علي كرتي: اتفاقية (نافع – عقار) ليست منزلة وليست مرفوضة جملة واحدة..!
علي كرتي: اتفاقية (نافع – عقار) ليست منزلة وليست مرفوضة جملة واحدة..!
هناك من يستهدف (الخارجية)!
لو عاد بي الزمان فلن أتردد في اختيار "الدفاع الشعبي"!
من مشكلاتنا أن هنالك قيادات لا تعبِّر إلا بأشواقها ومواقفها القديمة!
أعداؤنا يستخدمون المتطرفين من المؤتمر الوطني
هؤلاء (....) خطابهم الإعلامي مثل عملة أهل الكهف
لا أشك إطلاقا أن المتطرفين في صفوفنا هم أدوات للأجنبي!
لم نصفق لقرارات مجلس الأمن وهؤلاء (...) يضللون الرأي العام!
حاوره في سماء رواندا: مكي المغربي
من العسير جداً أن تعرف ما هو المطلوب من وزير الخارجية علي كرتي، فالرجل عندما يعتلي المنصة في مرافعات ومواجهات بالإنابة عن بلاده ودولته وحكومته يبلي بلاءً حسناً بل قد يجر هذا عليه بعض الاتهامات خاصة من بعض التكنوقراط والحرس الديبلوماسي القديم بإثارة التوتر في الأجواء الدبلوماسية والوضوح الزائد عن الحد. وعندما ينبري للمناقشات الداخلية في السودان حول تشكيل موقف السودان إزاء القرارات والمواقف الأممية والإقليمية ينفق جل وقته في إقناع الحزب الحاكم وقيادته وأجهزة الدولة ومؤسساتها بتفاصيل التفاصيل وتوقعات التوقعات، ويأتي هذا في أجواء ملغمة بحملات مستعرة ضده... وبعد ذلك تنفتح عليه النيران وتتناوشه الأقلام التي لا تجرؤ على النيل من شخصيات بعينها، وتحمله مسؤولية كل العملية التفاوضية، مع أن الرجل - بعد لأيٍ وجهدٍ - أوجد كرسي مراقبة للخارجية في طاولة المفاوضات، ولكن ما تبرم الحكومة اتفاقاً إلا ويسكب المداد الغزير في توبيخ الخارجية. دعونا نستكشف بقية المشكلات من خلال الحوار معه والذي أجريناه في طائرته الخاصة على فوق ذرى الجبال الرواندية العنيدة.
* سعادة الوزير، راهنتم على التوجه الإفريقي وهذه الرحلة إلى رواندا تأتي في سياق افتتاح محطات إفريقية جديدة وهي "غانا ورواندا" وربما يتم خلال هذا العام افتتاح سفارات موزمبيق وبوركينا فاسو وأنغولا. هل جاء السودان متأخراً للقارة؟! ومن جهة أخرى يرى البعض أن هذا التوجه مؤقت ومرتبط بالاحتياج للسند الإفريقي؟!
السودان مرتبط بالبعد الإفريقي منذ أن كان دولة مستقلة ووليدة، فهو الدولة الأولى التي حازت على استقلالها جنوب الصحراء كما أنها قامت بمساعدة وإسناد كل الحركات التحررية الإفريقية. ولذلك فالسودان أعان القارة وشعوب القارة على الاستقلال ومن الطبيعي أن ينشد السند من القارة التي ساهم في معارك تحريرها. ويجب التنبيه هنا على نقطة مهمة وهي أن التوجه الإفريقي غاية استراتيجية للسودان وليس لجوءاً انتهازياً. ومن هنا يجب أن تتضافر الجهود لوضع وتثبيت وترسيخ استراتيجية إفريقية في الدولة وفي السياسة الخارجية ولا بد من إيقاف التشويش على المساعي الرامية لوضع هذه الاستراتيجية. هنالك أصوات بقصد أو بدون قصد تشوش على الأفارقة وتقدم صورة السودان في البلد الذي لا يثق في الأفارقة ويريد منهم أموراً محددة متعلقة بمواقف سياسية فإذا لم يجدها كما يريد بادر بالاتهامات. نحن في الحقيقة نريد للقارة أن تقدم نماذج أقوى في التكامل وتوليد الحلول الإفريقية للمشكلات الإفريقية. ونريد مساهمة فاعلية وأساسية للسودان في هذا الأمر. القضية أن تتقوى بلدان القارة ببعضها وتساهم في حل مشاكلها وقضايا السودان تأتي في هذا السياق.
