عن الشهيد عبد الخالق محجوب (3): كتابة تخلو من أي وعي أو إزهار لقناديل!.
حسن الجزولي
16 July, 2021
16 July, 2021
بتأليف للمهندس حسن محمود الريح صدر عن دار المصورات كتابه المعنون " عبد الخالق محجوب ،، الوعي وإزهار القناديل" سبتمبر 1927م ـ يوليو 1971.
ومنذ الوهلة الأولى يترآي للقارئ أن محتوى الكتاب يتناول سيرة هذا الانسان السوداني النادر الوجود ويستعرض سنوات حياته ومساهماته في مجريات السياسة السودانية التي اكتوى بنارها حداً انطبقت عليه فيها مقولة "فناء العاشق في المعشوق". ولكن الأمر ليس كذلك البتة، بل هو عكس ذلك، حيث دس السم في الدسم ببث خطاب الكراهية لعبد الخالق وحزبه معاً!.فبدلاً عن تناول عبد الخالق وسيرته وسريرته، ترك كل ذلك وراح متحدثاً عن انقلاب 19 يوليو وأحداث مجزرة بيت الضيافة!.وحتى حول هذه فلم يكن أميناً كما سنرى!.
***
نواصل في سرد سلبيات الكتاب المشار إليه ونقول أن من الوقائع الأكثر وضوحاً فيما يتعلق بتلفيق الأحداث ولي عنق الحقائق، نجدها في حكاية "وصية عبد الخالق" التي تتم الاشارة إليها " معسمة" في أكثر من موضع!.
فقد أشار الكاتب لأحد أخطر ما شغل بال المهتمين والدارسين، وهي الجزئية المتعلقة بوصية عبد الخالق، فقال أن طه الكد دوًنً في صفحتين من ورق كراسة مدرسية وقائع الأيام التي كان فيها عبد الخالق بأبروف. وقال أن طه أحرق تلك الأوراق ولم يسلمها لمحمد إبراهيم نقد كما راج، وأشار إلى بعض أسماء الشخصيات التي قال أن طه الكد قد أطلعها على ما كتبه، وهم كل من " محمد سليمان، عبد الحكم القوصي، حيدر بابكر، عبد العال الليثي. مشيراً إلى أن مصدره هو "الراوي" كما أشار له في معظم أجزاء الكتاب دون أن يعرف بإسمه للقارئ كمصدر له!.
نشير إلى ما جاء في إفادة الراحل محمد إبراهيم نقد لنا في كتابنا "عنف البادية" بأن طه سلمه كراسة ولم تكن من عبد الخالق شخصياً ولكنها كانت تدويناً من طه نفسه الذي سجل فيها وقائع ما جرى خلال وجود عبد الخالق مع طه في أبروف خلال الأيام التي قضاها هناك!.علماً أن إفادة الراحل الخاتم عدلان في "عنف البادية" تشير إلى أنه سأل طه الكد عن تلك الأوراق فأكد له طه أنها كراسة كتبها عبد الخالق وطلب منه تسليمها قيادة الحزب، وعندما سأله الخاتم هل قرأتها، أجاب طه قائلاً "أنا أخوك يا حسين، أنا أحنث بالقسم، أنا أخون الأمانة؟!، أنا أخون العهد؟!" مؤكداً أنه سلمها محمد إبراهيم نقد دون أن يقرأها!.
وعليه فإن الإفادة الواردة بكتاب المهندس حسن الريح بخصوص "الكراسة"، تثير عدة أسئلة تتعلق بجزئية "لغزها"!، أول هذه الأسئلة هل لأربعة شخصيات تعد في قلب الأحداث، يمكنها أن تتكتم على معلومات في درجة من الأهمية والخطورة دون أن يقدم أي أحداً منها على أماطة اللثام عن كنهها، "ولو بالثرثرة" ويبقيها طي الكتمان طيلة هذه المدة، بما فيها الراوي " المجهول" نفسه؟!. وما السبب الذي يجعلهم يتكتمون على سر هذه المعلومات حتى اللحظة، بل ما هي مصلحتهم في ذلك يا ترى. بل لماذا لم يطلع طه عليها أهل (الجلد والرأس) من الشيوعيين في أبروف في حين يطلع عليها هؤلاء الأربعة فقط؟!.
وهناك ملاحظة أخرى تبدو جلية كلما توغل القارئ في صفحات الكتاب، بأن مؤلفه في رواياته يركن في الغالب الأعم لمصادر رحلت عن الدنيا سلفاً ولم تعد موجودة لمراجعتها في سبيل المزيد من التأكد؟!. حيث أن الثلاثة الذين تمت الاشارة إليهم قد رحلوا، وهاهو رابعهم قد لحق بهم، عليهم الرحمة، ونترك التعليق للباشمهندس حسن، ريثما نكشف عن شخصية الراوي التي أشار إليها في معظم وقائع الكتاب!.
