فلـيذهـب حمدوك ولتبـق الثـورة
عمر العمر
1 September, 2021
1 September, 2021
مساندة حكومة الثورة لا تلغي وجود معارضة لها . محاولات أسكات الأصوات الناقدة لاداء إدارة حمدوك تذهب لجهة خنق الممارسة الديمقراطية. قطاع عريض يدرك حجم الإنهيار الموروث من الإنقاذ. بين هؤلاء من هم على قناعة مطلقة باستحالة تجاوز ذلك الإنهيار في غضون حيز زماني ضيق. ذلك الإنجاز ليس معيار نجاح حكومة الثورة. حدة نقد أداء الحكومة لا يستهدف بالضرورة هدمها . كما أن المطالبة بتغييرها لا يعني البتة الإطاحة بسلطة الثورة. الحكومة الحالية ليست الواجهة الزاهية للثورة البازخة. تلك قناعة الغالبية. ثمة قناعة واسعة بأن استبدال هذه النسخة الحكومية أفضل من الإبقاء عليها.أليست هذه هي النسخة الثانية من حكومة الثورة ؟ فما يضير الثورة إذا استدعى الأمر تشكيل النسخة الثالثة؟
*** *** ***
كل حديث عن الثورة والدولة خارج سياقهما التاريخي يصبح ضربا من التهويم. لذلك يجب الإجماع أولاً على اننا لا نزال نحاول الخروج من بين أنقاض دولة الفشل المشبّع بالإنهيارات . مشروع التغيير الثوري كبير لكن أداءة الحكومية الحالية هزيل. مع الإقتناع بثقل أعباء المرحلة فإن أولويات أداء إدارة سلطة الثورة يتجسد – على الأقل - في ملمحين أساسيين ؛ فرض هيبة الدولة وإرادتها السياسية على الفعل والإنجاز.أولى قسمات هيبة الدولة يتمظهر في مدى قدرتها على بسط الأمن . حينما يفقد الشعب الإحساس بالطمأنينة يصبح إيقاع حياته اليومية فريسة للإرتباك والخوف.في وسع المرء مغالبة الجوع ،المرض والفساد – ولو حينا من الزمن – لكنه لا يستطيع معايشة نوبات الرعب اليومي.
*** *** ***
تداعيات ذلك الشعور السلبي تنداح وتضيق حول الرقاب مع مشاهدة عجز الدولة عن حماية المواطن. تلك مشاعر تتعاظم كلما رأى الشعب حكومته عاجزة عن الإمساك بزمام أجهزة الشرطة والأمن .أسوأ من ذلك حينما يشاهد المواطن قوات مغايرة تنافس قواته النظامية في السيطرة على المشهد الوطني ، بل تكاد قوات الجيش تتقازم أمام قوى الفوضى في المشهد العام ..صحيح النظام القديم رهن الترنح لكنه لم يمت بعد. والصحيح كذلك أن النظام الجديد قيد التشكل لكن إدارته الحكومية لا تزال عاجزة عن المساهمة بفعالية في بلورة ملامحه كما ينبغي لها.
*** *** **
مع عظم مشروع التغيير لم يكن مطلوباً أبدا من نسختي الحكومة تغيير المعادلات الظالمة الموروثة من الإنقاذ على نحو فوري.بل ظل المطلوب دوماً إبداء قدرٍ من الجرأة للذهاب بثبات على ذلك الطريق. لكنما حكومة حمدوك تبدي من الوجل والتردد أكثر مما تظهر من الشجاعة على حمل مشروع التغيير.مع الإيمان بتعقيدات الإصطراع داخل المشهد الساسي ينبغي ألا تخشى الحكومة كل القوى المصطرعة طالما ظل السعب سندها . فهو صانع الثورة ووقودها المتوقد. هو صاحب الأمر إذ يعزل من يشاء وينصّب من يريد. هذه الحقيقة تبدو ليست راسخة إطلاقاً في ذاكرة الحكومة الحالية أو ضميرها وفق معاييرأدائها ليس غير.
