في الاقتصاد السياسي لاستلاب المزارعين ما وراء (التنزيح) في الجزيرة (١-٣)
طارق بشري (شبين)
12 January, 2025
12 January, 2025
طارق بشري (شبين)
مقدمه اولي{١}
آخذين في الاعتبار بكون الحرب التي اشتعلت منذ ١٥ ابريل ٢٠٢٣ هي بالتعقيد بمكان في التناول النظري و الواقع السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي. بكونها الأوسع انتشارا جغرافيا والأكثر تأثيرا في حياة ملايين السودانيين في الريف و المدن و الأكثر استخداما ل الاسلحة الفتاكة و الحديثة و الاكثر تدميرا للبنية الاقتصادية و التحتية. و الاهم و الاكثر إفصاحا ايديولوجيا لازمة التشكيلة الاجتماعية الطبقية الحاكمة- بخاصة في تمرحلها بقيادة الفئة الطفيلية للراسمالية- منذ الاستقلال في التاريخ الحديث للسودان ، الأكثر تداخلا ما بين المحلي و الإقليمي و العالمي و بكونها في المبتدي و المنتهي المحاولات الأخيرة لاغتيال ثورة 19 ديسمبر.
هنا نود أن نغوص في مظهر من مظاهرها العديدة و هو حالة النزوح والتهجير القسري لملايين من السودانيين والسودانيات و بالتحديد في مناطق يقطنها الآلاف من المزارعين (نعني اكثر متوسطي وصغار المزارعين والعمال الزراعيين) كما في في ولايتي الجزيرة وغرب دارفور نموذجا.السؤال هنا :هل هناك أبعاد استراتيجية(غير معلنة) لاجبار آلاف المزارعين للنزوح الداخلي نحو مناطق أخرى غير مناطقهم او دول مجاورة و اين مصالح الرأسمالية الطفيلية و تداخلها مع مصالح رأس المال(الأجنبي) والمؤسسات المعولمة التي تمثل مصالح الامبريالية في مركزها التقليدي في أمريكا وغرب أوروبا وفي الامبريالية الجديدة في الخليج وما حوله.وبمعنى أكثر وضوحا لا نعاين كون هذا النزوح القسري بكونه (فقط) أثر ثانوي او جانبي للحرب(collateral effect of war) بغرض حفظ النفس و الحياة في مناطق أخرى آمنة تكفل الحد الأدنى بحفظ حق الحياة. نحن هنا بصدد معاينة الاقتصاد السياسي ل الاستلاب أي استلاب صغار المزارعين و العمال الزراعيين من أرضهم و مدى احتماليته في التحقق أثناء الحرب وما بعدها.
خلاصة القول{٢}
خلاصة القول في هذا المقال:أنه في السياق التاريخي للسياسات النيوليبرالية منذ بدايات الثمانينيات وبتحليل للتناقضات الاجتماعية الطبقية و التي تلعب فيها السلطة الحاكمة دورا جوهريا في غلبة مصالح رأس المال الطفيلي و المعولم على حساب مصالح العمل و قواه المنتجة - بالتحديد - فيما يعنينا هنا- صغار ومتوسطي المزارعين أصحاب الحيازات الصغيرة والمتوسطة ، العمال الزراعيين و المعدمين في( ولايتي)الجزيرة وغرب دارفور-وفي مرحلة أخرى من عملية الاستحواذ على الارض الخصبة(second stage of land grabbing)-و التي كانت منطقة الجزيرة جزء منها و التي تقدر مساحتها الكلية ما يقارب ال ٥ مليون هكتار من الأراضي الممنوحة بعقد إيجار يتراوح ما بين ٢٥ إلى ٩٩ عاما- فان الحرب وما بعدها يشير الى ان انه من المحتمل جدا أن يتم تحويل منطقة مشروع الجزيرة والمناقل إلى حيازات ذات مساحات اكبر او واسعة النطاق بدلا من الحيازات الصغيرة و (الحواشات) أي زيادة تركيز ملكية الأرض لصالح مصالح الرأسمالية المحلية و المعولمة (في القلب منها رأس المال الخليجي(الإمارات والسعودية الخ).و من غير الوارد أعمال عملية استبدال سكاني بالمفهوم الليبرالي و التحليل الثقافوي. او انه ليس الهدف الاستراتيجي ورا التهجير و النزوح القسري(أي استبدال مجموعة ثقافية بأخرى و كفي).و باستدعاء تاريخ تداخل بالبنك الدولي ومشروع الجزيرة والأزمة المتمظهرة على مستوى عالمي منذ ٢٠٠٨ في أزمة الغذاء و الطلب العالمي للمنتجات الغذائية.ما قد يتم هو تحويل اصحاب (الحواشات و الي عمال تستغلهم الشركات المعولمة و المحلية و التي تستهدف القيام باستثمارات كثيفة رأس المال والتكنولوجيا، و هكذا منطق التحليل في مقالنا والذي ننشره في عدة أجزاء(و على أن ينشر في موقع الحوار المتمدن بكامل المقال لاحقا).
