صراع التيارات داخل حزب الأمة السوداني المعارض.. وثاني انشقاق على الأبواب
30 May, 2009
ثلاثة قياديين: إما التفكيك.. أو الذوبان
الشرق الاوسط
تتجاذب حزب الأمة السوداني، أكبر أحزاب المعارضة في البلاد، تيارات داخلية متنامية، تتصارع منذ أمد بعيد من أجل التغيير، وفتح منافذ لأجيال جديدة شابة، فيما تشد تيارات أخرى باتجاه آخر نحو التحديث، ولكن برؤية مختلفة، تجد معارضة شديدة، وبين هذه وهذه احتدم الصراع، ووصل في بعض فصوله إلى الضرب والخطف والتشهير، حتى بدأ الحزب على أبواب انشقاق ثان.
«الشرق الأوسط» التقت مع قياديين من حزب الأمة، هما الدكتور آدم مادبو، نائب رئيس الحزب، الذي جمد نشاطه في الحزب احتجاجا على ما أسماه سيطرة الصادق المهدي (زعيم الحزب)، وأبنائه على مقاليد الأمور، والفريق صديق محمد إسماعيل، الأمين العام للحزب، وهو من الموالين للصادق المهدي، الذي قلل من أهمية التيارات المتصارعة، ووصف اثنين منها بـ«الانكفائية»، وقال إنهما في طريقهما إلى «التفكيك» والذوبان، في التيار الثالث، وهو «التيار القومي الجامع»، مشيرا إلى أن الصادق المهدي، هو أكثر القادة انفتاحا على التغيير، ولا يوجد «حداثي» في الحزب أكثر منه. ودافع عن أبناء المهدي، قائلا إنهم «أكفاء»، وعلى الرغم من ذلك فهم مهمشون داخل الحزب.
أما مادبو، فقد وصف الأوضاع في حزب الأمة بأنها «غير شرعية ولا دستورية»، مشككا في الكيفية التي تمت بها بناء هياكل الحزب خلال مؤتمره العام السابع، في فبراير (شباط) الماضي، واعتبر أن فيها «فسادا ونوعا من التزوير». وكشف مادبو وهو في السبعينات من عمره، أنه قد جمد نشاطه في الحزب، ولن يعود في ظل عدم شرعية مؤسسات الحزب، وترك الباب مفتوحا أمام احتمالات كثيرة لمصيره من بينها: تخليه عن الحزب أو تكوين كيان آخر، إذا لم يتغير الوضع الحالي.
ومن جانبه فتح مبارك الفاضل المهدي، زعيم حزب الأمة الإصلاح (منشق عن حزب الأمة)، النار في اتجاه ابن عمه الصادق المهدي، وقال الفاضل الذي ينوي ترشيح نفسه للرئاسة منافسا للرئيس البشير، في الانتخابات العامة المقررة في فبراير (شباط) ، في حوار أجرته معه الـ«الشرق الأوسط»، إن ابن عمه، فشل في قيادة حزب الأمة «لأنه يريد أن يدير الحزب بالنهج القديم»، كما اتهمه بجر الحزب إلى أسرته، واختصاره في شخصه. وعلى الرغم من كل ذلك قال، إنه شخصيا، والصادق المهدي، هما الأصلح والأجدر لقيادة حزب الأمة. وقال، «هو للتنفيذ، والصادق المهدي للرمزية والانصارية (الإمامة)». ودافع عن أهمية وجود اسم المهدي، في قيادة الحزب، كرمزية، مثل غاندي، وبوتو، وكنيدي، لأنه ملهم لمشاعر الناس.