*** ***
الشعب صانع المعجزة السلمية لن يسمح البتة بتزوير إرادته أو سرقة أحلامه تلك حقيقة تبدو هي الأخرى غائبة عن بصيرة الحكومة مثلما هي غائبة تماماً عن المترددين، المتآمرين لجهة اختطاف الثورة، الحالمين بحبسها تحت سقف إنقلاب عسكري ، المتواطئين من أجهزة الأمن ،الميلشيات متعددة القبعات ، المنتفعين من المتنفذين في أجهزة الدولة وأجهزة الإعلام وكل بثور الطبقة الطفيلية . ا شباب الثورة قادرٌ على إجبار معسكر الثورة على تقديم أفضل ما لديهم من أصحاب الكفاءات والقدرات على المواجهة وحمل مشروع التغيير. هم ونحن نبحث عن هذه العناصرة غير الموسومة بالعجز وغير الصاعدة على معادلة المحاصصة الخربة .أما هولاء المنشغلون بتبرير الإخفاق ومحاولات الدفاع البئيسة عن التعايش مع الفشل من صنائع المساومات البخسة لم يعد الرهان عليهم رابحاً.
*** *** ***
لا جدال في شأن بضع خطوات قطعتها إدارة حمدوك على درب التغيير، أبررز مفاخرها استعادة التواصل مع الأسرة الدولية، معالجة ملف الديون وإعادة فتح أقنية التعامل النقدي الخارجية. حتى لو أحدثت تلك الخطوات عائدا محسوسا في حياة المواطن،ولو بعد حين، فما جدوى ذلك العائد في غياب الإحساس بالأمان ؟ كذلك فأن تعدد التنظيمات المسلحة وما يصاحبه من تقاطع الإرادات داخل أروقة صنع القرار لا تصنع بل تنسف جهود جذب الأستثمار الأجنبي .تلك عاهات تفضح وهن هيبة الدولة .هكذا تجهض الدولة الموبؤة بالضعف ما تفخربه من إنجازات.
*** *** ***
رغم تعدد الإرادات المتنازعة على السلطة لم يثبت أيٌ منها قدرته على تجسيد هيبة الدولة.نحن لسنا معنيون هنا بالجدل القانوني فيما يتعلق بسطو رئيس مجلس رأس الدولة على سلطات المجلس أو اختطافه سلطات رئيس مجلس الوزراء حتى أمسى يتمتع بنفوذ رئيس النظام المخلوع. ما يشغلنا هنا دور رئيس الحكومة من منطلق كونه رأس السلطة التنفيذية المجسدة لطموحات جماهير الثورة وشعاراتها.بين حمدوك وهذا الحلم الثوري ركامات من الإحباط الصدئ وسط قطاع عريض من الشعب.فأداءالجهاز التنفيذي ظل يتسم بالبطء، التردد، التخبط والفشل في الوفاء بالمواعيد ، بما في ذلك التزاماته المعلنة من قبل رئيس الوزراء. لتلك عاهة حملت قطاعا عريضا داخل معسكر الثورة إلى فقد الثقة في صدقية الحكومة.
*** *** ***
إذا استعرنا شيئاً من الأدب الماركسي فإن مهمة الساسة ربما مثل الفلاسفة ليست تفسير العجز بل القدرة على تغييره. لهذا يصبح كل الكلام عن تبرير الفشل بتشقق الحاضنة السياسية ضربا من الهراء فوق كونه هروبا من التصدي لمهام المرحلة. حمدوك يتناسى حقيقة هبوطه في رئاسة السلطة التنفيذية إنما جاء في البيئة الضعيفة للحاضنة السياسية. فأبرز مؤهلاته في عقلية الحاضنة وقتئذٍ هوبهتانه السياسي. فتشرزم القوى السياسية الوجلة حملها لقبول رجل هابط على ساحتها من خارج أُطرها التنظيمية .لو كانت تلك القوى على قدر من القوة لما ارتضت ذلك الخيار الهروبي لكن ضعف بناها ورؤاها تضافرا لصالح ذلك الخيارالسياسي غير الناضج.
