فاشلون في الأداء وناجحون في الوفاء
عكس الريح
moizbakhiet@yahoo.com
رسالة حميمة من ذاكرة الزمن الجميل أتتني من الأخ الحبيب ناجي حسن قاسم خبير العلاج بالموسيقى والمقيم حالياً باستراليا. أسعدتني الرسالة وحركت في دواخلي نشوة الفرح الغائب عن وطننا الجريح الذي لم يبق في محصلات توقنا إليه غير أواصر إنسانية واجتماعية حميدة تظل هي الرابط الأكيد وعلامات التميز النادرة في هذا الزمن الصعب وهو السودان خالداً ومخلداً بحميمية أهله وترابطهم وحسهم الفريد ووفائهم المقيم.
أقول هذا لأن الرسالة وصلتني وانا أطالع دليل ابراهيم للحكم الافريقي لعام 2011، والذي نشر بواسطة مؤسسة مو ابراهيم، وهي منظمة تدعم وتساند الحكم الجيد والقيادة الرشيدة في افريقيا. يقدم دليل ابراهيم تفاصيل كاملة عن أداء الدول عبر فئات الحكم الأربعة وفقا لتقييم الدليل وهي السلامة وحكم القانون؛ والمشاركة وحقوق الإنسان؛ والفرص الاقتصادية المستدامة؛ والتنمية البشرية. ولقد أحزنني كثيراً وأنا أطالع التقرير أن أجد وطني الذي كان في يوم ما على مصاف الدول الأكثر نمواً وحضارة قبل سنين عديدة أن يصبح اليوم الدولة رقم 48 من بين 53 دولة أفريقية ويصنف كدولة فاشلة تقع في المرتبة قبل ما قبل الأخيرة من بين جميع دول العالم.
ما أخرجني من هذا الاحساس الحزين تلك الرسالة والتي لو وضعت معايير ترابطنا ووفائنا الإنساني الذي حملته بين أحرفها وفي نبل احساسها في معطيات وموجهات هذا الدليل لكنا على مصاف الدول بل أولها في كل العالم وليس في أفريقيا وحدها. يقول الأستاذ ناجي حسن قاسم في رسالته:
ناجي حسن قاسم
خبير العلاج بالموسيقى – استراليا
حاولت عدة مرات أن أكتب عن الراحل المقيم زيدان إبراهيم لكنني لم أستطع ذلك فلم يطاوعني احساسي وقلمي لأكتب عنه بعد أن رحل عنا. لقد غاب عنا باستئذان حين هيأنا لهذا اليوم منذ وقت طويل و هو يعاني كل تلك الآلام. بالرغم من أنني كتبت من قبل عن تجربتي الموسيقية معه لكنني الآن اكتفيت بما كتبه غيري على الشبكة العنكبوتية من آراء مختلفة و ترحم على روح زيدان إبراهيم الرائع أبدا بموسيقاه الشجية واختياره لأشعار وجدانية صادقة مع أدائه الفني الجميل وصوته الذي يجعل الطير يرقص على الأغصان طرباً ويحلق في الأجواء زهواً ونشوة لا تنتهي.
أكثر ما شد انتباهي ما كتبه الأستاذ الدكتور معز عمر بخيت من مقالات اختتمها بتلك الأدعية الطيبة التي ترحم بها على روح زيدان إبراهيم ونسأل الله أن يجعلها في ميزان حسناته. وقد لفت نظري أيضا ما كتبه تحت عنوان (طالبات الطب و زيدان إبراهيم) وما عكسه عن الجيل القادم الذى يجهل الكثير عن الموسيقى السودانية، و هذا ليس جهلاً أو عيباً منهم لأن هذا الجيل بحكم تربيته أصبح يتعامل مع التكنولوجيا منذ نعومة أظافره فأتقن الإستماع إلى ما يصنعه الغرب من موسيقى ذات تقنيات عالية في اختيار الالات الموسيقية والهارموني المنسجم مع اللحن الموسيقي بالإضافة إلى فنيات الصوت، فلذا كل من استمعوا إلى الغناء السوداني الذى أقل جودة فى استخدام وسائط صناعة الموسيقى هربوا إلى الغناء الغربي لأنه يقود الاقدام إلى النجاح فجيل اليوم لا يعترف بالفشل ولا يرضى بالهزيمة فيما يبدو.