نائب رئيس حزب «الأمة»: «التقليديون» مسيطرون.. و«الحداثيون» ينتظرون ـ د. آدم مادبو: أبناء الصادق المهدي يمارسون «الإرهاب» مع الخصوم السياسيين
* لماذا تطور الصراع بين التيارات داخل حزب الأمة إلى عنف، واشتباك بالأيدي، مثلما حدث بين نجل الصادق المهدي (بشرى)، ونجلكم (الوليد)؟ـ هذا أمر مؤسف للغاية.. حزب الأمة حزب ديمقراطي وينادي بالديمقراطية، وينبذ الإرهاب.. لذلك فإن ما حدث لن يجد القبول من قبل أعضاء الحزب ولا من جماهير الأنصار (الرافد الديني للحزب). الأحداث الأخيرة من جزأين؛ الأول عندما اختطف منسوبون لجيش الأمة ابني وهو من عناصر الحزب، أثناء المؤتمر السابع لحزب الأمة، واعتدوا عليه بالضرب، لحسم خلاف سياسي معهم. والجزء الثاني، وهوالاعتداء الأخير من بشرى، على ابني الوليد. وتصرف بشرى بطريقة «غير عاقلة»، وجاء من شخص منسوب إلى جهاز الأمن، من المفروض فيه أن يوفر الأمن للآخرين، بدلا من الاعتداء عليهم. والحادثتان وغيرهما تشيران إلى أن أبناء المهدي يعتدون على كل من ينتقد والدهم. يلجأون للقوة. إنهم يمارسون الإرهاب مع الآخرين، كأسلوب للتعامل مع الخصوم في ساحة العمل السياسي. هذا خطير. إنه إفلاس يقود إلى أشياء غير محمودة العواقب.
* ما شكل الخلاف السياسي في حزب الأمة الآن؟
ـ هناك تياران يتحركان داخل حزب الأمة الآن، الأول هو تيار تقليدي، يسعى إلى وضع الحزب تحت سيطرة أسرة الصادق المهدي، بوضع مقاليد الأمور في الحزب تحت أيديهم فقط، وفي سبيل تحقيق ذلك يمارسون أساليب مخالفة لقوانين ولوائح الحزب، وهي أساليب فاسدة، وفيها نوع من التزوير. وهناك «تيار الإصلاح والتغيير» داخل الحزب، وهو يسعى إلى بسط الديمقراطية في الحزب، والحفاظ على قومية الحزب، وفتح الأبواب للجميع للمشاركة في إدارته، كما يسعى إلى تحجيم دور أبناء الصادق المهدي في الحزب ليكون دورهم بقدر حجمهم الطبيعي. هذا هو جوهر الخلاف داخل حزب الأمة، والمفروض حسمه ديمقراطيا، لكن لعجز التيار التقليدي في ممارسة الديمقراطية السلمية كوسيلة لتحقيق أهدافه، نراه يلجا إلى ممارسة القوة والإرهاب مع الآخرين. وهناك اتجاه من الصادق المهدي وأسرته لإلغاء كل من يعترض على توجهاتهم داخل الحزب. ابني «مادبو» من أنصار التغيير، لكن «الوليد» لا علاقة له بحزب الأمة، وهو مفكر يكتب في قضايا فكرية. قل إنه تعرض بالنقد للصادق المهدي، فهل مواجهة ذلك تكون بالاعتداء الشخصي؟.
* لكن «بشرى» يقول إن «الوليد» كتب ألفاظا غير لائقة بوالده إمام الأنصار؟
ـ الكلمات التي أشار إليها بشرى بأنها قد وردت في كتابات الوليد مثل «الخدمات الليلية»، هي عادية وتفهم في سياقات معتدلة، إلا من كان في نفسه مرض.
* هل العنف داخل حزب الأمة، هو سبب خروج مجموعات من حزب الأمة، في وقت سابق. مثل مبارك الفاضل والزهاوي ومسار ونهار وغيرهم؟ ـ كان السبب الأساسي لخروج هؤلاء هو الخلاف حول المشاركة في حكومة الرئيس البشير، كان الحزب يرى عدم المشاركة، والذين خرجوا كانوا مع المشاركة.
* أين وصلت قضية «بشرى ـ الوليد» الآن. ـ هذه قضية جنائية، ستصل نهايتها، ونسعى الآن لرفع الحصانة عن بشرى كمنسوب لجهاز الأمن، لتستمر القضية، لأن الاعتداء مذل ومهين، وإذا لم ترفع الحصانة عن بشرى وتستمر القضية، فهذا يعني أن أي شخص يأخذ حقه بيده.. وقد تتطور الأمور إلى تداعيات سياسية، وممكن تكون قبلية.
* هل هناك اتصالات لإنهاء الأزمة بينكم وبين الصادق المهدي؟ ـ أسرة الصادق المهدي لا يرون إلا أنفسهم، ويرون أنفسهم أنهم فوق القانون، وباقي الناس مجرد عبيد عندهم.. لذلك لا يعتذرون أبدا.
