فرس رهاننا

 


 

عمر العمر
24 August, 2020

 

 

ما من جديد في خطاب رئيس الوزراء، حمدوك قدم توصيفاً للموجود . الخطاب لم يزح أياً من الأسئلة العالقة فوق رؤوس بنات وأبناء الشعب. الشارع العام لا يزال يترقب إجابات حاسمة تضيئ العتمة مكتنفة حياته اليومية. حمدوك طرح توصيفا شاملا لأبعاد الأزمة . خطابه شهادة تنبض بالصدق لتوصيف الموصوف قبل أربعة أو ستة أشهر .الخوف من استعادة إجترارها بعد ستة أشهر أخرى. كل بنات وأبناء الشعب يعايشون الموصوف في خطاب حمدوك. التفاؤل جنح بهم لجهة توقع طرح الخطاب مهارب من قبضة الأزمة المستحكمة.

*** *** ***
الشعب يعلم تماما أنه يخرج من تحت ركام الإستبداد والفساد. كما يدرك جيدا وعورة المسالك والدروب. لكن حمدوك لا يعرف فيما يبدو شيئا عن نفاد صبر الشعب الخارج مترنحا من تحت أنقاض الإنقاذ. نعم نحن في هاوية عمقها ستون مليار من الديون. كلنا نعيش على هامش الشح والندرة من مقومات الحياة اليومية. كل قطاعات الشعب تدرك إستئثار المؤسسة العسكرية بفيض من ثروات الوطن. نحن ندرك متاريس الدولة العميقة أمام حركة التقدم. لكن حمدوك يحرص على تفادي الإعتراف علنا بانحياز جنرالات المؤسسة العسكرية إلى تلك الترسانة. أسئلة الشارع الملحة تتمحور حول كيفية الخروج من هذه المهالك ؟ خطاب حمدوك لم يأت على إجوبة في هذ السياق!

*** *** ***
بما أن قوى الحرية والتغيير تشكل اضخم تحالف في التاريخ السوداني فإن ذلك مدعاة لاستيعاب تشققها في بلد لم ينجح فيه الإئتلاف بين حزبين. ذلك الترهل نفسه يمنحها مبرر بطء حركتها. استنادا للعنصرين يظل الرهان على السلطة التنفيذية قطارنا العابر فوق كل التضاريس. ما لإنتماء حمدوك الى أيٍ من فصائل التحالف جيء به من وراء الحدود والمجهول ، بل ثقة في قدراته المرتجاة على العبور بالمسيرة المترهلة نحو غايات الثورة المجيدة. لذلك لن يفيدنا جميعا الإختباء وراء هذه الأكمة طويلا.

*** *** ***
الحاضنة السياسية لحكومة حمدوك لم تكن صاحبة مبادرات عديدة أنجزتها السلطة التنفيذية. على نقيض ذلك كثير من بياناتها أكدت أنها آخر من يعلم بخطوات اتخذتها السلطة. من أبرز تلك الخطوات ؛ البرنامج الإقتصادي الحكومي المطبق، استدعاء فريق أممي لتثبيت ودفع العملية الإنتقالية برمتها، التسويات المتعلقة بملف الإرهاب ،قبول إستقالة وإقالة عدد من الوزراء . بغض النظر عن الجدل في شأن تلك الخطوات فالثابت أنها تؤكد إنفتاح الأفق أمام حكومة حمدوك للمبادرة دون مساندة الحاضنة أو حتى مشاورتها.

*** *** ***
مع الإيمان المطلق بأهمية إنجاز السلام إلا أن منحه الأولوية على معالجة الأزمة الإقتصادية الخانقة يظل محورا للجدل . بينما يقول حمدوك في خطابه لا تنمية بلا سلام فيصدق القول كذلك أنه ما من سلام بلا تنمية. التقدم على طريق معالجة الأزمة الإقتصادية يمهد لاستباب السلام والإستقرار. للسلام فواتير واجبة السداد الفوري . ذلك شأن يستوجب تأمين مصادر للتمويل. لقضية حروب الهامش جذورها الإقتصادية. فكلما تقدمت حركة إعاة البناء الإقتصادي كلما حققنا جهدا في تقكيك قاعدة تلك الحروب. لكن السلام لن يتحقق في غياب الإنجاز الإقتصادي. ذلك وضع العربة أمام الحصان.

*** *** ***
معضلة ثالثة تسأل عنها الحكومة الإنتقالية أكثر من حاضنتها ؛ وهي مقاربة طاولات السلام ،إذ تبنت السلطة التنفيذية عقلية الإنقاذ نفسها في مقاربة التفاوض مكانا ومنهجا. هي لم تكتف بنهج التجزئة بل أفردت هامشا لبروز فصائل وهمية. أكثر من ذلك منحت السلطة المكون العسكري دورا غير مستحق في عملية التفاوض.الحديث عن اقترابنا من اتفاق السلام الوارد في خطاب حمدوك ضرب من التمني المكرور، سمعناه كثيرا من ألسنة متباينة فما عاد يغرينا.أما الكلام عن الإنتقال المرتقب لمفاوضة الحلو وعبد الواحد فيغرقنا في التشاؤم.أؤلئك أشد بأسا وأكثر تشددا.

*** *** ***
خطاب حمدوك أفرز سحابة من الإحباط المشًرب بالإستياء فوق الشارع العام .مرد ذلك إختصار الخطاب على توصيف الموصوف وخلوه من أي خطوات لتغيير ملمح الموجود. الشارع يتلهف إلى سماع إجراءت عملية من شأنها تخفيف وطأة أعباء الحياة اليومية ولو بعد حين . من ذلك خطوات فعلية لجهة استرداد وزارة المالية ولايتها على المال العام، إجراءات فعالة لجهة كبح سعر الدولار وتجفيف منابت التهريب بكل أنواعها. الحصول على دعم سخي يصب بالفعل في خزانات المصرف المركزي. تسهيلات لتأمين التطبب والدواء ،سلامة البيئة ووفرة الماء النقي. إعادة بناء المؤسسة الأمنية.

*** *** ***
الخطاب خلا من أي حديث في شأن سياسة خارجية مرسومة أو القضايا الساخنة المتعلقة بمحورها. من تلك العلائق مع الدول الشقيقة خاصة الكبرى بينهن،الدول المجاورة وحدودنا ملتهبة مع بعضها، المشهد الإقليمي بما في ذلك التطبيع ونحن جزء يتردد اسمنا في جنباته. هذه بعض من أسئلة لم يرد في شأنها إجابات في خطاب حمدوك . إنعكاسات الإحباط بدأت تتشكل مبكرة بتجاوز الدولار المئتي جنيه وفي بعض من عبارات السخرية الشعبية

*** *** ***
مع ذلك تبقى حكومة حمدوك فرس رهاننا لقطع السباق نحو ديمقراطية دائمة. فقط نذكره بمقولة الزعيم الهندي الراحل نهرو رجل الدولة المعلم " في زمن الثورات يسير التاريخ بقدم طوله سبعة فراسخ". فهو الوحيد المستقطب اجماعا نادرا.


aloomar@gmail.com

 

آراء