صراع التكتيكات بين الحرية والعسكر لمصلحة من؟

 


 

 

كان بالأمس الحديث عن التسوية السياسية يصنف قائله من سدنة النظام السابق، باعتبار أنه حديث لا يصب في مجرى الثورة و شعارات الثوريين، رغم أن أهل الفكر السياسي يؤكدون أن التعقيدات الكثيرة لأي قضية سياسة لا تحل إلا عبر التسوية السياسية إذا كان ميزان القوى متقارب بين الجانبين، و كانت التسوية تأخذ مجراها بفاعلية نشاط الوساطة و خاصة الرباعية، بدأت التصريحات بالنفي عنها، و لكنها أخذت حيزا كبيرا في " The Sudanese social media" و الأخبار و الموضوعات التي تخرج من دائرة الإعلام هذه تحتاج لتدقيق، لأنها تضاف إليها كمية كبيرة من البهارات تغير طعمها الأساسي. لكن لأي خبير سياسي عندما تكون هناك وساطات دولية مثل الرباعية و الثلاثية التي تتبع لدول لها مصالح في السودان و هيئات دولية يتيقن أن الحل لا يتأتى إلا عبر تسوية سياسية، لآن قبول الوساطة بطريق غير مباشر هو قبول طرق التسوية، و الشعارات التي تطلق في الهواء ليست هي التي تحدد مسار الحل، أنما هي تهدف فقط لرفع سقف مطالب عندما تبدأ عملية التسوية السياسية. لذلك نجد أن الحرية المركزي و العسكر استطاعا أن يوظفا مقدراتهم التكتيكية لأقصى حد ممكن للوصول للأهداف المرجوة.
أستطاعت الحرية و التغيير المركزي أن تحدث أختراقا للأزمة من خلال ثلاث أعمال قامت بها. الأول عمل ورشة للتقيم النقدي للفترة الانتقالية، و الهدف منها أن توسع دائرة المشاركة، و أن تسمع من الأخرين، و هو عمل تثاب عليه لأنه يصب في المجرى العام للثقافة الديمقراطية. العمل الثاني عندما أوعزت للجنة التسيير لنقابة المحاميين أن تقيم ورشة حول صناعة وثيقة دستورية بديلة للوثيقة الدستورية التي انقلب عليها العسكر، و الهدف من قيام الورشة أن توسع دائرة المشاركة، و تجذب لها قوى سياسية ذات قاعدة اجتماعية عريضة لكي تحدث تحولا في ميزان القوى لصالحها، و نجحت في ذلك. لكن المشكلة أن أي قوى سياسية عندما تدخل في محادثات مع خصمها، لابد أن تجعل هناك ناطقا رسميا واحدا، هو المناط به فقط أن يتحدث عن مجريات عملية محادثاتها مع الجانب الأخر، و لكن الحرية لها عشرات الناطقين و هؤلاء كل يحاول أن يجتهد رأيه، و هي عملية تضر بمجريات التسوية، لأن كثرة التعليقات التي تصدر من الحرية المركزي تصدر من عدد غير محدود من الناطقين،و هذه الكثرة سوف تربك المشهد السياسي، و تصبح مضطرة الحرية المركزي للتصحيح و الدفاع عن رؤيتها، و ناطق واحد يستطيع أن يخرج فقط المعلومات التي لا تدخل التحالف في جدل جانبي. الثالثنجحت الحرية المركزي أن تكون هي وحدها التي تصنع الأحداث التي تشغل الشارع السياسي. هذا التكتيك كان دائما يحدث تغييرا في الأجندة المطروحة على الساحة، من ورشة إلي أخرى، ثم إلا حوار مغلق بعيدا عن البصاصين، إلي تسوية سياسية تثير جدلا في الشارع السياسي، مما يؤكد أن التكتيك الذي تعمل به لا يتراجع بل ينتقل إلي عتبات أعلى في السلم السياسي. و لكن عليها ان تضبط عملية التعليقات على أن تكون من شخص واحد متفق عليه، و قادر أ، يختار المصطلحات و يضعها في مواقعها الصحيحة حتى لا تحدث تغبيشا في الوعي أو التآويل.
