صدق المحتوي في اختبارات التحصيل وأثره على التعليم والتعلم
د. أحمد جمعة صديق
11 July, 2024
11 July, 2024
د. أحمد جمعة صديق
جامعة الزعيم الأزهري
* مقدمة
هذا المقال يرتبط بسابقه الذي تحدثنا فيه عن أنواع الإختبارات وأشرنا فيه بالتفصيل الى إختبارات التحصيلAchievemnt Tests وهي الإختبارات المدرسية أو الجامعية التي تجري لقياس تحصيل الطلاب لوحدة دراسية ،أو مقرر دراسي، أو موضوع، أو منهج في نهاية الفترة الدراسية. وفي هذا المقال نريد أن نوضح أهمية صدق المحتوى في الإختبارات المدرسية على عمليتي التدريس والتعلم. وصدق المحتوى هو أحد صفات إختبار التحصيل الجيد وسنتعرض لذلك بشيء من التفصيل في صلب الموضوع.
الاختبارات ركن أساسي في تقييم التعليم، فهي تصمم لتقييم مدى فهم الطلاب ومعرفتهم ومهاراتهم في مواضيع أو مجالات محددة. ويلعب مفهوم صدق المحتوي Content Validity دوراً حاسماً في ضمان أن هذه الاختبارات تقيس بدقة ما هو مطلوب. يحاول هذا المقال التعريف بأهمية صدق المحتوي وتأثيره العميق على عمليات التعليم والتعلم، مع ايراد الأمثلة والتحليلات في الممارسات التعليمية من تدريس وتعلم.
• صدق المحتوي
يشير صدق المحتوي إلى مدى قدرة الاختبار على التغطية الكافية للمجال المعرفي الذي يراد قياسه بواسطة الأداة التقييمية، مثل اداة الاختبار. ببساطة،صدق المحتوى يضمن أن الأسئلة أو المهام المدرجة في الاختبار تمثل بصورة جيدة المواد التي يفترض أن الطلاب قد تعلموها من المقرر أو الوحدة الدراسية او المنهج مباشرة. فعلى سبيل المثال، في اختبار الأحياء، يتطلب صدق المحتوي أن تشمل الأسئلة تغطية واسعة وعميقة للمقرر الدراسي في علم الأحياء الذي درس خلال الفترة الدراسية المعينة وعدم الاستعانة باي مواد أو دروس اضافية خارجية من كتب أو مذكرات أخرى غير المنهج الرسمي المجاز من قبل الجهات التربوية المختصة.
• ضمان التوافق مع الأهداف التعليمية
أحد الفوائد الرئيسية للحفاظ على صدق المحتوي أنه يعزز التوافق مع الأهداف التعليمية إذ تحدد الأهداف التعليمية ما يُتوقع من الطلاب معرفته، فهمه، أو استطاعهم القيام به بنهاية الدورة أو الوحدة الدراسية. فعندما يكون الاختبار متوافقاً مع هذه الأهداف، يكون الطلاب أكثر احتمالاً أن يركزوا جهودهم التعليمية على المواد ذات الصلة. ويساهم هذا التوافق في ارشاد المعلمين في تنظيم دروسهم بصورة فعالة، موقنين أن وقت التدريس كله سيتم ايقافه على تغطية المواد التي سيتم الاختبار فيها بدقة.
• مثال: منهج الرياضيات
يتطلب صدق المحتوي في دورة الرياضيات، أن يتضمن الاختبار أسئلة تغطي موضوعات متنوعة تم دراستها خلال الفصل الدراسي. على سبيل المثال، إذا كان المنهج يشدد على المعادلات الجبرية، والبراهين الهندسية، والتحليل الإحصائي، فيجب أن يتضمن الاختبار أسئلة تقيم مهارات الطلاب في كل من هذه المجالات. هذا التوافق لا يضمن العدالة فحسب، بل يعزز أيضاً أهمية اتقان المفاهيم الرياضية المتنوعة كأهداف استراتيجية للخطة الخاصة بالرياضيات والخطة العامة للدولة في غرس مفاهيم رياضية بقدر معين، وفي وقت معين، لتعين الطالب المعين، على القدرة على انجاز مهام معينة، في وقت معين، وبصورة معينة.
