فتحي الضو: كلما سألوني من أين لك هذا؟ أجبتهم بكتاب آخر: مصدر كتاب (الطاعون ) مازال داخل النظام وفي المنظومة الأمنية

 


 

فتحي الضو
29 March, 2018

 

 

أجرى الحوار في واشنطن: فاطمة غزالي 

الكاتب السوداني فتحي الضو الذائع الصيت الذي رسخ مبدأ مدرسة التوثيق لجرائم نظام الإنقاذ في ثلاثية مؤلفاته ( الخندق/ العنكبوت /الطاعون) التي سبرت غور جهاز الأمن والمخابرات، ونشرت فساده الأخلاقي والسياسي والمالي.. رحلة طويلة قام بها فتحي الضو في أمريكا وأوروبا استعرض فيها مؤلفه الأخير (الطاعون ) والأوضاع السياسية الراهنة، وذلك على مدى شهريين متتالين، عقد خلالها خمس ندوات في الولايات المتحدة الأمريكية، شملت كلا من (فرجينيا، ميتشجان، فلادلفيا، نيوجرسي، وبرنسيس آن) إلى جانب عشر ندوات في مدن أوروبية مختلفة، شملت في بريطانيا كلا من: (لندن، برمنجهام، ليدز، مانشستر) وأيرلندا (دبلن، بلفاست) والسويد (مالمو، أستكهولم) والدنمارك (كوبنهاجن) وهولندا (لاهاي).. كشف فيها عن أن رحلته مع المصادر دائماً ما تكون طويلة، وتحتاج لصبر ودأب ووسائل كثيرة للاقناع. إلا أن مصدر (الطاعون) لم يحوجه لذلك لأنه ما يزال موجوداً داخل النظام، أي داخل جهاز الأمن نفسه وعضو في الحركة الإسلامية. أكد فتحي الضو قدرته على الاستمرار في اختراق منظومة جهاز الأمن بقوله: " كلما سألوني من أين لك هذا؟ أجبتهم بكتاب آخر". وفي هذا الحوار المطول معه قام بالرد على العديد من التساؤلات التي تشغل بال المتابعين، بشأن مؤلفه (الطاعون) ورحلته الطويلة.