العسكر أيضا لهم أستراتيجية يعملون بها؛ و هي محاصرة القوى المدنية السياسية من خلال طرح العديد من الأجندة السياسية، و الهدف منها هو شل قدرة الأخرين في التعاطي مع هذا الكم، و شل القدرة سوف يخل بعملية الترتيب للعقل السياسي، إلي جانب سلم الأولويات، حيث تم طرح العديد من المبادرات في الساحة السياسية، و الهدف منها أن هناك ليست مجموعة واحدة في الساحة بل مجموعات متعددة، ليس لإقناع الاعبين السياسين السودانيين في الساحة، و لكن لإقناع الرباعية و الثلاثية أن الحرية لا تمثل وحدها آهل السودان، و لابد من توسيع دائرة المشاركة، حتى إذا تمت تسوية يضمن استمراريتها، و أيضا الهدف منها هو أن تقدم الحرية و التغيير مزيدا من التنازلات. السؤال الذي يطرح: ما هي التنازلات التي يريدها العسكر؟ الإجابة؛ أن لا تكون هناك مجموعة لها السيطرة الكاملة على السلطة التنفيذية و التشريعية، بل الكل لهم الفاعلية حتى لا يكون هناك ضغط يمارس على العسكر من أي جانب، كما إنها تخل بميزان القوى في الساحة لمصلحة العسكر. و هذا ما أكده البرهان في حديثه الأخير بمنطقة البسابير، حيث قال "إن القوات المسلحة وبالرغم من أنها لن تشارك بشكل فاعل في المشهد السياسي، إلا أنها ستظل تراقب الأوضاع بما لا يسمح بانزلاق البلاد.وأضاف لن نسمح لفئة أو حزب بالسيطرة على البلاد عن طريق الانقلابات أو غيرها". هذا الحديث أن تكون الغلبة لصالح مجموعة معينة في الفترة الانتقالية، و البرهان يعلم أن الانتخابات سوف تغير توازن القوى المدنية و سوف تأتي بلاعبين جدد. و إستراتيجية العسكر تقوم على لاعبين فقط، البرهان الذي يصرح ما اتفق عليه، و حميدتي يصدر تعليقات مطاطه و قابلة للتآويل على تصريحات البرهان، الهدف منها خلق تشويش في الساحة، و التشويش يجعل الجانب الأخر يتوه في عملية التآويل، بأن هناك صراعات بين البرهان و نائبه و غير ذلك، أما عملية التعليق و الشرح يتركوها للجنرالات المتقاعدين و الذين يطلق عليهم محللين إستراتيجيين. إذا كان هناك البعض يعتقد أن هناك خلافا بين المؤسسات العسكرية المختلفة، هذا اعتقاد خاطيء، لآن العسكر يعلمون أي خلاف بينهم ليس في مصلحتهم، لكن مضطرين أن يخلقوا هذا التخيل عند بعض السياسيين لبناء تقيم و نقد على معلومات خاطئة. و مقولة البرهان في البسابير تجعل العسكر هم الذين لهم اليد العليا في عملية التحول الديمقراطي، بأن لا تكون هناك غلبة لأي مجموعة سياسية.
أن الحديث عن تسوية سياسية سوف يجعل هناك جدا في الساحة السياسية، بين مؤيد و رافض لهذه التسوية السياسية، و الجدل سوف يكون قاصرا على القوى المدنية، و المؤيدين لها مطالبين أن يقنعوا الآخرين، فهي ليست من مسؤولية العسكر، و إذا استطاع الفرقاء أن يوقعوا على ورقة التسوية، يصبح المشكل من هي الجهة المناط بها اختيار السلطة التنفيذية و المجلس التشريعي، اتفاق التسوية أن تكون الحكومة من عناصر مستقل غير منتمية سياسيا، و المجلس التشريعي محلولة أن توسع دائرة المشاركة فيه، و تشكيل المجلس التشريعي سوف ينقل الصراع السياسي داخل المجلس و لن تصبح هناك حاضنة سياسية، لذلك العسكر وافقوا على أن تكون مسودة الوثيقة الدستورية للجنة التسير لنقابة المحاميين هي قاعدة الحوار لأنها لا تختلف كثيرا على الوثيقة السابقة، حيث نقل العسكر ملاحظاتهم حول الوثيقة إلى الحرية والتغيير، وهي تتمثل في كيفية اختيار رئيس القضاء والنائب العام وعدم إيراد المجلس الأعلى للقوات المسلحة في المسودة. و التوافق على هذه النقاط الثلاث سوف يجعل الاتفاق وصل نهاياته، و ينتقل لمرحلة التوقيع. و تكون الحرية و التغيير المركزي فقدت سيطرتها علي مؤسسات الفترة الانتقالية، لكنها كسبت أهم شيء، هو الانتقال بالبلاد من مرحلة الصراع في الفترة الانتقالية لمرحلة التصور لعملية التحول الديمقراطي، و إذا استطاعت أن تنجح للوصل إلي الانتخابات، يكون لها أكبر الفضل في هذه التحول السياسي الكبير، و تنجح القيادات السياسية دائما في صناعة التاريخ المشرف لشعوبها و دولها، عندما تتجرد من الرغبات الخاصة و الحزبية الضيقة إلي مشارف الوطن، و تجعل الكل أن لا يفكر إلا في صعود الوطن في قمة أولوياته، و على أجندة كل مواطن فيه. نسأل الله حسن البصيرة.

zainsalih@hotmail.com

 

آراء