مقدمة اخرى {٣}
و لأنها تجربة تبدو انها (جديدة ولكن اذا ما استدعينا تاريخ التراكم الرأسمالي ابان الحكم الكولونيالي ١٩٩٨-١٩٥٦ فإنها ليست بجديدة) في تاريخنا السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي فإننا هنا سوف نعكس لبعض التجارب و التي قد تتقارب و واقعنا و لكي نتدارس في احتمالية هذا الانتزاع من الأرض.و بالتحديد نتدارس حول التجربة الكولومبية و الباكستانية و التركيه و الاثيوبية و علاقات راس المال الاجنبي(الشركات المتعدية الجنسية ) و العلاقة بين انتزاع صغار المزارعين و المعدمين من أراضيهم و زيادة تركيز ملكية الأرض في أيدي قلة من الرأسماليين سواء علي المستوي المحلي او الاجنبي . و سوف نتدارس أيضا حول هذا النزوح و الانتزاع و التداخل الأيديولوجي و النظري للبنك الدولي بكونه يلعب مثلث ثلاثي الابعاد فهو يمثل ايديولوجيا النيوليبرالية و بكونه يتداخل في التأثير في صنع القرارات السياسية و الاقتصادية المعنية بإدارة الاقتصاد الوطني وخاصة المتعلقة بالقطاع الزراعي و ثالثا بكونه يستدعي جلب الشركات المتعديه الجنسيه (رأس المال الأجنبي).
و منطق التحليل الملموس لواقع النزوح القسري الملموس في ظل هذه الحرب يسري وفق أقسام محددة هي - و بشيء من التحديد الأولي - اولا: عرضًا تاريخيًا موجزًا لسياق عملية التهجير ونزع الملكية والتراكم منذ الحقبة الاستعمارية و ما بعد الاستقلال.ثانيا :العلاقة بين النزوح وزيادة تركيز ممتلكات الأراضي. كما يناقش تطور وتوطيد اقتصاد المضاربة الريعي الذي أصبح سمة مميزة للاقتصاد السياسي الريفي.و اخيرا نتدارس نقد الأطروحات الأيديولوجية السائدة في تفسير هذا النزوح القسري . ما يهم هنا لا التفسير فقط بل القراءة الملموسة بهدف التفسر الملموس المحدد والتغيير عبر المقاومة الاجتماعية السياسية وفق منطق التناقض الاجتماعي الطبقي في جوهره التاريخي المحدد.
