فرنسا: رئيس من خارج النادي السياسي !
الجمعة، 12 مايو 2017
في أوروبا احتفل الليبراليون والاشتراكيون - بل واليمين المعتدل - الأسبوع الماضي بانتصار مرشح سياسي وسطي يمثل حزباً صغيراً مجهولاً، ليس له نائب واحد في البرلمان، لكنه أنقذهم من تكرار سيناريو انتصار ترمب في أميركا، إذ هزم مارين لوبان زعيمة اليمين المتطرف، التي كان نجاحها يهدد فرنسا بالدخول في أزمة غير محسوبة النتائج،
فلوبان استفادت من موجة العداء ضد الإرهاب وضد الهجرات غير الشرعية وموجاتها المتلاحقة، وتصاعد المد العنصري، خاصة في صفوف شباب الفرنسيين، الذى يعاني من العطالة واتساع دائرة الفقر - ومثلما فعل ترمب في أميركا - رفعت لوبان شعار «فرنسا أولاً»، مهددة بخروج فرنسا من الاتحاد الأوروبي، وبسياسات عنصرية معادية للأجانب عامة، والعرب والمسلمين خاصة، وطغت مشاعر الكراهية العنصرية في حملتها الانتخابية،
ولو نجحت لوبان في الانتخابات الفرنسية فلربما كان نجاحها مؤذناً بتكرار نفس السيناريو في العديد من البلدان الأوروبية الأخرى، وهذا هو ما يفسر موجة الفرح التي اجتاحت أوروبا، وغطت على ما عداها من المشاعر ومن الحقائق.
ونجاح الوزير الوسطي، والفرحة التي عمت الجميع بفوزه، لأنه أبعد عنهم شبح اليمين المتطرف، أسهمت في تناسي الرأي العام لحقائق صادمة يعكسها فوز شخص قادم من خارج النادي السياسي.
أول هذه الحقائق التي تجاهلتها القوى السياسية الأوروبية، هي أن الذي هزم لوبان ليس عضواً في النادي السياسي المعروف، ولا ينتمي لحزب عريق، بل نجاحه وحصوله على أكبر الأصوات في الجولة الأولى، وعلى ثلثي الأصوات في الجولة الثانية كان مؤشراً على موت النظام الفرنسي الحزبي القديم، وأن الحزب الاشتراكي - واليسار عموماً - يتراجع ويفقد مواقعه وصلته مع القواعد، وأن اليمين يتشظى وينقسم على نفسه، وأن كل الرايات القديمة سقطت،
وجاء سياسي من خارج النادي السياسي المؤسسي، ومن داخل حزب «إلى الأمام» الذي لا يملك نائباً واحداً في البرلمان، ليحصد ثلثي أصوات الناخبين على مستوى الجمهورية فيصفق له اليمين واليسار.
هذه رسالة واضحة للنظام الحزبي في فرنسا، وربما كانت الرسالة موجهة لكافة القوى السياسية في أوروبا - لا في فرنسا وحدها - فهناك واقع جديد، وهناك تحديات جديدة، تحتاج إلى معالجات جديدة، وإلى رؤى جديدة، وهناك قوى عديدة خارج المنظومة الحزبية، ولا تجد نفسها فيها، وتريد منابر سياسية جديدة تتجاوب معها.
التحدي الذى يواجه الرئيس الفرنسي الجديد هو هل ينجح في تقديم النموذج الجديد وأن يخاطب القواعد مباشرة وأن يتجاوب مع طموحاتها، والانتخابات التشريعية الفرنسية على الأبواب، حيث يترجم الأصوات التي حصل عليها في انتخابات الرئاسة إلى مقاعد نيابية لأنصاره في البرلمان الجديد ؟؟
وهل يستطيع أن يتصدى للأزمة الاقتصادية، فينشط الاقتصاد ويحارب البطالة ويلبي طموحات الشباب ؟
لقد انهزم اليمين المتطرف، ولكن السؤال يبقى: ثم ماذا بعد؟؟
وقد تكون الإجابة على هذا السؤال ابتدار مشروع لتجديد الديمقراطية الفرنسية في الجمهورية الخامسة،
ولكن أياً كانت الإجابة على السؤال،
فإن باقي دول أوروبا ستظل تترقب نتيجة التجربة الفرنسية،
حتى تقرر كيف تتعامل مع الواقع الجديد !