• تعزيز الممارسات التعليمية
يمكن أن تعزز الاختبارات ذات الصدق في المحتوى الممارسات التعليمية من خلال توفير توجيهات واضحة بشأن ما يجب على المعلمين منحه الأولوية في تدريسهم. يمكن للمعلمين استخدام خطة الاختبار، التي تحدد مناطق المحتوى والأوزان النسبية لكل موضوع، لتنظيم خطط دروسهم واستراتيجياتهم التعليمية بصورة فعالة. هذا النهج الوقائي يساعد المعلمين على تجنب التركيز المفرط على التفاصيل التافهة أو عدم التمثيل الكافي للمفاهيم الحيوية، مما يحسن تجربة التعلم لدى الطلاب.
• مثال: تعليم اللغة الإنجليزية
يضمن صدق المحتوي في تعليم اللغة، أن يتم تقييم الطلاب في قدراتهم على الفهم والتحليل والتواصل بفعالية من خلال اللغة المكتوبة والمنطوقة. فعلى سبيل المثال، يجب أن يتضمن اختبار اللغة الإنجليزية الذي يتوافق مع مبادئ صدق المحتوي مقاطع نصية تتطلب من الطلاب أن يظهروا فهمهم للأدوات الأدبية وقواعد النحو وتقنيات الكتابة الفعالة. هذا التقييم الشامل يشجع المعلمين على تغطية هذه الجوانب بصورة كاملة في دروسهم، مما يعزز فهماً أعمق للغة بين الطلاب. ويمكن أن يعزز ادراج الاختبارات الشفهية للغة من الاهتمام بتدريس مهارات الكلام من المعلمين وتطوير مهارات الاستماع والمخاطبة لدى الطلاب. فلو أدرك الطلاب ان اختبار اللغة الانجليزية الشفهي سيكون جزءاً من اختبار الشهادة السودانية مثلاً فسيكون ذلك حافز للمعلمين والطلاب في الاهتمام بهذه المهارات مما سيكسبهم القدرة على استعمال اللغة في التخاطب بصورة عامة. إن التدني الملحوظ الذي نراه في اداء السودانيين في التحدث باللغة الانجليزية هو نتيجة لعدم التزام منهج اللغة الانجليزية في تدريس مهارات الكلام والاستماع والمخاطبة كجزء أساسي في المقرر كما ان عدم تضمين هذه المهارات في الاختبار النهائي هو محفز سلبي للاهتمام بهذه المهارات من المعلمين والطلاب على السواء.
• تعزيز الانخراط والدافع لدى الطلاب
يمكن أن يعزز صدق المحتوى في الاختبارات انخراط الطلاب ودفعهم من خلال توفير خريطة واضحة لما يحتاج الطلاب إلى تعلمه وكيف سيتم تقييم معرفتهم. فعندما يشعر الطلاب بعدالة ونزاهة الاختبارات وتوافقها مع جهودهم التعليمية، فإنهم سيكونون أكثر حماساً للانخراط بنشاط في دراسة المادة والاستعداد للاختبار. هذا الانخراط مهم لتعزيز التعلم العميق والاحتفاظ بالمعرفة، حيث سيعمل الطلاب على اتقان المحتوى بدلاً من مجرد حفظ الحقائق للامتحان.
• مثال: التعلم في العلوم
يمكن أن يدعم صدق المحتوى المجال العلمي في حث الطلاب في استكشاف المفاهيم العلمية من خلال التجريب والتحليل. يجب أن يقيم الاختبار الذي يتوافق مع مبادئ صدق المحتوي قدرة الطلاب على تطبيق المبادئ العلمية وتحليل البيانات واستخلاص الاستنتاجات استناداً إلى الأدلة والبراهين. يشجع هذا النهج المعلمين على تصميم دروس تؤكد على مهارات التفكير النقدي وحل المشكلات، مما يعد الطلاب لتطبيقات عالمية حقيقية للمعرفة العلمية.
