عبد العزيز الصاوي: التحالف الأمثل للإنتخابات عموده الفقري حزب الامة وتنظيم الحركة الشعبية ..حوار: صلاح شعيب

 


 

 

الأستاذ عبد العزيز حسين الصاوي لـ(الأحداث)::  

أطروحة السودان الجديد كانت موجودة شماليا قبل وجود الحركة الشعبية

 

 

السودان عاني من مجاعة ديموقراطية طاحنة منذ الاستقلال

 

 

لا أتوقع ان تكون لدينا (خرطوم فاشرية، وأخري حلفاوية، وثالثه بجاوية)

 

 

جذر الازمة لا يتعلق بمسألة وحدة الهوية وإنما بغياب الديموقراطية

 

 

الحديث عن مثقف سوداني بالمعني الكامل والصحيح ينبغي ان يكون بتحفظ

 

 

إنعدام الديمقراطية يعود إلى عدم سيادة العقلانية والتنوير في المجتمع

 

 

حوار: صلاح شعيب

 

 

الاستاذ عبد العزيز حسين الصاوي هو نفسه الدبلوماسي محمد بشير أحمد صالح، وقد ظل يكتب تحت ذلك الإسم المستعار لدواع عمل حزبي إرتبط بحزب البعث العربي، وشغل الصاوي مناصب دبلوماسية بسفارات السودان في بروكسل وجنيف وبون وتقاعد بدرجة سفير.

 

 

للصاوي إسهامات فكرية كبيرة سودانيا وعربيا منذ بداية السبعينات وظل ينشر في الصحف والمجلات العربية، ويشارك في المؤتمرات ذات الطابع الفكري والبحثي، ومن أهم كتبه الصادرة حتى الآن الثورة المهديه : مشروع رؤية جديدة (بالاشتراك مع محمد علي جادين)، دار الفارابي، الخرطوم 1987، موضوعات في الفكر والسياسة، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1993، حوارات الهويه والوحده الوطنيه ( باللغتين العربية والإنجليزية) مركز الدراسات السودانية، القاهرة، أزمة المصير السوداني: مناقشات في المجتمع والتاريخ والسياسة، مركز الدراسات السودانية، الخرطوم، الديمقراطية والهوية وتحديات الأزمة السودانية، دار عزة، الخرطوم، الحوار القومي- القومي، دار الطليعة، بيروت، 1995، العلاقة الناصرية البعثيه : دراسة استطلاعية في أزمة تطور الثورية العربية، دار الطليعه، بيروت، 1995، مراجعات نقدية للحركة القوميه: عودة جديدة من السودان لموضوع قديم، دارالطليعة، بيروت، 1999، في الفكر السياسي السوداني: ديموقراطية بدون استنارة. إستضفنا الأستاذ عبد العزيز حسين الصاوي للإجابة على محاور منتدى (الأحداث) وهذا نص الحوار:

 

 

*هل ترى أن هناك أزمة في فهم الهوية السودانية ما دعا النخب المتعلمة إلى الفشل في إنجاز مشروع الدولة السودانية؟

 

 

