شفاه ظامئة وقماشات مبللة!
6 September, 2009
سطر جديد
fadil awadala [fadilview@yahoo.com]
الشفاه التي نقصدها هي شفاه أولئك الأطفال والصبية من الجنسين الذين إتفق الوجدان الشعبي على تسميتهم بـ(الشماشة)، وهم في الحقيقة إفراز طبيعي لمناخات الحروب والنزوح والهجرة وتفكك الروابط الأسرية. شفاه ظامئة للدفء الأسري لا تعرف الإبتسام أو الفرح، أما القماشات المبللة فهي تلك الخرق التي لا تفارق أفواههم بعد أن تبلل بالبنزين أو المواد اللاصقة مثل (السليسيون) و(صباع أمير) و(الكولا) و(النوكرين) التي تستعمل في صناعة الأحذية، يستحلبون منها إنتشاءً مدمراً نتيجته الحتمية خلل في أوعية الدماغ أو الرئتين أو الكبد أو الكليتين أو العينين أو الأعصاب والنخاع العصبي مما يقصر من أعمارهم الغضة.
إذا أردت أن تصل إلى مستعمراتهم فقط أنظر حولك في الأسواق وفي المجاري وفي الأزقة المهجورة التي تفضي إلى الأسواق وحول دور السينما الشعبية. مستعمراتهم هذه تحكمها شريعة الغاب حيث يفترس الكبار الصغار، وتزداد جرعة العدوانية بينهم وفقاً لجرعة المخدر المتاح في القماشات المبللة. هذه القماشات هي كل ذادهم في درء الخوف والجوع والقهر الذي يمارس عليهم من داخل مستعمراتهم ومن المجتمع على حدٍ سواء.
هذا النوع من الإدمان الرخيص والمهلك في نفس الوقت هو كل ما تطاله جيوبهم الخاوية وأياديهم العارية من تسول ومن سرقات صغيرة متقشفة، كثيراً ما تكون خاسرة ولا يحصدون منها سوى الضرب المبرح، يشارك فيه كل عابر سبيل كأنما خطايا البشر كلها معلقة في رقاب هؤلاء الصغار. إدمان القماشات المبللة هذه ظاهرة تسود معظم دول العالم الثالث، ففي مصر أنماط غريبة من هذا الإدمان يمارسه الأطفال المشردون، حيث يدمنون المبيد الحشري (البيرسول) ويفرغونه في أنوفهم، بينما البعض الآخر يدمن شواء النمل! نعم (شواء النمل) ولا تستغربوا، حيث يقوم الصبية بجمع عدد كبير من النمل الفارسي كبير الحجم ويحبسون مجموعة منه داخل علب كبيرة الحجم مع خشب وردي مشرب بالماء مما يعطي فرصة لتوالد النمل بكثرة، ثم يعمدون بعد ذلك إلى حرق هذا النمل وشم الدخان المنبعث منه حيث له نفس التأثير المخدر للبنزين لوجود مواد طيارة من الهيدروكربونات في جسم هذا النوع من الحشرات!
لا أجد أدنى ذرة من التفاؤل في نفسي بأن تمد الدولة يدها لإنتشال هؤلاء الأطفال من هذا الواقع المزري، ولا أعتقد أن منظمات المجتمع المدني قادرة على إحتواء هذا الوضع المأساوي. الحل الوحيد هو إيقاف الحروب والتردي الاقتصادي الذي يفرز النزوح والهجرة والتفكك الأسري ويفرز معها هذه الشفاه الصغيرة الظامئة وقماشاتها المبللة.