* هل جرت اتصالات بينكم وبين الصادق المهدي بعد حادثة «الوليد ـ بشرى»؟ ـ لا، لم يتصل الصادق المهدي لا هذه المرة ولا في حادثة الاعتداء على ابني «المهندس مادبو».. وهذا يوضح عدم الاحترام والتجاهل لمجاهدات الآخرين.
* حدثنا عن الصراع حول ملكية دار حزب الأمة، أسرة المهدي تقول إن الدار ملك لوالدهم، فيما يرى آخرون أن الدار ملك لحزب الأمة؟ ـ هذه قضية قانونية، ولكن القضية الأساسية هي أن الأنصار هم الذين دعموا أسرة المهدي ماليا، منذ الإمام عبد الرحمن المهدي. عمال ومزارعون يقدمون لهم الزكوات والتبرعات، لذلك من الصعوبة التفريق بين مال الأنصار ومال حزب الأمة. الطبيعي، أنه حتى لو كان المنزل ملك للصادق المهدي، يتبرع به، ولكن لم يحدث ذلك للآن، وهذا يفسر عدم تقدير لمجاهدات الأنصار.. أنا ميال لتصديق من يقول إن الدار يتبع لحزب الأمة ومسجل باسمه.
* لماذا، حتى للحظة، ترفضون قرارات المؤتمر العام السابع لحزب الأمة في فبراير (شباط) الماضي؟ ـ هذا المؤتمر جاء بأمين عام للحزب ترعرع في أجهزة الأمن في عهد الرئيس الأسبق جعفر نميري، ثم استمر في المناصب نفسها في الحكم الحالي (الإنقاذ)، وليست له خبرات تنفيذية ولا رصيد نضالي داخل الحزب، ولكن هذا هو الذي يريده رئيس الحزب في الموقع. والسبب الثاني أن المؤتمر حصلت فيه تجاوزات دستورية ولائحية، حيث قام المهدي بزيادة عدد أعضاء المركزية للحزب من 600 من كل أنحاء البلاد إلى 856 من داخل المؤتمر، ومن دون أية تعديلات في الدستور، فقط بتقديرات من رئيس الحزب. وذلك حتى يتمكن من تحقيق الفوز للأمين العام الحالي.
* إلى أين وصل رفضكم لتلك القرارات، وهل قبلتم بالأمر الواقع؟ ـ هناك خيارات عديدة، بينها من يتحدث عن تجميد نشاطه في الحزب، وآخر يتحدث عن الخروج من الحزب، ولكن الأمل معقود على مقترح إعادة تكوين المكتب السياسي للحزب، باستقالة الأمين العام الحالي أو إقالته، وتكوين قيادة جماعية للحزب تتولي أعباء المنصب، إلى حين انعقاد مؤتمر آخر، ودستور الحزب يعطي رئيس الحزب هذا الحق في الحالات الطارئة.
* ما خياراتك أنت في ظل الأوضاع الحالية؟ ـ في ظل هذا الوضع غير الدستوري، فإن استمرار نشاطي في الحزب بالنسبة لي مستحيل، ولكن في حالة وجود أجهزة جديدة، يمكن مواصلة مسيرة التغيير من داخل الحزب؟
* هل نتوقع حدوث انشقاق كامل داخل حزب الأمة بين تياري «التقليد» و«مجموعة التغيير»؟ ـ إذا استمرت المؤسسات الحالية غير شرعية، فإن ذلك وارد.
* هذا من وجهة نظر آخرين بمثابة سعي إلى إقصاء أبناء الصادق المهدي وهم متعلمون ومؤهلون؟ ـ بعضهم متعلمون، وبعضهم غير مؤهلين، وبعضهم عنده خبرة، وبعض آخر ليست عنده خبرة.. كل هذا مفهوم، ولكن السعي لحصر الحزب في الأسرة هو الشيء غير المفهوم وغير المقبول.
* وآخرون يرون أن فكرة التغيير، هي عمل لإبعادهم عن الحزب كليا؟ ـ التغيير لا يسعى لحرمان أسرة الصادق المهدي من حزب الأمة، ولكن الأفضل أن تكون إدارة حزب الأمة من أشخاص خارج أسرة الصادق المهدي، بصورة تفك السيطرة.