تنويعات النزوح القسري{٤}
على المستوى النظري
تعدد المفاهيم النظرية و التي تحاول أن تلامس نظريا نوعي النزوح(النزوح الطوعي و النزوح القسري) وهنا نبدو معنيين في هذا المقال بالنوع الثاني وهو النزوح او التهجير القسري و الذي بدوره تعددت مفاهيمه النظرية.في مبحث نقدي لتحديد أنواع النزوح والتهجير القسري تشير دراسة حديثة( المرجع هنا) إلى ضرورة نظرية معرفية لتمييز نوع اخر من انواع النزوح القسري وهو انتزاع الأرض لمصالح الطبقة الاجتماعية الحاكمة في البلد المحدد و في صالح ايضا راس المال المعولم(بسبق الاصرار والترصد الايدولوجي).من هذه الأنواع و التي تعددها الدراسة : النوع الأول من التهجير القسري هو التهجير او النزوح الناجم عن الكوارث الطبيعية من مثل الزلازل والانفجارات البركانية والانهيارات الأرضية والتسونامي والفيضانات والحرائق الهائلة والجفاف والتصحر…الخ.ففي العقود الأخيرة - في الثمانينات - شهد السودان - وعلى مستوى العالم هناك العديد من هذا النوع نقلته شبكات الإعلام - بعض من هذا النزوح بسبب من الجفاف و التصحر في دارفور.والنوع الثاني هو النزوح والتهجير بسبب من العنف و الحرب و الأمثلة هنا تعدد في تاريخنا القريب -مثالا معسكرات زمزم و السلام و ابوشوك . و بسبب من الحرب والاقتتال السياسي في دارفور منذ بدايات ٢٠٠٠ و راهنا في العديد من المدن والولايات(الخرطوم والجزيرة و وولايات دارفور و النوع الثالث يشار له النزوح او التهجير بزعم انتزاع الأرض من السكان المحليين بغرض بناء مشاريع تنموية وبنية تحتية( السدود و المطارات والطرق الخ) و مثال له ما تم من تهجير لسكان مدينة حلفا القديمة (جراء بناء السد العالي) ، سد مروي..والنوع الأخير هو التهجير والنزوح القسري جراء انتزاع الارض - عبر آليات الدولة القمعية و( التشريع القانوني(و التشريع القانوني للدولة في حد ذاته يعتبر من آليات الدولة القمعية)) و ايضا في مرحلة محددة قد تكون الحرب احدي الخيارات كالية أخري- من أصحابها على نطاق واسع بغرض ما يعرف الاستحواذ على الأرض( land grabbing) بغرض قيام مشاريع زراعية واسعة النطاق.
هذا التصنيف الثلاثي او الانواع الثلاثه الاولي من النزوح والتهجير القسري لا يأخذ في الاعتبار و التحليل الصراعات الاجتماعية والسياسية على الموارد والأراضي التي غالباً ما تكون جوهرية و حيوية لفهم القصص(السياسية) الكامنة وراء النزوح القسري. يظهر النزوح كشيء عرضي(الأضرار الجانبية) للحرب أو تغير المناخ. ومن بين هذه الأنواع الثلاثة، فإن نوع التنمية هو الوحيد الذي يستحضر فكرة النزوح كفعل متعمد لنزع الملكية. ومع ذلك، فإن كلمة ”التنمية“ توحي بالتبرير للحداثة و التحديث؛ حيث يظهر النازحون على أنهم ”أضرار جانبية“ ل ”التقدم“ الاجتماعي والاقتصادي.من المهم أن ندرك أن بعض عمليات الاستيلاء على الأراضي هي تعكس (انتهازية) تستغل النزوح الناتج عن الحرب.
تتريخه الأرض و استلابها السودان {٥}
تتعدد الأسباب - وفق الأدب المعرفي المعني بالاقتصاد السياسي للحروب الأهلية- و التي تقود إلى الاقتتال السياسي داخل الدولة و من هذه الأسباب الصراع الاجتماعي السياسي ل الاستحواذ على الموارد و من هذه الموارد الاجتماعيه و الاقتصاديه الأرض. كانت الأرض واحدة من القضايا المركزية التي ساهمت في الحروب الأهلية الأخيرة في السودان، وهي عامل أساسي أيضا في إنجاح أو إفشال اتفاقيات السلام المحددة. كانت الأرض محورية في سياسات التنمية في الزمن الكولونيالي وما بعد 1956، وتغيرت تشريعات الحصول على الأراضي وحقوق الأراضي مع تغير سياسة التنمية و التي تتشكل وفق أيديولوجية السلطة الحاكمة.تم تغيير قوانين الاراضي بهذا الشكل أو ذاك على مدى سنوات منها( ١٩٢٥ و ١٩٧٠ و١٩٧٤و ١٩٨٤ و١٩٩٠)وبالتالي كان لأفراد المجتمع المحلي داخل الدار حقوق أساسية أو مهيمنة في استخدام الأرض. غير أن حقوق الدار كانت تستوعب الحقوق الثانوية لمن هم خارج المجتمع المحلي في الحصول على حقوق محدودة في استخدام الأراضي على أساس عرضي أو موسمي.
