غالباً ما يكسب الياًس المعارك … بقلم: عادل الباز
عادل الباز
19 July, 2010
19 July, 2010
خيّم اليأس على منتدى الصحافة والسياسة الذي عُقد الأسبوع الماضي وقدّمت له الأستاذة رباح الصادق تلخيصاً رائعاً بمقالها يوم أمس بـ(الأحداث). بدا الجميع يائسين من الوحدة وتنوعت الإفادات ولكن في جملتها كانت تصدر عن نفسيَّة يائسة من أية إمكانية للوحدة.
أقوى تعبير عن حالة اليأس جاء من الأمين العام للحزب الشيوعي نقد حين اقترح إضافة بند لاتفاقية نيفاشا يقترح استفتاء الجنوبيين بعد عامين هل يريدون الاستمرار منفصلين أم الرجوع للوحدة!! أما المحاضر بجامعة الدكتور إبراهام قال إن كل الناس في الشمال تتحدث عن الوحدة، وكل الناس في الجنوب تنتظر ما بعد الانفصال!. محمد نور الدين آدم من حركة تحرير السودان قال إن الانشغال بالوحدة الآن مضيعة للوقت.. من الأفضل أن ننشغل بانفصال آمن!! أما صاحب المنتدى السيد الصادق المهدي فقد دعا إلى أن «يُتفق على فترة عام بعده تسمى فترة التحول الآمن لحسم كافة مطالب السلام العادل الشامل». وهكذا انتابت حالة من اليأس المطبق على ندامى المنتدى.
كنتُ أظن أن القادة لا يأتيهم اليأس من بين أيديهم ولا من خلفهم، ولا يطوفُ بأذهانهم ولا يلمُّ بأفعالهم الإحباط. كنتُ أعتقد أن دور القادة حين تلمُّ بأمّتهم المحن أن يصعدون إلى أعلى ليقودوا شعوبهم فيكتشفوا الفرص المتاحة ويرسموا طرائق النهضة. ولكن لا بأس فغالباً ما يكسب اليأس المعارك!!. ألم نكُ يائسين قبيل الاستقلال؟ لقد يئس السودانيون من صراعات السياسيين وكادوا أن يفقدوا أي أمل في الاستقلال، إذ أن الصراعات أنهت أي أمل في اتفاق قومي حول الاستقلال ويئس الجنوبيون أيضاً من وحدة البلاد وبدأوا الحريق.
مرة أخرى يئس الناس من المعارضة والقوى السياسيَّة قبيل فترة انهيار نظام مايو، فأطلّت النقابات ومثّلت القوة الأساسيَّة التي قادت الثورة وأسقطت نميري الذي كان حتى يوم السقوط يصرخ.. كان يصرخ: (لن يستطيع أحد أن يشيلني).
عند بداية نيفاشا كان هناك يأسٌ كامل من إمكانية إبرام أي اتفاق، وكنتُ شاهداً حين حزم المتفاوضون من الجانبين حقائبهم أكثر من مرة. ولكن (تبّتْ يد المستحيل) وأُنجز الاتفاق في النهاية وطويت صفحة الحرب.
كان هناك يأسٌ كامل في لقاء المعارضة بالإنقاذ حتى جاء المهدي يصطاد أرنباًً فاصطاد فيلاً ثم تحول الفيل لصقر في التراضي الوطني حتى ناشه غُلاة المؤتمر الوطني!!.
قبل حرب أكتوبر يحكي السادات أن مصر كانت يائسة تماماً ومحطمة، وعبد الناصر انتهى موضوعياً بعد حرب 67، وقال السادات إن نصر أكتوبر خرج من رحم هذا اليأس.
يروي نيلسون مانديلا في كتاب (المسيرة الطويلة لأجل للحرية) كيف قاده اليأس من الكفاح المسلح الشيء الذي جعله ينافح عن خيار الحوار مع العدو، وحين يئس من زملائه اختار أن يمضي وحده. كانت نظرة زملائه وهو يخرج من السجن في جنح الظلام ليفاوض سجّانيه، قاتله كما وصفوها, إنها الخيانة وما أقساها على المناضلين. من براثن هذا اليأس والظلم والتخوين قاد مانديلا أمته للحرية, وحدهم القادة العظام لا يعرف اليأس لأرواحهم سبيلاً.
الآن يعيش الوطن حالة من اليأس وهو زمان صعود القادة العظام الذين يعبرون بشعوبهم هذه اللحظات القاتمة. ما هي الخطط والبرامج التي تنهض بها القيادات السياسية المعارضة الآن لمنع أسوأ فعل يمكن أن يرتكب بحق البلاد؟. ليس هذا زمان البكاء على اللبن المسكوب فبالإمكان صب كل اللعنات على المؤتمر الوطني ولكن ذلك ليس حلاً ولن يعفي الآخرين من مسؤوليتهم التاريخية إذا ما وقعت واقعة الانفصال. اليأس يمكن أن يصبح حافزاً للصعود ومن براثنه يصعد القادة الحقيقيون ويصنعون المعجزات. هل تسمعونني يا أهل المنتدى.؟