“غاضبون بلا حدود”: أسرار الاختراقات والانشقاقات الداخلية
رئيس التحرير: طارق الجزولي
26 October, 2024
26 October, 2024
منذ بروز كيان “غاضبون بلا حدود” في عام 2020، أثيرت تساؤلات عديدة حول أهدافه الحقيقية وولاءاته السياسية، ففي حين يقدم نفسه كحركة ثورية مستقلة، تلاحقه اتهامات بالتورط في علاقات غامضة مع قوى سياسية وأمنية، واستخدامه كأداة اختراق داخل صفوف الثوار.
"غاضبون بلا حدود": أسرار الاختراقات والانشقاقات الداخلية
مليونية 25 أكتوبر، الخرطوم بحري . الصورة: وسائل التواصل الاجتماعي
يستعرض هذا التحقيق، الأبعاد السياسية والاجتماعية لظهور كيان غاضبون بلا حدود في عام 2020، ويطرح تساؤلات حول أهدافه الحقيقية وولاءاته..
التغيير: كمبالا: تحقيق
منذ بروز كيان “غاضبون بلا حدود” في عام 2020، أثيرت تساؤلات عديدة حول أهدافه الحقيقية وولاءاته السياسية، ففي حين يقدم نفسه كحركة ثورية مستقلة، تلاحقه اتهامات بالتورط في علاقات غامضة مع قوى سياسية وأمنية، واستخدامه كأداة اختراق داخل صفوف الثوار.
ولم تتوقف الشبهات عند هذا الحد، بل طالت الكيان أيضًا اتهامات بممارسة العنف ضد قوى وأحزاب محسوبة على الثورة، لتأتي الانشقاقات الداخلية عقب منتصف أبريل، وتزيد المشهد ضبابية، إذ تم فصل عدد من أعضائه، بينما انضم آخرون إلى الجيش وكتائب البراء بن مالك وحتى قوات الدعم السريع.
في هذا التحقيق، نطرح عدة تساؤلات حول حقيقة “غاضبون” وأهدافه المعلنة، وهل تمثل هذه الأهداف مبادئ سبتمبر أم أن خلف الكيان علاقات خفية مع قوى أخرى؟ كيف يرد قادة الكيان على هذه الاتهامات، وما قولهم عن علاقاتهم بالأجهزة الأمنية؟ وهل لا يزال “غاضبون” متمسكًا بالسلمية، أم أن انخراط بعض أعضائه في الصراع المسلح يعكس تحولًا جوهريًا في توجهه؟ وكيف يبرر قادته الانشقاقات المتكررة؟ كذلك، نستعرض رأي المحللين حول دور “غاضبون” في المشهد الثوري السوداني وتأثير هذه التطورات على مستقبله.
خلفية التأسيس ودوافع الكيان
تأسس “غاضبون بلا حدود” خلال الفترة الانتقالية عام 2020، بعد تراجع الحكومة الانتقالية عن تحقيق أهداف الثورة، لا سيما العدالة لضحايا الحراك، يقول سعد محمد عثمان، أحد أعضاء الكيان، إن “غاضبون” جاء كرد فعل على خيبة الأمل التي سادت بين الثوار نتيجة ابتعاد الحكومة عن تحقيق العدالة والمطالب التي قامت من أجلها الثورة. وتهدف الحركة إلى ترسيخ حكم تعددي يعترف بالتنوع، مع التركيز على إصلاح المنظومة العسكرية بتوحيد القوات المسلحة تحت قيادة وطنية مهنية ومنع انتشار المليشيات المسلحة. كما يركز الكيان على بناء نظام قضائي مستقل يعيد ثقة الشعب في العدالة، ويؤكد ضرورة إصلاح الاقتصاد لتحقيق توزيع عادل للموارد والتنمية المستدامة، ويتبنى الكيان أيضًا نشر ثقافة الديمقراطية وحقوق الإنسان، ويرى في ضمان مجانية التعليم والصحة أساسًا للنهوض بالمجتمع، وتشمل أهداف “غاضبون” كذلك دمج أو تسريح المليشيات، وتشكيل لجنة قانونية لمتابعة الانتهاكات التي ارتكبت منذ عام 1989م وحتى الآن.
