شركة (كيم إيل سونج) وأولاده المحدودة!
4 January, 2010
الفاضل حسن عوض الله
سطر جديد
ما أبغض الشمولية حينما تستحيل إلى ديكتاتورية متوارثة يورثها الجد لإبنه والذي ينقلها بدوره للحفيد، كأنما الحكم أصبح ملكاً عضوداً لا تستحقه سوى هذه السلالة (النيلة)! هذا الأمر قد يبدو مألوفاً في الأنظمة الملكية التي تلاشى معظمها ولم يبق منها سوى ملكيات دستورية تملك ولا تحكم كما يحدث في بريطانيا وأسبانيا وبلجيكا وغيرها، ولكن أن يتوارث الحكم في دولة شيوعية مثل كوريا الشمالية فهذا هو العجب العجاب!
كيم إيل سونج مؤسس الدولة الشيوعية في كوريا الشمالية ورئيسها وسكرتير حزبها الشيوعي الأوحد (والزعيم المحبوب لدى عشرين مليون كوري) وهذا لقبه الرسمي، حكم تلك البلاد بقبضة من حديد مصادراً أبسط حقوق التعبير لدى المواطن وقد حكى لي ديبلوماسي عمل في كوريا الشمالية قصة تدلل على طغيان الشمولية في تلك البلاد وإهدارها للمال العام في أتفه الأمور. تقول القصة أن الصحف الرسمية الكورية الشمالية (وبالطبع كلها صحف رسمية) ظلت طوال هذا العهد وإلى يومنا هذا تضع يومياً وعلى صفحتها الأولى صورة كبيرة للزعيم الكوري، وهناك منشور رسمي يحظر على المواطنين رمي هذه الصحف (بسبب صورة الرئيس) في صناديق القمامة أو حتى تقطيعها أو حرقها كما تمنع المصانع من إعادة تدويرها في العمليات الصناعية. كانت النتيجة أن تراكمت في بيوت الناس وفي دواوين الحكومة ملايين الأطنان من تلك الصحف وبات الأمر مشكلة تؤرق بال الحكومة الكورية. أخيراً إهتدى العقل الشمولي القاصر للحكومة إلى الحل وذلك بإنشاء شركة يعمل فيها مئات الآلاف من المواطنين ومهمة هذه الشركة هي جمع هذه الأطنان الهائلة من الصحف في مستودعات ضخمة تم بناءها، وكلما إمتلأت هذه المستودعات راحوا يبنون أخرى جديدة!
جاء كيم إيل سونج (الجد) إلى الحكم في منتصف القرن الماضي عقب تحرير البلاد من الإستعمار الياباني وعقب الحرب الكورية وظل (الذي لولاه ما وُلد وطن وما عاش شعب) وهذا أيضاً من ألقابه، ظل في الحكم لما يقارب النصف قرن ليخلفه في رئاسة الدولة إبنه كيم جونق إيل والذي أُطلق عليه بدوره لقب (شمس القرن الحادي والعشرين) وهو يستعد بدوره لنقل السلطة إلى إبنه الصغير كيم جونق أون (26 سنة).
ولكي تحمي هذه السلالة النبيلة ملكها وعروشها (الشيوعية) المتوارثة راحت تستنزف موارد البلاد في بناء ترسانة عسكرية أوصلتها إلى صناعة القنابل الذرية، بينما الشعب الكوري الشمالي يكاد يتضور جوعاً. إن هؤلاء الملوك والأباطرة الشيوعيين ينظرون إلى هذه الترسانة النووية كبوليصة تأمين تضمن لهم عدم تدخل الدول الكبرى لتقويض حكمهم كما حدث في العراق وأفغانستان، أما في داخل الوطن فالجيش وقوى الأمن كفيلة بإخراس أصوات الشعب.
ما أبغض الشمولية ... وما أقبح الدكتاتورية يسارية كانت أم يمينية!