عن ثورة 25 يناير المصرية العظيمة قبل أن يجهضها الأخوان والعسكر، وإستسلام السياسي والمثقف المصري .. في ذكراها أحكي لكم
عمر الحويج
26 January, 2023
26 January, 2023
قصة قصيرة : الزنزانة رقم :30 / 6
*****
أنا ألآن , داخل الزنزانة رقم ..30 / 6 . فات زمان لم أعد أذكره طويلاً كان ، أم قصيراً .. لست أدري . ماأدريه فقط .. ما أعلمه فقط .. أننى ظللت طيلة هذه المدة ، التى لا أعرف مداها .. أتلقى عدداً لا يحصى من الوجبات..(هكذا سمعتهم ، يسمونها ) . الخفيف منها ، والثقيل .. المتنوعة ، والمتجددة : في الشكل واللون .
لا تظنوا بي الظنون ، فهى ليست تلك الوجبات التى يسيل لها اللعاب ، وإنما هى تلك الوجبات ، التى تسيل فيها الدماء ، دمائي أنا .. أعني !! .
والآن .. وأنا أسجل لكم في مدونتي .. ( لا تندهشوا كثيراً ، نعم مدونتي ) .
تجدونني قد خرجت من إحدى تلك الوجبات . أنا الآن غارق في دمائي .. لا تسألوني كيف كان شكل الوجبة , التى ناولوني إياها . طعمها .. لونها .. وشكلها . لا تتعجلوا ، هذا ما سأحدثكم عنه لاحقاً فقط : إنتبهوا معى أنا الآن ، أو بالأحرى قبل لحظات ، ضغطت على زر التشغيل في حاسوبي .. وأنا الآن أشتغل على مدونتي ، كما تلاحظون .. كيف ذلك ؟؟ !! .. صبراً أنتم دائماً متعجلون ..!! ، سوف أقول لكم أصدقائي ، بشرط أن لا تفغروا أفواهكم دهشة ، فالمسألة في غاية البساطة .
أنا أحمل حاسوبي ، داخل دماغي .. ألم أقل لكم ألا تفغروا أفواهكم دهشة . و أحمده تعالى ، رغم الوجبات المتكررة والعنيفة .. إلا أنهم حتى الآن لم يستطيعوا اختراق دماغي .. بعد !! .
سأتوقف عن التسجيل في مدونتي . كى أتجول في صفحاتكم , على الفيسبوك ، عساي أجدكم عليها . أعرف عنكم ، أنكم أدمنتم (مثلي !!) حواسيبكم ، حتى ربما ، تكونوا خزنتموه ( مثلي تماماً !!) في أدمغتكم ، لاستخدامه عند الضرورة .. خاصة إذا شرفتم , الزنزانة رقم : ٣٠ / ٦ ، قطعاً سيساعدكم ذلك ، على تحمل تلك الوجبات .. الخفيف منها ، والثقيل .. لا تظنوا في أنفسكم الظنون .. فهى ليست تلك الوجبات التى يسيل لها اللعاب .. وإنما هي تلك الوجبات التى تسيل فيها الدماء .. دماؤكم أعني .. !! .
من المستغرب عدم تواجدكم على صفحاتكم في الفيسبوك ، في هذه اللحظة التى احتاجكم فيها .. أين تكونون في هذه اللحظة .. ياترى !!؟؟ ربما أنتم الآن في الميدان .. أو ربما أنتم في حالة بحث دائم عني .. فقد وصلني تضامنكم معي .. قرأت نداءاتكم ، لإطلاق سراحي ، في كافة مواقع التواصل الاجتماعي .. أنا أُثمن ذلك كثيراً ولكن حذار ، لن تجدوني في كل الأمكِنة الممكنة .. فأنا في المكان غير الممكن !! .
ولحين ظهوركم .. سوف أغلق حاسوبي مؤقتاً ، لكي اُلملِم شتات نفسي وجسدي .. وأجفف ما علق بِكافة أطرافي من دماء .. وجراح .. !!.
إليكم الآن أعود ، بعد أن ضغطت على زر التشغيل ، في حاسوبي مرة اخرى . فأنا شغوف ، بل ومتلهف للقائكم .. ولكن ويا أسفي ، أنتم لستم هناك ، أنتم لا تواجد لكم في صفحاتكم ، على الفيسبوك .. يا تُرى ماذا يجري خارج هذه الزنزانة اللعينة !!؟؟ .. لا أظُنني أدري ، ما أدريه فقط إنني غارق في دمائي !! .
دعوني إذن أذهب بحثاً في بريدي الإلكتروني .. أرغب فى مُراسلة شاهيناز ، سأنتظر حتى يأتيني ردها ، ثم بعدها أعود لأواصل معكم في مدونتي . أعرف أن ردها سيبعث الحياة في داخلي ، ويريحني من هذا العناء الذي لا يُحتمل ، في عُزلَتي هذه غير المجيدة . لا.. رد ، سأدعم الرسالة بِأخرى .. عسى ولعل . أنتظر بفارغ الصبر ، ردك العاجل ياشاهيناز .. أنتظر لا زلت . انشغلت بعدها للحظة ، بتجفيف بعض الدماء ، التى تدفقت فجأة ، حيث شعرت ببرودتها ، تلسع ظهري .. بقساوتها !!. عدت إلى شاهيناز مرة اخرى ولكن .. لا رد . هذه الزنزانة إشتددت برودتها ، هذا شتاء قاسٍ لا يرحم .. وأنا دون غطاء أتدثر به . أين تكونين الآن يا شاهيناز .. ربما تبحثين عنى أنت أيضاً مع الآخرين ، لا ترهقوا أ نفسكم كثيراً ، فهم لن يسمحوا لكم بالتعرف على مكاني . لقد سمعت أحدهم ، بأُذني هذه .. التى لا أحس بوجودها في مستقرها المعتاد .. يقول لي: الداخل هنا مفقود ، والخارج مولود .. وأجزم أننى من المفقود !! .