* ألا يمثل ذلك إبعادا لرمزية «آل المهدي» في الحزب؟ ـ التغيير، ليس إبعادا لهم، وممكن أن يكونوا في القيادة، ولكن ألا يسيطروا على الحزب.. فقد كان الإمام محمد أحمد المهدي الرمز، وكان الجهاد لأهل السودان في مناطقهم المختلفة.
* هل سيعود رئيس الحزب الصادق المهدي الموجود حاليا في الخارج إلى البلاد قريبا ؟ - لا أدري.
* وما تفسيركم لوجوده خارج البلاد، منذ نهاية فبراير (شباط) الماضي، وحتى الآن؟ ـ هذا الغياب غير مبرر، هناك انشقاقات داخل الحزب وخلافات، كما أن الانتخابات مقبلة، فضلا عن القضايا المطروحة التي تتطلب وجود الحزب في داخلها، مثل قضايا تنفيذ اتفاق السلام، والأزمة في دارفور، وتطوراتها بعد قرار المحكمة الجنائية ضد البشير.. كلها قضايا تحتاج إلى وجود رئيس الحزب.
* هل تعتقد أنه هروب من تلك القضايا، مثلا؟ ـ لا أرى مبررا لوجوده في الخارج في مثل هذه الظروف التي تتطلب المواجهة، وموعد عودته غير معروف، وهناك حديث من بعض المسؤولين في الحزب، لأنهم هم الذين نصحوه بالبقاء في الخارج، لماذا؟ لا ندري. نأمل أن يعود اليوم قبل الغد، لحلحلة القضايا المستعصية داخل الحزب. الأمين العام لحزب الأمة: من هو الحداثي أكثر من الصادق المهدي ـ الفريق صديق إسماعيل: أبناء الصادق المهدي «أكفاء» مظلومون ومهمشون
* لماذا أصبح العنف ظاهرة في حزب الأمة، بالإشارة إلى واقعة «الصدام بين «بشرى» نجل الصادق المهدي، رئيس الحزب، و«الوليد» نجل نائب الرئيس آدم موسى مادبو؟
ـ حزب الأمة حزب سياسي مدني يعتمد الحوار وسيلة أساسية لمعالجة قضاياه التنظيمية والسياسية، لذلك فهو ينبذ العنف، والعلاقة بين عناصره في كل المستويات تقوم على الحب والاحترام المتبادل، ولم يشهد العنف داخله إلا مرة واحدة أثناء انعقاد المؤتمر السابع للحزب عندما دخل «مادبو» النشط في حزب الأمة، وهو نجل الدكتور آدم موسى مادبو، مقر المؤتمر (بأرض المعسكرات بمنطقة سوبا جنوب الخرطوم)، وهو موقوف عن ممارسة نشاطه في الحزب من قبل لجنة الضبط في الحزب، فحدثت مشاحنات بينه وبين من يقومون بتأمين وبحراسة المؤتمر، فحدث اختطاف واعتداء، مقابل عنف مضاد من مناصرين لـ«مادبو» داخل المؤتمر. وقد شكلت لجنة للتحقيق في الأمر، ونحن الآن في انتظار نتائج التحقيق. وطلبنا تقرير اللجنة عاجلا، مع علمنا أن مادبو قد رفض المثول أمام اللجنة التي شكلت للحادثة. وما حدث يعتبر تفلتات من أناس غير ناضجين ومن شريحة يمكن حسمها. أما موضوع الوليد، فأقول إن الحادث ليس له أية صلة بحزب الأمة. فلا بشرى ينتمي إلى حزب الأمة ولا الوليد ينتمي إليه، (على الرغم من أنهما نجلي رئيس ونائب رئيس المؤتمر وعراكهما حول قضايا تخص الحزب). ولم يطلب الحزب منهما أي عمل.. ولكن عرفت من خلال اجتماع عقدناه حول الأمر أن الوليد أطلق العنان لقلمه لسب والد بشرى الصادق المهدي وأسرته، ووصفهم بأوصاف نابية.. من عرفوا تلك التفاصيل من «صديق» نجل المهدي أدانوا الوليد، وفي كل الأحوال نبذوا العنف.. مع أن الحزب لا علاقة له بما حدث، فهو أسري جدا.