الازمة عامة تمس كل شئ في حياتنا فليس غريبا ان تكون هناك أزمة في فهم الهوية ولكن لاعلاقة لذلك بالفشل في إنجاز مشرع الدولة السودانية وانما هو اثر من اثار هذه الازمة التي تعود في جذورها الحقيقية الي فشل النخبه السودانية في تأسيس مشروع الديموقراطية الذي هو صنو لمشروع التنمية كما اثبتت وتثبت التجارب العالمية في الهند وماليزيا كما في الغرب.  كلما تقدمنا علي هذا الطريق إستقر الولاء للدولة السودانية في عواطف وامزجة الجميع مهما اختلفت هوياتهم فليست وحدة الهوية شرطا لازما للوحدة الوطنية. الصومال اكثر بلاد اللة وحدة هويوية ودينية مع ذلك يتفتت. السودان بلد هويات مختلفه دينية كما هويات قومية، بمعني ثقافية وليس عرقية، وأمكانية توصلنا الي الفهم السليم لماهية هذه المكونات ومدي تداخلها من عدمة وتحقيق التعايش الخصب بينها، رهينة بتقدمنا علي طريق حلحلة الازمة العامة. بغير ذلك حدث ويحدث العكس امام أعيننا كل يوم فأخبار النزاعات والمقتلات القبلية تجابهنا كل صباح. وهناك شئ يبدو غريبا في هذا الصدد وهو ليس كذلك اذا نظرنا إليه علي ضوء هذه المقولة : النخبة السودانية في عمومها اتفقت علي (لاتعريب) السودان في خط يمتد من تقليل وجود الهوية العربية الي حد العدم وينتهي الي مزجها بغيرها مما يستولد هوية ( سوداناوية ) ومع ذلك ينشأ ويتزايد تفتت هذه النخب نفسها الي هويات اصغر من السوداناوية، كما يشهد التصاعد في وزن الحركات الاقليمية- الاثنية. لماذا إلتفتت مع وجود الاجماع علي ( السوداناوية ) كهوية ؟ السبب هو ان جذر الازمة، كما ذكرت سابقا، ليست مسألة وحدة الهوية او تعددها او تعريفها وانما ازمة ديموقراطية.

 

 

* كيف تقرأ المستقبل السوداني على ضوء مجريات الواقع السياسي، هل هناك ما يدعو إلى التفاؤل في ما يتعلق بالوصول إلى حل للإشكال المجتمعي السوداني التاريخي؟

 

 

علي ضوء مجريات الواقع السياسي ليس هناك مايدعو للتفاؤل ولكن علي ضوء مجريات النشاط المجتمعي المدني زائدا الثقافي والادبي بالذات هناك بصيص أمل.  السياسة السودانية تقوم علي تصور بأن سر الازمة سياسي بينما هو، كما يرد في السؤال، مجتمعي وتاريخي. اردد دائما هذا المعني في ما يتاح لي من فرص كتابات  قائلا ان أستحالة الديموقراطية عندنا لاتعود بصورة أساسية إلي ضعف الاحزاب وإنقلابية العسكريين مع او دون تحريض حزبي، وإنما الي انعدام البنية التحتية للديموقراطية التي هي سيادة العقلانية والتنوير في المجتمع. هاتان الكلمتان تلخصان سر نجاح الديموقراطية في الغرب حيث توفرت حاضنتها التنويرية نتيجة عصر التنوير (الثوره الصناعية، فكر التنوير، الاصلاح الديني). وفي دول اخري مثل اليابان والهند وكوريا الجنوبية وماليزيا إستقرار النظام الديموقراطي هو الذي مكن من ترسيخ العقلانية والإنفتاح التنويري لأنه آلية التراكم والتفاعل الحر لخبرات المجتمع المستحيل في ظل الأنظمة لشمولية .. وبالمناسبة فإن دولا افريقية عديده مثل ليبريا وسيراليون تشرع الآن بنفس الاتجاه بعد ان نجحت في تكييف علاقتها بالغرب بما أخرجها من الحروب الاهلية وضمن لها ردع ميول وقوي الفوضويات والانقلابات ريثما يتكفل رسوخ النظام الديموقراطي بذلك، ويبدو لي ان لمسيحية بعض هذه الاقطار وعدم وجود صراعات مصيرية بينها وبين الغرب، امريكا وبريطانيا وفرنسا بالذات في بعضها الاخر او فهمها السليم لكيفية خوض هذه الصراعات، علاقة بالموضوع.

