صحيفة الجارديان: ثوار السودان يُقتلون وجورج كلوني ومنظمات حقوق الانسان تسجل غيابا تاما
رئيس التحرير: طارق الجزولي
21 January, 2019
21 January, 2019
في عام 2017، وقعت شركة قانونية أمريكية عقدًا مع الحكومة السودانية، للمساعدة في رفع العقوبات الاقتصادية التي كانت تخنق البلاد منذ عام 1997. وفي غضون أسابيع، قام كل من جورج كلوني وجون برندرغاست، ونشطاء مخضرمون من أجل حقوق الإنسان في السودان، بكتابة رسالة في مجلة "تايم"، معترضين على هذا.
سألوا في الخطاب، هل شركة المحاماة، التي استأجرها السودان، والمملوءة بأعضاء مجلس الشيوخ السابقين وأعضاء الكونغرس، لا يعرفون أن نظام الرئيس عمر البشير قد ارتكب فظائع جماعية؟ مسؤول عن مقتل مئات الآلاف من المدنيين في دارفور؟ اضطهد المسيحيين؟
خلصت رسالة جورج كلوني الى مجلة "تايم" التي تدين أعضاء مجلس الشيوخ وأعضاء الكونغرس في خدمة نظام البشير الوحشي الخسيس، الى القول بأبسط المصطلحات: "ربما
من المحتمل أنهم لا يعرفون".
تم رفع العقوبات، لكنها لم تحدث فرقًا كبيرًا. لقد نسي العالم السودان، ولم يعد جورج كلوني وصحبه متسرعين في تذكيره. ربما لأن السودان ليس ذا أهمية. لذا اسمحوا لي أن أذكركم. خلال الأسابيع الأربعة الماضية، بدأت في السودان انتفاضة من شعب عانى من ديكتاتورية وحشية لمدة 30 سنة، ومن آثار تجاهل آلة حقوق الإنسان العالمية التي عزلتهم عن العالم عشرين عاما.
في أواخر ديسمبر، بدأت احتجاجات السودان ضد ارتفاع التضخم. احتجاجات صغيرة ولكنها غاضبة، ثم انتشرت. ومع ازدياد الزخم، ازدادت استجابة الحكومة بشكل أكبر. تحول ترهيب المحتجين إلى السجن والضرب، وتحول الغاز المسيل للدموع إلى الرصاص الحي. وفي الأسبوع الماضي، أدى إطلاق النار على طبيب شاب يساعد المتظاهرين المصابين إلى جذب حشد من الناس خارج المستشفى الذي توفي فيه. تضخم الحشد مع الغضب والحداد حتى الساعات الأولى من الصباح. في جنازته في اليوم التالي، وبدلاً من الخوف، كان هناك المزيد من التصميم، حيث تحولت صيحات البكاء إلى احتجاج آخر.
كل يوم يجلب قصصا جديدة عن إراقة الدماء والخسارة، وأشرطة الفيديو لأمهات ثكلى متوشحين بالحزن والدموع، وهن يرين يتم جثث أبنائهن تعود أشلاءً الى البيوت. ورُغم ذلك تخرج الجموع كل يوم لتواجه عاصفة الرصاص والغاز المسيل للدموع.
لم يعد الحديث الآن عن التضخم. فعلى مدى السنوات الثلاثين الماضية، تفاقم الفساد، التفرقة العرقية، الإفقار لصالح قلة قليلة من المقربين من النظام، الاضطهاد الديني والموت. الكثير من الموت. في الحروب، في جنوب وشرق وغرب البلاد، في "بيوت الأشباح" الحكومية الخاصة وخلايا التعذيب، وفي أجنحة المستشفيات، حيث مات الأطفال بسبب الحاجة إلى علبة الأكسجين. لقد فاض الغضب المتصاعد على ضفتيه، ولم يعد هناك أي مخرج أو متنفس إلا في الشوارع، مما أدى إلى إغراق الحكومة وقواتها الأمنية، وتهديد بقائها بشدة لأول مرة.