*** *** ***
أكثر من ذلك لوآن للحاضنة السياسية تتملّك تماسكها وقواها لهتفت في ظل الإخفاق الحكومي الراهن فليذهب حمدوك ولتبق الثورة. فبقاء حكومة حمدوك غير المقنع وغير المبشريظل نتيجة منطقية لضعف الحاضنة الهلامية تجاوز هذا الضعف المركب يتم في إحدى فرضياته بوجود رئيس حكومة أكثر ديناميكية.فحمدوك يحمل الفيروس المتمكن من الحاضنة نفسها.فهو يعاني نوبات التردد والجفول عن مواجهة تحديات المرحلة. تعداد أعراض الإخفاق لا يتطلب عناءاً. فلنضربمثلا بكلفة مادفعنا من إرادة الدولة مقابل معالجة ملف الديون.لنذكر الزمن المهدر بين برنامج إبراهيم البدوي وتطبيقه. لنذكر في حياء فاضح ضعفنا أمام مافيا الذهب المسرّب عبر بوابات المطار. لنستعيد كم المراوحة في اتخاذ قرارات أو النكوص عنها . لنذكربقاء منصب وزير التربية شاغرا رغم الحديث المعاد عن حتمية تثوير العملية التعليمية للحاق بإيقاع العصر.لنستعيد سلسلة المواعيد المجهضة والعالقة أمام قضايا وطنية ساخنة . لنستبين كلفة فاتورة مسرحية سلام جوبا العنصرية مطلوبة السداد .ألا يكفي تأمل الإرتباك المصحوب بـ"الدربكة" في شأن "مبادرة حمدوك !؟
aloomar@gmail.com
*** *** ***
كل حديث عن الثورة والدولة خارج سياقهما التاريخي يصبح ضربا من التهويم. لذلك يجب الإجماع أولاً على اننا لا نزال نحاول الخروج من بين أنقاض دولة الفشل المشبّع بالإنهيارات . مشروع التغيير الثوري كبير لكن أداءة الحكومية الحالية هزيل. مع الإقتناع بثقل أعباء المرحلة فإن أولويات أداء إدارة سلطة الثورة يتجسد – على الأقل - في ملمحين أساسيين ؛ فرض هيبة الدولة وإرادتها السياسية على الفعل والإنجاز.أولى قسمات هيبة الدولة يتمظهر في مدى قدرتها على بسط الأمن . حينما يفقد الشعب الإحساس بالطمأنينة يصبح إيقاع حياته اليومية فريسة للإرتباك والخوف.في وسع المرء مغالبة الجوع ،المرض والفساد – ولو حينا من الزمن – لكنه لا يستطيع معايشة نوبات الرعب اليومي.
*** *** ***
تداعيات ذلك الشعور السلبي تنداح وتضيق حول الرقاب مع مشاهدة عجز الدولة عن حماية المواطن. تلك مشاعر تتعاظم كلما رأى الشعب حكومته عاجزة عن الإمساك بزمام أجهزة الشرطة والأمن .أسوأ من ذلك حينما يشاهد المواطن قوات مغايرة تنافس قواته النظامية في السيطرة على المشهد الوطني ، بل تكاد قوات الجيش تتقازم أمام قوى الفوضى في المشهد العام ..صحيح النظام القديم رهن الترنح لكنه لم يمت بعد. والصحيح كذلك أن النظام الجديد قيد التشكل لكن إدارته الحكومية لا تزال عاجزة عن المساهمة بفعالية في بلورة ملامحه كما ينبغي لها.
*** *** **
مع عظم مشروع التغيير لم يكن مطلوباً أبدا من نسختي الحكومة تغيير المعادلات الظالمة الموروثة من الإنقاذ على نحو فوري.بل ظل المطلوب دوماً إبداء قدرٍ من الجرأة للذهاب بثبات على ذلك الطريق. لكنما حكومة حمدوك تبدي من الوجل والتردد أكثر مما تظهر من الشجاعة على حمل مشروع التغيير.مع الإيمان بتعقيدات الإصطراع داخل المشهد الساسي ينبغي ألا تخشى الحكومة كل القوى المصطرعة طالما ظل السعب سندها . فهو صانع الثورة ووقودها المتوقد. هو صاحب الأمر إذ يعزل من يشاء وينصّب من يريد. هذه الحقيقة تبدو ليست راسخة إطلاقاً في ذاكرة الحكومة الحالية أو ضميرها وفق معاييرأدائها ليس غير.
*** ***
الشعب صانع المعجزة السلمية لن يسمح البتة بتزوير إرادته أو سرقة أحلامه تلك حقيقة تبدو هي الأخرى غائبة عن بصيرة الحكومة مثلما هي غائبة تماماً عن المترددين، المتآمرين لجهة اختطاف الثورة، الحالمين بحبسها تحت سقف إنقلاب عسكري ، المتواطئين من أجهزة الأمن ،الميلشيات متعددة القبعات ، المنتفعين من المتنفذين في أجهزة الدولة وأجهزة الإعلام وكل بثور الطبقة الطفيلية . ا شباب الثورة قادرٌ على إجبار معسكر الثورة على تقديم أفضل ما لديهم من أصحاب الكفاءات والقدرات على المواجهة وحمل مشروع التغيير. هم ونحن نبحث عن هذه العناصرة غير الموسومة بالعجز وغير الصاعدة على معادلة المحاصصة الخربة .أما هولاء المنشغلون بتبرير الإخفاق ومحاولات الدفاع البئيسة عن التعايش مع الفشل من صنائع المساومات البخسة لم يعد الرهان عليهم رابحاً.