واشنطن: حاورته فاطمة غزالي
* كتاب الطاعون يكمل ثلاثية إصداراتك (الخندق/أسرار دولة الفساد والاستبداد في السودان) و (بيت العنكبوت/أسرار الجهاز السري للحركة الإسلاموية في السودان)، لماذا خصتك المصادر داخل منظومة الأمن بهذه المعلومات؟ وهل هناك من أشار إلى هذه المصادر لطرق أبوابك؟ ولماذا فتحي الضو؟
الحقيقة لا أعرف تحديداً، ولكن من باب الاجتهاد ربما نتيجة التزامي الصارم بالمبادئ التي وطنت نفسي عليها واهتديت بها في كتاباتي، وهي الداعية إلى الديمقراطية والحرية والعدل وحقوق الإنسان. كذلك البحث الدؤوب عن كل ما من شأنه أن يكرس هذه القيم في الواقع السوداني، وينهي معاناة الشعب الصابر التي تطاولت مع الأنظمة الديكتاتورية. من جهة ثانية مؤكد هناك من أشار لتلك المصادر بطرق بابي لأنه لا سابق معرفة لي بها. لكن أعتقد أن بعضها أغرى بعضاً، وذلك من الأمور البديهية.
* ما هو تأثير (الطاعون) على الأوساط السودانية بصفة عامة وأروقة جهاز الأمن والمخابرات بصفة خاصة؟
الكاتب مهمته الأساسية نشر الوعي والمعرفة، من هذه الزاوية يمكن أن نتصور تأثير الكتاب في الأوساط السودانية. أما تأثيره على جهاز الأمن، فوفق ما وردني من معلومات أن الحيرة أحكمت حلقاتها تماماً على القائمين عليه، وما زالوا يلهثون في محاولة للبحث عن المصادر التي مدتني بالمعلومات والوثائق. وأنا من باب مساعدتهم في البحث أقول من المؤكد أن هذه المصادر لا تنتمي للمعارضة، فهي توجد في أوساطهم، فعليهم أن يركزوا البحث عنها بينهم إن شاءوا.
* الطاعون تضمن حجم كبير من المعلومات والوثائق الخطيرة، وتعدى بعضها الحدود الجغرافية للبلاد، لماذا كرهت هذه المصادر نظامها (الإنقاذ) هل هي صحوة ضمير أم انتقام؟
ومن ذا الذي لم يكره النظام غير شرذمة من المنتفعين والانتهازيين والمطبلين. دوافع المصادر تعددت، منها ما هو صحوة ضمير، ومنها ما كان باعثه الغضب والانتقام، ومنها ما كان دافعه أسباب يصعب الكشف عنها الآن، ربما مستقبلاً بعد إنجلاء الغمة.
* الطاعون يعد الاختراق الأضخم في تاريخ الأجهزة الأمنية على الأطلاق، فوفقاً للأرقام تمّ الكشف عن أسماء ورتب أكثر من سبعمائة ضابط من رتبة ملازم إلى فريق، ألا تشعر بالقلق على حياتك، لا سيما، وأن النظام دأب على التلذذ بدماء معارضيه؟
اطلاقاً لا، ومن قال أن الموت ينهي قضية. لو كان ذلك كذلك لأحجم الناس عن المقاومة، لكنها ظلت حاضرة على الدوام، بدليل أن عموم الشعب السوداني لم تستكن وترضخ لهذا الواقع المرير. فالدماء التي انهمرت مدراراً في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق والخرطوم وبورتسودان وكجبار لم تدفع الناس للخنوع، كما أنها لن تضيع هدراً، فكل من ارتكب جريمة جنائية سيقتص منه، فالجرائم الجنائية لا تسقط بالتقادم.
* إذاً فيم كانت شائعة اغتيالك؟ وهل هي الدافع وراء عقد كل هذا الكم من الندوات؟
بالطبع الدوافع معروفة ولا تحتاج لتفسير، علماً بأن ما يفعلونه في المعتقلين الآن لا يحتاج لشائعة، كما أن أفعال النظام كلها لا تحتاج لتبيان. أما بخصوص الندوات، فالكل يعلم أنني لست حزباً ولا منظمة، واتحرك بدوافع ذاتية، وقد آليت على نفسي أن أحمل قضيتي وأجوب بها كل بقاع الدنيا، أي في أي مكان يلوح لي فيه بارق، ويجعل السودانيون أكثر قرباً والتصاقاً بقضيتهم الوطنية.
* ما هي الموضوعات اللافتة في هذه الندوات؟
كانت عبارة عن تدشين الكتاب بإستعراض الخطوط العريضة التي تناولها، ومحاولة لاستجلاء بعض التساؤلات التي تدور بأذهان القراء. وتناولت كذلك الأوضاع السياسية في ظل الأزمة الراهنة التي استحكمت حلقاتها، واستقراء مآلاتها واستنكاه ما يمكن أن يتمخض عنها من سيناريوهات محتملة.
* وماهي أكثر الموضوعات التي تركزت حولها تساؤلات الحضور في الندوات؟
