عقـــار والجــدل العقيـــم!!
22 October, 2009
عادل الباز
قبل يومين من مؤتمر جوبا بعث ناشطون سياسيون برسالة إلى رئيس حكومة الجنوب السيد سلفاكير ميارديت يدعونه لتضمين أجندة المؤتمر بندا حول المحاسبة على الجرائم التي ارتُكبت في السودان وإقرار مبدأ عدم الإفلات من العقاب. وكانت الرسالة بمثابة جرس إنذار معلّق في رقبة الجميع، وإن كان الناشطون قصدوا بها بشكل أساسي رقبة الإنقاذ. لفت نظري في الرسالة خلوها من الآليات اللازمة لوضع المحاسبة في موضع التنفيذ، ثم إنها خلت من تحديد تاريخ تبدأ المحاسبة من محطته.
يبدو أن المؤتمرين في جوبا لهم من الشواغل والقضايا التي أمامهم ما يغنيهم عن إضافة بند آخر لأجندتهم المتفجّرة أصلا. ولذا ركنوا المذكرة جانبا وشرعوا يتداولون شؤونهم الحاضرة بعيدا عن ماضٍ لايمكن أن يتوافقوا حوله، وحاضر كان بعضٌ منهم عرّابه، ما أقسى حساب النفس!!
ولكن الحركة الشعبية أبت إلا أن تطبق في ضيوفها ما نادت به مذكرة الناشطين. المحاسبة بعيدا عن المؤتمر الرسمي، نصبت في قاعة برلمان الجنوب منصة لمحاكمة ماضي وحاضر الزعماء ضيوفها الذين أتوها من كل فج آيدلوجي عميق. أخذت الحركة أمس الأول على لسان مالك عقار بأعناق السيد الصادق المهدي والسيد حسن الترابي ووضعتهما على مقصلة المحاكمة الصعبة.
الغريب أن الندوة التي دعا لها رياك مشار كانت بعيدة كل البعد عن الخط الذي مضى فيه مالك عقار، وكأن عنوان الندوة (تحديات البناء القومي) كان للمتويه فقط. انقلب السيد مالك وصحبه في القاعة لقضاة لمحاكمة القادة الشماليين تاريخهم وحاضرهم. السؤال الذي حيّرني هو الغرض من نصب تلك المحاكمة في جوبا؟ والآن إذا كانت الحركة تسعى لإقرار مبدأ المحاسبة وعدم الإفلات من العقاب كان بإمكانها إدراج هذا البند ضمن أجندة المؤتمر بعد إقناع شركائها الجدد في المعارضة، لكنها لم تتجرأ على اقتراح هذا البند على جدول أعمال المؤتمر على الرغم من دعوة الناشطين.
إذن لماذا سعت الحركة لمحاسبة القادة الضيوف؟ ما الغرض؟. تعرية مواقف هؤلاء القادة وتذكيرهم بالأيام التي استضعفوا فيها الجنوبيين ولّت، ودقّت ساعة محاسبة القادة والنخب الشمالية ؟. إما إن القضية كلها عبارة عن تفجر مرارات مختزنة لسنوات وجدت الآن فرصتها لتنطلق في الهواء الطلق؟ ما حاجة الحركة لمثل هذه الخطوة وهي تسضيف مؤتمرا هو بالتأكيد أهم عمل سياسي قامت به منذ اتفاق السلام العام 2005 ؟ لماذا سعت الحركة لإفساد الجو السياسي وهي تعرف أن شريكها في الحكم متربص بكل أفعالها وخاصة علاقتها بشركائها في المعارضة؟ لقدت رفدت الحركة بمحاكمة السيدين الصادق والترابي في جوبا المؤتمر الوطني بذخيرة إضافية ليطلقها في صدور القوم المتشاكسين هناك؟ شيء غريب أن توفر الحركة ذخيرة لنسف مؤتمرها أو على الأقل للتشويش عليه!! يبدو أن هناك رسالة ما، أرادت أن ترسلها وهي تطلق هذه الصواريخ كما أسماها المهدي على الشمال وقادته، ولكني لازلت محتارا في كُنهها.
لقد كان رد الزعماء الشماليين أكثر عقلانية من صواريخ مالك عقار، ودوي التصفيق الذي ضجت به القاعة. دافع الصادق عن نفسه كما ينبغي وخاصة حول أحداث الضعين، ودافع الترابي عن الشهداء والشريعة، وأنّى له أن يفعل غير ذلك!!. ولكن أسوأ ماسمعته هو احتجاج نفر من أعضاء الحركة الشعبية على دعوة الصادق المهدي أصلا. هب أن الصادق المهدي ضد نيفاشا، والترابي ضد الانفصال، ونقد ضد الإنجيل، فما يمنع قيادة الحركة دعوتهم للحوار؟ هل هذا هو السودان الجديد الذي يحلم به الجنوبيون انفصلوا أم توحدوا؟. نفي مطلق للآخر؟. لحسن الحظ إن قيادة الحركة واعية لمثل هذه الأصوات الانفصالية الناعقة بالسوء.
كان موقف السيد عقار محيرا بالجد، إذ لم يقل لنا سيادته ماضرورة تفجير الأحقاد التاريخية، والألفاظ المسيئة لقضية التعايش بين الشماليين والجنوبيين، ثم ما الجديد فيها؟. هل كان المؤتمر مسرحا مناسبا لتقديم الاعتذارات للجنوبيين؟ هل هذا هو الهدف من ورائه؟. هل وصل السيد عقار لمبتغاه أم اكتفى من كل التهريج والتجريح الذي مارسه باتجاه قادة الشمال بذلك التصفيق الداوي الذي تفجّر مما جعل الشامتين ينثرون التراب في وجوههم (أها خُمّوا وصُرّوا) هل السيد مالك سعيد بهذه النتيجة؟.