقي ولا يذر، وسرعان ما فاجأ قادة الحركة المسلحة العالم بانفجار عظيم، شق الحركة الواحدة لحركتين، قاد احداهما المحامي عبد الواحد محمد احمد النور، الذي ينظر إليه بعض المهتمين بالشأن السوداني كمؤسس للعمل المسلح بدارفور بعد الألفية الثالثة، أما الحركة الأخرى المتهمة بالقيام بالدور الأكبر في شق الصف، قادها الأمين العام وقتها مني أركو مناوي، الذي كان يفاخر أبناء قبيلته بأنهم الأكثر عدداً كجنود مقاتلين على أرض الميدان، ما دفعهم لأن يقودوا مشروع الاقصاء الذي شطر الحركة لنصفين، ومنذ انطلاقة ذلك التسونامي الذي عصف بوحدة الحراك الهادف إلى دحر الظالمين من رموز الدولة المركزية، توالت الانقسامات على أساس القبيلة، فتم استنساخ أكثر من ثمانين حركة حملت ذات الاسم، وعلى النسق الانشقاقي لحركة تحرير السودان سارت رصيفتها حركة العدل والمساواة، التي كان يقودها الراحل خليل إبراهيم المحسوب على نفس قبيلة المنشق مني أركو مناوي، وجاءت التبريرات من المنشقين من القبائل الأخرى على نفس طريقة القادة الذين انشقوا عن حركة تحرير السودان، بأن سطوة القبيلة دفعتهم للخروج من القبضة الحديدية لآل بيت رئيس الحركة.
هنالك بعد ثالث للصراع الدموي الدائر في دارفور ألا وهو المكون الاجتماعي الرعوي، الذي وجد نفسه بين مطرقة المليشيات العشائرية المسلحة غير المنضبطة، وسندان جهاز مخابرات حكومي مركزي خبيث يمارس هوايته التقليدية بوضع السم في الدسم، بضرب إسفين بين المجتمعات السودانية حفاظاً على استمرارية السلطة الإخوانية النخبوية المركزية، التي لا تدوم إلّا بدوام إشعال الحروب في الأطراف البعيدة، فاضطرت المجتمعات الرعوية لحمل البندقية المدعومة حكومياً دفاعاً عن ثرواتها وأعراضها، وجاءت فكرة حمل السلاح بعدما ارتكبت الحركات المسلحة المدّعية استرداد حقوق الإنسان السوداني المهمش، فظائع وجرائم حرب في وادي النخيل بنهب آلاف الرؤوس من الأبل، المملوكة لمجتمعات رعوية صميمة من سكان الإقليم، كما أنها خرجت عن الالتزام المكتوب بنظامها الأساسي ودستورها الزاعم تأمين الناس، بأن روّعت المدنيين الآمنين بمدينة برام الحديبة أم الديار بجنوب دارفور، وقتلت بدم بارد رجالات الإدارة الأهلية هناك، والذين كان على رأسهم الرجل الثاني، هذا فضلاً عن سرقة البنوك والقتل على أساس الهوية القبلية، وذات المجازر المروّعة قد ارتكبتها الحركات المسلحة المدّعية استرداد حقوق المهمشين، بكل من نتّيقة وشعيرية وغرابش ومهاجرية شرقي عاصمة جنوب دارفور، فبعد العام الأول لاقتحام حركة تحرير السودان لمطار الفاشر وقيادة الجيش، وأسرها لضابط عظيم بالجيش السوداني يحمل رتبة اللواء، تحوّلت الحركات المسلحة لمليشيات قبلية معصوبة العينين، لا ترى غير البطش والتنكيل طريقاً لما اطلقت عليه مشروع المطالب المستحقة، وقد ثبت ذلك جليّا في اتفاقية أبوجا بين حركة تحرير السودان – الجناح الذي يقوده مني أركو مناوي، وحكومة الاخوان المسلمين – حزب المؤتمر الوطني الحاكم، ودخل بموجبها أركو القصر مساعداً كبيراً للدكتاتور المطلوب للعدالة الدولية، بجريرة إبادة عين المجتمعات التي ينتمي إليها أركو مناوي.
بعد اتفاق ابوجا أصاب الاحباط بعض مكونات المجتمع الدارفوري، ذلك أن ابنائهم الذين وثقوا في طرحهم المطلبي تركوهم ثم تركوا (القضية)، وانضووا تحت لواء الحكومة المركزية التي ما زالت تقصف قراهم ببراميل البارود الحارق، ولو كانت هنالك شخصية عامة فضحت المقاصد غير الثورية، التي حمل من أجلها بعض الأغرار السلاح في دارفور، لكانت شخصية مني مناوي، فهو بمثابة طائر الشؤم الذي حط على ظهر حصان الحراك المسلح الذي دشنه رفاقه، ثم ما لبث أن عمل على عكس ما تحدث عنه الرفاق، فهو أول (قائد) حركة مسلحة يضع يده في يد قاتل أهله – الرئيس المخلوع – الملاحق جنائياً لارتكابه جرائم الإبادة الجماعية في دارفور، ويلي مناوي في الترتيب رئيس حركة العدل والمساوة جبريل إبراهيم، الشقيق الأكبر للرئيس المؤسس للحركة، الذي ضرب بعرض الحائط الأجندة المعلنة وأهداف الحركة المزعومة، والذي هو الآخر قد ارتمى في أحضان فلول النظام البائد بعد ثورة ديسمبر المجيدة، التي كان يتهكم في مشعلي جذوتها حينما وصفهم بالشباب الصغار، الذين يبحثون عن الترفيه ومشاهدة مباريات كرة القدم بميدان الاعتصام، بربك هل هنالك لعنة اصابت أهل دارفور خاصة وأهل السودان عامة، مثل لعنة الحركات المسلحة المرتدية للباس الثورة، لقد ضربت هذه المليشيات أسوأ الأمثلة في العمالة والارتزاق والمتاجرة بأرواح الشباب وتشغيلهم كمرتزقة، أما بعد الحرب التي شنتها كتائب النظام البائد من وراء حجاب الجيش السوداني على قوات الدعم السريع، أعلن الرجلان الخروج عن حيادهما ووقفا مع المعتدين، ودفعا بجنودهما في أتون حرب لا يمثلان فيها سوى أنهما مجرّد وكيلين لا أصيلين، سعيا لإعادة الجماعات المتطرفة للحكم، تلك الجماعات التي قاتلاها قتال العدو للعدو.