سامحيني شاهيناز ، سامحوني أصدقائي ، فأنا أثرثر الليلة كثيراً .. ربما بحثاً عن الأمان المفقود ، أو ربما بحثاً عمن يشعرنى بأنى موجود لا أزال .. ولحين أتلقي رد شاهيناز .. سوف أسرد لكم سريعاً ( بعد عودتي إلى مدونتي ) كيف التقينا أنا و .. شاهيناز !! .
كنا جميعُنا - وهذا طبعاً معلوماً لديكم ، حين تشاركنا على صفحاتنا في الفيسبوك : التقينا حين التقت أفكارنا .. أصبحنا نتبادل المعلومات ، ارتقينا .. فتبادلنا المُقتَرحات : تطورنا .. فانتقلنا حتى التخطيط , ومن ثم التنفيذ . حتى أوصَلَنا كل ذلك إلى الميدان . . ومن ثم التحرير الميدان . كل ذلك تعلمونه .. ولكن ما لا تعلمونه .. سأحكيه لكم الآن .
ففى أحد الأيام العاصفة . وكنت مكلفاً حينها ، بمهمة التنظيم و المراقبة ، في أحد أركان الميدان ، حين لمحت أحدهم ، وهو يهم بالتحرش ، بإحدى الفتيات الثائرات ، بصورة واضحة .. بل فاضحة ، هرولت مسرعاً نحوه .. وصلتهُ .. إنتهرتهُ .. زجرتهُ ، بل هممتُ بضربه .. لولا أنه إختفى عني ، وسط الجموع ، وأظنها التفتت نحوي لتشكرني على ما فعلت وتذهب في طريقها ، إلا أنه وفى تلك اللحظة بعينها ظهر صديقي "ناجي" الذى فيما يبدو أنه لحق بى . حين لمحنى أهرول إلى هذه الجهة من الميدان . ولدهشتي حين وصوله ، لم يلتفت ناحيتي ، وإنما إلى جهة الفتاة منادياً : شاهيناز .. !! . حينها إرتجت كل أطرافي ، عند سماعي لإسمها . ثم بعدها التفت ناحيتي ممازحاً .. " إيه الشهامة دي كلها يا سي حمدي " . وأظنها أيضاً إرّتجت كافة أطرافها عند سماعها لإسمى .
رددت مندهشة : أنت حمدي..!!؟؟
رددت مندهشاً : أنتِ شاهيناز..!! .
أنا أعرفكم .. أصدقائي ، أنتم جد فضوليين ، تودون معرفة أسباب هذا الإندهاش .. صبراً سوف أخبركم :
حين تشاركنا صفحاتنا في الفيسبوك ، كنا أنا وهي الأقرب لبعضنا بين المجموعة .. كانت أفكارنا ، وإن لم تكن متطابقة فهى متقاربة .. وكثيراً ما توافقنا في الآراء والمقترحات ، دون تعمد من جانبي ، ودون قصد من جانبها .. وأدى ذلك إلى التقارب فيما بيننا . انعكس ذلك على تواصلنا عبر البريد الإلكتروني ، وهى خطوة للتعارف أكبر - كما من تعلمون أسرار الفيسبوك- ورغم ذلك لم نلتق أبداً وجهاً لوجه ، إلا فى هذه اللحظة .. لحظة اكتشافنا الحقيقي لبعضنا ، وليس اكتشافنا الإفتراضي كما كنا قبلها ، ومن وقتها لم نفترق أبداً .. أعنى في حدود الميدان !! .
أعرف أصدقائي ، أننى لم أشبع فضولكم بعد تسألوني .. إلى أى حد وصلت علاقتنا ، أقول لكم .. مرة اخرى : لم تتعدى علاقتنا حدود الميدان ، مع كثير من المشاعر الطيبة والحبية التى نُكِنُها لبعضنا : أعرف أنا ..وتعرف هي ، أن هناك عائق كبير يقف بيننا ، كسلسلةجبال يقف حاجزاً بين تلاقينا أبدا .. اكتشفناه صدفة .. !!.
تجمعنا يوماً ، للتوقيع على مذكرة ، كنا ننوي رفعها لإحدى الجهات الحقوقية ، سبقتنى هي إلى التوقيع ، لأول مرة سجلت اسمها كاملاً أمامي ( شاهيناز احمد البدري ) .. دعتني بعدها للتوقيع , سجلت اسمي كاملاً (حمدي يوسف حنا ). تبادلنا نظرات ، تائهة ، لا معنى لها , في اليوم التالي ، تبادلنا الرسائل .. !! .
كتبتُ أنا : سأجيء بي ، إليك .. لنلتقي .
كتَبت هى : لا.. سأجيء بي أنا ، إليك .. لنلتقي .
كتبت أنا : ربما يجئ بى وبك .. إلينا ، الميدان .. لنلتقي .