كما أن هناك جزئية ذات دلالة وتتعلق بإشارة الكاتب إلى أن طه حرص على الاشارة بالأحرف الأولى لأسماء كل الذين "خذلوا" عبد الخالق حينما طلب حمايتهم مثل "ص.أ"،"ك"،"م.ي.م"،"ف.ب"،
فإن كان عبد الخالق قد دون أو أعلم قريبه طه بكل من خذلوه من الزملاء، إذن فلماذا لم يشر طه من قريب أو بعيد لاسم "الزميل" السابق "ب.م.ح" الذي يسكن أبروف وهو الذي أفادتنا فائزة أبوبكر في "عنف البادية" التي أوت عبد الخالق بمنزلها لليلتين، أنها ذهبت إليه للمشاركة في إخفاء عبد الخالق ولكنه تمانع ورفض وطلب منها عدم الاتصال به مرة أخرى، ثم اتضح لاحقاً أنه كان ضمن المنقسمين وخرج من الحزب؟!، لماذا لم يتم إيراد اسمه ضمن من خذلوا عبد الخالق؟!، أم أن القصد هو التركيز على عضوية الحزب دوناً عن "المنقسمين" لتبدو الشغلانة أن "أهله تركوه في خذلان مبين" يا ترى؟!.
يمضي الكاتب في درب خلط المعلومات وتشويه الحقائق بسرد وقائع غير صحيحة، كما ورد في الجزئية المتعلقة بانتقال عبد الخالق إلى منزل فائزة أبو بكر عضوة الحزب الشيوعي والتي كانت في استقباله بكل أريحية وواجب قررت تحمل تبعاته كشيوعية صميمة تجاه قائدها وزعيم حزبها!، فكما روت لنا في كتابنا "عنف البادية" أنها استقبلت عبد الخالق عندما انتقل إليها من منزل آل الكد وبصحبته طه الكد، وأنه بقي في ضيافتها لمدة يومين على الرغم من تفتيش رجال الأمن بحثاً عن زوجها، وشاءت الصدف إلا يقع عبد الخالق بيدهم، فيصر بعدها عبد الخالق على ضرورة الانتقال لمنزل خال لا يسكنه أحداً حتى لا يورط الأبرياء!، تفيد فائزة بهذه المعلومات خلافاً لما ورد في كتاب "المهندس" بأنها استشارت أشقائها، فرفض أحدهم وهو د. محمد الحسن "الذي عُرف بكرهه للشيوعية وعنفها مهدداً بأنه سيقوم بالابلاغ عنها وعن عبد الخالق إن هي تجاسرت على إيوائه بالمنزل"!.وإن كان "المهندس" يثق في "مصدره" الذي حجاه بهذه الحكاية الملفقة فاليكشفه للقارئ!، وبيننا وبينه مصدرنا السيدة فائزة أبوبكر أمد الله في عمرها.
وثمة رواية ملفقة أخرى حول اختفاء محمد إبراهيم نقد بعد أحداث 19 يوليو 1971، حيث قامت جماعة الأخوان المسلمين بتلفيقها بصحفها بعد نجاح الانتفاضة واستقبال جماهير الشعب السوداني له استقبال الأبطال منذ أول يوم لظهوره العلني في أولى ندوات الحزب الشيوعي بالميدان الشرقي في جامعة الخرطوم، وللتقليل من شأن المأثرة الجبارة لنقد وللشيوعيين السودانيين الذين وبمساعدة جماهير "الأحياء الشعبية" استطاعوا المحافظة على حياة زعيمهم طيلة 16 سنة لم تستطع أيادي جلازوة الأمن من الوصول إلى مكان أختفاءه، فحاولت جماعة الكيزان تشويه هذه المعالم الوضيئة بادعاءها أن نقد كان بالفعل مختفياً عن الأنظار، ولكن ليس داخل السودان، بل في بلغاريا التي وصلها عن طريق السفارة البلغارية بالخرطوم!.
بنفس هذا المستوى المتدني حتى في التلفيق، يردد كتاب "المهندس حسن محمود الريح" بأن أحد أقرباء نقد نقله بلوري فحم من أطراف حي البستة بأم درمان بعد أن تخفى نقد في جلباب متسخ لأحد عمال نقل الفحم وذهب به إلى مكان متفق عليه بحي المقرن بالخرطوم حيث كانت في انتظار نقد سيارة ديبلوماسية تابعة للسفارة البلغارية!، وبعدها تم نقله إلى داخل السفارة الروسية بالخرطوم ليعيش فيها ردحاً من الزمن!.
فهل هناك وبهذا التلفيق غير اللائق أوضح من أن الكتاب الذي يدعي "الابتهاج" بسيرة حامل الوعي وإزهار القناديل، إنما يدس في واقع الأمر السم الزعاف للقارئ داخل جرة شهد صافي المقام؟!. ولا نزيد.
علماً بأن الكتاب يورد ضمن الصور الفوتوغرافية التي عرضها صورة أدعى أنها لنقد في شبابه، بيد أنه لا تجمعها أي علاقة بالقائد الراحل محمد إبراهيم نقد بل نسبت له هكذا بلهوجة وتسرع دون تأكيد وتثبت!، تماماً كما الرسم التقريبي لوجه الشهيد عبد الخالق محجوب والتي احتلت غلاف الكتاب المشار إليه، ولا تربطها من حيث الخطوط وتقريب ملامح الرسم أي رابطة بملامح عبد الخالق!.
(ونواصل)
ـــــــــــ
* لجنة التفكيك تمثلني ومحاربة الكرونا واجب وطني.
* الصورة المرفقة للأديب الراحل طه الكد.
hassanelgizuli@yahoo.com