كان لتفاعل الحضور معي في كل الندوات التي عقدتها، حافزاً كبيراً في رفع معنوياتي ومنحي طاقة يحتاجها المرء لمواصلة المشوار. وبالطبع فإن غريزة حب الاستطلاع المجبولة بها النفس البشرية دائماً ما تنشط في مثل هذه اللقاءات. وقد كنت أحاول أن أُبوح للحضور ما يسمح به المقام، خاصة وقد جُبلت على عدم كشف أسرار مصادري حتى ولو وضع السيف على رقبتي. لكن بصفة عامة كان الحضور شديد القلق على مصير البلاد في ظل ما يروج له النظام من مصائر مشابهة. بدليل أن كل الندوات سجلت رقماً قياسياً في الحضور والتفاعل، ولعل سؤالك الأول هو السؤال الذي لازمني في كل الندوات وكان الأكثر طرحاً.
* في تقديرك لماذا سعى الإسلاميون إلى تضخيم جهاز الأمن بهذه الصورة التي تحدثت عنها إلى أن صار دولة داخل دولة؟
واقع الأمر أن الحركة الإسلاموية السودانية اهتدت في شكلها التنظيمي بــ (بروتوكلات آل صهيون) المعروفة والتي تعتمد على التحكم في ثلاثية، المال والأمن والإعلام. لكن عِبر ومواعظ التاريخ تقول أن من يسعى إلى تضخيم وحش قد يأتي عليه يوماً يلتهمه فيه هذا الوحش. التضخيم الذي ذكرته بتفاصيل في الكتاب ينبئني على المستوى الشخصي أن في هذا الجهاز يكمن هلاك النظام في واحدة من سيناريوهات الصراع في ما بينهم. أي صراع السلطة والمال. كذلك لا اعتقد أن هذا الجهاز ضُخم من أجل الحفاظ على النظام، وقد ذكرت في الندوات أبعاد ذلك وأسبابه.
* في تقديرك ما الفرق بين جهاز أمن نميري وجهاز أمن الإنقاذ؟
الأجهزة الأمنية العاملة في ظل أنظمة ديكتاتورية كلها سواء، ولهذا الفرق بين الجهازين فرق مقدار وتنوع في الممارسات البشعة. كما أن العصبة الحاكمة لا تمتلك جهازاً واحداً، علاوة على أنها أجهزة مؤدلجة وهذا يعني أن ممارساتها اكتسبت بعداً عقدياً وهو نهج جديد في الواقع السياسي السوداني.
* كشف الطاعون النقاب عن منظومة الشبكة الالكترونية للجهاز والمسماة (الهدهد) هل تعتقد أنه القشة التي قصمت ظهر جهاز الأمن؟
نعم، أعتقد ذلك. فطبقاً للمصدر فإن مجرد الكشف عن الكلمة السرية (الهدهد) كفيلة بزلزلة أركان جهاز الأمن. وكما هو معروف فإن الجهاز تفنن في الخوض في استخدام وسائل التقنية وجلب لها الخبراء الأجانب من بقاع شتى، والعبقرية السودانية أنتجت مصطلح (الدجاج الالكتروني) وهو اسم على مسمى. ولهذا كان من البديهي أن ترتج أوصال القائمين على الجهاز لمجرد الكشف عن هذا السر الخطير.
* هل راودك يوماً الشك في أن هذه المصادر تريد اصطيادك بطعم المعلومات لتلحق بك الأذى؟
سؤالك هذا طبيعي في مثل هذه المواقف، ولكن مثلي من له باع طويل في مضمار العمل الإعلامي والسياسي لأكثر من ثلاثة عقود زمنية لا يمكن الإيقاع به بهذه السهولة. وبالمناسبة رحلتي مع المصادر دائماً ما تكون طويلة، وتحتاج لصبر ودأب ووسائل كثيرة للاقناع. لكن للأمانة يجب أن أذكر أن مصدر الطاعون لم يحوجن لذلك نسبة لأن له أهداف خاصة، وأكد لي أن الوطن يعلو عنده على أي عقيدة أخرى بدليل كشفه هذه الأسرار، ولكن كل هذه المشاعر عند علام الغيوب كما تعلمين.
* شوقتنا لاستجلاء أجواء الغموض هذه، إذاً كيف يكون جو اللقاء بينك ومصدرك في المرة الأولى؟ وهل تحرص على تأمين نفسك بإخطار أحد من المقربين منك وتطلعه على الأمر؟
اللقاء الأول بالطبع تسبقه تمهيدات كثيرة وطويلة لا داعي لذكرها، ولهذا عندما يتم اللقاء يكون عادياً في الغالب. وكما ذكرت من قبل لست من الذين يحرصون على التأمين الذي ذكرت لأنني أحمل قلماً ولا أحمل مدفعاً، ولا أطلع أي أحد بمهمتي إلا أسرتي الصغيرة في حدود المألوف. وبالمناسبة مصدري الأول والثاني أدلوا لي بهذه المعلومات والوثائق بعد خروجهم من السودان، أما مصدر الطاعون فأنا ذكرت مراراً في ندواتي إنه ما زال موجوداً داخل النظام أي داخل جهاز الأمن نفسه وعضو في الحركة الإسلاموية، وبحسب قوله في ما يشبه التحدي، إنهم لن يستطيعوا الوصول إليه ولو جندوا الجنود المجندة.