وحين التقينا فيما بعد .. ضحكنا معاً بحزن .. حتى طَفَرَ دمُعنا .. لهذا المستحيل المُمكن . وواصلنا عملنا فيما يخص الميدان .. !! .
وأواصل الآن ، البحث في بريدي ، عن رد من شاهيناز .. ولكن ، أيضاً لا رد ، ازداد قلقي عليها ، وعلى الآخرين ، ولكن ماذا في يدى لأفعله . فقط سأهرب من قلقي هذا ، بالتجوال في بريدي المتراكم من قديم ، فأنا لا أحذف من بريدي إلا ذاك الذي لا يعنيني .. !!.
أفتح أحدَثُها .. هذه رسائل من شاهيناز ، وأخرى منكم أصدقائي ، وأكثرها فيما يخص الميدان . دعوني أتجاوزها ، وأعبُرها إلى الرسائل الأقدم .
ستوقفتني رسائل صديقنا " عبد الهادي " ، تذكُرونه .. كان من ضمن مجموعتنا ، إذن .. لأتجول في رسائله ، عساها تخفف عني هذا الصمت القاتل ، وقد تجدونها مفيدة لكم ..أظن ، كما هى مفيدة لى حتماً .. وأنا داخل الزنزانة رقم : 30 / 6 ... !! .
رسالته الأولى : وهى عبارة عن حوار مطول ، أجراه أحد الكُتّاب البارزين إسمه د/ بشرى الفاضل مع أستاذ جامعي بدرجة ( بروفيسور ) وإسمه فاروق محمد إبراهيم كان معتقلاً سابقاً وهو حتماً ، قد زار الزنزانة رقم 30 / 6 . حيث تم تعذيبه بواسطة تلميذهِ سابقاً وزميلهِ لاحقاً ، وسماه بإسمه وهو نافع على نافع وسماه ٱخرون ساخرين منه(بنافع المانافع) ولم يتركه حتى أحاله للصالح العام - وهى تسمية غير مُعلنة - للتمكين . فهم قد سبقونا إلى الزنزانة رقم : 30 / 6 . وإن طال زمن مكوثهم فيها , فحراس هذه الزنزانة , من عادتهم أن : يتدثروا .. ثم يتمسكنوا .. حتى يتمكنوا .. ويا خوفى لو تمكنوا منا ..!! . دعوني " بعد إذنكم " أن تسمحوا لى بوقف التسجيل مؤقتاً في مدونتي ، غرضي البحث : عنكم .. وشاهيناز كذلك . ولكن أيضاً (لاحِس .. لا خبر ) ..وحتى شاهيناز لم أجد لها رداً على بريدي الإلكتروني . مالها .. هذه الليلة المشؤومة , تزيدني ألماً على ألمي . إذن دعوني أعود إليها " أعني مدونتي " فهي على الأقل , لازمتني في وحدتي هذه الموحشة ، في حين اختفيتم عني ، عند الحاجة إليكم ، وهى حاجة ماسة .. تعلمون . إذن أعود لأكمل لكم ذلك الحوار الذى أخبرتكم عنه ، و أنا صراحة لا أدري إن كنتم تقرأوني الآن ، أم أنتم في شغل شاغل .. عني .!!
ولأنه حوار مطول سأرسله لكم على بريدكم الإلكتروني ، لأن مدونتى لا تسعه ولا وقتي ولا ظرفي . وإذا رغبتم فيه كاملاً ، أبحثوا عنه بطريقتكم ، أما هنا في مدونتي ، سأكتفي ببعض منه . . فإلى الحوار :
س : ( أخبرنا عن مأساة المعتقل " بدر الدين " ؟ )
ج : ( تعرض ذلك الشاب " بدر الدين " لتعذيب لا أخلاقي ، شديد البشاعة ، ولم يطلق سراحه ، إلا بعد أن فقد عقله . قام بعدها بذبح زوجته ووالدُها , وآخرين من أسرته ، ونحر نفسه يُقال) .
رسالته الثانية : ( جلد فتاة في الطريق العام ) بحضور الجمهور والقاضي المقيم !! . وهي رسالة .. عبارة عن فيديو في اليوتيوب .. فقط أنبه الزميلات آلا يشاهدنه .. حتى لا يُصبن بالغثيان من بشاعة العقوبة .. !! .
رسالته الثالثة : بعنوان ( الحكم بالجلد ، على صحفية وإسمها لبنى أحمد حسين وذكر لي أنها رفضت دفع الغرامة وفضلت السجن بغرض فضحهم ، وكانت تهمتها فقط إرتداء "البنطلون الواحد" ده على حد قوله ..!! ) .
وأنتم " أصدقائي " تجولوا تحت هذا العنوان ما شاء لكم الوقت ، فقط تَجلَدوا بالصبر , حتى لا يُحكم عليكم بالجَلد ، لعدم الصبر . فقط أٌنبه الزميلات ، بتحسس مؤخراتهن , لأنه قد يأتى عليهن اليوم ، الذى تطالهن فيه هذه العقوبة ، ما دمن يتحركن مازلن ، ببنطلوناتهن الجينز ، وهن يتبخترن بها ، متفاخرات .. !! .
