عندما يتبخر الحاكم !!

 


 

عادل الباز
17 April, 2011

 


كتب من قبل صديقي المحلِّل السياسي الرائع خالد التجاني مستغرباً من ظاهرة تلاشي الأحزاب الحاكمة بمجرد سقوط النظام. ومع خالد بعض الحق وليس كله؛ إذ إن الظاهرة تستحق أن تُدرس بعناية، ولكن لابد من النظر لطبيعة هذه الأحزاب قبل تلاشيها، لنكتشف أي أحزاب هي، وكيف نشأت، لنرى ما إذا كانت في الأصل توفرت لها عوامل الصمود، أم هي في الأصل بلا جذور، ويستحيل عليها الصمود متى انحسر ظل الحاكم عنها.
لنبدأ من هنا. وُلد الاتحاد الاشتراكي بقرار من جعفر نميري، وبقي على قيد الحياة حتى تم العصف بنميري، فلم نجد لذلك الحزب الذي ملأ الدنيا وشغل الناس طيلة ستة عشر عاماً، أثراً، بل صار هو أثراً بعد عين!! حين سقط الاتحاد الاشتراكي كانت عضويته بالآلاف؛ وكان بينهم أفذاذ في الفكر والثقافة، وسياسيون كبار، ولكن كل ذلك انطوى بمجرد أن تلاشى الحاكم. ملأ الحزب الدنيا براياته، وبطبوله الآفاق، وغنى له أشهر الفنانين، وتغزل بأمجاده الشعراء. حين بدأ النظام يتهاوى لم يجد تلك الآلاف التي سارت في مواكبه وصدحت بأغانيه. لقد ذابت بين ليلة وضحاها كأنها فص ملح وداب!! انتهى أمر الاتحاد الاشتراكي إلى ما انتهى إليه.
في مصر ألّف السادات ما سُمي بحزب مصر؛ وحشد له الملايين، ولكن ما إن طارت فكرة هذا الحزب من رأس السادات، وترك اسمه خلف ظهره، وأعلن عن حزب آخر هو (الحزب الوطني)؛ حتى هجرته تلك الملايين وتحولت للحزب الوطني. ورث حسني مبارك، الحزب الوطني وظل ممتطياً السلطة على ظهره أكثر من عشرين عاماً. ما إن طلع فجر الخامس والعشرين من يناير حتى تلاشى الحزب الذي كسب 90% من الدوائر في آخر انتخابات مزوّرة جرت بمصر. طُويت صفحة مبارك فانطوت صفحة الحزب الوطني، واقتيدت كوادره ورموزه إلى أقبية السجون، ولم تظهر جماهير الحزب المليوينة التي كانت قبل أيام تحتشد ضحى لاستقبال ابن الرئيس؛ الوريث في سوهاج!!
في تونس أنشأ الحبيب بورقيبة الحزب الدستوري الديمقراطي على أيام الاستقلال؛ وكان الحزب يعبّر في تلك المرحلة عن قطاع كبير من الشعب التونسي.. ورث (بن علي) الحزب حين انقلب على بورقيبة واستولى على السلطة بليل. قبل أن يحترق جسد بوعزيزي الطاهر؛ كان جسد الحزب العملاق يتهاوى. هرب بن علي حين اشتدّ لهيب الثورة، وأخذ معه حزبه لذات نهاياته. الحزب وبن علي صنوان.
الآن في محطة صنعاء ننتظر مغادرة علي عبد الله صالح، وسنشهد ذات السيناريو؛ فما إن يسقط الرئيس علي عبد الله لن تجد أثراً لحزب الشعب الديمقراطي.
بتحليل ما جرى من أمر الأحزاب الحاكمة في السودان ومصر وتونس، يتضح أن تلك الأحزاب الحاكمة التي أنتجتها السلطة الحاكمة ليست أحزاباً، ولا هي حاكمة، إنما هي في جوهرها تعبير عن (الرئيس)؛ مندغمة معه تماماً، تستمد وجودها من وجوده، والعكس ليس صحيحاً. فالأحزاب الحاكمة ليست سبباً في وجود الرئيس، بل الرئيس هو من يهبها الحياة، وبمجرد أن يفارق هو الحياة، أو تفارق سلطته الحياة تتلاشى الأحزاب الحاكمة. ويتضح أن ليس لها من مقومات الوجود إلا ذات الرئيس نفسه. تنشأ هذه الأحزاب تلبية لرغبة الرئيس لا الجماهير، ولذا مهما تطاولت مدة بقائها في السلطة فهي لا أكثر من نباتات سلعلع بلا جذور في تربة الشعب، بل هو أول من يسعد بسقوطها ومطاردتها متى ما سقطت؛ فيعصف بها شخوصاً ومقار وبرامج. عندما يتبخر الحاكم يتبخر وجود الحزب الحاكم العضوي؛ وهو في الأصل ليس له أبعاد ثقافية ولا فكرية تبقي على حياته، لأنه في الأصل ظل للحاكم يبقى ببقائه ويختفي باختفائه. تلاقي تلك الأحزاب مصيرها عارية من أي فضيلة؛ فهي لم تقم على فكرة ولا مبدأ يقاتل الناس دونه. فغالباً ما تتألف من البلطجية والمرتزقة و(الشبيحة)؛ تحشدهم المصالح وليس المبادئ، ولذا يعرف الحاكم كيف يروّضهم... ينشئ لهم أحزاباً فتجدهم يتسابقون عليها بالملايين (وبالملايين قلناها نعم)... يستوزرهم فلا يسمع منهم إلا السمع والطاعة يا مولاي.!! عندما يحيث الحيث لن يجدهم الحاكم بجانبه، فيضطر لاستيراد مرتزقة جدد من خارج البلاد !! يا صديقي خالد التجاني إن تلك ليست أحزاباً حاكمة، إنما هي أحزاب (الحاكم بأمره) تتبخر عندما يتبخر، وينتهي أمرها بانتهائه... والبقاء لله وحده!!
 

 

آراء