فوفيزيلا للحكومة … بقلم: عادل الباز

 


 

عادل الباز
23 June, 2010

 

تعاني الحكومة حالياً من أوجاع عديدة وتحديات جمة، إلا أن أخطر ما تواجهه انها حكومة بلا معارضة، وتلك محنة كبرى. أعني معارضة سياسيَّة وليس حمَلَة السلاح، فهؤلاء متوفرون على «قفَا من يشيل». المعارضة السياسيَّة تعاني من حالة شلل كاملة، فهي مُدَمَّرة وعاجزة تماماً عن الحركة أو إحداث أي نشاط جدي ليس لإسقاط النظام بل لمعارضته. معارضة بلا صحف ولا منابر وبلا برامج، كيف يمكن أن تنهض لمعارضة نظام.. أي نظام؟. سيقول المعارضون أن نظام الإنقاذ هو المسؤول عن قهر المعارضة وإفقارها وتدميرها، وهذا صحيح ولكن الصحيح أن كل الأنظمة في العالم تسعى لتحجيم المعارضة وإضعافها وإنهاكها، والمعارضة تسعى لاكتشاف سبلها لمقاومة القهر بالتوحد والبرامج والعمل الدؤوب الصبور. المأساة أن الحكومة التي دمرت المعارضة السياسيَّة تتلفّت الآن بحثاً عنها، فلعبة السياسية لا يمكن لها الاستمرار دون حكومة ومعارضة.. اختفاء المعارضة السياسيَّة من الساحة ينبغي ألا يُفرح الحكومة لأن البديل للسياسيَّة هو السلاح. خير للحكومة أن تضج الساحة بالمعارضة السياسيَّة بدلاً أن يلعلع فيها صوت السلاح. فالتاريخ أثبت أنه إذا اختفى السياسيون عن الساحة ظهر المتمردون، فالسياسة لا تقبل الفراغ.

ما انتهينا إليه الآن هو أن الحزب الحاكم «المؤتمر الوطني» يسيطر على الحكومة والبرلمان وعلى أجهزة الإعلام القوميَّة ويُسيطر على المعارضة نفسها. لو ظل الوضع كما هو عليه فإننا سنحصل على حكومة عمياء لا تسمع ولا ترى؟ وتلك كارثة على البلد. وبهذه المناسبة سأحكي قصة طريفة حدثت أوائل التسعينيات. أذكر أنني والصديق محمد طه محمد أحمد «على قبره شآبيب الرحمة» في طوافنا الدائم على بيوت السياسيين لتسقط الأخبار، ذهبنا لمنزل الأستاذ علي الحاج فسأل محمد طه علي الحاج قائلاً: «يا أستاذ فلان ده لمن بقى ما بسمع عملتوهو مدير إذاعة ولمن بقى ما بشوف عملتوهو مدير تلفزيون.. القصة دي كيف يعني؟»... فابتسم علي الحاج قائلاً: «يا محمد طه أسمع في هذه المرحلة نحنا ما دايرين لينا زول بسمع ولا بشوف».

هل ستراقب الحكومة نفسها بكوادرها، هيهات!! لم يحدث ذلك في التاريخ ولن يحدث وما سيحدث انه سيكون لدينا سلطة مطلقة، ومعلوم أن أي سلطة مطلقة تفسد فساداً مطلقا. ما العمل في هذه الحالة... حالة سيطرة الحكومة على كل شيء، وعجز المعارضة عن فعل أي شيء؟!.

 ثلاث اقتراحات سأتقدم بها للحكومة أولها نزعُ القداسة عن منسوبيها وإخطارهم ألا حماية أو حصانة سياسيَّة أو قانونيَّة للمسؤولين متى ما أفسدوا أو تجاوزوا معالجة الأخطاء والفساد ينبغي أن تتم علناً ودون أن تشعر الحكومة أن ذلك سيمس هيبة السلطة بل العكس تماماً بقدر ما تكرس مبدأ المحاسبة العلني، بقدر ما تطهّرت السلطة وأحسَّ الناس بالعدالة تسري.

الاقتراح الثاني أن يطلق المؤتمر الوطني سراح الجهاز التشريعي تماماً ويُحمّل أعضاءه مسؤولية مراقبة الجهاز التنفيذي بفعالية دون قيد أو شرط أو خطوط حمراء، فتصبح مساءلة الوزراء عن أدائهم وأخطاء منسوبيهم شغل المجلس الوطني الشاغل. يمكن أن يتحقق ذلك إذا ما أعطى السيد الرئيس والنافذون في الحكومة والحزب نواب البرلمان ضوءً أخضر لممارسة مهامهم بمسؤولية لآخر مدى لأن هؤلاء النواب يخشون سلطات الحزب الذي أتى بهم لمقاعدهم، خاصة انهم يعلمون أنهم لم يظفروا بعضوية البرلمان بناءً على شطارتهم ولا جماهيريتهم إنما لأن الحزب اختارهم.

خيرٌ للحكومة إتاحة حرية واسعة للصحافة المستقلة، وهي مؤمنة انها يمكن أن تصبح عينها التي ترى بها وأذنها التي تسمع بها دون أن تحس بأنها عدو يستهدف هيبتها أو انها تعمل وكيلاً للمعارضة ضمن خطة إسقاطها، فهي تعلم انه ليس هنالك معارضة لديها خطة لإسقاطها على الأقل في الأجل المنظور.

على الصحافة الحرة المستقلة أن تُعين الحكومة لترى نفسها في المرآة (زي ما هي) دون افتراء ولا نقصان، وتعمل لوزرائها ومسؤولوها «فوفيزيلا» مزعجة (آلة للصفير- اكتشاف إفريقي للتشجيع في مباريات كرة القدم بكأس العالم). على ذكر «فوفيزيلا» لا بد من تذكير زملائي الصحفيين والكتاب أن يكون نقدهم للحكومة  ماركة جابولاوني (وهي كرة القدم التي يلعب بها كأس العالم الآن وميزتها انها خفيفة وسريعة)، بمعنى أن يكونوا خفيفين وسريعين لأن أي ثقل زائد سيُحيلهم لمقاعد (رأي الشعب) والله أعلم.

 ملحوظة: بالأمس اتصل بي الأستاذ معتصم حاكم وهو رجل من أفاضل الناس قائلاً انني لم أكن محقاً في انتقاده في مقال (السودان الجديد... جكسا بخط 6) بناء على تصريحات لم يطلقها. والحقيقة انني انتظرت ثمانٍ وأربعين ساعة لينفي الأستاذ معتصم ما جاء في جريدة «الشروق» المصرية من تصريحات ولكنه لم يفعل، فكتبنا ما كتبنا. والحقيقة أن تلك التصريحات لا تشبه حاكم ولا مواقفه، ولذا استنكرناها فهو من الذين ندّخرهم لوحدة السودان. ويبدو أن الأستاذ حاكم لم يتابع الكيفية التي نُشرت بها تصريحاته، كما انني لم أكن على علم بمرضه. على كلٍ ما دام انه ينفي ما جاء بالتصريحات التي اعتمدنا عليها في تعليقنا بالمقال، فحقَّ علينا الاعتذار، مع الدعاء له بالشفاء العاجل.

 

 

آراء