الاتهامات بممارسة العنف وفض الندوات
رغم الأهداف السلمية التي يعلنها الكيان، إلا أن بعض الاتهامات تلاحقه بممارسة العنف ضد القوى السياسية والأحزاب المحسوبة على الثورة، ويزعم بعض منتقديه أن له دورًا في فض الندوات التي نظمتها قوى الحرية والتغيير، بل وجر المتظاهرين إلى الاشتباك مع أجهزة الأمن.
مستشار رئيس الوزراء السوداني السابق لشؤون الإعلام، فايز السليك، المحلل السياسي، يرى أن لجان المقاومة، بما في ذلك “غاضبون”، تعرضت للاختراق من قبل جهات متعددة عقب تشكيل حكومة حمدوك.
الاستخبارات استغلت حالة الإحباط بين الشباب نتيجة أخطاء الحكومة الانتقالية، ولجأت إلى “الابتزاز الثوري” من خلال الترويج للطهر السياسي
فائز السليك
ويشير السليك في مقابلته مع (التغيير) إلى أن هذه اللجان، التي بدأت كمجموعات ميدانية وخدمية، تحولت إلى كيانات سياسية بعد انقلاب أكتوبر 2021، لتصبح جزءًا من الحراك الشعبي ضد الانقلاب.
وبحسب مستشار حمدوك السابق، فقد استغلت الاستخبارات حالة الإحباط بين الشباب نتيجة أخطاء الحكومة الانتقالية، ولجأت إلى “الابتزاز الثوري” من خلال الترويج للطهر السياسي، والنقاء الثوري في مسعى لاستغلال شعارات ثورة ديسمبر وتفريغها من مضمونها.
يقول السليك: بعض هذه المجموعات ساهمت في تخويف قادة الحرية والتغيير ومواجهتهم في أثناء المواكب، بل ووصل الأمر إلى الاعتداء عليهم تحت مبرر “سرقة الثورة” و”الهبوط الناعم” و”بيع دماء الشهداء”.
ويشير إلى أن هذه الشعارات أثارت حماسة العديد من الشباب، وقادتهم إلى خدمة أجندات الاستخبارات والدعم السريع دون إدراك.
كما يوضح أن بعض هذه المجموعات شاركت في فض عدد من الندوات السياسية باستخدام العنف، بما في ذلك الغاز المسيل للدموع، ما يثير تساؤلات حول مصدر حصولهم على هذه الأدوات.
رد “غاضبون” على الاتهامات
يؤكد الكيان على لسان عضوه سعد محمد عثمان رفضه القاطع للاتهامات التي زعمت أنه يستخدم أدوات قمعية مثل الغاز المسيل للدموع (البمبان) لتفريق التجمعات أو الندوات السلمية.
ويوضح في حديثه (للتغيير) أن “غاضبون” يتبنى منهجًا سلميًا يتعارض تمامًا مع أي شكل من أشكال القمع أو تكميم الأفواه، بل يدعم حرية التعبير وحق المواطنين في التجمع السلمي والمطالبة بحقوقهم دون خوف أو تهديد.
ويضيف: الكيان يرفض بشكل مبدئي اللجوء إلى وسائل القمع، ويؤكد حق المواطنين في تنظيم الفعاليات السلمية دون أي نوع من الترهيب.
وفيما يتعلق بالاتهامات حول تعاون “غاضبون” مع الأجهزة الأمنية، وصف عثمان هذه الادعاءات بأنها محاولات يائسة لتشويه مسار الكيان النضالي، مشددًا على أن “غاضبون” كيان مستقل بالكامل، لا تربطه أي صلة بالأجهزة الأمنية أو أي قوة سياسية أخرى، سواء كانت إسلامية أو غيرها. وأنه يقف فقط في صف الشعب، ويرفض أي محاولات لاختطاف الثورة، سواء كانت تحت غطاء ديني أو سياسي. ويرى قادة “غاضبون” أن الكيان الثوري ينتمي إلى روح ثورة ديسمبر، دون أي تبعية لأي حزب أو تيار.
من جانبه، يوضح محمد آدم، المعروف بتوباك، عضو “غاضبون” السابق، أن الأخير ينتهج السلمية في حراكه، ولا يستخدم العنف إلا في حدود الفعل المقاوم والدفاع عن النفس في أثناء التظاهر باستخدام الأدوات السلمية المعروفة.
وشدد على أن الكيان، كبقية الأجسام الثورية، لا يستخدم أسلحة أو أعيرة نارية، وأن معظم حوادث العنف التي شهدتها المواكب كانت بسبب مندسين من الأجهزة الأمنية وعناصر النظام السابق، الذين يلجؤون إلى استخدام الغاز المسيل للدموع وأحيانًا الأعيرة النارية لجرّ المواكب إلى العنف.