 

 

عندنا لأسباب معينه لم يحدث لا هذا ولا ذاك، أي لا تجربة التنوير الغربي كانت ممكنة ولاتجربة العالم الثالث الآسيوي والآن الافريقي، لذلك فإن عصر تنويرنا الخاص لاسبيل إليه الا من خلال نفس الرحم الذي نشأ فية بصيص منه خلال عشرينات القرن الماضي وهو التعليم الحديث المتفتح وليس الثورة  التعليمية الحالية فهي في الواقع ثورة تعليمية مضاده. إصلاح النظام التعليمي ينبغي ان يكون القضية المحورية للمعارضة ولكن بما أنه عُملة غير مبرئة للذمة في سوق الشعارات الكبيرة واساليب الصراع التقليدية مع الحكومات فهو مركون. من هنا فإن المدرسة الوحيده المفتوحه لتعليم الديموقراطية هي نشاطات المجتمع المدني حيث يتعلم الفرد السوداني كيف ينتخب ويحاسب من ينتخبه، طبعا في الحدود التي تسمح بها قيود تدخلات السلطة، وكذلك المراكزالبحثية والدراسية مثل مركز الدراسات السودانية. اما الانتاج الادبي وهو مزدهر عندنا، إذ أن طبيعته تجعل منه وسيلة لتحضير ذهن الانسان ونفسيته لإستقبال الافكار والتوجهات غير المألوفه لأنه مجال إنطلاق الخيال والتناول الفني لقضايا يصعب تناولها في الانتاج الفكري والثقافي.

 

 

كذلك هناك مدرسة معاوية محمد نور للاستنارة. هذه الشخصية نموذج للمثقف السوداني الذي تعرف علي الغرب الاوروبي بعمق وشمول بينما إقتصر تعرف اوائل مثقفينا عليه سياسيا وبعدهم، جيل مابعد الاستقلال، عرفوا اوروبا الشرقية الاشتراكية اكثر من الغربية. إحياء ذكري معاوية إحياء لتقليد التعرف المنتج علي الغرب .. تعرف نقدي ولكنه غير انقطاعي يميز بين صراعاتنا معه والاستفادة القصوي من حضارته بما فيها، إذا دققنا النظر، كيفية معارضة هذه السياسات وإفشالها بإستخدام الادوات التي تتحيها أنظمة الديموقراطية وليس كما نفعل عربيا واسلاميا الآن بتسليم راية الصراعات الي اقل قطاعات النخبة اقتناعا بالديموقراطية تحت مسميات المقاومة والممانعة. 

 

 

*ما هي تصوراتكم لحل أزمة دارفور، وكيف يمكن الوصول إلى سلام دائم؟

 

 

(ــ) كما قضية الجنوب سابقا، قضية دارفور حلها النهائي والسلام الدائم يكمن في تفكيك الازمة العامة وكما قضية الجنوب ايضا فقد ثبت ان المجتمع وبالتالي السياسة السودانية عجزت عن تفكيك هذه الازمة لعجزها في عملية التأسيس الديموقراطي لذلك لم يحدث تقدم حقيقي بصدد القضية الا عندما اضحي لدي القوي الدولية الفاعلة مصلحة في أوللتها، اعطائها الاولوية، فكانت نيفاشا. هذه انهت الحرب وفيها ايضا ما يمكن ان يفكك الازمة العامة، أعني نصوص الاتفاقية حول التحول الديموقراطي وماترتب عليها في الدستور ولكن هذه تبقي نصوصا ميتة لأن الشمال ميت سياسيا، اي ليس لدي حركته السياسية الوزن الكافي لإبطال جهد السلطه الراهنة في عدم إحياء هذه النصوص، والحركة الشعبية لايمكنها ان تحل محل الحركة السياسية الشمالية. لذلك فأن نيفاشا عمليا لاتساهم في تفكيك الازمة العامة وتاليا الجنوب الي انفصال مؤكد في عقل قياداته السياسية. ما الذي يغريها  علي ان تعيش في دولة واحده حتي ولو كانت بنظامين ولكن الاقوي منهما يحاول فرض الشريعة الاسلامية بصيغتها التي تجعل من غير المسلم بالكاد آدميا يحسد المواطنين من الدرجة الثالثة علي امتيازاتهم. العارض الوحيد امام الانفصال الآن اصبح غير ذاتي أي خوف الغرب من نشوء دولة ستكون معتمدة عليه وفي منطقة ملتهبة مع جار متعب او نشوب صراعات  قبلية.  نفس الشئ تقريبا سيحدث بالنسبة لدار فور، ستظل تراوح بين الحرب وسلام لايعني سوي انعدام الحرب حتي تتدخل اطراف اجنبية فاعلة فيتحقق شبه حل لأن الحل الكامل بعيد او قريب بقدر بعد او قرب السير علي طريق تفكيك الاطار العام لقضية دارفور والشرق والنوبيين والبقية تأتي، حتي العرب، العرب لم يعودوا كذلك فهم الآن جموعية ومسيرية وبطاحين وغير ذلك. الكل عاد الي الروابط التي ولد فيها جده الكبير بعد ان تهرأت الروابط  الوطنية السودانية التي اكتسبتها البلاد في العصر الحديث تحت وطأة إزمان الازمة العامة.   .

