عرمان في أول حوار بعد الانتخابات 3-4: قضايا النوبة ودارفور عصية على القمع.. والضحايا قادمون!
12 May, 2010
عرمان في أول حوار بعد الانتخابات لـ أجراس الحرية وسودانايل
(3-4)
قضايا النوبة ودارفور عصية على القمع.. والضحايا قادمون!
الوحدة الطوعية والاستفتاء وجهان لعملة واحدة
جمهور الحركة محصّن ضد أكاذيب الصحف "النازية والفاشية"
الحركة الشعبية باقية في الشمال حتى في حالة الانفصال
سياسة"الخيار والفقوس" لا تنفع وعلى"الوطني" العودة إلى طريق نيفاشا
مشروع السودان الجديد عابر للجغرافيا والإثنيات
حوار/ رشا عوض
حملنا كل ما يتردد من تساؤلات في الشارع السياسي السوداني المعارض حول تجربة الانتخابات ووضعناها بين يدي مرشح الحركة الشعبية لرئاسة الجمهورية(المقاطع) صاحب شعار(الأمل والتغيير)، ياسر سعيد عرمان فوجدنا لديه مائدة سياسية وفكرية مضيافة، كما وجدنا روح التحدي والتصميم لم تفارقه، فما زال مراهنا على التغيير، مستعصما باعتقاده في السودان الجديد، مبديا مهارة فائقة في المزاوجة بين التحليق في الفضاءات الثورية بأفكارها وأحلامها والسير باتزان في واقع مثقل بالمثبطات والمتاريس ومحاط بالتحديات، فقلّبنا معه أوراق التجربة الانتخابية منذ الترشيح مرورا بالانسحاب وصولا إلى الموقف من النتيجة، كما توقفنا معه كثيرا عند محطة الاستفتاء ومعركة تقرير المصير، وكيفية التعامل مع الحزب الحاكم في هذه المرحلة ومستقبل تحالف جوبا، ومستقبل الحركة الشعبية ومشروع السودان الجديد في حالة الانفصال فكان هذا الحوار،
* بما أن انفصال الجنوب أصبح شبه مؤكد هناك تساؤلات حول مصير الحركة الشعبية وتحديدا مصير قطاع الشمال ومشروع السودان الجديد، فهل فكرتم في مرحلة ما بعد الانفصال ماذا سيحدث للحركة الشعبية ولقطاع الشمال؟
ـ في التاسع من يناير القادم سأكون قد أمضيت ربع قرن في الحركة الشعبية، فنحن في الحركة لسنا كمن دعى الى دعوة تنتهي بانتهاء المراسم، بل أمضينا فيها وقتاً طويلاً اكلنا قمحها في الزمان السمح والزمان المر! ولذلك لا يمكن في أوقات الشدة أن نتعامل بأي شكل يؤدي الى اضعاف الحركة الشعبية أو يؤدي الى عدم تحملنا للمسؤولية فسوف، نبذل كل الجهود لتكون الحركة الشعبية موجودة وحاضرة وقائدة، والصور التي ترسمها لنا الصحف الفاشية والنازية التي تستثمر في الكراهية والعنف والفتن مثل صحيفة "الانتباهة" غير مؤثرة، وجمهور الحركة الشعبية لديه مناعة وحصانة كاملة ضد الأكاذيب اليومية التي ترددها هذه الصحف، ولكن لنترك الأكاذيب وننتقل الى تربة الواقع الأمينة والحية، مشروع الحركة الشعبية عابر للجغرافيا وعابر للإثنيات وهو مشروع انساني للعيش المشترك يدعو الى توحيد السودانيين كسودانيين، يدعو السودانيين لأن يكونوا سودانيين قبل أن يكونوا عرباً أو أفارقة.. مسلمين أو مسيحيين، جنوبيين أو شماليين، فمشروع الحركة الشعبية صالح لكل أفريقيا بل صالح لكل العالم لأنه يدعو الى الاعتراف بحق الاخرين في أن يكونوا آخرين، الاعتراف بالتنوع والتعدد، فالحركة الشعبية سوف تحتفظ بمشروع السودان الجديد حتى اذا انفصل الجنوب ستحتفظ بهذا المشروع في الشمال والجنوب معاً، لأن الجنوب لن يستطيع تحقيق التعايش السلمي إلا إذا أصبح جنوباً جديداً وفق رؤية جديدة تسمح للقبائل واللغات والثقافات والمصالح المختلفة أن تجد ما يجمعها، الانفصال ليس من رغبات الحركة الشعبية ولا دعوة من دعواتها ولكنه يأتي نتيجة للفشل في تنفيذ اتفاقية السلام، النجاح في تنفيذ اتفاقية السلام كان يعني ان ترتيبات الاتفاقية ستكون دائمة مع بعض التعديلات ليقرها شعب الجنوب، ولكن في حالة الفشل سيقر شعب الجنوب الانفصال نتيجة للفشل في تغيير مركز السلطة في الخرطوم.