الكيان، كبقية الأجسام الثورية، لا يستخدم أسلحة أو أعيرة نارية، وأن معظم حوادث العنف التي شهدتها المواكب كانت بسبب مندسين من الأجهزة الأمنية وعناصر النظام السابق..
توباك
ويشير توباك خلال إفادته (للتغيير) إلى أن لجان التأمين في الميدان تمكنت من ضبط العديد من هذه الحالات التي تهدف إلى تشويه الحراك السلمي.
ويمضي توباك بالقول: رغم الخلاف مع قوى الحرية والتغيير، لم يلجأ “غاضبون” يومًا إلى استخدام العنف أو تخريب الندوات كوسيلة للتعبير عن رفضه لنهجهم. وبدلاً من ذلك، يعتمد على الوقفات الاحتجاجية والمواكب السلمية كوسيلة للتعبير عن موقفه. ويؤكد أن ما شهدته بعض الندوات من أعمال عنف كان نتيجة لتدخلات عناصر أمنية مندسة وعناصر من النظام البائد، تهدف إلى خلق فتنة بين قوى الثورة وتشويه الحراك الثوري.
الانشقاقات
بعد اندلاع الحرب في منتصف أبريل بين الجيش والدعم السريع، شهد كيان “غاضبون بلا حدود” انقسامًا حادًا حول الموقف من هذه الحرب، حيث انخراط بعض أعضاء “غاضبون” في القتال مع الإسلاميين، مثل كتيبة البراء بن مالك، من بينهم حسام الصياد، في حين اختار آخرون الانضمام إلى قوات الدعم السريع، ومنهم عضو الكيان السابق جابر ورنا جاد الرب.
توباك، يوضح أن التحولات الكبيرة التي شهدتها البلاد دفعت أعضاء الكيان إلى نقاشات مطولة بشأن كيفية التعامل مع النزاع.
ويشير إلى أن وجهات النظر تباينت بشكل واضح، حيث اختارت بعض الأعضاء الانضمام إلى القوات المسلحة، بينما رفض آخرون التخلي عن مبادئ ثورة ديسمبر والسلمية، معتبرين أن طرفي النزاع الحالي هما أعداء للثورة، وأن هذه الحرب ما هي إلا صنيعة عناصر النظام البائد تهدف إلى عرقلة الانتقال المدني الديمقراطي وتحطيم مكتسبات الثورة.
ويضيف توباك “كثوار سلميين من عمق ثورة ديسمبر، لا يمكن أن نتخلى عن مبادئنا وسلميتنا ونستبدلها بالعنف. وبسبب وعينا بحقيقة هذه الحرب وسردياتها المنافية للواقع، اخترنا البقاء على نهج الثورة، ورفضنا الاصطفاف إلى جانب من تلطخت أيديهم بدماء رفاقنا أو عناصر النظام البائد. ورغم محاولات التخوين، نؤمن بأن المبادئ لا تتجزأ، لذا أعلنا رفضنا الصريح لهذه الحرب ودعمنا لكل الجهود السلمية الساعية لوقف النزاع ونزيف الدماء، لأن استمرار الحرب سيؤدي إلى تمزيق البلاد وتصاعد النعرات الانفصالية وخطابات الكراهية.”
فصل توباك وحسام الصياد
موقف توباك كان سببا في فصله من غاضبون في أواخر أبريل الماضي، ويوضح “عثمان”، أن قرار الفصل جاء نتيجة سعي توباك، لإنشاء كيان جديد يحمل نفس اسم “غاضبون”، وهو ما اعتبرته القيادة محاولة لإحداث انقسام داخلي في صفوف الكيان. ويؤكد أن “غاضبون” يولي أهمية كبيرة لوحدة أعضائه والتماسك الداخلي باعتباره أحد أسلحته الأساسية لمواجهة التحديات السياسية. لذا، تم اتخاذ قرار الفصل بحق توباك بشكل نهائي، لضمان استمرار مسار الكيان النضالي دون تشويش أو محاولات تفتيت داخلي.
