عام جديد، حلم تحرير الوطن من قيود الرجعية وظلام العنصرية

 


 

 

abudafair@hotmail.com

د. الهادي عبدالله أبوضفائر

فلنمضِ سوياً، نحو فجر جديد، نقرر فيه أن نُسقط عن كاهلنا أصفاد العنصرية وأغلال الرجعية والقبلية، تلك الآفات التي تسللت إلى عمق نسيجنا الاجتماعي، واستوطنت وجداننا النابض بالحياة كوحشٍ خفي، ينهش في صمتٍ مريب، ويُعيد تشكيل ملامحنا بأسلوبٍ مشوه، يطمس به جمال تنوعنا البديع. لقد عبثت بروحنا الجماعية حتى أضحت حقائق الحياة تبدو كلوحةٍ عبثية، مجردة من المعنى والجوهر، فاقدة لأي انسجامٍ أو بريق. العنصرية سمٍّ قاتل، يرتدي زيفاً قناع الترياق، يخدع العقول بوعوده الزائفة، ويضلل البصائر بمزاعم النجاة. فهي الداء الذي تسلل إلى الروح وهدم الهوية من الداخل، تاركاً الوطن بلا روحٍ ولا إرثٍ يعكس حقيقة وجوده. ولكن رغم هذا الظلام، تظل إرادة الشعب أقوى من كل القيود، وحلم النهوض أسمى من كل التحديات.

فلا يمكن أن يُختزل القبيلة في سياق سياسي عابر، ولا أداة تُوظَّف في صراع السلطة، فهي أسمى من أن تُقيَّد بأغلال الأيديولوجيات أو تُستهلك في النزاعات. لا يحق لأي حركة، ثورية أو تحريرية، أن تدّعي تمثيل القبيلة أو التحدث باسمها، فهي منظومة اجتماعية ذات جذور ضاربة في عمق التاريخ، وإطار حيّ ينظّم حياة الأفراد، وجسر يصلهم بذاكرة الأرض، حيث يُدار ميراثها الطبيعي بروح جماعية تتجاوز الحسابات السياسية الضيقة، تتجلى فيها قواعد التآلف وتُعزَّز القيم المشتركة التي تزرع الانسجام بعيداً عن صخب السياسة ومآرب السلطة، وتمثل بطبيعتها الأصيلة حصن يضم الجميع دون تفرقة أو تحيز، لكنها في الوقت ذاته تصون هويتها وحدودها بثبات. وتفتح أبوابها لكل من يلجأ إليها طالباً الإقامة والعيش الكريم، مانحةً الحقوق ومطالبةً بالواجبات، شرط أن يلتزم الوافد بأعرافها ويحترم قواعدها. بهذا الامتثال، تُحفظ النسيج الاجتماعي ويُكرّس الانتماء، في ظل مظلة من الاحترام المتبادل والتقدير العميق للروابط التي تُبقيها حيّة وقوية عبر الأجيال.

هكذا تتجلى صور نابضة بالحياة للتعايش الإنساني، حيث يمتزج الناس بلا قيود جغرافية أو تمييز قبلي، فالزغاوة يقيمون في ديار الرزيقات وينعمون بكامل الصلاحيات، والرزيقات يجدون مقامهم في ديار الزغاوة. وكذلك العرب في ديار المساليت، والشايقية في ديار الجعل، والجعلية في ديار الجوامعة، في حركة سكانية متجانسة، ليست وليدة الصدفة، بل تعبير عميق

 

 

آراء