رسالته الرابعة : هذه الرسالة من صديقنا " عبد الهادي " عبارة عن كاريكاتير لخارطة بلاده ينزف نصفها الأسفل .. دم أحمر ، من قصة قصيرة لكاتب إسمه عمر الحويج ، وأُرفق معها هذه الأسطر :
( تحمل الأم الأولى ، نصفها .. الـ - يقطر – دماً .. وتنطلق .
تحمل الأم الثانية ، نصفها .. الـ - يقطر – دماً ..وتنطلق .
وقد تصادف ، أن كانت هُنالِك :
أم ثالثة تأخرت فقط .. عن الحضور . )
و .. يا للرعب الذى تملكني , وقد تخيلت بعض أجزاء منا .. تنزف دماً .. أحمر .. قاني ..!!. وإن كانت مساحتنا لا تقبل القسمة على إتنين .
رسالته الخامسة : أصدقائي ، هذه الرسالة لها وقع خاص ، أذكُر أنه عاتبنا حينها ، على موقفنا المُحزي والمُخجل .. كما قال ، حين تحدث عن " مجزرة مسجد مصطفى محمود " وأنه لم يجِدُنا عند حدوثها . والحق يقال ، أننا لم نسمع بها ، الا من رسالته تلك . ربما يكون عُذرنا "وهو أقبح من الذنب " أننا كنا حينها " كلنا " لا ندري ما يدور حولنا . ولما لم أجد ما أقوله له . أرسل لي على بريدى الإلكتروني ، رسالة غا ضبة . تعرفون ماذا كتب !! . " أرسِلوا لنا جثث القتلى حتى نواريها الثرى بمعرفتنا .. فأنتم ربما لا تجيدون الدفن .. أو ربما لا ترغبون في ذلك .. !! " وبعدها انقطع عن قروبنا ، ولم يعُد إلينا إلا بعد أن وصلنا الميدان . أذكر يومها كانت أول رسالة لي منه ، كتب فيها .. " أنتم السابقون ونحن اللاحقون " ونَسِيَ أنهم فعلوها قبلنا مرتين ..كما ونَسِيَ أننا تعلمنا أخيراً .. الكثير .
بعدها أرسل لي رسالة غامضة . سأبحث عنها في بريدي الإلكتروني . فقط بعد أن أبحث عنكم .. وشاهيناز . و إن لم أجدُكم .. وأجِّدُها عدت أدراجي ، الى مدونتي .
رسالته السادسة : هاهي .. لقد وجدتها .. سأدوِنُها لكم الآن : - الرسالة - ( عسكر و حرامية ) هكذا وصلتني ، دون تعليق . وحتماً صديقنا عبد الهادي لا يعني لعبة الأطفال .. تلك البريئة اللطيفة ، إنما قطعاً كان يعني ، لُعبة الكبار المُدمرة ، التى يُمارِس فيها ، الطرفين لعبة القتل المجاني .. على الآخرين . فقد فهمت معناها في حينها ، ووصلني مغزاها حين عايشناها كما عاشوها : تذكرون أصدقائي ، حين احتدمَ الخلاف بين مجموعاتنا ، وكان الإصرار من جانبكم على عَصْرِ مِعدَاتِكُم ليمونة ، وكان الإصرار من جانبي ، ومعي شاهيناز - بعد أن اقتنعت برائي - أن لا نعَصِر مِعداتُنا : لا .. لهذا. ولا لذاك .. ربما أنا هنا لهذا السبب !! داخل الزنزانة رقم : 39 / 6 .. !! .
وقبل أن أواصل تجوالي في رسائل - صديقنا عبد الهادي - تأتيني الآن .. أصوات أقدام متعددة .. ومتعجلة ، تتحرك خارج الزنزانة - أسمحوا - لي الآن : سوف أضغط على عجل .. زر الإغلاق في حاسوبي ، كي إستجلي الأمر , ربما هي وجبة جديدة ، تسيل فيها الدماء .. وليس اللُعاب .. !! .
أعِذروني أصدقائي لقد تأخرت عليكم كثيراً .. لقد عُدت الآن فقط ، ليس محمولاً على نقالة .. إنما مسحولاً على الأرض الصلبة .. أنا الآن في غيبوبة شبه تامة .. أحس بأن أعضائي قد فارقت جسدي .. لقد أخذوا جسدي .. دون أعضائي . لقد سرقوا كامل جسدي .. ورغم ذلك .. سأحرك إصبعي الذى وجدته .. لا زال يعمل .. من بين كافة أعضاء جسدي ، أضغط به على زر التشغيل في حاسوبي : يا فرحي .. !! . أخيراً .. قد وجدتكم أصدقائي .. أنتم متواجدون على صفحاتكم في الفيسبوك .. ولكن ماذا أرى ؟؟ .. حروفكم المصفوفة أمامي ، أقرأها بصعوبة .. ( استشهــــاد الناشطة شاهيناز احمد البدرى) : لا .. لا .. حاسوبي لا يعمل .. حاسوبي ليس معي .. لقد اخترقوا حاسوبي . حاسوبي في دماغي .. لهذا اخترقوا دماغي .. لقد أخذوا مني جسدي .. و تركوني عارياً دون جسدي . *****
تنبيه أول : الرسائل في القصة عناوين حقيقية يمكن متابعتها على مواقع التواصل الاجتماعي .
تنبيه ثاني : الزنزانة رقم 30 / 6 : هو اليوم الذي تم فيه تنصيب الراحل محمد مرسي رئيساً لمصر .