• تعزيز العدالة والمساواة
الحفاظ على صدق المحتوي ضروري لتعزيز العدالة والمساواة في الاختبارات. فعندما تعكس الاختبارات بدقة المخرجات التعليمية المتوقعة، فإن جميع الطلاب سيحظون بفرصة متساوية لإظهار معرفتهم ومهاراتهم. هذه النزاهة مهمة بصورة خاصة في الصفوف المتنوعة حيث يأتي الطلاب من خلفيات وتجارب تعليمية وبيئات ثقافية واجتماعية واقتصادية متنوعة، لكن من خلال ضمان أن طرق التقييم سليمة ومتوافقة مع الأهداف التعليمية،يمكن للمعلمين تقليل التحيزات والاختلافات في ممارسات الاختبار، مما يعزز في نهاية المطاف بيئة تعلم أكثر شمولية واكثر عدالة ونزاهة في توزيع الفرص.
• مثال: الثقافة في تعليم التاريخ
يمتد صدق المحتوي في تعليم مادة التاريخ، إلى ضمان أن الاختبار يعكس منظورات وروايات تاريخية متنوعة. فعلى سبيل المثال، يجب أن يشمل اختبار التاريخ على الحرب العالمية الثانية مجموعة من الأحداث والشخصيات والنتائج من منظورات عالمية مختلفة، بدلاً من التركيز فقط على سرد واحد سائد. هذا النهج لا يثري فقط فهم الطلاب للتاريخ، بل يعزز الوعي الثقافي والتعاطف عبر الاعتراف بتعقيد الأحداث التاريخية وتأثيراتها على مجتمعات متنوعة كثيرة.
• التحسين المستمر
أخيراً، تدعم الاختبارات ذات المحتوى الصادق القرارات المستندة إلى البيانات في الممارسات التعليمية المستمرة. فمن خلال تحليل نتائج الاختبارات والملاحظات، يمكن للمعلمين تحديد المجالات التي قد يواجه فيها الطلاب صعوبة أو يتفوقون فيها، مما يؤدي إلى تدخل في تغيير استراتيجيات التدريس. يمكن لهذا النهج المبني على البيانات أن يمكن المعلمين من تكييف طرق التدريس، ومراجعة محتويات المنهج، وتقديم الدعم الإضافي حيثما دعت الحاجة، مما يعزز بصورة عامة النتائج التعليمية.
• مثال: اتخاذ القرارات بناءً على البيانات في تعليم العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM)
تسهل الاختبارات التي يتوافر فيها صدق المحتوى التعليم في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM)- في عمليات اتخاذ القرارات استناداً إلى توافر البيانات حيث تمكن المعلمين من استخدام نتائج الاختبار لتحديد اتجاهات أداء الطلاب عبر مختلف التخصصات في STEM، مثل الفيزياء والكيمياء وعلوم الحاسوب. وبناءاً على هذا التحليل، يمكن للمعلمين التعاون لتطوير استراتيجيات لتحسين تحقيق الطلاب، مثل دمج التجارب العملية، وتعزيز بيئات التعلم التعاوني، أو توفير جلسات دراسية شخصية.
• الكتاب المدرسي واختبارات التحصيل
وجود المادة على دفتي الكتاب المدرسي وتركيز الاختبار على محتوى الكتاب المدرسي سيجعل من هذه الوسيلة التعليمية وثيقة يهتم بها الطالب ويتعامل معها بحب لأن محتوى هذه الوثيقة هو ما سيؤهله للتقدم والتطور.