في الحرب العالمية الثانية في أوروبا قتل أكثر من خمسين مليون اوروبي، واذا دعا أحد الى وحدة اوروبا عام 1945م ربما يتم ادخاله الى مصحة نفسية! ولكن الآن إذا عارض أحد وحدة اوروبا أيضاً يمكن أن يذهب الى مصحة نفسية! فالاوربيون الان يصلحون الاقتصاد اليوناني والبرتغالي، نحن سنظل ندعو الى وحدة السودان على أسس طوعية ان لم يكن اليوم فغداً، فالحركة الشعبية ستحافظ على برنامجها لتوحيد السودان وحدة طوعية في الجنوب والشمال في حالة الانفصال، وفي حالة الوحدة سنستمر في تطبيق برنامجنا، الحركة الشعبية ستبقى في الشمال، فأحزاب الخضر والأحزاب الاشتراكية والأحزاب الديمقراطية المسيحية هي التي وحدت اوروبا نحن سنوحد الشمال والجنوب إذا ما انفصلا، الشمال ايضاً لديه قضايا، فنحن عندما ناضلنا في الحركة الشعبية لم نفعل ذلك مجاملة للجنوب ولم نكن في نزهة، ففي الشمال لدينا قضايا تمتد من السدود الى مزارعي الجزيرة الى عمال الشحن والتفريغ الى دارفور الى جنوب كردفان الى النيل الأزرق ولذلك الحركة الشعبية ستستمر في الشمال كقوة ديمقراطية تدعو إلى توحيد السودان مرة أخرى، وستعمل مع الحركة الشعبية في الجنوب. فكر الحركة الشعبية سوف يتجاوز الانفصال وسوف يتجاوز الجغرافيا وسوف يتجاوز الاثنية فهذا الفكر هو المطلوب في الشمال والجنوب.. نحن مستعدون للعمل من أجل الوحدة الطوعية ليس على أساس "لجنة البشير" (من المحررة: الإشارة هنا إلى اللجنة القومية لدعم البشير في الانتخابات والتي تقرر تحويلها بعد الانتخابات إلى لجنة لدعم الوحدة).. ولكن ندعو إلى الوحدة الطوعية على أساس عمل طوعي ديمقراطي يستجيب لمصالح الجنوب والشمال معاً.
* ما تفضلت بذكره هو توجهات فكرية، ولكن السؤال حول المؤسسات التي تحتضن هذه الأفكار وآليات تنفيذ مثل هذا المشروع فهل التفكير في ذلك من أجندتكم في هذه المرحلة؟
ـ نعم التفكير في هذه الأمور من أجندتنا، فالآن لدينا لجان كوناها في قطاع الشمال، ولدينا قوة كبيرة من القيادات التي ظهرت أثناء فترة الحملة الانتخابية ونريد أن نستوعبها مع القيادات الموجودة في القطاع، لدينا لجنة تنظر في مستقبل الحركة الشعبية في حالة الوحدة أو الانفصال ولدينا أفكار سوف تناقش في مؤسسات الحركة، في المكتب السياسي ومجلس التحرير الوطني، كذلك لدينا لجنة للاستفتاء وبالذات للمواطنين الجنوبيين الموجودين في الشمال، ولدينا لجنة للمشورة الشعبية ولدينا لجنة لدعم عبد العزيز آدم الحلو نعمل من أجل أن يدعم النوبة والعرب عبد العزيز ادم الحلو ليكون حاكماً لجنوب كردفان وقائداً للمصالحة بين العرب والنوبة لدعم العيش المشترك في جنوب كردفان، ولدينا أيضاً لجنة لوضع رؤية سياسية وتنظيمية للقطاع الشمالي في الفترة المقبلة، وكما ذكرت لك الحركة الشعبية سوف تستمر وتتوسع، نحن أيضاً مهمومون بالقوى الجديدة، مهمومون بتكوين تنظيم واسع يمكن أن تكون الحركة الشعبية في داخله، ففي أيام الدكتور جون قرنق سبق أن تحدثنا عن أن القوى الديمقراطية والقوى الجديدة يمكن أن تحافظ على أسمائها وأشكالها و تكون منبراً ضخماً هو (مؤتمر السودان الجديد) التي تجتمع فيه كل هذه القوى دون تذويب لاستقلاليتها، أو أن تبحث عن أشكال أخرى، نحن سوف نعمل مع كل القوى والحركات في الهامش والحركات الديمقراطية في المدن لكي ندخل في جبهة موحدة تدعو إلى رؤية السودان الجديد، جبهة تتكون من حركات الهامش والقو الديمقراطية والمنظمات والأفراد.