ويدافع عثمان، عن، انضمام بعض أعضاء الكيان إلى الجيش، الذي جاء في إطار الدفاع عن الوطن، لكونه مؤسسة دستورية تحتكر السلاح بموجب القانون، لكنه يشير إلى أن فصل حسام الصياد، كان بعد انضمامه إلى كتيبة البراء بن مالك، التي تُعتبر إحدى المجموعات المسلحة غير التابعة للجيش النظامي. وأكد سعد أن هذا الانضمام يُعد انتهاكًا صارخًا لمبادئ الكيان ولوائحه، التي تنص على عدم المشاركة في أي تشكيلات مسلحة خارج إطار المؤسسة العسكرية الرسمية.
وينفي سماح الكيان لأي من أعضائه بالانضمام إلى المليشيات غير الشرعية، مثل قوات الدعم السريع. ويؤكد أن العضو رنا جاد الرب، المعروفة “برنوش”، تم فصلها نهائيًا من الكيان في 17 أغسطس 2022، بعد ظهورها في مقطع فيديو تقدّم فيه الشكر لقائد قوات الدعم السريع، مما اعتبره الكيان خرقًا للوائحه الداخلية ودستوره، بالإضافة إلى انتهاكها لمبادئ ثورة ديسمبر المجيدة. وبناءً على ذلك، تم اتخاذ قرار فصلها بشكل نهائي، دون منحها حق الاعتراض أو نقد القرار.
الثوار المزيفون
يعتقد السليك أن الحرب الحالية كشفت “غواصات” الاستخبارات وقوات الدعم السريع داخل الكيان وأجسام ثورية أخرى، ويصف بعض قيادات “غاضبون” و”ملوك الاشتباك” بأنهم “أحصنة طروادة” داخل الحراك الجماهيري، حيث يعتبرون أنفسهم جزءًا من الثورة، بينما هم يخدمون أجندات خفية.
ويؤكد مستشار رئيس الوزراء السابق، أن هؤلاء القيادات تلقوا دعمًا من المكون العسكري، شمل تزويدهم بالغاز المسيل للدموع وأموال وموارد مثل المخدرات، مما يعزز الشكوك حول استغلالهم للثورة لتحقيق مصالح خاصة بعيدة عن أهداف الحراك الثوري، ويرى أن الثائر الحقيقي يلتزم بشعارات الثورة وسلميتها، ولا يلجأ إلى العنف ضد القوى المدنية بهدف تلويث المناخ السياسي أو عزل القوى السياسية عن قواعدها.
ويبقى كيان “غاضبون بلا حدود” أمام مفترق طرق بين تأكيد التزامه بمبادئ الثورة وبين تحديات الانقسامات الداخلية والاتهامات بالتورط في الصراعات.
"غاضبون بلا حدود": أسرار الاختراقات والانشقاقات الداخلية
مليونية 25 أكتوبر، الخرطوم بحري . الصورة: وسائل التواصل الاجتماعي
يستعرض هذا التحقيق، الأبعاد السياسية والاجتماعية لظهور كيان غاضبون بلا حدود في عام 2020، ويطرح تساؤلات حول أهدافه الحقيقية وولاءاته..
التغيير: كمبالا: تحقيق
منذ بروز كيان “غاضبون بلا حدود” في عام 2020، أثيرت تساؤلات عديدة حول أهدافه الحقيقية وولاءاته السياسية، ففي حين يقدم نفسه كحركة ثورية مستقلة، تلاحقه اتهامات بالتورط في علاقات غامضة مع قوى سياسية وأمنية، واستخدامه كأداة اختراق داخل صفوف الثوار.
ولم تتوقف الشبهات عند هذا الحد، بل طالت الكيان أيضًا اتهامات بممارسة العنف ضد قوى وأحزاب محسوبة على الثورة، لتأتي الانشقاقات الداخلية عقب منتصف أبريل، وتزيد المشهد ضبابية، إذ تم فصل عدد من أعضائه، بينما انضم آخرون إلى الجيش وكتائب البراء بن مالك وحتى قوات الدعم السريع.
في هذا التحقيق، نطرح عدة تساؤلات حول حقيقة “غاضبون” وأهدافه المعلنة، وهل تمثل هذه الأهداف مبادئ سبتمبر أم أن خلف الكيان علاقات خفية مع قوى أخرى؟ كيف يرد قادة الكيان على هذه الاتهامات، وما قولهم عن علاقاتهم بالأجهزة الأمنية؟ وهل لا يزال “غاضبون” متمسكًا بالسلمية، أم أن انخراط بعض أعضائه في الصراع المسلح يعكس تحولًا جوهريًا في توجهه؟ وكيف يبرر قادته الانشقاقات المتكررة؟ كذلك، نستعرض رأي المحللين حول دور “غاضبون” في المشهد الثوري السوداني وتأثير هذه التطورات على مستقبله.