* البعض يقول إن علي كرتي ترتد عليه سهام شارك في إطلاقها زمان الدفاع الشعبي والتعبئة عندما كان الخطاب الرسمي حاداً وشرساً!
أنا منتمٍ لتلك الفترة وغير متنازل عنها ولو عاد بي الزمان لوقفت ذات المواقف ولرددت ذات الكلام، ولكنني أقول إن تلك الفترة كانت فيها إمكاناتنا المادية شبه منعدمة مقارنة بالهجمة التي كانت في مواجهتنا، وكان لا بد من التعويض بالقوة المعنوية ولكننا الآن في وضع مختلف ولدينا معطيات مختلفة ونحتاج إلى خطاب مختلف وخطط جديدة.
* سعادتك... ما هو المختلف ما زالت الدول الغربية تتربص بالسودان و...
نعم صحيح وربما ستستمر فترة أطول، نحن واعون لهذا تماماً، ولكن رسالتنا كأصحاب مشروع رسالي وصلت العالم واتضح أن رياح التغيير تهب لصالح التوجه الذي اختطه السودان. أما هوية الشعب والتوجه وحكومته كلها صارت أموراً محسومة وغير مرتبطة بكيان سياسي صغير ولا كبير ولا أشخاص ولا غير ذلك.
* هل تريد أن تقول إن الدول الغربية سلمت بأن النظام غير قابل للسقوط أو أن التوجه الإسلامي في السودان تجاوز مرحلة التهديد؟!
وهل تعتقد أن أمريكا وعدداً من الدول غير مقتنعة بأن البشير فاز فوزاً حقيقياً وأنه يعبر عن إرادة أمة ووطن له توجه لا يمكن استئصاله. أعود لأقول إن ما كنا نفعله بالأمس لتثبيت هذه القناعة في العالم لا نحتاجه الآن، لأن القناعة ترسخت ونحن الآن نحتاج للارتباط بالعالم ونحتاج لوضع استراتيجيات محددة وننضبط بها جميعاً ويتوقف البعض عن التصرفات الفردية في تعطيل هذه الجهود.
* حسناً... مسؤولية من ضبط هذا الخطاب السياسي والإعلامي؟!
ضبط الخطاب مسؤولية الحزب والحركة، لكن عموماً.. يجب أن نتوقف قليلاً بغرض المراجعة ولكي ندرس ما كنا عليه ويجب أن نؤول إليه. من مشكلاتنا أن هنالك قيادات لا تعتبر إلا بأشواقها ومواقفها القديمة دون أي مراجعة أو رغبة في تغيير أو مواءمة للمستجدات. بعضهم يريد أن يعبر من مرحلة إلى أخرى ومعه "حمولة ضخمة" أو "جوال" على ظهره من القديم ويظن أن هذا لن يؤثر ولكن سرعان ما تنفتح هذه الحمولة وينفضح الأمر وتتبعثر الأشياء على الأرض وتبدو للعيان ويؤخذ الأمر على الجميع وليس صاحب "الجوال". باختصار هنالك الآن من هم خطابهم الإعلامي مثل عملة أهل الكهف التي لم تعد صالحة للتداول.. خطابهم فقد صلاحيته.
* هل من نماذج هذا، تصورات البعض عن المواقف المفترضة للحكومة تجاه جنوب السودان؟!