 

 

*هل ترى أي غياب في القيادة السياسية الوطنية المجمع عليها والقادرة على وضع التصورات الفكرية لما ينبغي أن يكون عليه واقع الدولة السودانية؟

 

 

(ــ) من غير الإنصاف مساواة جميع القيادات السياسية الراهنة في قصر القامة ازاء مهمات البناء الوطني، فبعضها أكثر جدية ومساهمة من غيره. من بين الاحزاب الشيوعي اكثر من غيره وإن كنت اوشك علي اضافة كلمة سابقا لانه يبدو وقد تخلي عن ريادته الفكرية متمسكا بتفريق غير قائم موضوعيا بين الماركسية كمنهج وتطبيقات، ومن بين الشخصيات الصادق المهدي وإن كان البون بينه وبين حزبه كبيرا. علي أن الجميع احزابا وشخصيات متساوون في كون فعاليتهم  اقل بكثير من القدر اللازم لإحداث إختراق حقيقي لأن الازمة في المجتمع وليست في الاحزاب والقيادات اساسا كما ورد في اجابتي علي السؤال السابق وشرحت في كثير من المناسبات.

 

 

*الإنتخابات القادمة في فبراير 2010 ، هل تستطيع أن تحدث تغييرات جوهرية في طبيعة العمل السياسي الحكومي والمعارض، خصوصا إذا دخلت قوى المعارضة في تحالف ضد المؤتمر الوطني؟

 

 

(ــ) هنا شرط إمتناع لإمتناع. القوي المعارضة لن تتحالف رغم بديهية ذلك، لمصلحتها ومصلحة البلاد العليا ولذلك لن يحدث تغيير ـ نحو الاحسن اقصد ـ أما في الاتجاه العكسي فالمدي مفتوح. سبب عدم تحالف المعارضة ليس عدم الإكتراث بهاتين المصلحتين وإنما لأن الثقافة الديموقراطية معدومة في المجتمع وبالتالي في الاحزاب. هناك بؤر ونوايا ديموقراطية، ولكنها كموجه قوي مستقر في العقليات للحسابات والسلوكيات السياسية غير موجودة لدي معظمنا لأننا أبناء مجتمع وتجارب تاريخية لاتنمي الديموقراطية.    

 

 

بالعقل ومصلحة جميع الاحزاب علي المدي البعيد والمصلحة الوطنية علي المدي القريب المتمثلة في تحجيم المؤتمر الوطني، التحالف الأمثل هو تحالف سياسي جامع للكل عموده الفقري حزبا الامة والحركة الشعبية لأنهما الاقوي نسبيا بالمقارنة لكافة الاحزاب الاخري. علي اساس هذا التحالف يمكن توحيد ترشيحات المعارضه في الدوائر بمعيار الاقدر علي  الفوز مايسمح ايضا بدخول مرشحين من بقية احزابها الاخري في بعض الدوائر التي يكون فيها واضحا ان حظوظ الحزبين (الكبيرين) اضعف من حظوظ الحزب المعين.  كما يمكن علي اساس مثل هذا التحالف الاتفاق علي مرشح واحد لرئاسة الجمهورية هو الصادق المهدي علي ان تتسلم الحركة رئاسة الوزارة بإتفاق يتضمن فيما يتضمن تعديل الدستور لاحقا لتقاسم مرض للطرفين للسلطات بين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء. ترشيح سلفا كير للرئاسة غير مضمون النتائج في شمال اضحي وعية الديني الاسلامي والقومي العربي متخلفا اكثر مما كان عليه في اي وقت مضي ولن ينتخب رئيسا لاتنطبق عليه هذه المواصفات.  ولكن هذا التحالف لن يحدث للسبب الجوهري الذي اشرت إليه فالسياسة هي فن الممكن والتنازلات وهذه غير ممكنة دون سيادة العقلية الديموقراطية. غير ان هناك اسبابا اخري ايضا. الحركه عليها دين جنوبي كبير بسبب التضحيات التي قدمها اهله لها ولايمكنها المجازفة بما يمكن ان يتحقق للجنوب مع المؤتمر الوطني بالتحالف مع معارضة شمالية ضعيفة ولاتدرك سر ضعفها بما يمكنها من بداية معالجة هذا الضعف. 