ونحن نلاحظ أهمال الطلاب للكتاب المدرسي بل واهانته أحياناً لان الاختبار يأتي من خارج المنهج وبالتالي فإن اهمال الكتاب المدرسي يعني صرف المليارات من الجنيهات وضياع الالاف من الساعات في التأليف من أصحاب التخصصات الرفيعة من الإخصائيين التربويين وعلماء المناهج فيما لا جدوى منه اذ سيذهب الكتاب للقمامة في نهاية الأمر، والشيء الطبيعي أن يكون الكتاب المدرسي والجامعي هو النواة الطبيعية لتكوين مكتبتك المتخصصة أو العامة مستقبلاً.
ونختم هذا الحديث بالقول أن مفهوم صدق المحتوي يلعب دوراً حاسماً في تشكيل تجارب التدريس والتعلم عبر مختلف التخصصات التعليمية. فالاختبارات تقيس بدقة المخرجات التعليمية المستهدفة على ضوء المنهج، كما تعزز التوافق مع الممارسات التعليمية، وتعزز انخراط الطلاب ودفعهم للامام، وتعزز العدالة والمساواة، وتدعم التحسين المستمر في النتائج التعليمية. كما يساعد صدق المحتوى المعلمين على تنقيح ممارسات الاختبار على أساس مبادئ صدق المحتوي، ليمكنهم من اعداد الطلاب بصورة فعالة لمواجهة تحديات مجتمع عالمي ديناميكي ومتصل.
لقد تعرضنا في هذا المقال الى التعريف بتأثير صدق المحتوي في اختبارات التحصيل من جوانب متعددة، مستعرضين أهميتها من خلال أمثلة في مجالات تعليمية مختلفة. وكل مثال أوردناه كان يسلط الضوء على كيفية أن الاحتفاظ بصدق المحتوي في الاختبار لا يؤمن فقط ممارسات تقييم عادلة فحسب، بل يثري أيضاً تجارب التدريس من جانب المعلمين وتجارب التعلم من جانب الدارسين من خلال التركيز على الأهداف التعليمية ذات الصلة المباشرة بالمنهج، أو المقرر، أو الوحدة الدراسية، أو الموضوع المحدد، وعدم الخروج من هذا الاطار لاي سبب من الاسباب وبذلك نحقق الاهداف الخاصة بالمنج والأهداف القومية للتعليم.
aahmedgumaa@yahoo.com
جامعة الزعيم الأزهري
* مقدمة
هذا المقال يرتبط بسابقه الذي تحدثنا فيه عن أنواع الإختبارات وأشرنا فيه بالتفصيل الى إختبارات التحصيلAchievemnt Tests وهي الإختبارات المدرسية أو الجامعية التي تجري لقياس تحصيل الطلاب لوحدة دراسية ،أو مقرر دراسي، أو موضوع، أو منهج في نهاية الفترة الدراسية. وفي هذا المقال نريد أن نوضح أهمية صدق المحتوى في الإختبارات المدرسية على عمليتي التدريس والتعلم. وصدق المحتوى هو أحد صفات إختبار التحصيل الجيد وسنتعرض لذلك بشيء من التفصيل في صلب الموضوع.
الاختبارات ركن أساسي في تقييم التعليم، فهي تصمم لتقييم مدى فهم الطلاب ومعرفتهم ومهاراتهم في مواضيع أو مجالات محددة. ويلعب مفهوم صدق المحتوي Content Validity دوراً حاسماً في ضمان أن هذه الاختبارات تقيس بدقة ما هو مطلوب. يحاول هذا المقال التعريف بأهمية صدق المحتوي وتأثيره العميق على عمليات التعليم والتعلم، مع ايراد الأمثلة والتحليلات في الممارسات التعليمية من تدريس وتعلم.
• صدق المحتوي
يشير صدق المحتوي إلى مدى قدرة الاختبار على التغطية الكافية للمجال المعرفي الذي يراد قياسه بواسطة الأداة التقييمية، مثل اداة الاختبار. ببساطة،صدق المحتوى يضمن أن الأسئلة أو المهام المدرجة في الاختبار تمثل بصورة جيدة المواد التي يفترض أن الطلاب قد تعلموها من المقرر أو الوحدة الدراسية او المنهج مباشرة. فعلى سبيل المثال، في اختبار الأحياء، يتطلب صدق المحتوي أن تشمل الأسئلة تغطية واسعة وعميقة للمقرر الدراسي في علم الأحياء الذي درس خلال الفترة الدراسية المعينة وعدم الاستعانة باي مواد أو دروس اضافية خارجية من كتب أو مذكرات أخرى غير المنهج الرسمي المجاز من قبل الجهات التربوية المختصة.