ومع ذلك، فإن مجتمع حقوق الإنسان السوداني الذي كان فاعلا في اصدار قرار محكمة جنائية دولية، ومذكرة توقيف بحق البشير بتهمة ارتكاب جرائم حرب، نفس منظمات حقوق الانسان التي ظلت تضغط حتى اللحظات الأخيرة ضد رفع العقوبات عن السودان، لا تبدو الآن أنها مهتمة أو معنية بهذه التطورات.
هذه انتفاضة تضع حكومة البشير لأول مرة على حافة الانهيار، وللعجب فإن منظمات حقوق الانسان، أولئك الذين يفترض أنهم قاتلوا من أجل هذا الهدف لسنوات، يسجلون غيابا تاما.
على مدى العقدين الماضيين، نمت وازدهرت صناعة حقوق الإنسان بالكامل حول السودان وحكومته المتقلبة. كان السودان يمثل آخر صيحة في عالم خروقات حقوق الانسان، نُسجت الروايات حول وحشية الحكومة وجرائمها، ونشأت بنية تحتية خاصة، مدعومة بالتمويل والمناصرة والحملات الإعلامية الضخمة. كان يجب إنقاذ الجنوب المسيحي من الشمال المسلم المتوحش، وجماعات اللوبي المسيحية والمشاهير أشعلت ولادة جنوب السودان.
كذلك في دارفور، كانت القبائل الإفريقية ضحية النظام العربي المتعصّب. وحدث ذلك في أجزاء أخرى من البلاد أيضًا، مثل جبال النوبة وكردفان. عزز ارتباط الحكومة مع أسامة بن لادن في التسعينيات الحملة التي أكسبت السودان شارة الدولة الراعية للإرهاب. حُشِدَتْ الحكومات الغربية، وتم فرض عقوبات اقتصادية على البلاد، حنى تحقق فصل جنوب السودان.
عندها انتهت المهمة وتحركت قافلة حقوق الإنسان تاركة القطر، مزهوة بانتصارها الأخلاقي الذي تسبب في طرد الحكومة السودانية من المجتمع العالمي المهذب. لم ينتبه أحد أن تلك العقوبات لم ولا تفعل شيئاً سوى تمكين البشير وخنق الشعب ببطء.
والآن، عندما ينتفض شعب السودان أخيراً ليدفع حياته من أجل إزالة حكومة فشلت العديد من الحملات الغربية في القضاء عليها، يبدو أن السوق الأخلاقية الغربية مغلقة. لا توجد قصة، كما ترون، لا توجد زاوية عرقية، ولا زاوية دينية، ولا ازدواجية يمكن لأحد المدافعين أن ينسج بينها وأن يُسَوِّقها ويبيعها. انها مجرد انتفاضة قديمة الطراز في بلد صحراوي مترب، ليس فيها أرباح للوسيط.
قد يبدو هذا أمرا سخيفا وغير هام. لكن ضع في اعتبارك هذه الحقيقة البسيطة.
في عام 2008، تجمعت بشكل رسمي مركبة النجوم والسياسيين المشاهير المعنية بشؤون السودان. ضمت الكوكبة شخصيات سياسية رفيعة المستوى اجتذبت في عام 2006 السناتور باراك أوباما ونانسي بيلوسي. جنبا إلى جنب مع منظمات أخرى كونها جورج كلوني وزملاؤه الممثلون (مات دامون ودون تشيدل وبراد بيت). الآن آخر تحديث في موقع جورج كلوني على شبكة الإنترنت بتاريخ 4 ديسمبر 2018، يحتوي كتاب جديد عن الكونغو.
لا ذكر هناك لانتفاضة السودان، لا ذكر لموت عشرات المحتجين على أيدي هذا النظام الوحشي الخسيس. لماذا الصمت المريب؟ ربما لأنهم، مثل أعضاء الكونغرس من قبل، لا يعرفون.
https://www.theguardian.com/commentisfree/2019/jan/21
/where-george-clooney-co-sudan-needs-them