بالتوازي مع تجاوز الحقوق العرفية في الأراضي و إلغاء الإدارة الأهلية في عام 1971، تم إزالة تلك المؤسسات التي كانت الأبرز في تنظيم وإدارة القوانين العرفية للوصول إلى الأراضي واستخدامها.
بقيام بعض من المشروعات الزراعية الآلية و التوسع فيها ازدادت الحاجة إلى قوة عاملة (مهاجرة) كبيرة، وقد تم توفيرها في المقام الأول من قبل صغار المزارعين الذين جردوا من أراضيهم والرعاة الفقراء الذين وجدوا أن وصولهم الموسمي إلى الأراضي مقيدًا أكثر من أي وقت مضى (دوفيلد 1992: 50-1): وهو ما أدى إلى مزيد من اغتراب سكان الريف عن الأرض التي يعيشون عليها. في جبال النوبة ”أدى نمو الزراعة الآلية إلى تحطيم جدوى زراعة أصحاب الحيازات الصغيرة من النوبة. كما أنه دمر العلاقات الودية مع الرعاة العرب.
وفقا لدوفيلد لم تكن الشعوب المتاخمة مباشرة لجنوب السودان هي وحدها التي تأثرت بالتغييرات في تشريعات الأراضي. فقد كانت السياسة الاستعمارية في منطقة القضارف في شرق السودان تنظم العلاقات بين رعاة سافانا البوتانا ومزارعي السهل الطيني الجنوبي عن طريق إنشاء خط (رعي) بين البطانة والسهل، حيث كانت الزراعة على نطاق واسع محظورة شمال الخط، بينما لم يكن مسموحاً للرعاة بالتحرك جنوباً حتى انتهاء موسم حصاد الحبوب، حيث كانوا يرعون حيواناتهم على القش و يحرثون الحقول في المقابل. وانهارت هذه الترتيبات مع التغييرات التي طرأت على التشريعات في السبعينيات، حيث تم توزيع الأراضي الزراعية على الأفراد الأغنياء والشركات الكبرى والمستثمرين الأجانب، وتوسعت الزراعة على نطاق واسع شمال وجنوب خط الرعي على حد سواء.
و تلعب الأرض دور أساسي في الحرب بخاصة في دارفور،بفعل العامل الطبيعي مثل الانخفاض الحاد في هطول الأمطار في شمال دارفور في السبعينات مما أدى لنزوح قسري للرعاة إلى الحزام الزراعي الأوسط، ومع تقليص كل من مناطق الزراعة المفتوحة والمراعي داخل الحزام الزراعي الأوسط من خلال التوسع في المشاريع الزراعية الآلية وفي الثمانينيات بدأت بعض المجموعات الرعوية النازحة في المطالبة الدائمة بالأراضي التي مُنحت لهم مؤقتًا، وعبر الاتكاء على نيران الاسلحة نحو استحوذ الرعاة على أراضي الملاك المزارعين من أراضيهم وأنشأوا لأنفسهم أوطانًا جديدة بحكم الأمر الواقع و و هذه تسمى عملية تحويل الحقوق الثانوية بالقوة إلى حقوق مهيمنة Ethnic Territories & National Development Decolonising the Borders in Sudan
,Douglas H. Johnson .الوصول إلى الأراضي هو مفتاح سبل العيش لجميع المجتمعات المحلية في دارفور، والحصول على الأراضي الزراعية هو أحد الأسباب الجذرية للنزاع ولا يزال أحد الأسباب الجذرية للنزاع. النتائج المستخلصة من الدراسات الثماني في دارفور التي أجريت في إطار صندوق بناء السلام صندوق بناء السلام في السودان في الفترة 2020-2021 أن %81 من النازحين داخلياً غير قادرين على الوصول إلى أراضيهم الزراعية في أماكنهم الأصلية.(https://shorturl.at/LLCAG)
المزارعين و العمال و زيادة الفوارق الاجتماعية{٦}
وبين سبعينيات وتسعينيات القرن العشرين، ازداد التفاوت في الثروة: فقد ازدادت حصة أغنى 20 في المائة من السكان من 50 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي إلى أكثر من 75 في المائة، في حين انخفضت حصة أفقر 50 في المائة من السكان من 20 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي إلى 7 في المائة فقط . وظل معدل البطالة ثابتًا (بين 13 في المائة و15 في المائة) على الرغم من التقلبات في نمو الناتج المحلي الإجمالي بين عامي 1991 و 2016 و ما بعدها
وعلى الرغم من صدور أكثر من 12 خطة استراتيجية في العقود التالية تهدف إلى تعزيز إدارة الموارد الزراعية، إلا أن عدم كفاية الاستثمار في البحث والتطوير، الذي كان باستمرار أقل من 1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للقطاع، أعاق التقدم. ويبقى هذا النقص في الابتكار والممارسات المستدامة عائقاً كبيراً أمام التنمية.