ولكم أحسست بالرضى والفرح عندما تحدث البروف عن دكتورة ريان جمال جودة وعن والدتها الأستاذة الدكتورة أمل عمر بخيت الأم المثالية. ولقد تعرفت على هذه الاسرة الكريمة عام 2001 عندما كنت أتردد على منزلهم بحي العمارات الراقي بالخرطوم وكان ذلك بغرض تدريس ابنهم وائل الجيتار الكلاسيكي و الموسيقى النظرية. وفي أحد الأيام بينما كنت أدرس وائل كانت ريان تمسك بجريدة و تقرأ قصيدة طويلة وعصماء من اشعار د. معز و أيضا فى نفس الوقت كانت د. أمل تتحدث فى التلفون مع د. معز في الولايات المتحدة الأمريكية ومن خلال المحادثة فهمت أن الأستاذة جدية زوجة د. معز أنجبت مولودها بالتزامن مع ترقيتة لدرجة الأستاذية الكاملة (الهم زد وبارك) فكانت الأسرة فى فرح غامر وسعادة كبيرة. وفجأة علقت ريان التي كانت تقرأ القصيدة والتي كتبت بمناسبة المولود (وأتى عمر) أن هذه القصيدة يجب أن تسمى (إلى جدية) وليست إلى المولود عمر لأن ريان قرأت القصيدة كلها ولم تجد سيرة للمولود إلا في العنوان فوجدت نفسى بدون أن أشعر اشاركهم الفرح والنقاش وأحس تماماً بأنني أحد أفراد هذه الأسرة الجميلة.
فى تلك الفترة كانت ريان طالبة فى المدرسة تبلغ من العمر 14 عاما تقريبا. كانت دائما تجلس وتنظر إلى طريقة تدريسي بهدوء شديد ولم تكن تتحدث كثيراً وحين تتكلم معي كانت لا تنظر إلى وجهي تأدباً مع أنني في مقام أبيها. وكانت تداوم على الصلاة وتصوم يومي الإثنين و الخميس دائماً، ومنذ ذلك اليوم أحسست بأن ريان سوف يكون لها شأن كبير وهي الان فى السويد لمزيد من العلم والمعرفة فى الطب .. اللهم احفظها يا رب.
زيدان إبراهيم رؤية استطبيقية موسيقية نادرة وإن ذهب عنا لكن عطاءه بق بيننا ونغمه الساحر خالد في الوجدان وصوته الشجي يطرب أذاننا في كل حين. لقد أصبح زيدان بصمة وعلامة أصيلة في ذاكرة الشعب السوداني لا تمحي كل ما غنى شادي وكلما استمعنا إلى موسيقاه الرائعة. اللهم أرحم زيدان رحمة واسعة واغفر له يا رب العباد. آمين يا رب العالمين (انتهت الرسالة).
شكراً جميلاً للأخ الحبيب والأستاذ ناجي حسن قاسم والذي أتمنى أن يكتب لنا في سانحة قادمة عن العلاج بالموسيقى وهو حقيقي أمر نحتاجه في وطننا لأن الإنسان السوداني تشكلت جيناته على الطرب والغناء الجميل، ولعل ذلك يكون أكثر واقعية وأقل تكلفة ويجنبه عناء المستشفيات العامة والخاصة و (بهدلة التأمين الصحي). وأيضاً أفي بوعدي له بنشر رسالته الإنسانية الطيبة لأنها بعض ما تبقى لنا مما نظل نعتز به وهو الاحساس بالآخرين والتواصل الإنساني الرفيع فلقد هزمتنا السياسة ورمتنا في آخر قوائم النمو والتقدم والحضارة، وما خفي كان أعظم.
مدخل للخروج:
يا من سقاه البحر توقي من رحيق الشوق شهد.. إني سجينك في الهوى حريتي هي أن يكون الحب قيد.. حريتي هي أن أظل أسير عشقك للأبد.. وحياة نبضي أن أموت على هواك وأن أشق القلب عَمْد.. فالعشق دونك لوعتي وهزيمتي في الحب مجد..