وهو ذات اليوم الذي أصبح فيه الرئيس المخلوع والسجين الآن عمر البشير بالإنقلاب العسكري رئساً على السودان .
omeralhiwaig441@gmail.com
*****
أنا ألآن , داخل الزنزانة رقم ..30 / 6 . فات زمان لم أعد أذكره طويلاً كان ، أم قصيراً .. لست أدري . ماأدريه فقط .. ما أعلمه فقط .. أننى ظللت طيلة هذه المدة ، التى لا أعرف مداها .. أتلقى عدداً لا يحصى من الوجبات..(هكذا سمعتهم ، يسمونها ) . الخفيف منها ، والثقيل .. المتنوعة ، والمتجددة : في الشكل واللون .
لا تظنوا بي الظنون ، فهى ليست تلك الوجبات التى يسيل لها اللعاب ، وإنما هى تلك الوجبات ، التى تسيل فيها الدماء ، دمائي أنا .. أعني !! .
والآن .. وأنا أسجل لكم في مدونتي .. ( لا تندهشوا كثيراً ، نعم مدونتي ) .
تجدونني قد خرجت من إحدى تلك الوجبات . أنا الآن غارق في دمائي .. لا تسألوني كيف كان شكل الوجبة , التى ناولوني إياها . طعمها .. لونها .. وشكلها . لا تتعجلوا ، هذا ما سأحدثكم عنه لاحقاً فقط : إنتبهوا معى أنا الآن ، أو بالأحرى قبل لحظات ، ضغطت على زر التشغيل في حاسوبي .. وأنا الآن أشتغل على مدونتي ، كما تلاحظون .. كيف ذلك ؟؟ !! .. صبراً أنتم دائماً متعجلون ..!! ، سوف أقول لكم أصدقائي ، بشرط أن لا تفغروا أفواهكم دهشة ، فالمسألة في غاية البساطة .
أنا أحمل حاسوبي ، داخل دماغي .. ألم أقل لكم ألا تفغروا أفواهكم دهشة . و أحمده تعالى ، رغم الوجبات المتكررة والعنيفة .. إلا أنهم حتى الآن لم يستطيعوا اختراق دماغي .. بعد !! .
سأتوقف عن التسجيل في مدونتي . كى أتجول في صفحاتكم , على الفيسبوك ، عساي أجدكم عليها . أعرف عنكم ، أنكم أدمنتم (مثلي !!) حواسيبكم ، حتى ربما ، تكونوا خزنتموه ( مثلي تماماً !!) في أدمغتكم ، لاستخدامه عند الضرورة .. خاصة إذا شرفتم , الزنزانة رقم : ٣٠ / ٦ ، قطعاً سيساعدكم ذلك ، على تحمل تلك الوجبات .. الخفيف منها ، والثقيل .. لا تظنوا في أنفسكم الظنون .. فهى ليست تلك الوجبات التى يسيل لها اللعاب .. وإنما هي تلك الوجبات التى تسيل فيها الدماء .. دماؤكم أعني .. !! .
من المستغرب عدم تواجدكم على صفحاتكم في الفيسبوك ، في هذه اللحظة التى احتاجكم فيها .. أين تكونون في هذه اللحظة .. ياترى !!؟؟ ربما أنتم الآن في الميدان .. أو ربما أنتم في حالة بحث دائم عني .. فقد وصلني تضامنكم معي .. قرأت نداءاتكم ، لإطلاق سراحي ، في كافة مواقع التواصل الاجتماعي .. أنا أُثمن ذلك كثيراً ولكن حذار ، لن تجدوني في كل الأمكِنة الممكنة .. فأنا في المكان غير الممكن !! .
ولحين ظهوركم .. سوف أغلق حاسوبي مؤقتاً ، لكي اُلملِم شتات نفسي وجسدي .. وأجفف ما علق بِكافة أطرافي من دماء .. وجراح .. !!.
إليكم الآن أعود ، بعد أن ضغطت على زر التشغيل ، في حاسوبي مرة اخرى . فأنا شغوف ، بل ومتلهف للقائكم .. ولكن ويا أسفي ، أنتم لستم هناك ، أنتم لا تواجد لكم في صفحاتكم ، على الفيسبوك .. يا تُرى ماذا يجري خارج هذه الزنزانة اللعينة !!؟؟ .. لا أظُنني أدري ، ما أدريه فقط إنني غارق في دمائي !! .
دعوني إذن أذهب بحثاً في بريدي الإلكتروني .. أرغب فى مُراسلة شاهيناز ، سأنتظر حتى يأتيني ردها ، ثم بعدها أعود لأواصل معكم في مدونتي . أعرف أن ردها سيبعث الحياة في داخلي ، ويريحني من هذا العناء الذي لا يُحتمل ، في عُزلَتي هذه غير المجيدة . لا.. رد ، سأدعم الرسالة بِأخرى .. عسى ولعل . أنتظر بفارغ الصبر ، ردك العاجل ياشاهيناز .. أنتظر لا زلت . انشغلت بعدها للحظة ، بتجفيف بعض الدماء ، التى تدفقت فجأة ، حيث شعرت ببرودتها ، تلسع ظهري .. بقساوتها !!. عدت إلى شاهيناز مرة اخرى ولكن .. لا رد . هذه الزنزانة إشتددت برودتها ، هذا شتاء قاسٍ لا يرحم .. وأنا دون غطاء أتدثر به . أين تكونين الآن يا شاهيناز .. ربما تبحثين عنى أنت أيضاً مع الآخرين ، لا ترهقوا أ نفسكم كثيراً ، فهم لن يسمحوا لكم بالتعرف على مكاني . لقد سمعت أحدهم ، بأُذني هذه .. التى لا أحس بوجودها في مستقرها المعتاد .. يقول لي: الداخل هنا مفقود ، والخارج مولود .. وأجزم أننى من المفقود !! .