اسماعيل عبد الله
ismeel1@hotmail.com
هنالك بعد ثالث للصراع الدموي الدائر في دارفور ألا وهو المكون الاجتماعي الرعوي، الذي وجد نفسه بين مطرقة المليشيات العشائرية المسلحة غير المنضبطة، وسندان جهاز مخابرات حكومي مركزي خبيث يمارس هوايته التقليدية بوضع السم في الدسم، بضرب إسفين بين المجتمعات السودانية حفاظاً على استمرارية السلطة الإخوانية النخبوية المركزية، التي لا تدوم إلّا بدوام إشعال الحروب في الأطراف البعيدة، فاضطرت المجتمعات الرعوية لحمل البندقية المدعومة حكومياً دفاعاً عن ثرواتها وأعراضها، وجاءت فكرة حمل السلاح بعدما ارتكبت الحركات المسلحة المدّعية استرداد حقوق الإنسان السوداني المهمش، فظائع وجرائم حرب في وادي النخيل بنهب آلاف الرؤوس من الأبل، المملوكة لمجتمعات رعوية صميمة من سكان الإقليم، كما أنها خرجت عن الالتزام المكتوب بنظامها الأساسي ودستورها الزاعم تأمين الناس، بأن روّعت المدنيين الآمنين بمدينة برام الحديبة أم الديار بجنوب دارفور، وقتلت بدم بارد رجالات الإدارة الأهلية هناك، والذين كان على رأسهم الرجل الثاني، هذا فضلاً عن سرقة البنوك والقتل على أساس الهوية القبلية، وذات المجازر المروّعة قد ارتكبتها الحركات المسلحة المدّعية استرداد حقوق المهمشين، بكل من نتّيقة وشعيرية وغرابش ومهاجرية شرقي عاصمة جنوب دارفور، فبعد العام الأول لاقتحام حركة تحرير السودان لمطار الفاشر وقيادة الجيش، وأسرها لضابط عظيم بالجيش السوداني يحمل رتبة اللواء، تحوّلت الحركات المسلحة لمليشيات قبلية معصوبة العينين، لا ترى غير البطش والتنكيل طريقاً لما اطلقت عليه مشروع المطالب المستحقة، وقد ثبت ذلك جليّا في اتفاقية أبوجا بين حركة تحرير السودان – الجناح الذي يقوده مني أركو مناوي، وحكومة الاخوان المسلمين – حزب المؤتمر الوطني الحاكم، ودخل بموجبها أركو القصر مساعداً كبيراً للدكتاتور المطلوب للعدالة الدولية، بجريرة إبادة عين المجتمعات التي ينتمي إليها أركو مناوي.
بعد اتفاق ابوجا أصاب الاحباط بعض مكونات المجتمع الدارفوري، ذلك أن ابنائهم الذين وثقوا في طرحهم المطلبي تركوهم ثم تركوا (القضية)، وانضووا تحت لواء الحكومة المركزية التي ما زالت تقصف قراهم ببراميل البارود الحارق، ولو كانت هنالك شخصية عامة فضحت المقاصد غير الثورية، التي حمل من أجلها بعض الأغرار السلاح في دارفور، لكانت شخصية مني مناوي، فهو بمثابة طائر الشؤم الذي حط على ظهر حصان الحراك المسلح الذي دشنه رفاقه، ثم ما لبث أن عمل على عكس ما تحدث عنه الرفاق، فهو أول (قائد) حركة مسلحة يضع يده في يد قاتل أهله – الرئيس المخلوع – الملاحق جنائياً لارتكابه جرائم الإبادة الجماعية في دارفور، ويلي مناوي في الترتيب رئيس حركة العدل والمساوة جبريل إبراهيم، الشقيق الأكبر للرئيس المؤسس للحركة، الذي ضرب بعرض الحائط الأجندة المعلنة وأهداف الحركة المزعومة، والذي هو الآخر قد ارتمى في أحضان فلول النظام البائد بعد ثورة ديسمبر المجيدة، التي كان يتهكم في مشعلي جذوتها حينما وصفهم بالشباب الصغار، الذين يبحثون عن الترفيه ومشاهدة مباريات كرة القدم بميدان الاعتصام، بربك هل هنالك لعنة اصابت أهل دارفور خاصة وأهل السودان عامة، مثل لعنة الحركات المسلحة المرتدية للباس الثورة، لقد ضربت هذه المليشيات أسوأ الأمثلة في العمالة والارتزاق والمتاجرة بأرواح الشباب وتشغيلهم كمرتزقة، أما بعد الحرب التي شنتها كتائب النظام البائد من وراء حجاب الجيش السوداني على قوات الدعم السريع، أعلن الرجلان الخروج عن حيادهما ووقفا مع المعتدين، ودفعا بجنودهما في أتون حرب لا يمثلان فيها سوى أنهما مجرّد وكيلين لا أصيلين، سعيا لإعادة الجماعات المتطرفة للحكم، تلك الجماعات التي قاتلاها قتال العدو للعدو.
اسماعيل عبد الله
ismeel1@hotmail.com