عجزت عنها دول المنطقة وفعلتها مصر! … تقرير: حسن الجزولي
شعوب المنطقة ومصر تشاهد الرئيس المصري المخلوع بائساً داخل قفص الاتهام!.
* المنطقة تشهد أول تطبيق لشعار المساواة أمام القانون!
* أبلغ وصف لوقائع الجلسة القضائية أنها محاكمة العصر!.
تقرير: حسن الجزولي
شهدت كبرى قاعات أكاديمية الشرطة، بطرف العاصمة المصرية، ما اتفق الاعلام المصري والعربي، على وصفه بمحكمة العصر، حيث توجهت أسماع وعيون وقلوب ملايين الجماهير، جنباً لجنب مع الشعب المصري ، نحو قاعة المحكمة بواسطة أجهزة التلفزة، لمتابعة حيثيات أولى الجلسات في محاكمة حسني مبارك، رئيس جمهورية مصر المخلوع ونجليه جمال وعلاء، إلى جانب حبيب العادلي، وزير الداخلية السابق وبعض معاونيه، بالتهم الثلاثة الموجه إليهم، والتي تنحصر في قتل المتظاهرين، سرقة المال العام، ثم تصدير الغازلاسرائيل بثمن بخس.
وهي محاكمة كان يمكن أن تتم بكل عادية، في دول الديمقراطيات الغربية، ولكنها في مصر، فقد إنتظر شعبها نحواً من 60 عاماً لتتاح له الفرصة لمشاهدة مثل هذه المحاكمة، دع عنك أماني شعوب أخرى بها في المنطقة!، ولذا فإن الشعب المصري، أمكن له ريادة هذه الظاهرة، خلافاً لكل دول المنطقة التي ناضلت شعوبها طويلاً، من أجل أن ترى حكامها الذين جثموا على أنفاسها وهم داخل أقفاص المحاكم!.
وفي إشارة للقلق والضبابية والتضارب الذي لازم الجماهير المصرية وساعات عقد المحكمة تقترب رويداً، فقد توزعت التكهنات ما بين جازم بانعقادها ومشكك في مواعيد انعقادها! ولذا فإن كثيراً من المراقبين، يصفون اللحظة التي نطق فيها الحاجب بكلمة محكمة، كأعلان رسمي بافتتاح محاكمة الرئيس السابق لمصر ونجليه، بأنها لحظة تؤسس لعصر جديد، تُمنح فيها مصر وشعبها شهادة ميلاد جديدة، وبأنها دخلت بالفعل لمرحلة سيادة القانون ومساواة المواطنين أمامه، كما هي رسالة واضحة لكل القادة القادمين لحكم مصر، بأن لا كبير على القانون وسيادته، وبأن على كل مسئول أن يضع نصب عينيه بأن لا كبير على القانون، وأن أي من هؤلاء لن يفلت من العقاب، لاهو ولا "أبنائه" أو "أخواله"، إذا ما خرج على القانون، أو حاول أن يؤسس لدولة الفساد!.
وتأتي المفارقة في أن القاعة، التي شهدت قبل ستة أشهر فقط، دوي عاصف بالتصفيق الحاد، لخطاب رئيس الجمهورية المخلوع، وهو يطرح برنامج سياساته والجماهير تصتنت إليه، هي ذات القاعة التي تشهد اليوم، مثول نفس الرئيس وهو يستمع لصحيفة الاتهام الموجهة له، فيما يخص نفس تلك السياسات السابقة!.
ولقد أمكن آخيراً عقد أولى جلسات هذه المحكمة، بعد ضغوط شعبية إشتعل فيها الشارع المصري - لاسيما ما شهده مؤخراً ميدان التحرير - باعتصامات جماهيرية بارزة ومتكررة، للضغط من أجل التسريع في هذه المحاكمة، التي أمكن عقدها، بحكم مطالب الشرعية الثورية، وواقع الثورة وقوانينها، وليست بفعل دعاوى قضائية عادية، حيث عبرت قطاعات واسعة من الشعب المصرى عن تطلعها، لمجرد أن تشاهد من سامهم مر العذاب وأهان إنسانيتهم، داخل قفص الاتهام، حتى تطمئن نفوسها، إلى أن عصراً جديداً، قد تأسس في بلادها، ضمن مكاسب الثورة ومقابلاً موضوعياً وعادلاً على الأقل لدماء شهدائها، سيما وأن الشكوك، بدأت تتزايد حول الجدية في القصاص، من جناة العهد السابق، حداً وصل للتشكيك في مواقف ونوايا المجلس العسكري، الذي يحكم الفترة الانتقالية، وقد جرت الاشارة في الشأن بأن محاكمة مبارك، قد عقدت آخيراً، بعد أن تم "إبطال مفعول المماطلات من قبل بعض الدوائر" ولهذا السبب وحده، ربما أنه تم إبطال مفعول "فكرة " حسني مبارك، بأنه ليس في حوجة للهروب إلى خارج الوطن، عندما كانت الفرصة متاحة له بذلك، طالما أنه يستطيع "التهرب" من المسائلة وهو داخل بلده، ولا يستطيع أي شخص أن "يهوب" ناحية سيادته!.
بدأت أولى جلسات المحكمة بالنظر في الاجراءات التنظيمية والادارية التي إستغرقت جل زمن الجلسة، وصف فيها بعض المراقبين، إدارة المستشار أحمد رفعت رئيس هيئة القضاة للجلسة، بالكفاءة القانونية والاستقامة وقدرته على الظهور، بمظهر القاضي المستقل، وبمنأى عن أي فكرة مسبقة وأنه بعث برسالة للجميع، مفادها أنه كقاضي مؤهل بـ" سداد الفكر واستقامة الحال" باحثاً عن الحقيقة قبل الادانة، وسيسمو على أي تأثير وأنه سيرفع راية الانصاف والعدل، بالتعامل مع الشك لصالح المتهم حتى تتأكد الأدلة باعتبارها فوق مستوى الشبهات!.