* هل لنا أن نعرف شعور المصدر ورد فعله بعد صدور كتاب الطاعون؟
طبعا هو من الأساس أكد لي ثقته واحترامه لشخصي الضعيف، وبالتالي طبيعي أن يكون شعوره الإرتياح. قال لي أنه شعر بالراحة النفسية العميقة، وأنه أزاح هماً ثقيلاً جثم على صدره سنين عددا. كما أكد لي أن هناك الكثيرون الذين يرغبون في فعل الشيء نفسه، لدوافع تختلف من واحد لآخر. من جانبي أعلم بأن هناك من يرغب في تطهير نفسه من آثام لم يرتكبها ولكنه رآها أو شهد عليها وآثر الصمت لأسباب معروفة.
* هل ثمة علاقة بين مصادر اصداراتك الثلاثة؟ وما هو القاسم المشترك بينهم؟
أطلاقا ليست هناك أدنى علاقة. كما ذكرت مصدري الأخير ما يزال عاملاً في الجهاز، في حين آثر المصدرين الأولين الهروب من السودان والاستقرار في بلدان المهجر.
* هل تتوقع أن يتم استدراجك من قبل الأمن السوداني بإغراء معلومات مثلما يحدث في أفلام الجاسوسية، خاصة وأنك تناولت محاضر عدة اجتماعات تمت بين جهاز الأمن والاستخبارات الأمريكية (السي آي أيه) والموساد؟
النظام الحاكم في السودان لا يحتاج لسيناريوهات أفلام الجاسوسية كما ذكرت، لأنه يطبق ذلك عملياً على الواقع السوداني، فهو خليط من أفعال الجاسوسية والدجل والحواة، نظام بلا وازع أخلاقي. فمن ناحية أن يفعل يمكن أن يفعل، ولكنني لست ذاك الطُعم السهل الاصطياد. وجودي في الولايات المتحدة والتي أحمل جنسيتها أيضاً لا يجعلني أخشى لومة لائم سواء من الجهاز المذكور أو سواه، فالقانون هنا سيد الموقف حتى وإن لم يكن بصورة مطلقة.
* هل تعتقد أن عودة صلاح قوش نتيجة لما كشف عنه الطاعون، في ضوء أن أزمة البشير وقوش بدأت بمحاولة الثاني التخلص من طه عثمان وكانت النتيجة اقالته؟
يقولون ذلك ولكن الحقيقة لا أدري تأثير الطاعون في هذا الشأن، ولكن الذي أدريه أن جمرة الصراعات داخل النظام ظلت متقدة منذ فترة طويلة، هي تعلو وتخبو طبقاً لمجريات الأحداث. لكن ما يجب أن نعلمه ونعيه جيداً هو أن النظام الحالي عبارة عن جزر متفرقة، لا رابط بينها سوى فقه المصلحة، لا سياسة ولا دين ولا وطنية ولا أخلاق. وهذا الصراع سيتأجج قريباً ويصعب التكهن بأي احتمالات لمآلته سوى ما ذكرته من قبل في ما سيمته بـ (ليلة السكاكين الطويلة).
* تناول الطاعون قصة الفريق طه عثمان الحسين بأبعاد جديدة ومعلومات هامة، هل هناك ظلال لهذه المعلومات؟
أقول دائماً في ندواتي أن طه عثمان الحسين ظاهرة كونية وليس سودانية، هو حدوته أو فزورة بمصطلحات أهل شمال الوادي. أنا طبعا مُصر على أن طه ما زال موجوداً في قصر غردون، بدليل أنه لم يقال بمرسوم وإن كانت هذه مسألة تتسق والنظم الديكتاتورية، لكن لدي من الدلائل والقرائن ما هو أكثر من ذلك. الحقيقة السلطة الحاكمة ازدرت الشعب السوداني وباتت تفعل في الغرائب وكأنها على يقين بأنها لن تُسأل. وأن هذا البلد العظيم أضحى ضيعة يتحكمون فيها كيفما شاءوا.
* هل من المتوقع أن يضحي الفريق بكري حسن صالح بالبشير بحسب تحليلك لشخصية الأول؟
أولاً يجب التأكيد وفق المعلومات التي ذكرتها في الكتاب ولم تغب عن أذهان الكثيرين من أبناء الشعب السوداني، أن بكري حسن صالح هو النموذج الأول لعنصر الانحطاط الأخلاقي الذي نعيشه، وقد أوردت الأسباب ولا داعي لإعادة ذكرها. من جهة ثانية وفي الإجابة المباشرة على سؤالك، أقول كل شيء محتمل فهذا نظام التضحيات.
* ذكرت في ندواتك في أمريكا وأوروبا لست مهموماً بسقوط النظام لأنه آيل لسقوط حتمي، ولكنك مهموم بكيفية هذا السقوط والحفاظ على النظام القادم؟ كيف تفسر للمواطن العادي أبعاد مخاوفك؟