 

 

*الإستفتاء على تقرير المصير: إلى أي مدى يمكنك التفاؤل بنتيجته فيما خص وحدة السودان، وإذا قدر للجنوب الإنفصال هل تتوقع أن تموت فكرة (السودان الجديد) التي دعا إليةا الزعيم السوداني الراحل جون قرنق؟

 

 

(ــ) الانفصال متحقق واقعيا في المشاعر والأفهام وليس في الجنوب فقط ولن يمنعه في الجنوب، المرشح الاول للإنفصال، إلا الصراعات القبلية والارادة الاجنبية التي حققت نيفاشا كما قلت سابقا. واذا قدر لنا استمرار العيش مع بعض جنوبيين ودارفوريين ونيليين إالخ.. إلخ.. سنكون في دولة موحده ولكنها ستكون موحدة شكليا الي درجة بعيده في تنازع مزمن للسلطات والثروه بين المركز والاقاليم لأن السودان القديم حي يرزق بأكثر مما كان عليه في اي يوم من الايام ممسكا بأعنة السلطة حتي عيل صبر الاطراف فراحت تبحث عما يبعدها عنه وفق فهم خاطئ بأنه المركز او الوسط بينما السودان القديم هو عقلية موجوده لدي قطاع معين من النخب أينما وجدت. النقط الهامة هنا أن اطروحة السودان الجديد كانت موجودة شماليا قبل وجود الحركة الشعبية وانما بإسم مختلف هو الحركة التقدمية والاشتراكية خاصة وساهم فيها جنوبيون مثل جوزيف قرنق. هذه ذبلت لأن مكونها الديموقراطي كان ضعيفا وعندما عادت الأطروحة للحياة تحت مسمي السودان الجديد مستمدة قوتها من قوة الحركه ومن كاريزمية جون قرنق الاستثنائية كان البيئة الشمالية الحاضنة لها قد جفت بعد ان هيمن عليها السودان القديم الجديد شكليا ممثلا في الاسلاميين. الأطروحة ستظل حية ولكن في شكل بؤر صغيره غير مؤثره الا اذا ادركت سر الجفاف وكيفية معالجته والحركة الشعبية لكي تتمكن من شق طريق للاطروحة مواجهة بنفس التحدي الذي واجه الصيغة الشمالية للاطروحة. قطاع الشمال لازال تحت الإختبار وليس هناك مايدعو للإعتقاد بأنه سيتمكن من تجاوز العقبة التي سدت الطريق علي نمو قوي السودان الجديد الشمالية إذا لم يدرك سر جفاف منابعها. وليس هناك دلائل علي ذلك.

