شركات الجيش ما لها وما عليها
صحيفة التيار 28 أغسطس 2020
يستغرب المرء ألا يزال هناك من العسكريين من لا يزالون يريدون مواصلة الإمساك بمقاليد السلطة، والانفراد بها، رغم التجربة الفاشلة للرئيس المخلوع ورهطه على مدى ثلاثين عاما. والأغرب أن بعضًا من هؤلاء كانوا ضمن الحاشية العسكرية للرئيس المخلوع. يعرف هؤلاء أن حكم المخلوع ورهطه هو ما قاد إلى عزلة البلاد الدولية وإلى وضعها ضمن قائمة الدول الراعية للإرهاب وعطل تدفق الاستثمارات إليها. كما أدى إلى حرمانها من التكنولوجيا ومن القروض والمعونات الدولية التي تتلقاها الاقتصادات المتعثرة. كما أوقف، في جملة الحال، عجلة البلاد الاقتصادية، حتى أصبح مظهرها العام بائسًا، كئيبًا، لا يعكس سوى الفقر المدقع وقلة الحيلة. لقد استهزأ الرئيس المخلوع ورهطه بالشعب، وقالوا إنهم لن يسلموا الحكم إلا لعيسى. كما حاولوا الالتفاف على إجراءات الخنق التي مارسها، بالتوجه إلى دول شرق آسيا وبخلق قنوات أخرى ملتوية تخفي أنشطتهم عن أعين المجتمع الدولي. غير أن ذلك لم ينجح وأتت حالة الخنق الدولية أكلها، وقد ساعد في ذلك، الفساد العام الذي سيطر. ثار عليهم الشعب، وخرَّ بنيانهم وهم قيام ينظرون غير مصدقين. فهل يريد جنرالات الجيش أن يعيدوا علينا هذه التجربة الفاشلة بكل تفاصيلها، مرةً ثانية؟
المرحلة الراهنة مرحلة مرتبكة، وما كان من الممكن أن تكون بخلاف ذلك. بل، من كان يتوقع أن تكون بخلاف ذلك، شخصٌ حالم. القوى السياسية الممسكة بمقاليد الأمور الآن، كانت غائبة عن العمل التشريعي والتنفيذي لثلاثين عاما. يضاف إلى ذلك أنها أتت إلى السلطة وهي تئن من ثقل رزايا التمركز حول الذات الحزبية والأيديولوجية واختطاف مفهوم الشرعية الثورية. فهم الآن يمارسون تمكينا عكسيًا، أشبه بتمكين الإنقاذ. كل الفرق أن التمكين الحالي تقاسمته جهات حزبية عدة، وليس جهة واحدة، كما في عهد الإنقاذ. لكن، فإن المحصلة النهائية واحدة، وهي إقصاء الكفاءات واحتكار سلطة القرار.
هذا الوضع وضع مأزوم ولا يملك أن يخرج من أزمته هذه إلا قليلا. لذلك، تقتضي الحكمة ألا نسهم في تعقيده أكثر بالشد الحاد والتشاكس ونهج المعادلات الصفرية التي تنتهي بسحق الخصم وتذريته في الهواء. المطلوب في هذا الوضع المأزوم أن نترك الفترة الانتقالية تكمل شوطها على علاتها. وأن ننتظر صندوق الاقتراع ليكون الأداة الحاسمة في قطع الألسن فيما يتعلق بالأوزان الانتخابية. مع أن نسعى بأسرع ما يكون في تكوين المجلس التشريعي بصورة متوازنة وفي إنشاء المفوضيات، وعلى رأسها مفوضية الدستور ومفوضية الانتخابات. وعلى القوات المسلحة وقوات الدعم السريع أن تشرف على ضمان أن يصل هذا المسار إلى غايته، وألا تستخدم قوتها الاقتصادية التي اكتسبتها في فترة حكم الرئيس البشير في زيادة تأزيم هذا الوضع لخدمة أجندتها.
هناك لغطٌ كثير حول شركات الجيش. وهو لغط فيه الكثير من الخلط بين الحق والباطل. لا ضير أبدًا أن تكون للجيش صناعات عسكرية، بل، ينبغي أن تكون له صناعات عسكرية. أما أن تشتغل القوات النظامية من جيش ودعم وسريع وأمن وشرطة في الاتجار بالموارد، وأن تكون حصائل اتجارها مخفية عن جهاز الدولة، بما في ذلك المراجع العام، فهذا وضع مرفوض. بل، لا يوجد شبيه له في العالم، إلا في دول استبدادية قليلة، يديرها حكام لصوص يستديمون الاستبداد العسكري عن طريق مساومة الشعب عبر خنقه في معاشه وتهديد أمنه.
elnourh@gmail.com