على جسر شمبات
عمر العمر
13 November, 2023
13 November, 2023
قيادة الجيش المرتبكة أجهضت فرصة اكتساب بضعة من ثقة مضيّعة بإصدار بيان يعلن تدمير جسر شمبات بدوافع استراتيجية.. الأبقى من تبادل الإتهامات مع الجنجويد دخول دكّ معالم الخرطوم في الحرب الكارثية مرحلة ضرب الجسور.. فللعاصمة عشرة جسور تربط بين ضفافها الست. بغض النظر عن الجدوى العسكرية من شل الحركة على جسر شمبات ،فإن أحد أبرز مضار الضربة بالإضافة إلى هد أعمدة البنى التحتية يطال هتك النسيج الحياتي الاجتماعي الممزق تحت القصف اليومي على ضفتي النيل .كذلك استهدف ضرب جسر موستار إبان حرب الكروات على البوسنيين على عتبة تسعينيات القرن الأخير. كما تكبد البغداديون العنت نفسه حينما تعرض جسر الصرافية في سياق حمى الاصطراع الطائفي الإثني في العراق عند منحنى العقد الأول من القرن الجاري.
*****
فجسر موستار مثل شمبات لا يشكل فقط واصلا بين ضفتي نهر (نير يتقا). بل هو كذلك يحمل عابريه كما على شمبات ألى بطن واحدة من أعرق المدائن تلاقحا إجتماعيا وثقافيا وهندسة حضرية. فموستار مدينة متعددة الاعراق ، الديانات والثقافات ،إذ يموج فيها المسلمون ،المسيحيون واليهود .لذلك استهدف تدمير الجسر ضرب تلك اللوحة الموزاياكية للتعايش والتسامح . مع ذكر أم درمان يرد إلى الذاكرة والبال معنى التخالط الديني ،القبلي والثقافي في أبهى الصور السودانية
*****
بغداد مثل عاصمتنا مدينة متعددة الضفاف والجسور .ربما يبلغ تعدادها اثني عشر جسراً لعل جسر الصرافية المقام فوق نهر دجلة أحد أعرقها واكبرها .ربما هو اقرب إلى كوبري النيل الأزرق (بحري ) منه إلى شمبات إذ يتضمن معبرا لخط السكة الحديدية.لكنه مثل شمبات يحملك إلى حيث التمازج الاجتماعي الخصيب في العاصمة .فتجار الموت خصوم التقدم استهدفوا عند تفجير ه في العام 2007 عزل الرصافة عن الكرخ ،من ثم تمزيق النسيج الاجتماعي المطرز بالسنة ،الشيعة العرب والأكراد.هكذا يتلاقى صناع الكنتونات الإثنية - الطائفية على الأهداف والوسائل رغم تباين الأزمنة أ و الأمكنة و الألسنة أو السحنات.
*****
هم كذلك يستهدفون ضرب الذاكرة الاجتماعية والمكتنزة بثراء من التجارب الفردية والجمعية .فجسر شمبات مثل العديد من الجسور الواصلة بين ضفاف المدن شاهد على ذكريات نبيلة مطرزْزة بالمشاعر الوطنية والعاطفية الجيْاشة. فما امحت بعد من الذاكرة مسيرات الشباب الهادرة من ام درمان إلى بحري (وبالعكس) طوال التحشّد في سياق الثورة البازخة. جسر شمبات ظل كذلك منذ افتتاحه في العام 1966 منصة لشباب وشيبة من الساكنين في الجوار لإطلالة من فوقه على فتنة الطبيعة وافتنان بعضهم ببعض .
*****
العاصمة وقتذاك وادعة .الحياة ناعمة تحفها وفرة .الجنيه يوازي ثلاثة دولارات يزيد قرشا .تمشي عبر شوارعها سيارت فارهة أميركية كاديلاك وبونتياك،ألمانية أوبل ومرسيدس ،انجليزية هيلمان وروفر ،فرنسية من سلالة بيجو وايطالية من طراز فيات تقل أناسا ذوي وجوه ناضرة ،عاليهم ثياب فاخرة .هناك كنا قبيل غروب شمس ذات يوم ؛ مع عبد الهادي الصديق -عطْر الله مرقده- ودار ته على مقربة من الجسر وشاعر العامية المطبوع الراحل حدربي محمد سعد، .من على الجسر التقط الدبلوماسي الناقد الشفيف احتفاء السودانيين بجمال(وقت الأصيل ) مع انه أوان موت اليوم! لله درك يا هادي رحلت مبكرا فتركت حركة النقد باهتة من الفكرة المبتكرة والمفردة الأنيقة. من المفارقة الباقية في الذاكرة توصيف الاحتفاء بالأصيل على لسان الاستاذ الفنان الراحل د. احمد الزين صغيرون بينما عبد الهادي وانا في صحبته داخل سيارته الاوبل في شارع الجامعة قبيل غروب شمس ذات يوم مغاير !