• ضمان التوافق مع الأهداف التعليمية
أحد الفوائد الرئيسية للحفاظ على صدق المحتوي أنه يعزز التوافق مع الأهداف التعليمية إذ تحدد الأهداف التعليمية ما يُتوقع من الطلاب معرفته، فهمه، أو استطاعهم القيام به بنهاية الدورة أو الوحدة الدراسية. فعندما يكون الاختبار متوافقاً مع هذه الأهداف، يكون الطلاب أكثر احتمالاً أن يركزوا جهودهم التعليمية على المواد ذات الصلة. ويساهم هذا التوافق في ارشاد المعلمين في تنظيم دروسهم بصورة فعالة، موقنين أن وقت التدريس كله سيتم ايقافه على تغطية المواد التي سيتم الاختبار فيها بدقة.
• مثال: منهج الرياضيات
يتطلب صدق المحتوي في دورة الرياضيات، أن يتضمن الاختبار أسئلة تغطي موضوعات متنوعة تم دراستها خلال الفصل الدراسي. على سبيل المثال، إذا كان المنهج يشدد على المعادلات الجبرية، والبراهين الهندسية، والتحليل الإحصائي، فيجب أن يتضمن الاختبار أسئلة تقيم مهارات الطلاب في كل من هذه المجالات. هذا التوافق لا يضمن العدالة فحسب، بل يعزز أيضاً أهمية اتقان المفاهيم الرياضية المتنوعة كأهداف استراتيجية للخطة الخاصة بالرياضيات والخطة العامة للدولة في غرس مفاهيم رياضية بقدر معين، وفي وقت معين، لتعين الطالب المعين، على القدرة على انجاز مهام معينة، في وقت معين، وبصورة معينة.
• تعزيز الممارسات التعليمية
يمكن أن تعزز الاختبارات ذات الصدق في المحتوى الممارسات التعليمية من خلال توفير توجيهات واضحة بشأن ما يجب على المعلمين منحه الأولوية في تدريسهم. يمكن للمعلمين استخدام خطة الاختبار، التي تحدد مناطق المحتوى والأوزان النسبية لكل موضوع، لتنظيم خطط دروسهم واستراتيجياتهم التعليمية بصورة فعالة. هذا النهج الوقائي يساعد المعلمين على تجنب التركيز المفرط على التفاصيل التافهة أو عدم التمثيل الكافي للمفاهيم الحيوية، مما يحسن تجربة التعلم لدى الطلاب.
• مثال: تعليم اللغة الإنجليزية
يضمن صدق المحتوي في تعليم اللغة، أن يتم تقييم الطلاب في قدراتهم على الفهم والتحليل والتواصل بفعالية من خلال اللغة المكتوبة والمنطوقة. فعلى سبيل المثال، يجب أن يتضمن اختبار اللغة الإنجليزية الذي يتوافق مع مبادئ صدق المحتوي مقاطع نصية تتطلب من الطلاب أن يظهروا فهمهم للأدوات الأدبية وقواعد النحو وتقنيات الكتابة الفعالة. هذا التقييم الشامل يشجع المعلمين على تغطية هذه الجوانب بصورة كاملة في دروسهم، مما يعزز فهماً أعمق للغة بين الطلاب. ويمكن أن يعزز ادراج الاختبارات الشفهية للغة من الاهتمام بتدريس مهارات الكلام من المعلمين وتطوير مهارات الاستماع والمخاطبة لدى الطلاب. فلو أدرك الطلاب ان اختبار اللغة الانجليزية الشفهي سيكون جزءاً من اختبار الشهادة السودانية مثلاً فسيكون ذلك حافز للمعلمين والطلاب في الاهتمام بهذه المهارات مما سيكسبهم القدرة على استعمال اللغة في التخاطب بصورة عامة. إن التدني الملحوظ الذي نراه في اداء السودانيين في التحدث باللغة الانجليزية هو نتيجة لعدم التزام منهج اللغة الانجليزية في تدريس مهارات الكلام والاستماع والمخاطبة كجزء أساسي في المقرر كما ان عدم تضمين هذه المهارات في الاختبار النهائي هو محفز سلبي للاهتمام بهذه المهارات من المعلمين والطلاب على السواء.