موضوع الجنوب صار من الوضوح بمكان أن هنالك ضرورة قصوى لوجود استراتيجية وخط سياسي وإعلامي مستقر ومدروس. الحملات المؤقتة غير مفيدة. والانتهازية لا تناسبنا ولا تناسب قيمنا وأخلاقنا. نحن لا نتبنى أمراً إلا وفق مبادئنا وقناعتنا وقواعدنا وكياننا لا تنطلق طاقته القصوى إلا إذا كان واعياً ومقتنعاً بما يفعل. نحن لا ننشد تدفق النفط ونريد أن نستفيد منه لاقتصادنا، نحن نفكر في علاقة استراتيجية بيننا وجنوب السودان.
* قلتم هذا الكلام ثم اندلعت حرب هجليج واحتل جنوب السودان قطعة من الوطن الأم؟!
اللجوء إلى حملات مؤقتة أو تعامل بالمثل في حالة توتر أو حرب شيء وحينها نحن مثل غيرنا، ولكن وضع الاستراتيجية شيء آخر. الاستراتيجية في النهاية تبقى وتنتهي الاعتداءات والحملات. أم هل من الحكمة أن تنتهي الحملات ونصبح بدون استراتيجية.
* بخصوص التوجه الإفريقي، ألا ترى أن الانتماء القاطع لقضايا العالم العربي والإسلامي والانتماء لفلسطين... كل ذلك يؤثر على هذا التوجه وربما يناقضه؟!
لا يوجد أي تناقض، إذا كانت الاستراتيجية الإفريقية واضحة وثابتة فإن التوجه الإسلامي العربي لن يؤثر فيها بل سيقويها، ولكن هنالك أصوات تقوم الآن بالتشويش حتى على الدراسة ووضع الاستراتيجية وتستبق الأحداث بأن هؤلاء (الأفارقة) لا يعتمد عليهم وأنهم أذيال للدول الغربية ونحو ذلك ويقومون بتعميم بعض الحالات على جميع القارة ويدعون إلى إغلاق الباب. ولكن الواقع يكذب هذه الشكوك والظنون السيئة. إفريقيا هي التي ناهضت ما يسمى بالمحكمة الجنائية وإفريقيا هي التي ظلت تدعم الوساطة وترفض التدويل، وإفريقيا هي التي عطلت مخطط القوات الدولية في دارفور ودعمت الحل الإفريقي والقوات الإفريقية. نحن الآن نعيش واقعاً من تنفيذ الاتفاقات سببه الأساس رفض مجلس السلم والأمن الإفريقي للتدويل وتمديده للتفاوض حتى يوليو... حدث هذا الاختراق رغم مزاعم البعض بأنه لن يحدث...!
* إذاً المطلوب هو فترة ستة أشهر مثلاً من الخطاب المدروس والمنضبط حول كل هذه القضايا؟!
لا الانضباط يكون منهجاً عاماً ومستمراً... ولكن من باب التخطيط يمكنني القول بأننا نحتاج إلى فترة أطول لتثبيت وترسيخ للاستراتيجية وبعد ذلك لن يضر التشويش ولكنه الآن يضر. فترة تكون على الأقل ثلاث سنوات تلتزم فيها كل الكيانات والقيادات والمؤسسات. وبعد ذلك لو ظهرت أصوات نشاز لن تؤثر أما خلال ستة أشهر لو ظهرت سيكون التفسير أن هذا أمر متفق عليه وأنه لا يوجد أي تغيير. من نماذج الأصوات النشاز فلقد تحدث بعضهم ذات مرة مثلاً عن مقعد السودان الخالي في مجلس السلم والأمن الإفريقي، وذكر أن القرارات تتخذ والسودان غائب في حين أن المجلس لديه نظام في "العضوية الدورية"، وفي تلك الجلسة لم يكن السودان ضمن الأعضاء ولكنه دعي للإدلاء برأيه ثم بعد ذلك تبدأ الجلسة المغلقة، ولكن البعض يضلل الناس ويخترع معلومات لا أساس لها من الصحة. نحن دولة وعليها مسؤوليات ولا بد من ترشيد وضبط هذا الخطاب وربطه باستراتيجيات مستقرة.
* لماذا لا ينضبط بعض الناس بخطاب سياسي وإعلامي غير ضار بمصالح الدولة والشعب؟!