* المجتمع الدولي وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية لم يتخذ موقفاً صارماً تجاه ما تم من تزوير في الانتخابات هل مارس عليكم المبعوث الأمريكي غريشن ضغوطاً لكي تقبلوا بنتيجة الانتخابات، وهل صحيح ضغط عليكم للانسحاب حرصا على أن تمر الانتخابات دون مواجهات ؟
ـ هذا غير صحيح، بالعكس غريشن كان يريد للقطاع الشمالي أن يكون جزءاً من الانتخابات وقد ناقش معنا ذلك وقد كان ضد المقاطعة، ولا يوجد شيء اسمه الولايات المتحدة كجسم واحد فاذا قرأت صحف اليوم ستجدين ماذا يقول فرانكولف أحد أصدقاء الحركة وهو عضو نافذ من أعضاء الكونغرس الأمريكي، أمريكا بها مؤسسات مختلفة فهي ليست مؤسسة فرد واحد كما هو الحال عندنا (الكل يتبع برنامج الرئيس).. هنالك من يخالفون أوباما نفسه وهنالك من يخالفون غريشن وهنالك من يتفقون معه.. هنالك البيت الأبيض والخارجية الأمريكية.. وهنالك الكونغرس والخارجية والبنتاغون ومنظمات الضغط الكثيرة، أمريكا سياسات متعددة ومتباينة، هناك من يتفق مع رؤية الحركة الشعبية ويدعمها وهناك من لا يدعمها ولكن الحركة الشعبية كانت ولازالت حركة مستقلة وفي أوقات كثيرة خالفنا سياسة الولايات المتحدة الأمريكية وفي أوقات أخرى اتفقنا معها، فمصالحنا ومصالح الشعب السوداني أولاً، ثم لدينا أصدقاءنا في الإقليم والمجتمع الدولي.
* إذا انفصل الجنوب ألا تخشون أن تنفض عنكم قوى الهامش لا سيما في جبال النوبة ومناطق النيل الأزرق باعتبار أن الانفصال سيجعل هؤلاء تحت تحكّم المؤتمر الوطني ، فالمشورة الشعبية ليست تقرير مصير بل هي مجرد اتفاق على ترتيبات جديدة في قسمة السلطة والثروة وفي ظل هيمنة المؤتمر الوطني الماثلة لا يتوقع أن تحصل هذه المناطق على ما تريد، ألا تخشون أن تشعر هذه المناطق بالخذلان وخيبة الأمل في حالة انفصال الجنوب؟
ـ قضايا شعوب هذه المناطق كانت قبل الحركة الشعبية وستظل بعدها، صحيح أن الحركة الشعبية ممثل حقيقي للدفاع عن هذه القضايا، قضايا النوبة والمهمشين في دارفور والشرق وكل أنحاء السودان، ولكن هذه القضايا ظهرت قبل وجود الحركة الشعبية بقيادة تنظيمات مختلفة وبالذات بعد ثورة أكتوبر 1964م، فهذه قضايا عصية على النسيان وعصية على التجاهل وعصية على القمع، ولا تستطيع السلطة في الخرطوم تجاهلها أو قمعها، وإذا انفصل الجنوب فإن ذلك سيكون محفزاً أكبر لتصعيد هذه القضايا حيث سيرى أهل هذه المناطق أنهم يجب أن يتبعوا طريق الجنوب، وهناك من يلد الضحايا، فالضحايا قادمون، والقمع لن يولد سوى المقاومة، فالقمع سقط على مرّ التواريخ، القمع لم يجدي في جنوب أفريقيا ولم يثمر في فلسطين ولم يثمر في مناطق كثيرة في العالم، ولذلك فإن القمع لن يهزم هذه القضايا التي هناك من يناضل من أجلها وأهل هذه المناطق سوف يتمسكون بالحركة الشعبية بصورة أكبر، والجنوب نفسه لن يكون جنوب البرازيل بل سيكون جنوب هؤلاء الناس الذين تتحدثين عنهم، ولن يكون بعيداً منهم بل سيكون محازياً، السودانيون في مقاومتهم المستمرة لأنظمة القمع ذهبوا إلى اثيوبيا وأرتريا والى مصر والى ليبيا والى تشاد، فلماذا يكون الجنوب بعيداً عن من تتحدثين عنهم؟ نحن نتمنى أن لا يمضي السودان في طريق القمع بل أن يمضي في طريق الحوار، فالحوار وحده هو المفتاح لحل قضايا هذه البلاد، أما القمع فلن يولد سوى المقاومة.
