صرف الانظار عن شوارع الخرطوم الي مطار دمشق وبوابة المقبرة السورية الحالية
بدايات المعارضة السودانية مطلع التسعينات في العاصمة المصرية لمن لايعرفون قامت علي اكتاف نفر محدود من الصحفيين السودانيين كلهم من اعضاء اخر نقابة شرعية ومنتخبة للصحفيين عبرت الحدود الي مصر الشقيقة انذاك وهم مجردين من الحول والقوة وقدموا تضحيات كبيرة وعظيمة ولاننسي مبادرات الاشقاء في احزاب التجمع وقوي اليسار المصرية من شيوعيين وقوميين عرب وحزب الوفد المصري العريق الذين دعموا الشعب السوداني وتبنوا المواجهة الاعلامية مع النظام الاخواني الوليد في الخرطوم وخصصوا صفحات ونوافذ ثابتة للمعارضة السودانية علي صحف الاهالي والوفد اضافة الي الندوات الجماهيرية في دور الاحزاب المصرية وذلك قبل ان تظهر الاحزاب والقوي السياسية السودانية الي السطح وقيام التجمع الوطني الديمقراطي اللافتة العريضة للمعارضة السودانية بعد عودة الميرغني الي القاهرة وتوقيع ما كانت تعرف باسم الحركة الشعبية لتحرير السودان علي ميثاق التجمع.
حاول الناس تنبية معارضة الامر الواقع انذاك الي ضرورة فهم طبيعة وتكوين النظام الاخواني القائم في الخرطوم الذي تديرة اقلية عقائدية منظمة ونشطة مشابهة تماما للنظام الايراني الذي اقامه الخميني بعد هدم مؤسسات الدولة الايرانية ومنظمة تختلف تماما عن الانظمة العسكرية التقليدية في زمن عبود ونميري وبالطبع لم يستمع احد ولم توضع استراتيجية مواجهة ترتفع الي مستوي التغيرات الخطيرة التي احدثها نظام الترابي في بنية الدولة السودانية وكنا كلما نتحدث نسمع عبارة:
" يا اخوانا بطلوا الفلهمة والكلام الكبارة كبارة خلونا نلحق طيارة السيرة للخرطوم "
هكذا كان يتحدث البعض من بعض كبار الحزبيين وذلك مبلغ علمهم من الامر ودارت الايام دورتها " ولا سيرة ولاخرطوم ولايحزنون " حتي يومنا هذا بينما نجح النظام في الانتقال من مرحلة الي مرحلة في السيرك السياسي السوداني ونجحوا في اختراق النظام العالمي المعطوب وبعض دولة الكبري وقدموا التنازلات والتسهيلات للتقسيم الغير مشروع للخريطة التاريخية للدولة السودانية وانفصال جنوب السودان مع اقلية من الانفصاليين الفاسدين في الجنوب والكل يتفرج علي ماجري انذاك ببلاهة منقطعة النظير والبعض استمر في مداهنة وتملق الانفصاليين الجنوبيين حتي بعد تمزيقهم المواثيق والعهود وجحودهم وانكارهم للتضحيات الجسيمة والعظيمة التي قدمتها كل فئات الشعب السوداني في سبيل الحفاظ علي وحدة البلاد والتراب السوداني.
مرت تلك المرحلة واستفرد الاخوان من جديد بادارة الدولة السودانية في غياب المعارضة التي ترتفع الي مستوي الواقع الموجود في السودان وتحمي ظهر الشعب السوداني وتتبني مطالبه في الحرية والعيش الكريم وتمتلك الطموح والارادة للتواصل مع شعوب ومنظمات العالم والمنطقة والاقليم قبل الحكومات وذلك لم يحدث بالطبع علي اي مستوي حتي علي صعيد الامنيات بينما سعي النظام الاخواني ونجح في تسويق نفسه في المنطقة والاقليم ودول الجوار علي وجه التحديد الي جانب السمسرة العابرة للحدود في قضايا الارهاب والمهاجرين وعرض خدماته المتتنوعة لدول النظام العالمي الفاشل والمتخبط فنيا واخلاقيا ولايزالون حتي يومنا هذا يتواصلون مع العالم من الابواب الخلفية ومن وراء الكواليس وهم المعزولين والمدانين في العلن وامام انظار العالم بموجب قرارت دولية بينمااصحاب الحق المشروع واغلبية السودانيين يعانون من الظلم والقهر ولايجدون من ينيب عنهم بسبب حالة الفراغ السياسي وعدم الواقعية والانشطة الصورية التي لاتغني ولا تسمن من جوع.
ومن عجب انهم يتعاملون مع الدولة " الديكورية " القائمة في الخرطوم من حزب حاكم ومؤتمر وطني مزعوم ووزارت ومناصب صورية كحقيقة وامر واقع ويجهلون حقيقة الحكام الحقيقين الذين يديرون الدولة السودانية من وراء ستار من كبار الاقطاب الاخوانيين واصحاب حق الامتياز في نظام الحكم القائم منذ اليوم الاول لانقلاب الانقاذ وحتي يومنا هذا الذين تم ابعادهم من واجهة الحكم في اطار عملية متفق عليها .
بالامس عندما بلغت الروح الحلقوم في شوارع الخرطوم اطل علي الناس الاستاذ علي عثمان محمد طه الذي ورث ادارة العملية بعد الاطاحة بالاب الروحي للجماعة الاخوانية دكتور الترابي تغمده الله بواسع رحمته.
تحدث علي عثمان في غياب الرئيس البشير الذي تم ابعاده من مسرح الاحداث في عملية وجولات خارجية محسوبة ويبدو ان السيد علي عثمان محمد طه قد عاودة الحنين الي زمن الخطابة الثورية والادب الاخواني الطلابي القديم وهو يدافع عن نظام الامر الواقع دون مراعاة للمتغيرات التي حدثت علي مدي ثلاثين عام من الحكم وفشل الاسلاميين العظيم وتبدد شعارات الطهر والنقاء الثوري والقداسة الدينية امام اختبار السلطة والثروة.
وقد ظهر ايضا في واجهة الاحداث الدكتور نافع علي نافع الذي قال انهم قاموا بالثورة في سبيل الله وليس الخبز والبنزين , هكذا من الاخر ثم اتجه الي الاستخفاف المنقطع النظير بمايجري من احتجاجات ولم ينسي في الختام ان يعلن عن بدء المعركة والمواجهة مع من يستهدفون الانقاذ ويصدر الاوامر علي حسب تعبيرة لاعضاء حزبه المزعوم بالتبختر لارهاب الاعداء واشياء من هذا القبيل ولم تمضي ساعات علي حديثه حتي ظهرت طلائع الكتائب المسلحة علي ظهر الفارهات وهي تجوب شوارع وطرقات الخرطوم تبشر الناس في الداخل والخارج بالويل والثبور..
فهل يمكن ان يصدر كل ذلك من مجرد اشخاص معاشيين يجلسون علي دكة الاحتياطي السياسي ان لم يكونوا مفوضيين ويملكون حق القرار في ان يتحدثوا بما يقولون.
لقد نجحوا وحتي اشعار اخر في صرف الانظار عن بدايات الغضب المشروع في شوارع والطرقات داخل احياء الخرطوم الي مطار دمشق وبوابة المقبرة السورية الحالية.
//////////////////