* في حزب الأمة تياران: تيار التقليد، وتيار التغيير، والتيار الأخير هذا يرى أن مؤسسات الحزب الحالية غير شرعية.
ـ في حزب الأمة ثلاثة تيارات: الأول منكفئ أسير للماضي، يتحدث عن ولاية من يسمونهم «أولاد البحر» على الحزب تاريخيا، ويرون ضرورة استمرار ما يزعمون، والثاني أيضا منكفئ، وهم من يروجون أن الغلبة في الحزب لأبناء الغرب «الغرابة»، ويزعمون أن من دونهم لا وجود لحزب الأمة، وهذا تفكير يأسر نفسه في الماضي، والثالث، هو التيار القومي الجامع الذي يرى أن حزب الأمة قومي ومنفتح على الجميع، قد سعى بهذا التفكير إلى تفكيك التيارين السابقين، والآن هم الذين يمضون بالحزب في توجهات الديمقراطية والقومية، هم الأغلبية يحلقون في الفضاء الواسع لمفهوم حزب الأمة.. هم التقليد ونحن التغيير.. أنا من جيل جاء بعد الذين يتحدثون عن التغيير، فكيف يكونون هم «تغيير» وأنا «تقليد».. يا أخي كل التيارات الثلاثة، التي تحدثت عنها الآن في طريقها إلى الذوبان في فضاء حزب الأمة.. والمؤسسات الحالية للحزب هي قومية من حيث التمثيل، كل الطيف السوداني موجود فيه.. وفوق كل ذلك، من مع الحداثة غير الصادق المهدي رئيس الحزب نفسه؟
* تياركم «تيار التقليد»، حسب تسميتهم لكم، متهم بأنه يكرس لحصر الحزب في أسرة الإمام الصادق المهدي.
ـ هذه تهمة يلصقها من لا يعلمون الحقيقة، وتجيء ممن يريدون الإساءة لحزب الأمة.. الآن من جملة «14» مساعدا، الأمانة العامة لا تجد سوى شخصا واحدا من أسرة الصادق المهدي، وهي الدكتورة مريم الصادق، ومن بين 21 من مشرفين سياسيين يعملون مع الأمين العام لا تجد سوى مريم، ثم هناك صدّيق الصادق المهدي الذي يرأس الجنة الاقتصادية في الحزب، مريم جاءت بكفاءة وليست لأنها ابنة الإمام، لها مجاهدات في الخارج إبان المعارضة المسلحة، ولها مجاهدات في الداخل.. أما صدّيق فيشهد على قدراته الآخرون من القوى السياسية الأخرى.. ثم إنني منذ أن توليت هذا المنصب لم يشر لي الصادق إلى أي شخص ليعمل معي.
* هناك من يعتقد، من أنصار التغيير، أن وجودكم في المنصب بخلفيات انتمائكم لجهاز الأمن في وقت سابق، جعل من وجودكم خصما من رصيد الحزب لصالح حزب المؤتمر الوطني الحاكم.
ـ أقول لمن يتحدثون في هذا الجانب إنني أعتز بخلفيتي العسكرية، وتلك المؤسسة هي التي أهلتني وجعلتني مقبولا ومقنعا عند الناس، وبالتالي القبول داخل الحزب ونيل ثقة الأغلبية فيه. وأتحدى من يجد في عملي السابق ما يسيء لشخص، أو أن أكون قد حققت من خلاله مكاسب أو منفعة خاصة، كل عملي منذ أن كنت ضابطا في الشرطة، ثم منتدبا في جهاز الأمن في عهد الرئيس نميري، كان مسخرا للناس.. وأفتخر بذلك.
* مؤتمر الحزب السابع الأخير الذي أتي بكم في منصب الأمين العام متهم بأنه مزور.