• تعزيز الانخراط والدافع لدى الطلاب
يمكن أن يعزز صدق المحتوى في الاختبارات انخراط الطلاب ودفعهم من خلال توفير خريطة واضحة لما يحتاج الطلاب إلى تعلمه وكيف سيتم تقييم معرفتهم. فعندما يشعر الطلاب بعدالة ونزاهة الاختبارات وتوافقها مع جهودهم التعليمية، فإنهم سيكونون أكثر حماساً للانخراط بنشاط في دراسة المادة والاستعداد للاختبار. هذا الانخراط مهم لتعزيز التعلم العميق والاحتفاظ بالمعرفة، حيث سيعمل الطلاب على اتقان المحتوى بدلاً من مجرد حفظ الحقائق للامتحان.
• مثال: التعلم في العلوم
يمكن أن يدعم صدق المحتوى المجال العلمي في حث الطلاب في استكشاف المفاهيم العلمية من خلال التجريب والتحليل. يجب أن يقيم الاختبار الذي يتوافق مع مبادئ صدق المحتوي قدرة الطلاب على تطبيق المبادئ العلمية وتحليل البيانات واستخلاص الاستنتاجات استناداً إلى الأدلة والبراهين. يشجع هذا النهج المعلمين على تصميم دروس تؤكد على مهارات التفكير النقدي وحل المشكلات، مما يعد الطلاب لتطبيقات عالمية حقيقية للمعرفة العلمية.
• تعزيز العدالة والمساواة
الحفاظ على صدق المحتوي ضروري لتعزيز العدالة والمساواة في الاختبارات. فعندما تعكس الاختبارات بدقة المخرجات التعليمية المتوقعة، فإن جميع الطلاب سيحظون بفرصة متساوية لإظهار معرفتهم ومهاراتهم. هذه النزاهة مهمة بصورة خاصة في الصفوف المتنوعة حيث يأتي الطلاب من خلفيات وتجارب تعليمية وبيئات ثقافية واجتماعية واقتصادية متنوعة، لكن من خلال ضمان أن طرق التقييم سليمة ومتوافقة مع الأهداف التعليمية،يمكن للمعلمين تقليل التحيزات والاختلافات في ممارسات الاختبار، مما يعزز في نهاية المطاف بيئة تعلم أكثر شمولية واكثر عدالة ونزاهة في توزيع الفرص.
• مثال: الثقافة في تعليم التاريخ
يمتد صدق المحتوي في تعليم مادة التاريخ، إلى ضمان أن الاختبار يعكس منظورات وروايات تاريخية متنوعة. فعلى سبيل المثال، يجب أن يشمل اختبار التاريخ على الحرب العالمية الثانية مجموعة من الأحداث والشخصيات والنتائج من منظورات عالمية مختلفة، بدلاً من التركيز فقط على سرد واحد سائد. هذا النهج لا يثري فقط فهم الطلاب للتاريخ، بل يعزز الوعي الثقافي والتعاطف عبر الاعتراف بتعقيد الأحداث التاريخية وتأثيراتها على مجتمعات متنوعة كثيرة.
