في اختبار المعارضة لصدقية الانقلابيين الديمقراطيين الجدد … بقلم: محمد المكي أحمد
2 May, 2010
modalmakki@hotmail.com
لا يكفي أن تواصل بعض الأحزاب التي شاركت في الانتخابات وتلك التي قاطعتها مسلسل الاتهامات "المستحقة" لحزب المؤتمر الوطني بتزوير الانتخابات ، مع دعوة بعض الأصوات الى حكومة قومية.
لا يُفهم أيضا كلام " ضبابي " في توقيت غير مناسب عن استعداد للتعاون مع الحكومة المقبلة رغم مقاطعة الانتخابات، وفي وقت يكرر فيه قادة حزب المؤتمر الوطني أن "الشراكة" التي يريدونها مع الآخرين لا بد أن تتم وفقا لبرنامج الرئيس عمر البشير، أي ضمن جلبابهم ووفق مقاسات يحددونها .
المطلوب أن تراجع أحزاب المعارضة خطاها لتعرف أين تقف، ولتضع استراتيجية تركز أولا على تعزيز الديمقراطية واثراء مناخاتها، لأن التحدي الأول الذي يواجه الحكومة المقبلة كما أرى هو مدى الالتزام بالديمقراطية، لأن اجراء الانتخابات لا يعنى أن التحول ا لديمقراطي المفترى عليه قد تجسد على أرض الواقع.
معلوم أن حزب المؤتمر الوطني أًصًر على اجراء الانتخابات في موعدها كما أعلنت عقب ذلك مفوضية الانتخابات التي لم تكمل استعدادتها ، حيث شهد العالم كله قصة ما سمي بـ"الأخطاء الفنية واللوجستية" في محاولة لتخفيف درجة الفشل في تنظيم الانتخابات في أجواء التوافق والتفاهم الضرورى بين القوى السودانية كلها، ما عكس حرصا حكوميا على "كراسي الحكم " في غياب التراضي حول المناخ الانتخابي.
أعتقد أن الانتخابات قدمت دروسا مهمة ونافعة لأحزاب المعارضة التي شاركت و قاطعت الانتخابات، وفي مقدمها أن المواقف "المتأخرة " والمتضاربة حول اجراء الانتخابات في موعدها، وحالة التناقض التي اتسمت بها مواقفها قد أضرت ضررا بالغا بمكانتها في الشارع السياسي ولدى جمهور الناخبين.
في هذا الاطار بدا واضحا أن مشكلة غياب الاستراتيجية بعيدة المدى والركون الى أساليب التكتيك لا يمثل مشكلة حكومية أو ظاهرة يعاني منها حزب المؤتمر الوطني فحسب بل تعاني منها أيضا أحزاب المعارضة ، والأحزاب التي توصف الآن بأنها صديقة" لحزب المؤتمر الوطني"، بعدما كانت حليفة له، وهي الأخرى تشرب حاليا من كأس الغفلة والانسياق وراء المجهول.
يكفي للتدليل على غياب استراتيجية متفق عليها بين قوى المعارضة أن تحالف أحزاب جوبا (قوى الاجماع الوطني) سرعان ما أصابه الوهن، وسادت أوساطه حالة ارتجال واضحة بعدما سحبت الحركة الشعبية لتحرير السودان السيد ياسر عرمان مرشحها لمنصب الرئاسة من خلال خطوة منفردة .
عقب ذلك لا حظنا انقساما في أوساط المعارضة حيث تمسك الحزب الاتحادي الديمقراطي "الأصل " بقيادة السيد محمد عثمان الميرغني وحزب المؤتمر الشعبي المعارض بزعامة الدكتور حسن الترابي بالمشاركة في الانتخابات لأسباب مختلفة، وتسبب ذلك أيضا في اثارة الشكوك بشأن "طبخات" و"صفقات" مع السلطة في ظل أجواء عدم الثقة بين أطراف المعارضة أيضا .
في الاتجاه المعاكس قررت بعض الأحزاب مقاطعة الانتخابات ، وهي ترى أن الانتخابات بدأ تزويرها قبل اجرائها من خلال السجل الانتخابي وتوزيع الدوائر الجغرافية ، كما شككت في استقلالية مفوضية الانتخابات، وأعتبرتها ذراعا لحزب السلطة (المؤتمر الوطني).
وعلى رغم أن قرار مقاطعة الانتخابات لم يتم وفق استراتيجية موحدة ،فان ذلك لا يلغي حق المقاطعين وحقوق المواطنين في اتخاذ القرار الذي يرونه مناسبا ومعبرا عن ارادتهم .