ـ سجل على لساني: هذا المؤتمر هو «نوارة» مؤتمرات حزب الأمة، حدثت فيه مشاركة من قبل منسوبي الحزب غير مسبوقة، وكان التدافع كبيرا، وهناك همة عالية، وحضره رئيس حزب المؤتمر الوطني الرئيس عمر البشير، وتحدثت فيه كل قيادات الأحزاب السودانية، وشهد حضورا دبلوماسيا كبيرا.. كان لوحة في الأداء.. وعليه، فإن الذين رموا المؤتمر بالفشل كما قال «بكري عديل» (قيادي في الحزب)، ومن اتهموه بالتزوير ومن لف لفهم، هم الذين أشرفوا على المؤتمر وكانوا يسيطرون على لجانه، لماذا لا يقبلوا بنتائج ما قاموا به من عمل.
* الآن، هناك إصرار من تيار التغيير على أن مؤسسات الحزب غير شرعية، ورهنوا استئناف نشاطهم في الحزب بتكوين قيادة جماعية إلى حين انعقاد المؤتمر العام المقبل. إلى أي مدى تقبلون بهذا الاقتراح؟
ـ السؤال المطروح في مثل هذه الحالة هو: من أين تستمد الشرعية؟ الإجابة، بلا شك، أنها تستمد من رأي الجماعة، والمؤتمر العام للحزب كان يمثل رأي الجماعة، ثم تتوالى مؤسسات الحزب الأخرى، وعليه، فإن أي حديث من أشخاص يصبح حديثا مجروحا، ويضع من يردده في موضع من لا يعرفون الديمقراطية أو لا يريدونها.. نحن الشرعية.. وسنظل كذلك إلى أن تستردها الجماهير التي أتت بنا.. هم يريدون دكتاتورية وتسلطا جديدا.
* هناك من يفسر الغياب الطويل لرئيس الحزب الصادق المهدي عن البلاد بأنه هروب من الخلافات والانشقاقات داخل الحزب بعد المؤتمر العام الأخير، ولكن ما تفسيركم أنتم لهذا الغياب؟
ـ ذلك التفسير غير صحيح.. هؤلاء يعتقدون أن الحزب يغلي بالخلافات، ولكن الحقيقة أنه في حالة حراك تنظيمي وسياسي جماهيري، ورئيس الحزب وهو في الخارج مشارك في هذا الحراك بشكل يومي، وهو هناك لتلبية الكثير من الدعوات التي لم يستطع تلبيتها في الفترة التي سبقت انعقاد المؤتمر، كما أنه وهو في الخارج مشغول بقضايا البلاد الكبيرة، ومؤسسات الحزب تلعب دورها بشكل جيد في ظل غيابه عن السودان.. وهو هناك مطمئن، وإذا رأى أن هناك ضرورة لعودته سيعود في أي لحظة.
* في ظل الصراعات الماثلة على مشهد «كيانات وتيارات وأحزاب الأمة»، أليس من السهولة الحديث عن وحدة حزب الأمة؟
ـ هناك أمل.. وهناك رجاء وتطلع من الجماهير لتوحيد الحزب، وإزالة الإحباط حيال الوضع، كما أن الوحدة هاجس ظل يؤرقنا، ولكن نقول إن الوحدة تحتاج إلى تنازلات تتفاوت من مجموعة إلى أخرى، ومن تيار إلى آخر.. على كل أنا أتوقع المفاجآت المشرقة في هذا الاتجاه.. أنتم في الإعلام ساعدونا على الوحدة بالنظر إلى جوانبنا الإيجابية.
* ولكن هناك من يعتقد أن «سياسة تكريس الحزب في أسرة الصادق المهدي» تعوق أي حديث عن الوحدة؟
ـ نحن نتحدث ونعمل في حزب الأمة القومي، فمن يحاول أن يجد «الفردية» في هذا الحديث أو هذا العمل لن يجدها، على قيادة الحزب يوجد الصادق المهدي وهو جاء بالتزكية، وبعد هذا لا تجد في مؤسسة الرئاسة شخصا من أسرة الصادق يتولي القيادة، وفي اللجان تجد «صدّيق»الصادق المهدي يرأس اللجنة الاقتصادية، وهو جدير بالمنصب، فلا هيمنة ولا وصاية، وليس هناك ما يعوق الوحدة في هذا الخصوص. بل أقول إن أبناء وأسرة الصادق المهدي مظلومون ومهمشون داخل الحزب.. من دخلوا المنافسات الأخيرة فازوا بأصوات كبيرة، ولكن على الرغم من ذلك فهم ليسوا في القيادة.