* ما هي توقعاتكم بشأن الاستفتاء، هل تتوقعون أن يتم بسلاسة؟
ـ الاستفتاء يواجه معضلات كبيرة، المؤتمر الوطني يعمل على زعزعة استقرار الجنوب من داخله ومن خارجه، وسيعمل على الإبطاء في الاجراءات الفنية ثم يقول ان هناك حاجة لزيادة زمن الفترة الانتقالية ويدعو إلى تمديدها، وهذا سيكون مرفوضاً وسيجد مقاومة، فنحن ندعو كل المثقفين الديمقراطيين للعمل من أجل الاستفتاء وحق تقرير المصير والوحدة الطوعية، فالوحدة الطوعية والاستفتاء على حق تقرير المصير وجهان لعملة واحدة، ويجب التمسك بهما معاً، ويجب على المؤتمر الوطني أن لا ينقض المواثيق والعهود، وفي هذه المرحلة لابد من النظر الى قضايا البلاد بمنظور متكامل يشمل التحول الديمقراطي ودارفور والاستفتاء على حق تقرير المصير فهذه قضايا مهمة، شعب جنوب السودان قدم تضحيات كبيرة، وهو شعب لا يمكن خداعه، ولا يمكن الوصول إلى ما ينفع السودان إلا بترتيبات دستورية جديدة تؤدي إلى تغيير مركز السلطة في الخرطوم، فالمؤتمر الوطني الآن لديه السلطة كاملة ويجب أن يستخدمها بدلاً من الاستمرار في الطريق القديم الذي لن يؤدي إلا إلى الفتن والحروب، ولن يؤدي إلى إلى تمزيق السودان فالمؤتمر الوطني بدلاً من أن يكتب في تاريخه أنه هو الحزب الذي مزق السودان وأرجعه إلى الحرب من الأفضل له أن يعود إلى نيفاشا مرة أخرى، وبدلاً من أن يسلك طريق التمزيق والحرب الذي يسلكه الآن فإن على قادته العودة إلى نيفاشا والعبور عبر نيفاشا إلى وحدة طوعية وعمل ينفع السودان، والمؤتمر الوطني بإمكانه إذا سار في طريق نيفاشا أن يقدم حلولاً لدارفور ولشرق السودان ولوسط وشمال السودان وأن يعزز فرص الوحدة الطوعية، وفي ذلك سيجد دعماً كاملاً من كل الخيرين في هذه البلاد، أما إذا تمادى في طريق الحرب وطريق الخداع وطريق نقض المواثيق والعهود فإنه لن يجن من هذا الطريق سوى المرارات والخيبات، أما طريق نيفاشا فسوف يجني منه السلام والديمقراطية.
الأحزاب ظواهر مؤقتة وبلادنا أبقى من الأحزاب نفسها ولذلك على المؤتمر الوطني أن يركز على الحفاظ على وحدة السودان على أسس جديدة بدلاً من الحفاظ على السلطة عبر تنظيمية.
* هل هناك حوار الآن بينكم وبين المؤتمر الوطني حول كل هذه القضايا؟
ـ لدينا حوار، ولكن المؤتمر الوطني يتبع في حواراته سياسة (الخيار والفقوس) وعليه أن يعلم أن هذه السياسة لا تفيد، وعليه أن يعلم أن أصواتنا في الحركة الشعبية موحدة وعلى المؤتمر الوطني أن يدرك قبل فوات الأوان أننا في الحركة الشعبية موحدين ففي كل تنظيم سياسي يكون الأخ مع أخيه ضد ابن عمه ولكن الأخوان مع بعضهم البعض ضد الغريب.. والحركة الشعبية حركة ناضجة، المؤتمر الوطني يكرس طاقاته في تفكيكها بدلاً من أن يكرس طاقاته في الوحدة الجاذبة الطوعية، وعليه أن يعلم أن تفكيك الحركة الشعبية غير ممكن فنحن قد سلمنا من الزلل وعبرنا، والانتخابات في الجنوب فاجأت المؤتمر الوطني وأثبتت له أننا سلطة حقيقية، فعليه أن يعلم أن أي محاولة لزعزعة استقرار الجنوب أو زعزعة استقرار الحركة الشعبية لن تجدي ولن تفيد، والذي يفيد هو الحوار الجدي المبني على رؤية صادقة وصالحة لجميع الأطراف، الذين يسخرون عقولهم في المؤامرات والفتن لن يجنوا من ذلك سوى الحصاد المرّ كما حدث في دارفور وغيرها.