خلفية التأسيس ودوافع الكيان
تأسس “غاضبون بلا حدود” خلال الفترة الانتقالية عام 2020، بعد تراجع الحكومة الانتقالية عن تحقيق أهداف الثورة، لا سيما العدالة لضحايا الحراك، يقول سعد محمد عثمان، أحد أعضاء الكيان، إن “غاضبون” جاء كرد فعل على خيبة الأمل التي سادت بين الثوار نتيجة ابتعاد الحكومة عن تحقيق العدالة والمطالب التي قامت من أجلها الثورة. وتهدف الحركة إلى ترسيخ حكم تعددي يعترف بالتنوع، مع التركيز على إصلاح المنظومة العسكرية بتوحيد القوات المسلحة تحت قيادة وطنية مهنية ومنع انتشار المليشيات المسلحة. كما يركز الكيان على بناء نظام قضائي مستقل يعيد ثقة الشعب في العدالة، ويؤكد ضرورة إصلاح الاقتصاد لتحقيق توزيع عادل للموارد والتنمية المستدامة، ويتبنى الكيان أيضًا نشر ثقافة الديمقراطية وحقوق الإنسان، ويرى في ضمان مجانية التعليم والصحة أساسًا للنهوض بالمجتمع، وتشمل أهداف “غاضبون” كذلك دمج أو تسريح المليشيات، وتشكيل لجنة قانونية لمتابعة الانتهاكات التي ارتكبت منذ عام 1989م وحتى الآن.
الاتهامات بممارسة العنف وفض الندوات
رغم الأهداف السلمية التي يعلنها الكيان، إلا أن بعض الاتهامات تلاحقه بممارسة العنف ضد القوى السياسية والأحزاب المحسوبة على الثورة، ويزعم بعض منتقديه أن له دورًا في فض الندوات التي نظمتها قوى الحرية والتغيير، بل وجر المتظاهرين إلى الاشتباك مع أجهزة الأمن.
مستشار رئيس الوزراء السوداني السابق لشؤون الإعلام، فايز السليك، المحلل السياسي، يرى أن لجان المقاومة، بما في ذلك “غاضبون”، تعرضت للاختراق من قبل جهات متعددة عقب تشكيل حكومة حمدوك.
الاستخبارات استغلت حالة الإحباط بين الشباب نتيجة أخطاء الحكومة الانتقالية، ولجأت إلى “الابتزاز الثوري” من خلال الترويج للطهر السياسي
فائز السليك
ويشير السليك في مقابلته مع (التغيير) إلى أن هذه اللجان، التي بدأت كمجموعات ميدانية وخدمية، تحولت إلى كيانات سياسية بعد انقلاب أكتوبر 2021، لتصبح جزءًا من الحراك الشعبي ضد الانقلاب.
وبحسب مستشار حمدوك السابق، فقد استغلت الاستخبارات حالة الإحباط بين الشباب نتيجة أخطاء الحكومة الانتقالية، ولجأت إلى “الابتزاز الثوري” من خلال الترويج للطهر السياسي، والنقاء الثوري في مسعى لاستغلال شعارات ثورة ديسمبر وتفريغها من مضمونها.
يقول السليك: بعض هذه المجموعات ساهمت في تخويف قادة الحرية والتغيير ومواجهتهم في أثناء المواكب، بل ووصل الأمر إلى الاعتداء عليهم تحت مبرر “سرقة الثورة” و”الهبوط الناعم” و”بيع دماء الشهداء”.
ويشير إلى أن هذه الشعارات أثارت حماسة العديد من الشباب، وقادتهم إلى خدمة أجندات الاستخبارات والدعم السريع دون إدراك.
كما يوضح أن بعض هذه المجموعات شاركت في فض عدد من الندوات السياسية باستخدام العنف، بما في ذلك الغاز المسيل للدموع، ما يثير تساؤلات حول مصدر حصولهم على هذه الأدوات.
رد “غاضبون” على الاتهامات
يؤكد الكيان على لسان عضوه سعد محمد عثمان رفضه القاطع للاتهامات التي زعمت أنه يستخدم أدوات قمعية مثل الغاز المسيل للدموع (البمبان) لتفريق التجمعات أو الندوات السلمية.