سببان: الأول أن التاريخ المغروس في قلوب البعض منذ فترة التسعينات يدفعهم لعدم الانضباط وهذا ما يمنح الآخرين والقواعد إحساس أن الأمر ما زال على قديمه وعليهم الاستمرار كما كانوا ... وهنا لا يجب أن يكون هنالك استثناء لأحد (كائنا من كان) لأن من يتحدث يعيد الجميع للسابق. السبب الثاني أن هنالك دوائر تخطط لإبقاء السودان في المربع الأول وهو الدخول في مواجهة مع الجميع وتجريده من الأصدقاء وتحطيم توجهه الإفريقي الريادي ويستخدمون في ذلك بعض المتطرفين من كياننا.
* هل تعتقد أن المتطرفين من المؤتمر الوطني أو من المشروع الإسلامي عموماً يعملون لصالح هذا المخطط؟!
لا أشك إطلاقاً أن من يريد أن يقعد السودان عن النهوض يستخدم كافة الأدوات بما في ذلك المتطرفين من صفوفنا.
* نعود للقرار 2046 الصادر من مجلس الأمن، البعض عاب عليكم الترحيب به؟!
نحن لم نرض أو نصفق للقرار ولم نقل شيئاً سوى أننا صنفناه بأن فيه أشياء تستحق الترحيب وأخرى المراجعة والثالثة مرفوضة. الإيجابي في هذا القرار كان إدانة دولة الجنوب في اعتدائها على السودان وغير ذلك من ضرورة الاستمرار في السلام والمفاوضات لحل كل القضايا والنأي عن الصراع العسكري. ومن الأشياء غير المقبولة وضع السودان موضع الشك دوماً وادعاء التهم عليه بقصف المدنيين. ومن المرفوض مسألة وضع القرار تحت الفصل السابع، هذا هو موقفنا الذي طرحناه على أجهزة الدولة وقبلته.
* لكن من حق بعض الكتاب وأهل الرأي التشكيك في مجلس الأمن والتحريض عليه!
يبتسم... التشكيك في مجلس الأمن أم التشكيك في الخارجية وفينا، التشكيك في مجلس الأمن وانتقاد هيمنة الدول الغربية على القرارات الأممية أمر لم يرفضه أحد، ولكن التلويح باتهامات الخيانة وتضليل الرأي العام نحو جهات تقوم بواجبها في الدولة ووفق خطط الدولة، والإتيان بمعلومات كاذبة ومفبركة هو المشكلة. هذا الموقف الذي ذكرته ناقشناه في المكتب القيادي ثم في مجلس الوزراء ثم في الهيئة البرلمانية للمؤتمر الوطني ثم في البرلمان، وكل هذه المؤسسات والمسؤولين ناقشوا حججنا نقطة نقطة ثم اعتمدوا الموقف الرسمي للسودان... ويأتي بعد ذلك من يضلل الرأي العام ويفتعل معركة مع الخارجية ويضع في مكان كل هذا التسلسل من الأجهزة والمؤسسات التي وافقت صفراً كبيراً. هل هو أمين مع نفسه عندما يترك كل هؤلاء ويواجه جهة واحدة لم يعد الأمر يمثلها وصار يمثل دولة كاملة.
* طيب من مشكلات القرار 2046 أنه أجبر السودان على التفاوض مع قطاع الشمال؟! الأمر الذي رفضه المكتب القيادي في قراره حول اتفاقية 28 يونيو والشهيرة بـ (نافع – عقار)؟!
حسب علمي لم يكن في قرار المكتب القيادي رفض للتفاوض مع قطاع الشمال، كان الموضوع النقاش حول اتفاقية محددة وليس مبدأ التفاوض.
* هل يمكن أن يقود التفاوض إلى اتفاقية 28 يونيو أو ما يشابهها؟!
اتفاقية 28 يونيو 2011 ليست منزلة وليست مرفوضة جملة واحدة، هنالك أشياء يمكن مراجعتها، وإذا رفض الطرف الآخر مراجعة بعض الأشياء فهذا يعني أنه متعنت.
نقلا عن صحيفة اسوداني
/////////////