 

 

*هل أضعف بروز التيارات والأفكار (الإثنية أو الجهوية) إلى سطح العمل السياسي الهمة القومية في كل مناحي الحياة، وهل ترون أن هذه التيارات والأفكار ستختفي في حال الوصول إلى سلام دائم في كل أنحاء القطر عبر تسوية قومية؟

 

 

بصراحة واذا كان لموقفي اي اهمية انا ضد الحركات التي تجسد هذه التيارات لانها تشق وتبعثر نخب المجتمع المتعلمة وتشوه وعيها فتزيد طين تبعثرنا وتشوه وعينا به.... مع مطالبها التنموية وحتي حقها في استخدام القوه  ولكن فهمها لجذور مشكلة تخلف مناطقها او تهميشها معطوب وخاطئ كلية بينما الاستعداد للتضحية والاعتماد علي الروابط القبلية والجهوية يشل قدرة النخب المنتمية للمنطقة المعينه علي مخالفتها ونقدها ويضع السلاح في غير مكانه. المسألة كما اعتقد ليست مسألة نصيب في السلطة والثروه كما تطرح هذه الحركات وإنما نصيب في الديموقراطية. السودان كله عاني ويعاني من مجاعة ديموقراطية طاحنة منذ الاستقلال هي التي جعلت التنمية حلما، متوازنة كانت أو مختلة. فالموجود منها في الوسط تبدد ( مشروع الجزيره كمثال ) ومايتحقق منها تحت ظل الانظمة المغلقة ديموقراطيا مع اسعار البترول سيذهب الي مجاري الفساد وإلي دائرة طبقية – سياسية محدوده فالثروة والسلطة غير المحروستين بنظام تشريعي وقضائي وحزبي حر معرضتان للنهب وسوء الاستخدام. هل هذا مايريده قادة هذه الحركات حقا لمناطقهم؟ بدون التركيز علي مطلب الديموقراطية والمساهمة في كيفية تنميتها وحل معضلاتها في واقعنا السوداني والعالمثالثي المسلم عموما، هذه الحركات تمهد في الواقع لتكرار تجربة المركز الذي تثور ضده وتهدر الاف الارواح  فيكون عندنا خرطوم فاشرية واخري حلفاوية وثالثه بجاوية والحبل علي الجرار. 

 

 

لانريد لهذه الحركات ان تكرر بطريق اخر تجربتنا نحن الاشتراكيين ( السابقين ؟) الفاشلة إذ حاولنا تقديم ما أسميناه الديموقراطية الشعبية التي تستثني الرجعيين، المقرونة بالتركيز علي مصالح المناطق والطبقات المحرومة ولكن ثبت بالدليل القاطع وحتي إشعار تاريخي آخر، مثل الانهيار الكامل للمعسكر الاشتراكي، انه لاتوجد سوي ديموقراطية واحده هي الليبرالية او سمها ما شئت ولكنها القائمة علي الحرية التي تضبط نفسها بقوانينها النابعة منها.  البشرية لم تخترع بعد نظاما سياسيا افضل من هذا  لتنمية الثروة القومية وتوزيع ثمارها بأقصي قدر ممكن من العدالة علي الاقاليم والطبقات بالضبط لأن الحرية تمكنها من ممارسة الضغوط  وتصحيح سياسات الحكومات.

 

 

*فكر الاحزاب والتنظيمات السياسية: هل يتحمل نتيجة الفشل السياسي، أم أن قواعد هذه الاحزاب تتحمل أسباب ضمور هذه الأحزاب ما أدى إلى فشل قياداتها؟

 

 

عطفا علي اجابة السؤال السابق وماقبلة فأن القاعدة السليمة القائلة بأن القيادة تقود فكرا وتخطيطا وعملا ومن ثم هي مناط المسئولية والمحاسبه لم تعد قائمة عندنا لأنها صحيحة فقط في ظروف التطور العادي ام في اوضاعنا الحالية حيث تغلغلت الازمة في صميم المجتمع وقلبه فإن القاعدة والقيادة معا يتفتتان ويعيشان حالة توهان وتخبط  يصعب معها تحميل القيادة المسئولية فهي لاتستطيع ممارسة مهماتها إلا اذا توفر حد ادني من الحيوية في القاعدة وهذا شرط معدوم حاليا.  