بدا واضحا في نهاية المسلل الانتخابي أن الذين شاركوا في الانتخابات كحزبي الاتحادي الدمقراطي (الأصل) و المؤتمر الشعبي قد شربا "المقلب"، لكن تلك المشاركة لا تخلو من فوائد، لأنها وضعت المشاركين من أحزاب المعارضة أمام حقائق المشهد الانتخابي من داخل الملعب الانتخابي، ولهذا جاءت مفاجأة النتائج الانتخابيةالتي وصفوها ب"المفبركة" بمثابة زلزال مدوي أربك حساباتهم واغضب جماهيرهم.
أهل السلطة وهم قادة حزب المؤتمر الوطني الحاكم سعوا ولازالوا يسعون جاهدين الى الانتقاص من حق مقاطعي الانتخابات في اتخاذ القرار الذي يرونه وفقا لرؤاهم وقناعاتهم .
إنهم يواصلون حاليا نهج الاستهزاء والاستخفاف بدعوة بعض أحزاب المعارضة لتأجيل الانتخابات، وهذا يشير أيضا الى مدى الوجع الذي أصابهم بسبب قرار المقاطعة، وخاصة من حزب الأمة القومي الذي اطاحوا بحكومته المنتخبة في انقلاب عسكري عام 1989 .
القابضون على كراسي الحكم ارادوا أن يحتفلوا بطريقتهم بـ "دفن" أحزاب المعارضة من دون استثناء في "مقبرة" جماعية كما قالوا ، وذلك بعد طبخة "اكتساح" انتخابي مشكوك فيه، لأن الانتخابات كلها مشكوك في نزاهتها، و أكدت ذلك منظمات مجتمع مدني سودانية مستقلة، وأعتقد أن التقويم الداخلي للانتخابات أهم من رؤى الخارج رغم أهميتها الدولية.
هذه الأيام لوحظ أيضا أن قادة حزب المؤتمر الحاكم لا يصدقون أن مبعوث الرئيس الأميركي السيد سكوت غرايشن قال إن أميركا تعرف أن الانتخابات مزورة وأن الموافقة على نتائجها تأتي في اطار السعي لاستقلال جنوب السودان.
الفرصة متاحة أثناء زيارة غرايشن للخرطوم هذه الأيام لمعاتبة الرجل أو اخراج سيناريو متفق عليه بين الجانبين، كما أخرجا سيناريو الدعم لاجراء الانتخابات في موعدها مع الاحتفاظ للغربيين بهامش يتحدث عن عدم مواكبة الانتخابات للمعايير الدولية.
أيا تكن ردود غرايشن حول تصريحاته، وسواء أكدها أو ابتلعها ، فان واقع الحال يؤكد أن واشنطن ستواصل نهج التواصل مع حكومة الخرطوم حتى يتم الاستفتاء على مصير السودان في 2011، أما الوجه الآخر للموقف الأميركي فسيطل بعد الاستفتاء على تقرير مصير الجنوب السوداني.
ستواصل واشنطن ودول غربية سياسة التلويح بعدم نزاهة الانتخابات في الوقتى المناسب لمصالحها وخططها، وفي كل محطة من محطات الخلاف مع حكومة البشير، خاصة أن ورقة المحكمة الجنائية الدولية مرفوعة حاليا رغم الصمت الغربي عن المخالفات الانتخابية .
كل هذا يؤشر الى أن الحكومة السودانية المقبلة محاصرة بمشكلات عدة، في صدارتها مدى التزامها باستحقاقات التحول الديمقراطي في فترة ما بعد الانتخابات، أي أن الكرة في ملعب الحكومة لا في ملاعب القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني السودانية .
الحكومة المقبلة تدعي أنها "منتخبة" رغم اتهامات التزوير التي تحيط بها من كل اتجاه، و تدعي أنها تعبر عن "ارادة الشعب"، وهذا معناه أن عليها أن تحترم الحرية والديمقراطية وحقوق المواطنين في التعبير الحر عن ارادتهم من خلال الندوات أو المواكب الجماهيرية السلمية مثلا.
حكومة "الانقاذ" في طبعتها "الانقلابية" الثانية (بعد الانتخابات ) ستواجه مآزق عدة في مجال الحريات، وخاصة حرية الصحافة وضرورة تحقيق وتعزيز استقلال القضاء.
خلاصة الرأى أن على أحزاب المعارضة أن تراجع حساباتها وتعيد النظر في تكتيكاتها الفاشلة لتضع استراتيجية متفق عليها ، و لتستوعب دروس الانتخابات المثيرة للجدل، حتى تبقى مسألة تعزيز مناخ الحريات في صدارة أولوياتها، وهنا يكمن سر النجاح للغاضبين من الانتخابات "المزورة" ، كما تُختبر بذلك صدقية "حكومة الانقلابيين الديمقراطيين الجدد".
برقية": في عالم السياسة يمكن ادعاء أي شيء الا "الديمقراطية" الحقيقية
عن صحيفة (الأحداث) 2-5-2010