*****
تدمير جسر شمبات عمل عسكري بربري يشكل فوق بعده اللانساني امتدادا لاستهداف البنى التحتية للمدينة مثل المطار الدولي والشواهد الحضارية كالجامعات والمكتبات. لتوقيت هذا العمل دلالات تعكس اصرار اطراف الحرب على إهالة مزيد من الركام على درب السلام وتحميل الأجيال مزيدا من كلفة اعادة بناء مداميك المستقبل. هذا الإختباء الخجول وراء الارتباك يلقي على كاهل القيادة فاقدة الجرأة على المكاشفة والشجاعة على المواجهة مسؤولية كل الخراب العام والخاص في العاصمة وكل بقاع الوطن. ربما حان أوان أصيل صنعة الموت والدمار. فتدمير الجسور يعكس دوما شعورًا باليأس .
aloomar@gmail.com
*****
فجسر موستار مثل شمبات لا يشكل فقط واصلا بين ضفتي نهر (نير يتقا). بل هو كذلك يحمل عابريه كما على شمبات ألى بطن واحدة من أعرق المدائن تلاقحا إجتماعيا وثقافيا وهندسة حضرية. فموستار مدينة متعددة الاعراق ، الديانات والثقافات ،إذ يموج فيها المسلمون ،المسيحيون واليهود .لذلك استهدف تدمير الجسر ضرب تلك اللوحة الموزاياكية للتعايش والتسامح . مع ذكر أم درمان يرد إلى الذاكرة والبال معنى التخالط الديني ،القبلي والثقافي في أبهى الصور السودانية
*****
بغداد مثل عاصمتنا مدينة متعددة الضفاف والجسور .ربما يبلغ تعدادها اثني عشر جسراً لعل جسر الصرافية المقام فوق نهر دجلة أحد أعرقها واكبرها .ربما هو اقرب إلى كوبري النيل الأزرق (بحري ) منه إلى شمبات إذ يتضمن معبرا لخط السكة الحديدية.لكنه مثل شمبات يحملك إلى حيث التمازج الاجتماعي الخصيب في العاصمة .فتجار الموت خصوم التقدم استهدفوا عند تفجير ه في العام 2007 عزل الرصافة عن الكرخ ،من ثم تمزيق النسيج الاجتماعي المطرز بالسنة ،الشيعة العرب والأكراد.هكذا يتلاقى صناع الكنتونات الإثنية - الطائفية على الأهداف والوسائل رغم تباين الأزمنة أ و الأمكنة و الألسنة أو السحنات.
*****
هم كذلك يستهدفون ضرب الذاكرة الاجتماعية والمكتنزة بثراء من التجارب الفردية والجمعية .فجسر شمبات مثل العديد من الجسور الواصلة بين ضفاف المدن شاهد على ذكريات نبيلة مطرزْزة بالمشاعر الوطنية والعاطفية الجيْاشة. فما امحت بعد من الذاكرة مسيرات الشباب الهادرة من ام درمان إلى بحري (وبالعكس) طوال التحشّد في سياق الثورة البازخة. جسر شمبات ظل كذلك منذ افتتاحه في العام 1966 منصة لشباب وشيبة من الساكنين في الجوار لإطلالة من فوقه على فتنة الطبيعة وافتنان بعضهم ببعض .
*****
العاصمة وقتذاك وادعة .الحياة ناعمة تحفها وفرة .الجنيه يوازي ثلاثة دولارات يزيد قرشا .تمشي عبر شوارعها سيارت فارهة أميركية كاديلاك وبونتياك،ألمانية أوبل ومرسيدس ،انجليزية هيلمان وروفر ،فرنسية من سلالة بيجو وايطالية من طراز فيات تقل أناسا ذوي وجوه ناضرة ،عاليهم ثياب فاخرة .هناك كنا قبيل غروب شمس ذات يوم ؛ مع عبد الهادي الصديق -عطْر الله مرقده- ودار ته على مقربة من الجسر وشاعر العامية المطبوع الراحل حدربي محمد سعد، .من على الجسر التقط الدبلوماسي الناقد الشفيف احتفاء السودانيين بجمال(وقت الأصيل ) مع انه أوان موت اليوم! لله درك يا هادي رحلت مبكرا فتركت حركة النقد باهتة من الفكرة المبتكرة والمفردة الأنيقة. من المفارقة الباقية في الذاكرة توصيف الاحتفاء بالأصيل على لسان الاستاذ الفنان الراحل د. احمد الزين صغيرون بينما عبد الهادي وانا في صحبته داخل سيارته الاوبل في شارع الجامعة قبيل غروب شمس ذات يوم مغاير !
*****
تدمير جسر شمبات عمل عسكري بربري يشكل فوق بعده اللانساني امتدادا لاستهداف البنى التحتية للمدينة مثل المطار الدولي والشواهد الحضارية كالجامعات والمكتبات. لتوقيت هذا العمل دلالات تعكس اصرار اطراف الحرب على إهالة مزيد من الركام على درب السلام وتحميل الأجيال مزيدا من كلفة اعادة بناء مداميك المستقبل. هذا الإختباء الخجول وراء الارتباك يلقي على كاهل القيادة فاقدة الجرأة على المكاشفة والشجاعة على المواجهة مسؤولية كل الخراب العام والخاص في العاصمة وكل بقاع الوطن. ربما حان أوان أصيل صنعة الموت والدمار. فتدمير الجسور يعكس دوما شعورًا باليأس .
aloomar@gmail.com