سامحيني شاهيناز ، سامحوني أصدقائي ، فأنا أثرثر الليلة كثيراً .. ربما بحثاً عن الأمان المفقود ، أو ربما بحثاً عمن يشعرنى بأنى موجود لا أزال .. ولحين أتلقي رد شاهيناز .. سوف أسرد لكم سريعاً ( بعد عودتي إلى مدونتي ) كيف التقينا أنا و .. شاهيناز !! .
كنا جميعُنا - وهذا طبعاً معلوماً لديكم ، حين تشاركنا على صفحاتنا في الفيسبوك : التقينا حين التقت أفكارنا .. أصبحنا نتبادل المعلومات ، ارتقينا .. فتبادلنا المُقتَرحات : تطورنا .. فانتقلنا حتى التخطيط , ومن ثم التنفيذ . حتى أوصَلَنا كل ذلك إلى الميدان . . ومن ثم التحرير الميدان . كل ذلك تعلمونه .. ولكن ما لا تعلمونه .. سأحكيه لكم الآن .
ففى أحد الأيام العاصفة . وكنت مكلفاً حينها ، بمهمة التنظيم و المراقبة ، في أحد أركان الميدان ، حين لمحت أحدهم ، وهو يهم بالتحرش ، بإحدى الفتيات الثائرات ، بصورة واضحة .. بل فاضحة ، هرولت مسرعاً نحوه .. وصلتهُ .. إنتهرتهُ .. زجرتهُ ، بل هممتُ بضربه .. لولا أنه إختفى عني ، وسط الجموع ، وأظنها التفتت نحوي لتشكرني على ما فعلت وتذهب في طريقها ، إلا أنه وفى تلك اللحظة بعينها ظهر صديقي "ناجي" الذى فيما يبدو أنه لحق بى . حين لمحنى أهرول إلى هذه الجهة من الميدان . ولدهشتي حين وصوله ، لم يلتفت ناحيتي ، وإنما إلى جهة الفتاة منادياً : شاهيناز .. !! . حينها إرتجت كل أطرافي ، عند سماعي لإسمها . ثم بعدها التفت ناحيتي ممازحاً .. " إيه الشهامة دي كلها يا سي حمدي " . وأظنها أيضاً إرّتجت كافة أطرافها عند سماعها لإسمى .
رددت مندهشة : أنت حمدي..!!؟؟
رددت مندهشاً : أنتِ شاهيناز..!! .
أنا أعرفكم .. أصدقائي ، أنتم جد فضوليين ، تودون معرفة أسباب هذا الإندهاش .. صبراً سوف أخبركم :
حين تشاركنا صفحاتنا في الفيسبوك ، كنا أنا وهي الأقرب لبعضنا بين المجموعة .. كانت أفكارنا ، وإن لم تكن متطابقة فهى متقاربة .. وكثيراً ما توافقنا في الآراء والمقترحات ، دون تعمد من جانبي ، ودون قصد من جانبها .. وأدى ذلك إلى التقارب فيما بيننا . انعكس ذلك على تواصلنا عبر البريد الإلكتروني ، وهى خطوة للتعارف أكبر - كما من تعلمون أسرار الفيسبوك- ورغم ذلك لم نلتق أبداً وجهاً لوجه ، إلا فى هذه اللحظة .. لحظة اكتشافنا الحقيقي لبعضنا ، وليس اكتشافنا الإفتراضي كما كنا قبلها ، ومن وقتها لم نفترق أبداً .. أعنى في حدود الميدان !! .
أعرف أصدقائي ، أننى لم أشبع فضولكم بعد تسألوني .. إلى أى حد وصلت علاقتنا ، أقول لكم .. مرة اخرى : لم تتعدى علاقتنا حدود الميدان ، مع كثير من المشاعر الطيبة والحبية التى نُكِنُها لبعضنا : أعرف أنا ..وتعرف هي ، أن هناك عائق كبير يقف بيننا ، كسلسلةجبال يقف حاجزاً بين تلاقينا أبدا .. اكتشفناه صدفة .. !!.
تجمعنا يوماً ، للتوقيع على مذكرة ، كنا ننوي رفعها لإحدى الجهات الحقوقية ، سبقتنى هي إلى التوقيع ، لأول مرة سجلت اسمها كاملاً أمامي ( شاهيناز احمد البدري ) .. دعتني بعدها للتوقيع , سجلت اسمي كاملاً (حمدي يوسف حنا ). تبادلنا نظرات ، تائهة ، لا معنى لها , في اليوم التالي ، تبادلنا الرسائل .. !! .
كتبتُ أنا : سأجيء بي ، إليك .. لنلتقي .
كتَبت هى : لا.. سأجيء بي أنا ، إليك .. لنلتقي .
كتبت أنا : ربما يجئ بى وبك .. إلينا ، الميدان .. لنلتقي .
وحين التقينا فيما بعد .. ضحكنا معاً بحزن .. حتى طَفَرَ دمُعنا .. لهذا المستحيل المُمكن . وواصلنا عملنا فيما يخص الميدان .. !! .