*** *** ***
لا جدال في شأن بضع خطوات قطعتها إدارة حمدوك على درب التغيير، أبررز مفاخرها استعادة التواصل مع الأسرة الدولية، معالجة ملف الديون وإعادة فتح أقنية التعامل النقدي الخارجية. حتى لو أحدثت تلك الخطوات عائدا محسوسا في حياة المواطن،ولو بعد حين، فما جدوى ذلك العائد في غياب الإحساس بالأمان ؟ كذلك فأن تعدد التنظيمات المسلحة وما يصاحبه من تقاطع الإرادات داخل أروقة صنع القرار لا تصنع بل تنسف جهود جذب الأستثمار الأجنبي .تلك عاهات تفضح وهن هيبة الدولة .هكذا تجهض الدولة الموبؤة بالضعف ما تفخربه من إنجازات.
*** *** ***
رغم تعدد الإرادات المتنازعة على السلطة لم يثبت أيٌ منها قدرته على تجسيد هيبة الدولة.نحن لسنا معنيون هنا بالجدل القانوني فيما يتعلق بسطو رئيس مجلس رأس الدولة على سلطات المجلس أو اختطافه سلطات رئيس مجلس الوزراء حتى أمسى يتمتع بنفوذ رئيس النظام المخلوع. ما يشغلنا هنا دور رئيس الحكومة من منطلق كونه رأس السلطة التنفيذية المجسدة لطموحات جماهير الثورة وشعاراتها.بين حمدوك وهذا الحلم الثوري ركامات من الإحباط الصدئ وسط قطاع عريض من الشعب.فأداءالجهاز التنفيذي ظل يتسم بالبطء، التردد، التخبط والفشل في الوفاء بالمواعيد ، بما في ذلك التزاماته المعلنة من قبل رئيس الوزراء. لتلك عاهة حملت قطاعا عريضا داخل معسكر الثورة إلى فقد الثقة في صدقية الحكومة.
*** *** ***
إذا استعرنا شيئاً من الأدب الماركسي فإن مهمة الساسة ربما مثل الفلاسفة ليست تفسير العجز بل القدرة على تغييره. لهذا يصبح كل الكلام عن تبرير الفشل بتشقق الحاضنة السياسية ضربا من الهراء فوق كونه هروبا من التصدي لمهام المرحلة. حمدوك يتناسى حقيقة هبوطه في رئاسة السلطة التنفيذية إنما جاء في البيئة الضعيفة للحاضنة السياسية. فأبرز مؤهلاته في عقلية الحاضنة وقتئذٍ هوبهتانه السياسي. فتشرزم القوى السياسية الوجلة حملها لقبول رجل هابط على ساحتها من خارج أُطرها التنظيمية .لو كانت تلك القوى على قدر من القوة لما ارتضت ذلك الخيار الهروبي لكن ضعف بناها ورؤاها تضافرا لصالح ذلك الخيارالسياسي غير الناضج.
*** *** ***
أكثر من ذلك لوآن للحاضنة السياسية تتملّك تماسكها وقواها لهتفت في ظل الإخفاق الحكومي الراهن فليذهب حمدوك ولتبق الثورة. فبقاء حكومة حمدوك غير المقنع وغير المبشريظل نتيجة منطقية لضعف الحاضنة الهلامية تجاوز هذا الضعف المركب يتم في إحدى فرضياته بوجود رئيس حكومة أكثر ديناميكية.فحمدوك يحمل الفيروس المتمكن من الحاضنة نفسها.فهو يعاني نوبات التردد والجفول عن مواجهة تحديات المرحلة. تعداد أعراض الإخفاق لا يتطلب عناءاً. فلنضربمثلا بكلفة مادفعنا من إرادة الدولة مقابل معالجة ملف الديون.لنذكر الزمن المهدر بين برنامج إبراهيم البدوي وتطبيقه. لنذكر في حياء فاضح ضعفنا أمام مافيا الذهب المسرّب عبر بوابات المطار. لنستعيد كم المراوحة في اتخاذ قرارات أو النكوص عنها . لنذكربقاء منصب وزير التربية شاغرا رغم الحديث المعاد عن حتمية تثوير العملية التعليمية للحاق بإيقاع العصر.لنستعيد سلسلة المواعيد المجهضة والعالقة أمام قضايا وطنية ساخنة . لنستبين كلفة فاتورة مسرحية سلام جوبا العنصرية مطلوبة السداد .ألا يكفي تأمل الإرتباك المصحوب بـ"الدربكة" في شأن "مبادرة حمدوك !؟
aloomar@gmail.com