* إلى أي مدى يمكن أن تؤثر الانشقاقات في حزب الأمة على وضعه في الانتخابات المقبلة؟
ـ إذا ما توفرت استحقاقات الانتخابات من حريات ونزاهة وحيادية في العملية الانتخابية نستطيع أن نكون الحزب الغالب.. لذا لا بد من إزالة كل المعوقات، خاصة القوانين المقيدة للحريات.
مبارك الفاضل: أنا وابن عمي.. أجدر من يقود حزب الأمة ـ زعيم حزب «الأمة الإصلاح والتغيير»: هو شخص من الماضي.. وأنا من المستقبل
* هل يمكن أن يتوحد حزب الأمة والانتخابات مع الأبواب؟
ـ بالنسبة للوضع في حزب الأمة، أقول إن هناك انقساما بيننا وبين الصادق المهدي، ولكن هناك إجماع وسط القوى الأنصارية «الجناح الديني للحزب» وقوى حزب الأمة بضرورة وحدة حزب الأمة، وأن المستقبل يتطلب التغيير عبر قيادات جديدة لحزب الأمة. الصادق الآن في العقد السابع وهذا يستدعي ضرورة وضع خطوات مهمة لمستقبل الحزب. أنصار الحزب يرون أن تكون القيادة التنفيذية لشخصي، على أن يتنحى عنها الصادق المهدي ويتفرغ لمنصب «إمام» الأنصار، باعتبار أنه قد أخذ فرصته في القيادة التنفيذية، وعليه أن يتيح الفرصة لقيادات أخرى مؤهلة للعمل التنفيذي.
* لكن هناك من يرى أن الخطوة بعيدة، وأقرب إلى الأماني في ظل الخلافات الماثلة؟
ـ ليس الأمر كذلك. المؤتمر السابع لحزب الأمة بزعامة الصادق المهدي أفرز واقعا جديدا، وهو أن الصادق المهدي لم يعد في وسعه قيادة حزب الأمة بنهج الستينات، حزب له قراراته التي ستسري من القمة إلى القاعدة. لقد انتكس الصادق المهدي وحصر الحزب في أسرته وأبنائه، وبنظر قواعد الحزب فإنهم غير مؤهلين لقيادة الحزب، وتصرفاتهم ونهجهم في السنوات الأخيرة جاءت لهم بردود فعل مضادة. كما أنهم تم تصعيدهم بصورة استثنائية داخل الحزب ثم أصبحوا مدافعين عن والدهم في ظل متغيرات جديدة في حزب الأمة، وهذا خلق لهم أوضاعا سلبية.
* كيف تتصور شكل القيادة الجديدة من جانبكم؟
ـ القيادة ستكون بيني وبين الصادق المهدي، كما أشرت من قبل، أنا للتنفيذ وهو لإمامة الأنصار، لأن الجماهير تعتبره شخصا من الماضي وأنا من المستقبل.
* أنت تتحدث عن المستقبل بافتراضات الوحدة، فما هو الحال إذا لم تحدث؟
ـ إذا لم تحدث الوحدة بين طرفي الحزب بهذا الشكل الذي حدثتكم عنه، فإن الواقع يقول إن ذلك سيؤثر كثيرا على الحزب، وعلى الناخبين. بالنسبة لنا الوحدة هدف استراتيجي. ونحن بعد الظروف التي تشكلت على خلفية مؤتمرنا العام «مؤتمر الإصلاح والتجديد»، وبعد مؤتمر حزب الأمة السابع جناح الصادق المهدي، فإننا نملك نصية، أي اتفاقا، سيكون بيننا، وسيكون صعبا على الصادق المهدي. قبل مؤتمرنا ومؤتمرهم كانت الوحدة فواتيرها أسهل على الصادق، ولكن الآن هناك واقع أثبت أن الصادق لا يملك ناصية القرار في حزب الأمة وأن هناك انقساما في حزبه، ومؤتمرنا أثبت أننا في الإصلاح والتجديد قوى راسخة.