ويوضح في حديثه (للتغيير) أن “غاضبون” يتبنى منهجًا سلميًا يتعارض تمامًا مع أي شكل من أشكال القمع أو تكميم الأفواه، بل يدعم حرية التعبير وحق المواطنين في التجمع السلمي والمطالبة بحقوقهم دون خوف أو تهديد.
ويضيف: الكيان يرفض بشكل مبدئي اللجوء إلى وسائل القمع، ويؤكد حق المواطنين في تنظيم الفعاليات السلمية دون أي نوع من الترهيب.
وفيما يتعلق بالاتهامات حول تعاون “غاضبون” مع الأجهزة الأمنية، وصف عثمان هذه الادعاءات بأنها محاولات يائسة لتشويه مسار الكيان النضالي، مشددًا على أن “غاضبون” كيان مستقل بالكامل، لا تربطه أي صلة بالأجهزة الأمنية أو أي قوة سياسية أخرى، سواء كانت إسلامية أو غيرها. وأنه يقف فقط في صف الشعب، ويرفض أي محاولات لاختطاف الثورة، سواء كانت تحت غطاء ديني أو سياسي. ويرى قادة “غاضبون” أن الكيان الثوري ينتمي إلى روح ثورة ديسمبر، دون أي تبعية لأي حزب أو تيار.
من جانبه، يوضح محمد آدم، المعروف بتوباك، عضو “غاضبون” السابق، أن الأخير ينتهج السلمية في حراكه، ولا يستخدم العنف إلا في حدود الفعل المقاوم والدفاع عن النفس في أثناء التظاهر باستخدام الأدوات السلمية المعروفة.
وشدد على أن الكيان، كبقية الأجسام الثورية، لا يستخدم أسلحة أو أعيرة نارية، وأن معظم حوادث العنف التي شهدتها المواكب كانت بسبب مندسين من الأجهزة الأمنية وعناصر النظام السابق، الذين يلجؤون إلى استخدام الغاز المسيل للدموع وأحيانًا الأعيرة النارية لجرّ المواكب إلى العنف.
الكيان، كبقية الأجسام الثورية، لا يستخدم أسلحة أو أعيرة نارية، وأن معظم حوادث العنف التي شهدتها المواكب كانت بسبب مندسين من الأجهزة الأمنية وعناصر النظام السابق..
توباك
ويشير توباك خلال إفادته (للتغيير) إلى أن لجان التأمين في الميدان تمكنت من ضبط العديد من هذه الحالات التي تهدف إلى تشويه الحراك السلمي.
ويمضي توباك بالقول: رغم الخلاف مع قوى الحرية والتغيير، لم يلجأ “غاضبون” يومًا إلى استخدام العنف أو تخريب الندوات كوسيلة للتعبير عن رفضه لنهجهم. وبدلاً من ذلك، يعتمد على الوقفات الاحتجاجية والمواكب السلمية كوسيلة للتعبير عن موقفه. ويؤكد أن ما شهدته بعض الندوات من أعمال عنف كان نتيجة لتدخلات عناصر أمنية مندسة وعناصر من النظام البائد، تهدف إلى خلق فتنة بين قوى الثورة وتشويه الحراك الثوري.
الانشقاقات
بعد اندلاع الحرب في منتصف أبريل بين الجيش والدعم السريع، شهد كيان “غاضبون بلا حدود” انقسامًا حادًا حول الموقف من هذه الحرب، حيث انخراط بعض أعضاء “غاضبون” في القتال مع الإسلاميين، مثل كتيبة البراء بن مالك، من بينهم حسام الصياد، في حين اختار آخرون الانضمام إلى قوات الدعم السريع، ومنهم عضو الكيان السابق جابر ورنا جاد الرب.
توباك، يوضح أن التحولات الكبيرة التي شهدتها البلاد دفعت أعضاء الكيان إلى نقاشات مطولة بشأن كيفية التعامل مع النزاع.
ويشير إلى أن وجهات النظر تباينت بشكل واضح، حيث اختارت بعض الأعضاء الانضمام إلى القوات المسلحة، بينما رفض آخرون التخلي عن مبادئ ثورة ديسمبر والسلمية، معتبرين أن طرفي النزاع الحالي هما أعداء للثورة، وأن هذه الحرب ما هي إلا صنيعة عناصر النظام البائد تهدف إلى عرقلة الانتقال المدني الديمقراطي وتحطيم مكتسبات الثورة.