وأواصل الآن ، البحث في بريدي ، عن رد من شاهيناز .. ولكن ، أيضاً لا رد ، ازداد قلقي عليها ، وعلى الآخرين ، ولكن ماذا في يدى لأفعله . فقط سأهرب من قلقي هذا ، بالتجوال في بريدي المتراكم من قديم ، فأنا لا أحذف من بريدي إلا ذاك الذي لا يعنيني .. !!.
أفتح أحدَثُها .. هذه رسائل من شاهيناز ، وأخرى منكم أصدقائي ، وأكثرها فيما يخص الميدان . دعوني أتجاوزها ، وأعبُرها إلى الرسائل الأقدم .
ستوقفتني رسائل صديقنا " عبد الهادي " ، تذكُرونه .. كان من ضمن مجموعتنا ، إذن .. لأتجول في رسائله ، عساها تخفف عني هذا الصمت القاتل ، وقد تجدونها مفيدة لكم ..أظن ، كما هى مفيدة لى حتماً .. وأنا داخل الزنزانة رقم : 30 / 6 ... !! .
رسالته الأولى : وهى عبارة عن حوار مطول ، أجراه أحد الكُتّاب البارزين إسمه د/ بشرى الفاضل مع أستاذ جامعي بدرجة ( بروفيسور ) وإسمه فاروق محمد إبراهيم كان معتقلاً سابقاً وهو حتماً ، قد زار الزنزانة رقم 30 / 6 . حيث تم تعذيبه بواسطة تلميذهِ سابقاً وزميلهِ لاحقاً ، وسماه بإسمه وهو نافع على نافع وسماه ٱخرون ساخرين منه(بنافع المانافع) ولم يتركه حتى أحاله للصالح العام - وهى تسمية غير مُعلنة - للتمكين . فهم قد سبقونا إلى الزنزانة رقم : 30 / 6 . وإن طال زمن مكوثهم فيها , فحراس هذه الزنزانة , من عادتهم أن : يتدثروا .. ثم يتمسكنوا .. حتى يتمكنوا .. ويا خوفى لو تمكنوا منا ..!! . دعوني " بعد إذنكم " أن تسمحوا لى بوقف التسجيل مؤقتاً في مدونتي ، غرضي البحث : عنكم .. وشاهيناز كذلك . ولكن أيضاً (لاحِس .. لا خبر ) ..وحتى شاهيناز لم أجد لها رداً على بريدي الإلكتروني . مالها .. هذه الليلة المشؤومة , تزيدني ألماً على ألمي . إذن دعوني أعود إليها " أعني مدونتي " فهي على الأقل , لازمتني في وحدتي هذه الموحشة ، في حين اختفيتم عني ، عند الحاجة إليكم ، وهى حاجة ماسة .. تعلمون . إذن أعود لأكمل لكم ذلك الحوار الذى أخبرتكم عنه ، و أنا صراحة لا أدري إن كنتم تقرأوني الآن ، أم أنتم في شغل شاغل .. عني .!!
ولأنه حوار مطول سأرسله لكم على بريدكم الإلكتروني ، لأن مدونتى لا تسعه ولا وقتي ولا ظرفي . وإذا رغبتم فيه كاملاً ، أبحثوا عنه بطريقتكم ، أما هنا في مدونتي ، سأكتفي ببعض منه . . فإلى الحوار :
س : ( أخبرنا عن مأساة المعتقل " بدر الدين " ؟ )
ج : ( تعرض ذلك الشاب " بدر الدين " لتعذيب لا أخلاقي ، شديد البشاعة ، ولم يطلق سراحه ، إلا بعد أن فقد عقله . قام بعدها بذبح زوجته ووالدُها , وآخرين من أسرته ، ونحر نفسه يُقال) .
رسالته الثانية : ( جلد فتاة في الطريق العام ) بحضور الجمهور والقاضي المقيم !! . وهي رسالة .. عبارة عن فيديو في اليوتيوب .. فقط أنبه الزميلات آلا يشاهدنه .. حتى لا يُصبن بالغثيان من بشاعة العقوبة .. !! .
رسالته الثالثة : بعنوان ( الحكم بالجلد ، على صحفية وإسمها لبنى أحمد حسين وذكر لي أنها رفضت دفع الغرامة وفضلت السجن بغرض فضحهم ، وكانت تهمتها فقط إرتداء "البنطلون الواحد" ده على حد قوله ..!! ) .
وأنتم " أصدقائي " تجولوا تحت هذا العنوان ما شاء لكم الوقت ، فقط تَجلَدوا بالصبر , حتى لا يُحكم عليكم بالجَلد ، لعدم الصبر . فقط أٌنبه الزميلات ، بتحسس مؤخراتهن , لأنه قد يأتى عليهن اليوم ، الذى تطالهن فيه هذه العقوبة ، ما دمن يتحركن مازلن ، ببنطلوناتهن الجينز ، وهن يتبخترن بها ، متفاخرات .. !! .
رسالته الرابعة : هذه الرسالة من صديقنا " عبد الهادي " عبارة عن كاريكاتير لخارطة بلاده ينزف نصفها الأسفل .. دم أحمر ، من قصة قصيرة لكاتب إسمه عمر الحويج ، وأُرفق معها هذه الأسطر :
( تحمل الأم الأولى ، نصفها .. الـ - يقطر – دماً .. وتنطلق .