• التحسين المستمر
أخيراً، تدعم الاختبارات ذات المحتوى الصادق القرارات المستندة إلى البيانات في الممارسات التعليمية المستمرة. فمن خلال تحليل نتائج الاختبارات والملاحظات، يمكن للمعلمين تحديد المجالات التي قد يواجه فيها الطلاب صعوبة أو يتفوقون فيها، مما يؤدي إلى تدخل في تغيير استراتيجيات التدريس. يمكن لهذا النهج المبني على البيانات أن يمكن المعلمين من تكييف طرق التدريس، ومراجعة محتويات المنهج، وتقديم الدعم الإضافي حيثما دعت الحاجة، مما يعزز بصورة عامة النتائج التعليمية.
• مثال: اتخاذ القرارات بناءً على البيانات في تعليم العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM)
تسهل الاختبارات التي يتوافر فيها صدق المحتوى التعليم في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM)- في عمليات اتخاذ القرارات استناداً إلى توافر البيانات حيث تمكن المعلمين من استخدام نتائج الاختبار لتحديد اتجاهات أداء الطلاب عبر مختلف التخصصات في STEM، مثل الفيزياء والكيمياء وعلوم الحاسوب. وبناءاً على هذا التحليل، يمكن للمعلمين التعاون لتطوير استراتيجيات لتحسين تحقيق الطلاب، مثل دمج التجارب العملية، وتعزيز بيئات التعلم التعاوني، أو توفير جلسات دراسية شخصية.
• الكتاب المدرسي واختبارات التحصيل
وجود المادة على دفتي الكتاب المدرسي وتركيز الاختبار على محتوى الكتاب المدرسي سيجعل من هذه الوسيلة التعليمية وثيقة يهتم بها الطالب ويتعامل معها بحب لأن محتوى هذه الوثيقة هو ما سيؤهله للتقدم والتطور.
ونحن نلاحظ أهمال الطلاب للكتاب المدرسي بل واهانته أحياناً لان الاختبار يأتي من خارج المنهج وبالتالي فإن اهمال الكتاب المدرسي يعني صرف المليارات من الجنيهات وضياع الالاف من الساعات في التأليف من أصحاب التخصصات الرفيعة من الإخصائيين التربويين وعلماء المناهج فيما لا جدوى منه اذ سيذهب الكتاب للقمامة في نهاية الأمر، والشيء الطبيعي أن يكون الكتاب المدرسي والجامعي هو النواة الطبيعية لتكوين مكتبتك المتخصصة أو العامة مستقبلاً.
ونختم هذا الحديث بالقول أن مفهوم صدق المحتوي يلعب دوراً حاسماً في تشكيل تجارب التدريس والتعلم عبر مختلف التخصصات التعليمية. فالاختبارات تقيس بدقة المخرجات التعليمية المستهدفة على ضوء المنهج، كما تعزز التوافق مع الممارسات التعليمية، وتعزز انخراط الطلاب ودفعهم للامام، وتعزز العدالة والمساواة، وتدعم التحسين المستمر في النتائج التعليمية. كما يساعد صدق المحتوى المعلمين على تنقيح ممارسات الاختبار على أساس مبادئ صدق المحتوي، ليمكنهم من اعداد الطلاب بصورة فعالة لمواجهة تحديات مجتمع عالمي ديناميكي ومتصل.
لقد تعرضنا في هذا المقال الى التعريف بتأثير صدق المحتوي في اختبارات التحصيل من جوانب متعددة، مستعرضين أهميتها من خلال أمثلة في مجالات تعليمية مختلفة. وكل مثال أوردناه كان يسلط الضوء على كيفية أن الاحتفاظ بصدق المحتوي في الاختبار لا يؤمن فقط ممارسات تقييم عادلة فحسب، بل يثري أيضاً تجارب التدريس من جانب المعلمين وتجارب التعلم من جانب الدارسين من خلال التركيز على الأهداف التعليمية ذات الصلة المباشرة بالمنهج، أو المقرر، أو الوحدة الدراسية، أو الموضوع المحدد، وعدم الخروج من هذا الاطار لاي سبب من الاسباب وبذلك نحقق الاهداف الخاصة بالمنج والأهداف القومية للتعليم.
aahmedgumaa@yahoo.com