ويضيف توباك “كثوار سلميين من عمق ثورة ديسمبر، لا يمكن أن نتخلى عن مبادئنا وسلميتنا ونستبدلها بالعنف. وبسبب وعينا بحقيقة هذه الحرب وسردياتها المنافية للواقع، اخترنا البقاء على نهج الثورة، ورفضنا الاصطفاف إلى جانب من تلطخت أيديهم بدماء رفاقنا أو عناصر النظام البائد. ورغم محاولات التخوين، نؤمن بأن المبادئ لا تتجزأ، لذا أعلنا رفضنا الصريح لهذه الحرب ودعمنا لكل الجهود السلمية الساعية لوقف النزاع ونزيف الدماء، لأن استمرار الحرب سيؤدي إلى تمزيق البلاد وتصاعد النعرات الانفصالية وخطابات الكراهية.”
فصل توباك وحسام الصياد
موقف توباك كان سببا في فصله من غاضبون في أواخر أبريل الماضي، ويوضح “عثمان”، أن قرار الفصل جاء نتيجة سعي توباك، لإنشاء كيان جديد يحمل نفس اسم “غاضبون”، وهو ما اعتبرته القيادة محاولة لإحداث انقسام داخلي في صفوف الكيان. ويؤكد أن “غاضبون” يولي أهمية كبيرة لوحدة أعضائه والتماسك الداخلي باعتباره أحد أسلحته الأساسية لمواجهة التحديات السياسية. لذا، تم اتخاذ قرار الفصل بحق توباك بشكل نهائي، لضمان استمرار مسار الكيان النضالي دون تشويش أو محاولات تفتيت داخلي.
ويدافع عثمان، عن، انضمام بعض أعضاء الكيان إلى الجيش، الذي جاء في إطار الدفاع عن الوطن، لكونه مؤسسة دستورية تحتكر السلاح بموجب القانون، لكنه يشير إلى أن فصل حسام الصياد، كان بعد انضمامه إلى كتيبة البراء بن مالك، التي تُعتبر إحدى المجموعات المسلحة غير التابعة للجيش النظامي. وأكد سعد أن هذا الانضمام يُعد انتهاكًا صارخًا لمبادئ الكيان ولوائحه، التي تنص على عدم المشاركة في أي تشكيلات مسلحة خارج إطار المؤسسة العسكرية الرسمية.
وينفي سماح الكيان لأي من أعضائه بالانضمام إلى المليشيات غير الشرعية، مثل قوات الدعم السريع. ويؤكد أن العضو رنا جاد الرب، المعروفة “برنوش”، تم فصلها نهائيًا من الكيان في 17 أغسطس 2022، بعد ظهورها في مقطع فيديو تقدّم فيه الشكر لقائد قوات الدعم السريع، مما اعتبره الكيان خرقًا للوائحه الداخلية ودستوره، بالإضافة إلى انتهاكها لمبادئ ثورة ديسمبر المجيدة. وبناءً على ذلك، تم اتخاذ قرار فصلها بشكل نهائي، دون منحها حق الاعتراض أو نقد القرار.
الثوار المزيفون
يعتقد السليك أن الحرب الحالية كشفت “غواصات” الاستخبارات وقوات الدعم السريع داخل الكيان وأجسام ثورية أخرى، ويصف بعض قيادات “غاضبون” و”ملوك الاشتباك” بأنهم “أحصنة طروادة” داخل الحراك الجماهيري، حيث يعتبرون أنفسهم جزءًا من الثورة، بينما هم يخدمون أجندات خفية.
ويؤكد مستشار رئيس الوزراء السابق، أن هؤلاء القيادات تلقوا دعمًا من المكون العسكري، شمل تزويدهم بالغاز المسيل للدموع وأموال وموارد مثل المخدرات، مما يعزز الشكوك حول استغلالهم للثورة لتحقيق مصالح خاصة بعيدة عن أهداف الحراك الثوري، ويرى أن الثائر الحقيقي يلتزم بشعارات الثورة وسلميتها، ولا يلجأ إلى العنف ضد القوى المدنية بهدف تلويث المناخ السياسي أو عزل القوى السياسية عن قواعدها.
ويبقى كيان “غاضبون بلا حدود” أمام مفترق طرق بين تأكيد التزامه بمبادئ الثورة وبين تحديات الانقسامات الداخلية والاتهامات بالتورط في الصراعات.