طلبنة الخرطوم (2-2)
14 March, 2009
علّق صديق على الحلقة الأولى من هذا المقال، قائلا: من قال لك إن إدارة أوباما تسعى لطلبنة الخرطوم.؟ مؤكدا أن إدارة أوباما، تسعى لتغيير العالم عبر السياسة والدبلوماسية، وليس الصواريخ. حسنا دعونا نصدّق ذلك. وبحق ليس لدي مايشير الآن إلى أن إدارة أوباما تسعى للدخول في حروب جديدة في أفريقيا أو في العالم. ولكن مايجري من وقائع على الأرض يشي بأن فاعلين فى هذه الإدارة يسعون للتصعيد مع الخرطوم، وممارسة ضغوط يمكن أن تؤدي لانفجار الأوضاع في السودان. وبمجرد أن يحدث مثل هذا الانفجار، فإن السودان سيتأفغن والحركة الإسلامية ستتطلبن، وليس عندي فى ذلك شك!! قد لاتكون إدارة أوباما قد خططت لهذا السناريو، وقد لا يكون هدفها، ولكن من المؤكد إذا تصاعدت الضغوط يمكن بسهولة أن نحصل على هذا السيناريو.
عندما حطّ الجنود الأمريكان في العاصمة الصومالية مقديشو في العام 1994 كانوا يعتقدون أنهم سيقومون برحلة ممتعة، يعودون منها سالمين الى بارجاتهم المتوقفة قبالة السواحل الصومالية. ويعود بعدها الصومال آمنا مستقرا. لم يكن سيناريو الصوملة الذي حدث فعلا، وجرت في مجراه أنهر من الدماء, مخطط له مسبقا. تداعت الأمور، فتداعى الصومال كله، دون أن تقوى أمريكا ولا دول الجوار والاتحاد الافريقي، أن يجدوا مخرجا للصوماليين، من الفوضى العبثية التي صنعوها هناك.
لازلت أتساءل، ما الفائدة التي ستجنيها إدارة أوباما من تحويلها للحركة الاسلامية في السودان الى طالبان أخرى؟. يمكنني أن أجيب ألا فائدة واحدة تُرجى!!. الإنقاذ الآن لاتحكم البلاد وحدها، ولاتستند على مشروعية انقلاب عسكري، بل تعمل وفق اتفاقية سلام شهد عليها العالم، ووافق على تكوين حكومة وحدة وطنية، أعطتها مشروعية جديدة. الإنقاذ في صيرورة تحولاتها السياسية، تمضي لصنع تحوّل ديمقراطي بالبلاد, صحيح إنه متعثر وبطيء لأسباب شتّى، ولكنها تمضي في الاتجاه الصحيح. قبل ذلك، الإنقاذ أظهرت مقدرة فائقة في المساومة مع المتجمع الدولي، في مناحٍ عدة، أولها التعاون في قضية مكافحة الإرهاب، وكفكفت مع آخرين شروره في القارة. وليس ذلك فحسب، بل عملت سياسيا وعسكريا مع الاتحاد الافريقي والأمم المتحدة. ولعبت دورا رئيسيا في حل أزمات القارة سواء أكانت في الصومال، أو بين إثيوبيا وإريتريا، ولا زال الدور السوداني لاغنىً عنه. تجاوبت الخرطوم مع العالم، في مجال الإغاثة بإدخال أكثر من 118 منظمة أجنبية، ولكنها أبدت حُسن النية، واستجابت للضغوط الدولية. وهذا مايظهر التكتيكات المرنة التي ظلت تتبعها في علاقاتها الدولية. مرة أخرى بعد أن تصاعدت أزمة القوات الدولية على إثر القرار 1706 توصلت في النهاية الى مساومة قبلت بموجبها قرار تكوين قوات هجين.
إذا كانت الانقاذ قادرة على جعل بلد كالسودان آمنا مستقرا وموحدا، يحقق معدلات تنمية جيدة، هي الأعلى فى القارة، واستطاع أن ينهي حربا استمرت خمسين عاما في الجنوب، ثم وقع اتفاقية سلام مع أهم فصيل بدارفور، فما المطلوب منه؟ هل المطلوب من كل الأنظمة أن تصبح تابعة وعملاء. ثم مافائدة كرزاي لايسيطر أمنيا حتى على عاصمته؟
تمتعت الانقاذ بمرونة كافية في التعامل مع المجتمع الدولي فى أكثر من مرة، وتتجه لتصنع تحولا ديمقراطيا في البلاد. ألا يصبح من الغباء نسف هذه الإنجازات، ودفع البلاد الى أحضان المجهول أو للطلبنة، بادّعاء أن العالم يبحث عن العدالة, تلك التي غابت حين نُصبت المشانق في العراق وأفغانستان وغزة؟ لا أحد في العالمين يصدق أن مهزلة التوقيف لها أدنى علاقة بالعدالة.!!.لا أحد سوى الشيخ الترابي الذي كان من قبل يكفر بالغرب وقوانينه، ولكنه الآن يقول بلسانه إنه آمن بعدالته... ولكن الآن... الآن ... لا... من ذا الذي سيصدق بعد أن ظللنا أربعين عاما نسمع الشدو الجميل عن الغرب وعدائيته واستحقاره وتطفيفه وعدالته الانتقائية!!. ليست لدي أدنى شك أن هذه الافكار التي ربّى الشيخ عليها، الآلاف من تلاميذه، لازالت راسخة لديه، ولكنها المكائد.. مكائد من أسماه من قبل (هبة السماء لأهل السودان) فتأمل ياصاح!!