تحمل الأم الثانية ، نصفها .. الـ - يقطر – دماً ..وتنطلق .
وقد تصادف ، أن كانت هُنالِك :
أم ثالثة تأخرت فقط .. عن الحضور . )
و .. يا للرعب الذى تملكني , وقد تخيلت بعض أجزاء منا .. تنزف دماً .. أحمر .. قاني ..!!. وإن كانت مساحتنا لا تقبل القسمة على إتنين .
رسالته الخامسة : أصدقائي ، هذه الرسالة لها وقع خاص ، أذكُر أنه عاتبنا حينها ، على موقفنا المُحزي والمُخجل .. كما قال ، حين تحدث عن " مجزرة مسجد مصطفى محمود " وأنه لم يجِدُنا عند حدوثها . والحق يقال ، أننا لم نسمع بها ، الا من رسالته تلك . ربما يكون عُذرنا "وهو أقبح من الذنب " أننا كنا حينها " كلنا " لا ندري ما يدور حولنا . ولما لم أجد ما أقوله له . أرسل لي على بريدى الإلكتروني ، رسالة غا ضبة . تعرفون ماذا كتب !! . " أرسِلوا لنا جثث القتلى حتى نواريها الثرى بمعرفتنا .. فأنتم ربما لا تجيدون الدفن .. أو ربما لا ترغبون في ذلك .. !! " وبعدها انقطع عن قروبنا ، ولم يعُد إلينا إلا بعد أن وصلنا الميدان . أذكر يومها كانت أول رسالة لي منه ، كتب فيها .. " أنتم السابقون ونحن اللاحقون " ونَسِيَ أنهم فعلوها قبلنا مرتين ..كما ونَسِيَ أننا تعلمنا أخيراً .. الكثير .
بعدها أرسل لي رسالة غامضة . سأبحث عنها في بريدي الإلكتروني . فقط بعد أن أبحث عنكم .. وشاهيناز . و إن لم أجدُكم .. وأجِّدُها عدت أدراجي ، الى مدونتي .
رسالته السادسة : هاهي .. لقد وجدتها .. سأدوِنُها لكم الآن : - الرسالة - ( عسكر و حرامية ) هكذا وصلتني ، دون تعليق . وحتماً صديقنا عبد الهادي لا يعني لعبة الأطفال .. تلك البريئة اللطيفة ، إنما قطعاً كان يعني ، لُعبة الكبار المُدمرة ، التى يُمارِس فيها ، الطرفين لعبة القتل المجاني .. على الآخرين . فقد فهمت معناها في حينها ، ووصلني مغزاها حين عايشناها كما عاشوها : تذكرون أصدقائي ، حين احتدمَ الخلاف بين مجموعاتنا ، وكان الإصرار من جانبكم على عَصْرِ مِعدَاتِكُم ليمونة ، وكان الإصرار من جانبي ، ومعي شاهيناز - بعد أن اقتنعت برائي - أن لا نعَصِر مِعداتُنا : لا .. لهذا. ولا لذاك .. ربما أنا هنا لهذا السبب !! داخل الزنزانة رقم : 39 / 6 .. !! .
وقبل أن أواصل تجوالي في رسائل - صديقنا عبد الهادي - تأتيني الآن .. أصوات أقدام متعددة .. ومتعجلة ، تتحرك خارج الزنزانة - أسمحوا - لي الآن : سوف أضغط على عجل .. زر الإغلاق في حاسوبي ، كي إستجلي الأمر , ربما هي وجبة جديدة ، تسيل فيها الدماء .. وليس اللُعاب .. !! .
أعِذروني أصدقائي لقد تأخرت عليكم كثيراً .. لقد عُدت الآن فقط ، ليس محمولاً على نقالة .. إنما مسحولاً على الأرض الصلبة .. أنا الآن في غيبوبة شبه تامة .. أحس بأن أعضائي قد فارقت جسدي .. لقد أخذوا جسدي .. دون أعضائي . لقد سرقوا كامل جسدي .. ورغم ذلك .. سأحرك إصبعي الذى وجدته .. لا زال يعمل .. من بين كافة أعضاء جسدي ، أضغط به على زر التشغيل في حاسوبي : يا فرحي .. !! . أخيراً .. قد وجدتكم أصدقائي .. أنتم متواجدون على صفحاتكم في الفيسبوك .. ولكن ماذا أرى ؟؟ .. حروفكم المصفوفة أمامي ، أقرأها بصعوبة .. ( استشهــــاد الناشطة شاهيناز احمد البدرى) : لا .. لا .. حاسوبي لا يعمل .. حاسوبي ليس معي .. لقد اخترقوا حاسوبي . حاسوبي في دماغي .. لهذا اخترقوا دماغي .. لقد أخذوا مني جسدي .. و تركوني عارياً دون جسدي . *****
تنبيه أول : الرسائل في القصة عناوين حقيقية يمكن متابعتها على مواقع التواصل الاجتماعي .
تنبيه ثاني : الزنزانة رقم 30 / 6 : هو اليوم الذي تم فيه تنصيب الراحل محمد مرسي رئيساً لمصر .
وهو ذات اليوم الذي أصبح فيه الرئيس المخلوع والسجين الآن عمر البشير بالإنقلاب العسكري رئساً على السودان .
omeralhiwaig441@gmail.com