و من التغيرات البنيوية العميقة الاثر و التي أحدثتها سياسات النيوليبرالية ندلف لمعاينة صوره كلية في ازدياد الفوارق الاجتماعية والطبقية.حسب دراسة صدرت في أغسطس ٢٠٢٣ (WORKING PAPER STRATEGY SUPPORT PROGRAM | WORKING PAPER 12): سيتقلص الاقتصاد إلى نصف حجمه تقريبًا قبل الحرب، وينخفض دخل الأسر بأكثر من %40 في المناطق الحضرية والريفية، ويزداد عدد الفقراء بمقدار 1.8 مليون شخص إذا استمرت الحرب استمرت حتى نهاية العام. كان التأثير سيكون أقل بنسبة الثلثين لو كانت الحرب قد قبل يوليو 2023، وكان سيقل بمقدار الثلث إذا انتهت الحرب قبل أكتوبر 2023.السياسات النيوليبرالية منذ التسعينيات كانت لها أثر سلبي متعاظم في فضاءات الريف السوداني أكثر مما خلفته من فقر حاد في الحضر.و حسب ورقة (مجموعة البنك الدولي يونيو٢٠٢٠) معنونة :( Agricultural Productivity and Poverty in Rural Sudan).تخلص إلى أن:في حين أن الزراعة لا تزال الركيزة لشريحة كبيرة من السكان في السودان، شهد الفقر في المناطق الريفية انخفاضاً كبيراً (بين عامي 2009 و2014/2015)، إلا أن الفقر لا يزال مرتفعاً نسبياً بين المشتغلين بالزراعة. وتشهد الأسر التي تعمل في الزراعة - سواء في زراعة المحاصيل وتربية الماشية - أعلى معدلات الفقر بين الأسر المصنفة حسب سبل العيش الرئيسية في السودان. وبما أن هذه الأسر تشكل الجزء الأكبر من مجموع السكان، فإن فهم سبب بقاء هذه الأسر فقيرة….تميل المناطق الريفية إلى أن تكون فجوة الفقر فيها أعلى، وهي النسبة التي ينخفض بها متوسط مستوى الرفاهية عن خط الفقر، مما يعكس ارتفاع حدة الفقر في المناطق الريفية…وداخل المناطق الريفية في السودان، ترتفع معدلات الفقر بشكل خاص لدى المشتغلين بزراعة المحاصيل مقارنةً بالمشتغلين بتربية الحيوانات.الفقر والإفقار يتبدى لنا بكونه ازداد على مستوى واسع مما عليه قبل الحرب وازداد أيضا من ناحية سرعته و المؤشرات الاقتصادية بعد اندلاع الحرب واستمرارها الي أكثر من ٢٠ شهرا (التضخم وسعر الصرف و النمو الاقتصادي الخ) إلى إشكالية الفقر والإفقار و التي تزداد أكثر قتامة أثرا اجتماعيا و طيبقيا على كل القطاعات المنتجة و الخدمية.