 

 

*أيهما أقوى تاريخيا في تجربة دولة ما بعد الاستقلال: صراع الةوامش الجغرافية مع الدولة المركزية، أم صراع الآيدلوجيا والدولة؟

 

 اجابة هذا السؤال هي في الواقع مزيج من الاجابة علي السؤال الاخير والسؤال رقم 7 بمعني انه في المرحلة الاولي بعد الاستقلال وحتي السبعينات كان الصرع بين الدولة والايدولوجية اليسارية لان فترة الصراع بين الدولة والايدولوجية اليمينية الدينية كانت قصيرة للغاية وانتهت بالتماهي بينها وبين سلطة الدولة. وبعد هذه المرحلة اصبح الصراع الغالب هو بين الدولة والهوامش الذي سينتهي بنا الي دول.*المثقف سوداني: ماهي حسناته وعيوبه وهل يتحمل بعض الوزر في فهم كيفية العلاقة بين السلطة والمثقف ما بعد فترة الاستقلال؟

أزعم ان  الحديث عن مثقف سوداني بالمعني الكامل والصحيح لهذه الكلمة ينبغي ان يكون بتحفظ. فالمقياس هنا هو ان تكون كلمة المثقف نوعية وتثير زوبعة فكرية وتترك بصمة في التاريخ وثانيا ان يكون جزء مجموعة تضاهيه في نوعيتها وليس في توجهها لان سنونوة واحدة لاتصنع الربيع، لاتصنع ظاهرة المثقف النوعي فالحديث عن المثقف وتأثيره هو بالضروه حديث عن مجتمع مثقفين بهذا المعني. بهذا المعني قد يوجد عندنا بضعة افراد مثقفون ولكن لاتوجد ظاهرة مثقفين تصنع تأثيرا  في تحديد العلاقه مع السلطه او غير ذلك. السبب هو ان ظروفنا التاريخية فرضت علي اوائل المتعلمين، بذرة المثقف كظاهره، وحدة توجه ونمطية وحكمت علي تطورهم النوعي بالنقص. من جهه البيئة السودانية لم تكن ولازالت بيئة  استنارة/تنوير اوعلي الاقل بيئة مخاض التنوير علي الغرار الذي عرفته اوروبا فهذه شرط وجودها، تفكيك القيود علي عقل الانسان وتمكينه من ان يصنع خطوطه الحمراء بجهوده ومن داخل حريته وليس من خارجها وهي البيئة المحفزة لوجود المثقف- الطاهرة. من ناحية اخري أولوية ما بعد الاستقلال كانت البناء الاقتصادي- الاجتماعي وهذا إجتذب الثقل الاكبر للمتعلمين نحو اليسار والاشتراكية بألوانها المختلفه ما أدي الي تعطيل تحولهم الي مناخ لإنتاج المثقف النوعي لأنه حكم عليهم بالنمطية والتشابه ومن ثم قلة الجدل والاختلاف المنتج الخصب والاخطر من ذلك التخلي الطوعي عن حرية عقولهم كثمن بدا بخسا في ذلك الحين لحرية الطبقات الشعبية من الفقر والاستغلال. ففكريا وتطبيقيا النموذج الاشتراكي كان يقوم علي مبدأ الحرية لنا، نحن الشعب والتقدميين الخ.. الخ.. وليس لسوانا من الرجعيين الخ.. الخ.. وهذا ماجعل نقدهم المشروع لسلطة مابعد الاستقلال التي تخبطت في مسيرتها معطوبا ذاتيا فساعدوا بذلك علي هدمها دون بذر بذور العقلية البديلة المستنيرة الديموقراطية لأن فاقد الشئ لايعطيه وهذا مامهد لنمو عقلية المتعلم المنغلق حقا متجها اسلاميا لدي جيل ما بعد الاستقلال الثاني مستلما السلطة التي لم تحقق حرية ولا أمنا اجتماعيا- اقتصاديا واتسعت الهوة بينها وبين مشروع المثقف السوداني بالمعني الذي حاولت شرحه الي اقصي درجة عرفها تاريخ هذه السلطه وتاريخ هذا المثقف- المشروع.

 

 نقلا عن صحيفة الأحداث

 

آراء