على هامش ندوة مستقبل اليسار (٢)

 


 

 

قرأت التعقيب الذي كتبه الاخ د. صديق الزيلعي حول ما جاء في مقالي الأول تحت العنوان بعاليه.
دعوني اؤكد أولا انني اتفق تماما مع دعوة د.صديق للاصلاح الديمقرطي داخل الحزب الشيوعي وكل احزابنا الوطنية وليس لي خلاف معه في ذلك علي الإطلاق .ولكني فيما يتعلق بصرورة إصلاح الحزب الشيوعي لم اصدر أحكاما نهائية بفشل الاصلاح داخل ذلك الحزب كما جاء في تعقيب الاخ صديق أي لم اتنبأ بفشل الإصلاح، بل تجدني قد قررت واقع فشل الاصلاح، والفرق كبير بين التنبؤ وتقرير ما يحدث أمام اعيننا. وحينما كتب د. صديق عن المناقشة العامة التي استمرت ١٤ سنة بعد سقوط النموذج السوفيتي ، فإن صديق نفسه كان قد تحدث عن فشلها بعد أن وجهت قيادة الحزب الشيوعي لجنة بيروقراطية صغيرة وكلفتها بمهمة تلخيص تلك المناقشة العامة، وهو امر قاد الي إجهاضها تماما. وهذا الأمر في حد ذاته يقف شاهدا علي قدرة المركزية الديمقراطية علي قتل أي حوار جماعي نزولا عند رغبة قيادة الحزب .
وكان الراحل الخاتم عدلان أفضل من صور حال المناقشة العامة حينما قال : " كانت المناقشة العامة داخل الحزب الشيوعي بمثابة الوخذ علي الجنب بالسيف حتي تشرئب الاعناق كي يسهل علي السياف قطعها ".
أما واقع فشل الاصلاح الحزبي وسيطرة الجمود العقائدي علي قيادة الحزب الشيوعي فهو واقع نراه جميعا اليوم، ونري آثاره السلبية علي الاوضاع السياسية المتردية في السودان. ويحمد للاخ صديق إنه أنتقد مواقف حزبه ودوره في فركشة تجمع المهنيين رغم إن تلك الآراء تضعه تحت طائلة لائحة الحزب التي تفترض أن مساندة خط الحزب ومواقفه هي من واجبات العضوية وارجو ألا تلجا قيادة الحزب إلي ذلك في المستقبل . كذلك فهمت إن صديق كان قد إنتقد معاداة قيادته لقوى الحرية والتغيير وتنسيقية تقدم رغم أن هذه المعارضة المدنية هي مشروع مقاومة يحتاج لدعم كبير من جانبنا جميعا وهي في مواجهه جيوش جرارة تمارس القتل والتدمير والتهجير لابناء الشعب منذ اندلاع الحرب قبل سنة وشهرين. والنقد البناء لأداء تنسيقية "تقدم" يعتبر من أهم أشكال المساندة لها لانجاز المهام الضخمة التي تنتظرها.
وقد كانت الوثيقة الدستورية بمثابة اتفاق قام علي تنازلات كبيرة مراعاة لتوازنات القوي ولكنها لم تسلم من تنصل قيادة الحزب الشيوعي منها رغم أنها كانت قد شاركت في المشاورات والاجتماعات عن طريق مندوبها المهندس صديق الذي كان قد صادق عليها وعلي رؤوس الأشهاد.
كل هذه التصرفات الصبيانية والغير مسؤولة من قيادة الحزب الشيوعي الحالية والتي ساهمت في تقوية إعلام الفلول، كانت قد ساهمت في إضعاف المعارضة المدنية وتشتيت لجان المقاومة.
ونتيجة لمواقف الحزب الشيوعي الحالية انبرت العديد من الأقلام المحسوبة عليه في الحديث عن ضرورة مساندة الجيش بحجة إنه " مؤسسة قومية" مع أن مبدأ الانحياز لايا من أطراف الحرب شيء تقف تنسيقية تقدم ومن قبلها ق ح ت ضده تماما لأنها تبنت خط سياسي واعلامي يقوم علي عدم الإنحياز لأي جهة ، وقد حرصت علي مد جسور التواصل مع الجميع رغم ما تتعرض له من تهم وسباب وتخوين وذلك حتي تتمكن من أن تواصل جهودها لوقف هذه الحرب اللعينه، تماما مثلما سعت ق ح ت من قبل لمنع وقوعها بمحاولات التوفيق بين قيادات الجيش من جهة وقيادات قوات الدعم السريع من جهة ثانية من خلال الإتفاق الإطاري.
كنت قد كتبت في الجزء الأول من مقالي هذا أن المركزيه الديمقراطية ذلك المبدأ اللينيني اللعين، قد اعاق تطور الحزب الشيوعي لانه مكن ما عرف بالقيادات التاريخية من احتكار التحدث باسم الماركسية اللينينية وتخوين الاخر المختلف معهم ، بمعني أنها حولتهم إلي قساوسة منظرين أو رجال دين يحتكرون الفتاوي!.
كتب عبد الخالق محجوب في ص ٦٦ من كتاب لمحات من تاريخ الحزب الشيوعي السوداني " لابد دائما من إجتثاث جذور الانتهازية وكشف افكارها، يل ظلال افكارها، ومواجهة الافكار الانتهازية بثقة وفي صبر وثبات وتمسك بالماركسية اللينينية."
واضح من الاقتباس اعلاه أن الاختلاف في الرأي يفسد للود قضيه عند المرحوم عبد الخالق محجوب وإن مساحات التسامح عنده تضيق مع من اسماهم بالخونه والانتهازيين لان ذلك يعتبر خيانة ضد شعبنا كما يتصور. ولكن يبقي التساؤل المهم هو : من يحدد من هو الانتهازي ومن له حق الانفراد بإصدار الاحكام علي رفاقه؟
وحتي لايتهمني احد بتشويه ما كتبه عبد الخالق محجوب ، دعني استشهد بما جاء في في نفس الكتاب، أي في "لمحات من تاريخ الحزب الشيوعي" ص ٥٧ في معرض تقييم تجربة الجبهة المعادية للاستعمار ، حيث جاء فيه ما يلي : " ادعي تيار الإنتهازي الانهزامى في اللجنة المركزية لحزبنا والذي هاجم الحزب خلال عام ١٩٥٨ أن الجبهة المعادية للاستعمار حالت دون نمو الحزب الشيوعي ونهوضه كقوة إجتماعية كبرى. هذا رأي غارق في السطحية "
وأكد استاذنا بروفيسير فارق محمد ابراهيم النور في مجلة دراسات سودانية عدد ١٩٩٤ التي كان يحررها المرحوم التيجاني الطيب أن " ذلك التيار الذي وصف بالانتهازي كان يمثلهم التيجاني الطيب يابكر وقد تسلط عليه جهاز إغتيال الشخصية، وكان علي رأسه معاوية ابراهيم ومحمد احمد سليمان ودفعوه لكتابة النقد الذاتي مرة تلو الاخري. واضاف برفسير فاروق: " أن معاوية كان قد حكي له إنه لم يتحدث مع التيجاني بكلمة واحدة اثناء فترة حبسهم لشهر كامل داخل زنزانة بكوبر أيام عبود".

طلعت محمد الطيب

talaatetransfer@gmail.com

 

آراء