على .. موعد مع الوفاء

 


 

عادل الباز
8 October, 2011

 


أباطيل أباطيل      هذه الدنيا أباطيل
وأوهام متعللة        وأحلام أحابيل
}}}
إن الموت خلف المرء    إن أضحى وإن أمسى
يموت البعض أحياء    ويحيا البعض أموات
}}}
لعلي محمود وفاء نادر لا يعرف معدن هذا الرجل إلا من عاشره. منذ أن كُنَّا طلاباً في داخليات البركس وإلى أن تسنَّم مقعد وزير المالية الذي يستحقه، ظلَّ علي محمود على وفائه لزملائه وأهله وللحركة الإسلامية، فلم يغيِّره منصب ولم يبطره جاه.. ظلَّ هو الضاحك أبداً، والنادر وفاءً للرجال. حين كتب أستاذنا الكرنكي على أخيرة الغرَّاء "ألوان" مستذكراً ذكرى صديقنا (ود المكي) اهتزت أفئدة وضمائر من عرفوا الرجل وصادقوه وتتلمذوا على يديه. كنَّا أربعتنا: (الكرنكي والرزيقي ورحاب طه وشخصي) في ظرف ساعات في مكتب الأستاذ علي محمود الذي سأل: (كيف نسينا ود المكي). كان هذا السؤال مُرَّاً أحسستُ أني أبتلع ملحاً مخلوطاً بتراب. ما أدهشنا أننا جميعاً كنا أوثق صلة بود المكي من علي محمود فكيف نسيناه؟!!. قال علي جمعتني بود المكي أيام قليلة حين زار نيالا في شأن من شؤون الحركة الإسلامية، وفيها عرفت معدن الرجل وأي الرجال هو. بقيَ ود المكي في ذاكرة علي كما كان في ذاكرتي عصيٌّ على النسيان ولكنَّا غفلنا!!. تعرَّف علي.... على مآثر ود المكي فأحزنه أن يطويها النسيان.
في مغيب شمس اليوم التالي كان علي محمود وأربعة من الصحافيين من عارفي فضل ود المكي يجلسون لوالداته وإخوته في أطراف العاصمة يسألونها عن حالها وحال الزمن اللئيم الذي نسيت فيه الحركة الإسلامية أصدق وأخلص كوادرها. كان مجلساً عامراً بالوفاء والدموع.. لم تصدق والدة ود المكي أنه بعد تسع سنوات من النسيان أن إخوة لود المكي طرقوا بابها. منزل ود المكي حين كان نجماً في سماء الحركة الإسلامية والسياسية السودانية قاطبة عامراً ومفتوحاً لإخوانه. كان منزله بالإيجار في الحارة التاسعة بالثورة داراً للحركة الإسلامية، وكانت ذات الوالدة تقوم على خدمة الضيوف ليل نهار، أعطت بلا ملل واحتملت ما لا يُحتمل. منزل مضاء بوجود سيده وبغيره... أسرةٌ مبعثرةٌ في الحوش تنتظر الضيوف المجهولين.. صواني العشاء تتراءى حتى أنصاص الليالي. حين نذهب أنا وصديقي الشهيد محمد طه  لمنزله في أواخر الليل فلا نجده، نجد الباب مفتوحاً والمنظر لسنوات هو هو، الحاجة تنهض لخدمة ضيوف ولدها الغائب في اجتماعات لا نهاية لها، أفنى فيها عمره. لم يصدِّق علي محمود أن رجلاً في قامة ود المكي قد ترك الدنيا بلا بيت يأوي والداته ولا مال ولا أراضٍ ولا شيء.. ذهب إلى ربِّه خالياً من أسخام الدنيا.. قلبهُ عامرٌ بمحبة الناس. قال الراوي: (في وقت كدس المتسلقون على جُدُر الحركة الإسلامية أواخر الليل المليارات دون أن يسألهم أحد من أين لكم هذا؟).
خنقت العبرات الجميع لم يعد يكفي أن نبكي..... ونبكي على ماذا؟ على ود المكي أم على نُدرة الوفاء؟ أم نبكي على تاريخ مضيء للحركة الإسلامية؟ أم نبكي أولئك الذين أضحت الدنيا أكبر همهم ومبلغ علمهم!!. أنرثي ود المكي أم نرثي الوارثين؟.
لود المكي تاريخ مزهر في دهاليز الحركة الإسلامية وحكايات طويلة مع كل أجيال الحركة الإسلامية...... حكايات وتاريخ سيروى يوماً ما ليعرف قادمون أيَّ حُبٍ حملَهُ هؤلاء الرجال لدينهم وأوطانهم، وأي تضحيات بذلوها في سبيل ما آمنوا به.
بالأمس أُضيئت أطراف الخرطوم بوفاء نادر حمل علي محمود مشعله ورأينا نحن الغافلين على ضوئه أي قيم أضعناها وأي رصيد عامر بالوفاء والمحبة تربت عليه أجيال من الإسلاميين بددناه...... وأنستنا الدنيا بثروتها وسلطتها أنبل قيمنا...... يا ويحنا.... ويا ويحنا... من يومٍ يستل به مخضوضر الفعل من مستبوِء الخطل !!.

 

آراء