* كيف تنظر إلى ظاهرة العنف، الذي وصل حد الضرب داخل حزب الأمة، خاصة بين أحد أبناء الصادق المهدي وأحد أبناء الدكتور مادبو؟
ـ ما يحدث من ضرب وعنف، هو إفراز لواقع الأزمة، الناتجة عن استمرار قيادة الصادق المهدي للحزب بالنهج القديم، ورفضه للتغيير، وفتح المجال لأجيال جديدة، لقد تقوقع داخل أسرته، وأصبحوا هم الذين يدافعون عنه باستخدام العنف ضد المعارضين للصادق المهدي.
* هل سيستمر هذا العنف بتقديركم، وربما هناك عامل من خارج الحزب؟ ـ أساليب العنف من أبناء الصادق المهدي بدأت منذ العام 2002، وهي سبب أساس من أسباب تصعيد حركة الإصلاح والتجديد في الحزب، لقد بدأت الحركة واستخدم معها العنف، فتصاعد الأمر، اعتدى أنصار العنف في حزب الأمة من قبل على عدد من قيادات الحزب في مناسبات؛ عبد الحفيظ عباس، صديق أبو سالف، الهادي أحمد صالح، كما اعتدوا على مسؤول الإعلام السابق في الحزب حسن إسماعيل، والأخير هذا أغلقوا عليه الغرفة وأوسعوه ضربا. واستمر العنف كتعبير عن العجز عن مواجهة مطالب التغيير. أصبح العنف هو البديل. وما يدور مع أبناء مادبو سببه أن أبناء مادبو هم أكثر نطقا بالتغيير في الحزب، ومادبو هو رئيس التيار المناكف لسيطرة المهدي على الحزب. أبناء المهدي غير مؤهلين لقيادة الحزب، ووالدهم ينظر إلى الحزب على أنه «هو» وهم يعتبرون الحزب «والدهم». هو يعتبر شخصه الشرعية وليس مؤسسات الحزب، بالتالي من يخالفه فقد خالف الحزب، وهو يريدنا أن نقبل ببيت الطاعة هذا، وكل هذا صار محفزا لأبنائه للدفاع عنه عبر التزوير في اجتماعات الحزب، وتحويل النقد إلى عنف. إنه نهج جاء من فكرة أن الصادق المهدي هو الحزب وصاحب الحزب وهو دار الحزب وهو مؤسسات الحزب، وهو تمويل الحزب.
* قلت إن ثنائية القيادة بينك وبين الصادق المهدي هي المخرج، أنت للتنفيذ وهو للرمزية والإمامة، ولكن هناك من يرى أن هذه الخطوة تكريس لنهج الوراثة، بمفهوم جيد، أو باسم التغيير. ـ اسم « المهدي» رمزية مهمة، مثل اسم «غاندي» في الهند «وبوتو» في باكستان، أو «كينيدي» في الولايات المتحدة، وهو عنبر موحد للجماعة. السودان وحدته لم تكتمل إلا عبر الثورة المهدية، لذلك فإن اسم المهدي رمز مهم للقاعدة الأنصاربة وقواعد حزب الأمة، يلهم مشاعر الناس. ولكن الأمر ليس «كل مهدي» بالإطلاق. فهناك أسماء من آل المهدي لم تكن شجاعة في مواجهة الحكم الشمولي المرفوض بالنسبة لنا، وهناك آخرون مثل أبناء المهدي لم يخوضوا امتحان القيادة في الحزب بما يؤهلهم للقيادة. في الساحة الآن شخصي والصادق المهدي، من ارتقى للمهمة وأثبت وجوده.
* ولكن أنت تقول إن المهدي أصبح «من الأمس». ـ عندما يتحدث أنصار الإصلاح والتجديد والتغيير في حزب الأمة في هذا الجانب الخاص بالتغيير في الحزب لا يقولون إنهم لا يريدون الصادق المهدي أصلا في الحزب، وإنما يرون أن دوره يجب أن يتبدل، لابد من قيادة بديلة في الجاني التنفيذي، كضرورة من ضرورات المواصلة. الصادق أثبت أنه منظر أكثر من كونه فاعلا، وليس لديه قدرة على التنفيذ. تجارب حكمه تقول ذلك. إنه ينزع للتنظير والتردد في اتخاذ القرار المطلوب لتحقيق حصيلة عملية في الحكم. ذلك النزوع أضر كثيرا بمحصلة الحزب وهو في الحكم. إنه ضعيف في الإدارة.