في أروقة الخدمة المدنية بين الفطور وواجب العزاء
رئيس التحرير: طارق الجزولي
3 March, 2015
3 March, 2015
salahmsai@hotmail.com
كان يوما اسود مش على بعضه- كما يقول الاخوة المصريون - كالايام السوداء التى قدر لك فيها ان تكون من المتعاملين مع احدى المكاتب الخدمية، و سواد ذاك اليوم يزداد قتامة. حين تذهب الى اى من المكاتب. خالى الوفاض! دون معرفة انسان هناك ستكون وحيدا كالجرذ المطارد، و تقابل فى كل ركن تجاهلا و اهمالا بل وازدراء، لايعلم المرء من اين جاءت للانسان فى ارضنا الطيبة كل هذه الصفات الذميمة ..لا مبالاة مفرطة بالآخر.و تعامل غير حضارى للمكان والزمان.
رغم علمى المسبق .بأن ثمة يوم اسود ينتظرنى، ذهبت الى ذاك المكان، و فى جعبتى معاملة أردت انجازها ، وكان وصولى بعد عناء فى تمام الساعة الثامنة..ليشار لى ان أذهب الى نافذة لاقدم أوراقى.. حيث وجدت بشرا مصطفين ...فى نظراتهم كثير من الرهق والضجر والسأم، فجلهم قد أتوا من أطراف العاصمة يتنقلون من حافلة الى أخرى، بعضهم جالس القرفصاء أو متشعلق كلآعب الاكروبات أو كان فى حالة وقوف أقرب الى الجلوس أو جلوس أقرب للركوع !! مع كراسى النص التى لم نشاهد لها مثيلا فى بلاد كرتنا البلورية.
.
نظرت الى داخل المكتب ورأيت داخله رهطا من الموظفين يبلغ عددهم العشرة اشخاص.. يتآنسون ، ويتشاكسون ، و يتحدثون بشىء من اللغط غير المستحب.
تحول الهرج داخل المكتب الى نقاش حول الفطور !، و من بين الهمهمات وطرقعات الالسن بدا ان هناك ثمة خلافات بين هؤلاء الاخوة الاعداء...حول نوعية الفطور..أعلن عدد منهم عدم استطاعتهم الاستغناء عن اللى كل يوم معانا المصلح بالسلاطة والدكوة والجبن الابيض و زيت السمسم، بينما فريق آخر اضجره هذا الروتين، ليقترح نوعا من الفتة المخلوطة بالزبادى وعليه سكر ، بينما رأى طرف ثالث متطرف بأن السمك البلطى المقلى هو الخيار الافضل بشىء من الشطة والمقبلات، و استمرت المداولات و كأنهم يستعدون لماراثون الديقراطية الموعودة..واحترام الرأى والرأى الآخر تسمرنا نحن العاملون فى الخارج بعضنا يتشظى و آخر يتلظى، ولكن لايهم فالقوم أتوا الى مكاتبهم وهم بأمر فطورهم مشغولون، و بعد هنيهة احضرت الصحون حيث أتى الفطور مشكلا و متمشيا مع سياسة الوفاق والتراضى الماشية فى البلاد وشرع العاملون فى التهام الطعام ، يزدردون اللقيمات الواحدة اثر الاخرى بحماس منقطع النظير وكأنهم جاءوا اساسا الى ذاك المكان ليأكلوا، و بين اللقمة والاخرهناك ضحكات و حديث يتفرع من سياسة الى رياضة وظللنا نحن وقوف من البعد نراقب، و لكن لايجرؤ أحد أن يفصح عن سخطه، حيث يخشى الانسان الغلبان ان يتقصده هؤلاء القوم الاكالون، فتتعطل مصالحه .اكثر مما هى معطلة، والصبر مفتاح الفرج !
وبعد نهاية مراسم الاكل ، تراصت الصحون الخالية على مناضد العمل، و بقيت اوراق من الصحف الملطخة بالزيوت تتطاير مع هواء مراوح السقف، تجشأ البعض بصوت مسموع، و مسح بعضهم اياديهم ببقايا الخبز المتبقى!!!
و نظروا الى كوة الباب ينادون أحد السعاة، حيث لا يستقيم ان لايتبع الشاى الساخن الفطور !! و أحضرت الاكواب، ودار لغط حول نسبة السكر فى الشاى ، فبعضهم يحب الشاى بسكر زيادة ، وآخرون يعلنون بأنهم دخلوا مرحلة السن الخطرة وعليهم المحافظة على صحتهم من السكرى و ماشابهه من امراض، وانتهت مراسم الشاى ليشعل بعضهم سجائر تتلوى ادخنتها فى جو المكتب القاتم، بينما اخرج عدد منهم حقة الصعوط ليضع عبوة من هذا الكيف اللعين تحت الشفتين، و خرج بعض الفاطرين ربما الى مكاتبهم و بقى آخرون داخل المكتب ونحن فى الخارج منتظرون و صابرون!!
وانبرى احدهم قائلا .ايوة ياحاج موضوعك شنو ؟ و تقدمت بطلبى، وأنا اصطنع ابتسامة على وجهى المنهك، و قلب الفاطر الشبعان الاوراق، و هو يفرك يديه المبتلتين ببقايا ماء ، نظر الى شذرا وكأننى عدو لابد من مواجهته!! و قبل أن يبدأ فى الاجراءات، جاء أحدهم و هو فى عجلة من امره، يقول بنبرات متقطعة . ماسمعت عم زوجة زميلنا علان توفى ..والناس ماشية العزاء وباصات الترحيلات جاهزة
و هنا قذف الفاطر الشبعان أوراقى تجاهى قائلا لا حول ولاقوة الا بالله، معلش يا أخ الباصات متحركة الى جبل اولياء لعزاء .تعال بكرة و لملمت أوراقى، وأنا اعلم بأن فى باكر أيضا الفطور بسلامته! و لان فى سنة الحياة الموت ولم يعلن ان عزرائيل قد اوقف عمله، فلابد ان تكون هناك وفاة لاحد اقرباء الفاطرين الشاكرين ، فى مؤسسة يناهز العاملون فيها المئات ، و فى بلد تتمتع بسمة العلئلات الممتدة الى مالانهاية ، ومع الفطور و طلعات العزاء سيظل طابور المتعاملين فى حيرة ، يشكون لطوب الارض مالآت قضاياهم وأوراقهم___{ مقالة نشرت من قبل و فكرت فى نشرها بعد سماعى لتوجيهات من وزارة التنمية البشرية للحدمن الظواهر السالبة فى الخدمة المدنية }