قدم الدفاع مجموعة طلبات، وصفها بعض المتابعين بأنها دفوع للاستهلاك الاعلامي ومحاولات منه لممارسة حيل قانونية لصالحه للمماطلة وكسب الوقت! كالطلبات المتكررة بالاحالة والضم، وإعطاء مهلة لشهر على الأقل لدراسة القضية وتغيير التهمة المتعلقة بالقتل العمد إلى الاهمال!. من الجانب الآخر فقد قدمت هيئة الاتهام طلباتها التي لوحظ فيها أنها تهدف إلى تحويل المحاكمة إلى محاكمة نظام وليس أشخاص وكشف أكبر قدر من وقائع التجاوزات التي مارسها العهد السابق، وهو على سدة الحكم، وذلك بطلبها ضم بعض الشخصيات السابقة من المسئولين لقائمة الاتهام، ثم السماع لشهادة عدد من الشخصيات العامة كالمشير طنطاوي رئيس المجلس العسكري الحاكم ووزير الدفاع السابق ثم عمر سليمان رئيس المخابرات العامة السابق إضافة لعدد من المسئولين السابقين – وهو ذات الطلب الذي تقدم به الدفاع ولكن كل من منطلقاته!.
عند عودة المحكمة للانعقاد، بعد فترة المداولات التي نظرت في الطلبات والدفوع، كانت أهم أحكامها تتعلق برفض الدعوى المتعلقة بفصل الدعاوى مرة أخرى، إيداع الرئيس السابق مستشفى المركز الطبي العالي وتوفير الرعاية الطبية اللازمة له، وآخيراً تم رفع الجلسة لتعاود إنعقادها في الخامس عشر من الشهر الجاري.
وتسائلت بعض الأطراف المحللة للحالة، ما إذا كانت بالفعل هي محكمة حقيقية أمكن عقدها بعد أن دالت الأمور للثورة، أم أنها ليست سوى حيلة من الثورة المضادة، لجبر الخواطر مؤقتاً، بتقديم كبش فداء من "ذوي الوزن الثقل" للتحايل والاتفاف على المطالب الأساسية للثورة لاحقاً، والتي تتجلى في استمرارها والوصول بها لآخر الأشواط!.
لقطات من الجلسة:-
* لم تشهد المنطقة مثل هذه المحاكمة، أو تسبقها سوى محاكمة فقيرة غير مكتملة للرئيس السوداني السابق الفريق إبراهيم عبود ومعاونيه ثم أُطلق سراحهم بعد فترة وجيزة، وهم الذين تآمروا على النظام الديمقراطي الأول بانقلابهم الذي تم في السودان عام 1958 واستمر لمدة ست سنوات إنتهى بثورة 21 أكتوبر في 1964!.
* ظهر الرئيس المخلوع، وهو في حالة صحية مكتملة، خلافاً لما سبق وتردد عن سوء حالته الصحية، ومرورة بحالة أغماءة مستمرة وتدهور في وضعه الصحي، ما أدى لتأجيل إعلان مواعيد محاكمته، مما يشير إلى أن ادعاء المرض كان تحايلاً فقط!.
* ظهور الرئيس السابق وهو مستلقي على سرير طبي، أكد ما قد أشار إليه بعض المراقبين، بأنه سيجبر على المثول أمام المحكمة، إذا ما أصر على ادعاء المرض!.
* لوحظت محاولات نجلي الرئيس السابق، حجب والدهما عن كاميرات التلفزة والمشاهدين، وهو مستلقي على سرير المرض داخل قفص الاتهام!.
* لوحظ جلوس حبيب العادلي وزير الداخلية السابق لوحده في قفص الاتهام بعيداً عن معاونيه وهو يرتدي زي المساجين، بحكم الادانة والحكم السابق عليه في قضايا سابقة!.
* سمح القاضي لكل أهالي الشهداء، الذين منعوا من دخول قاعة المحكمة بمتابعة إجراءاتها في الجلسات القادمة.
* مطالبة الاتهام بإلزام رئيس الجمهورية السابق، دفع مبلغ مليار جنيه مصري كتعويض مؤقت نتيجة للتلف والخسائر، التي أصابت بعض المرافق العامة أيام الثورة!.
* أحد محاميي الدفاع طلب مثول أكثر من الف شخص للادلاء بشهادتهم لصالح متهم واحد فقط!.
* أغرب الطعون تقدم به أحد المحامين، متشككاً في شخص من يستلقي على السرير المرضي، باعتباره ليس الرئيس السابق، وإنما آخر منتحلاً شخصيته، وطالب بتحليل حمضه النووي!.
* الطريقة السوقية لجمال مبارك، التي سد بيديه بها عدسة كاميرا التلفزيون، لحظة تصويرها له، وهو يهم بركوب العربة العسكرية المصفحة، التي ستعيده لمعتقله، مما أجبر أحد مقدمي البرامج في، التلفزيون المصري من داخل الاستديو ليعلق على الموقف قائلاً " تعزً من تشاء وتذل من تشاء"!.
* 53 حالة كانت حصيلة الاصابات التي وقعت خارج المحكمة، بين عدد من أنصار الرئيس السابق، وجموع غفيرة من مناصري الثورة المصرية.
* أما بنيامين بن اليعازر وزير الدفاع الاسرائيلي السابق، فقد وصف بأسف يوم المحكمة بأنه يوم حزين، وأن الشعب الذي أحب رئيسه من قبل، قد أدار له ظهره اليوم!.
hassan elgizuli [elgizuli@hotmail.com]