هذا سؤال مهم، لأنه يركز على المستقبل عوضاً عن الحاضر الذي أستهلكنا فيه أنفسنا سنين عددا، والنظام سعيد بتكرارنا ممارسات فساده السياسي والاقتصادي والاجتماعي. فهم يعلمون جرم ما صنعت أيديهم وبالتالي هم لا يكترثون في ترديد هذا على مسامعهم، فالفاسد يكون همه الأول اتساع دائرة الفساد ظناً منه أنه يحمي نفسه بذلك. أعتقد أن النقطتين المذكورتين هما ما ينبغي على النخبة السودانية الانشغال بها، تأميناً للمستقبل وحتى نتفادى الوقوع في براثن الدائرة الشريرة المعروفة. من جهة ثانية أقول دائماً أن الاهتمام بهاتين النقطتين يجنبنا شراك النظام الذي يروج لإدعاءاته السالبة في التغيير بثلاثة أسلحة فتاكة وهي، التخويف والتيئيس والتخذيل، وحتى لا يقدم الناس على هذه الخطوة فهو يذكرهم بمآلات بعض دول الربيع العربي، في حين أن طبيعة الشعب السوداني في الممارسة السياسية تختلف تماماً بل تتناقض، بمعنى ليس هناك مقارنة تذكر.
* هل ما تزال للأحزاب والحركات المسلحة وثائق لم تنشر بعد؟
للأسف نعم، وهي الأكثر بين الوثائق، ما نشرته يعد نماذج للتنبيه، ربما أقوم بنشرها بأي صورة من الصور أو ضمن عمل آخر بحسب الظروف.
* وهل هناك عمل آخر؟
بالطبع نعم. دائماً ما يكون هناك عمل آخر للكاتب، فما بالك لو أننا أصحاب قضية لن ندخل الأقلام في أغمادها إلا بسقوط النظام واسترداد الشعب السوداني لحريته التي اغتصبت وكرامته التي انتهكت. وإلى حين ذلك كلما سألنا أهل النظام: من أين لك هذا أجبتهم بكتاب آخر.
* لعل من أكثر الأشياء اللافتة في ندواتك، قولك (إن هناك وثائق مؤلمة لم تنشرها) وذلك بحسب قولك لأنها (غير أخلاقية) لتناولها أعراض الناس، هل هذه الوثائق لمنسوبين في النظام؟
أولا أود أن أقول إن كان النظام وأزلامه غير أخلاقيين، ذلك لا يعني أن نجاريهم في هذا السلوك المشين. فالنظام إلى زوال وتبقى قيم وعادات وأخلاق الشعب السوداني راسخة وباقية إلى أن يرث الله الأرض وما عليها. نعم هناك وثائق غير أخلاقية، ولن تر النور، ليس لأنها صحيحة أو غير صحيحة ولكن لأنها غير أخلاقية، وبالطبع ذلك ليس غريباً على من كان هذا سلوكه، وهذا حصاد المشروع الحضاري المزعوم.
* لكن البعض يرى صمتك على معلومات تدمر شخصيات في النظام بدافع الأخلاق، حديث يجعل النظام وحده القادر على تدمير الأسر السودانية، ويجب مواجهته بذات السلاح؟
دعيني أختلف معك ومع من يحملون نفس هذا الرأي. هذا النظام طارئ في الواقع السوداني حتى ولو طالت سلامته. هناك قيم وعادات وتقاليد وثقافة متجذرة في هذا الواقع لن يستطع كائن من كان تجاوزها، وقد حاولوا على مدى ثلاثة عقود في تطبيق الشعار القميء (إعادة صياغة الإنسان السوداني) والنتيجة أنهم فشلوا لم يستطيعوا، بل أعاد الشعب السوداني صياغتهم بالتذكير بفشل هذا المشروع. وعليه ينبغي أن نتمسك بقيم المجتمع السوداني مهما كانت التكلفة. وبالتالي حتى لو كانت هذه الوثائق لمنسوبي النظام فسيظل رأييء هذا قائماً، أي إنها لن ترى النور لأنني ببساطة دمرتها.
* هل تتوقع أن تستعيد الأحزاب السودانية حراكها الذي بدأ في يناير الماضي؟
لست منجماً ولكني محللاً، الصدق يقتضي أن نقول أن الأحزاب السودانية أمراضها أكثر من النظام. ما يحدث الآن يؤكد أن البعض شارك النظام الاستهانة بقدرات الشعب السوداني. والذي أراه متقدماً على القوى التي ذكرتيها، وسيظل متقدماً لأنه رأس الرمح في عملية التغيير القادمة. الحراك سيتواصل قطاره وفيه متسع للجميع لمن شاء الركوب. وأقول أنني مؤمن بالشعب السوداني السوداني حبيبي وأبي كما قال الشاعر محمد المكي إبراهيم، وبقدراته الفذة في استعادة الديمقراطية ولو طال السفر، ومؤمن إيمان العجائز والشباب بأن التغيير قادم لا محال والشعب السوداني قمين به. وأقول دائماً وختاماً: لو كانت الشعوب تُجزى بقدر تضحياتها لأستحق شعب السودان الفردوس جزاءً.

faldaw@hotmail.com
///////////////

 

آراء