إشكاليات التمويل في القطاع الزراعي {٧}
و تعدد تمظهرات السياسات النيوليبرالية وانعكاساتها السالبة بامتياز على القطاعات المنتجة و بخاصة القطاع الزراعي و من هذه التمظهرات إشكالية التمويل الزراعي . واجه القطاع الزراعي تحديات مالية حرجة، حيث تم تخصيص %1 فقط من إجمالي التمويل لـ %65 من المنتجين الذين هم من صغار الملاك التقليديين، مما جعلهم أقل الجهات الفاعلة ربحية في سلاسل القيمة الغذائية الزراعية. ومن ناحية أخرى، ذهب %70 من التمويل المتاح إلى كبار التجار (منظمة الأغذية والزراعة 2020). وحدّ هذا التفاوت المالي بشدة من قدرة أصحاب الحيازات الصغيرة على النمو والابتكار. بالإضافة إلى ذلك، كان الحصول على المدخلات الزراعية المحسّنة منخفضًا بشكل مثير للقلق: إذ لم يحصل سوى 11.5 في المائة من المزارعين على بذور محسّنة و26 في المائة منهم فقط على لقاحات للحيوانات.ومن المؤشرات الأخرى التفاوت في العائد على الاستثمار بين أصحاب المصلحة في سلسلة القيمة الغذائية الزراعية في شرق دارفور. و علي سبيل المثال فبينما حقق صغار مزارعي الفول السوداني عائد استثمار بنسبة %7، وحقق التجار عائد استثمار بنسبة %29، بينما حقق المصدرون عائد استثمار بنسبة %110.((https://shorturl.at/vAspC(Gussai H. Sheikheldin and Muzan Alneel
منذ عقدين او اكثر و اضافة الي خصخصة ضربت مشروع الجزيرة في مقتل ظلت الدولة وعبر وزارة المالية و المؤسسات المالية و البنكية تجفف من تمويلها و بما فيهم وزير المالية الحالي- جبريل إبراهيم- له موقفه الواضح والمعلن تجاه المشروع والمتمثل في رفضه لتسهيل أي عملية تمويل إنتاجية خاصة بالمشروع (https://www.medameek.com/?p=135340).كشفت إدارة مشروع الجزيرة، عن رهن أصول المشروع بنحو ٧٥ مليار جنيه للبنك الزراعي لزراعة ٣٠٠ ألف فدان بمحصول القمح، في وقت طالبت فيه بتوفير الوقود اللازم لمكون الري لإنجاح الموسم الزراعي قبيل الحرب. وعزت دخول الإدارة في توفير التمويل لرفع وزارة مالية سلطة الأمر الواقع يدها عن التمويل، وكذلك الشركات
( https://www.medameek.com/?p=134929)
نواصل
tarig.b.elamin@gmail.com
مقدمه اولي{١}
آخذين في الاعتبار بكون الحرب التي اشتعلت منذ ١٥ ابريل ٢٠٢٣ هي بالتعقيد بمكان في التناول النظري و الواقع السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي. بكونها الأوسع انتشارا جغرافيا والأكثر تأثيرا في حياة ملايين السودانيين في الريف و المدن و الأكثر استخداما ل الاسلحة الفتاكة و الحديثة و الاكثر تدميرا للبنية الاقتصادية و التحتية. و الاهم و الاكثر إفصاحا ايديولوجيا لازمة التشكيلة الاجتماعية الطبقية الحاكمة- بخاصة في تمرحلها بقيادة الفئة الطفيلية للراسمالية- منذ الاستقلال في التاريخ الحديث للسودان ، الأكثر تداخلا ما بين المحلي و الإقليمي و العالمي و بكونها في المبتدي و المنتهي المحاولات الأخيرة لاغتيال ثورة 19 ديسمبر.
هنا نود أن نغوص في مظهر من مظاهرها العديدة و هو حالة النزوح والتهجير القسري لملايين من السودانيين والسودانيات و بالتحديد في مناطق يقطنها الآلاف من المزارعين (نعني اكثر متوسطي وصغار المزارعين والعمال الزراعيين) كما في في ولايتي الجزيرة وغرب دارفور نموذجا.السؤال هنا :هل هناك أبعاد استراتيجية(غير معلنة) لاجبار آلاف المزارعين للنزوح الداخلي نحو مناطق أخرى غير مناطقهم او دول مجاورة و اين مصالح الرأسمالية الطفيلية و تداخلها مع مصالح رأس المال(الأجنبي) والمؤسسات المعولمة التي تمثل مصالح الامبريالية في مركزها التقليدي في أمريكا وغرب أوروبا وفي الامبريالية الجديدة في الخليج وما حوله.وبمعنى أكثر وضوحا لا نعاين كون هذا النزوح القسري بكونه (فقط) أثر ثانوي او جانبي للحرب(collateral effect of war) بغرض حفظ النفس و الحياة في مناطق أخرى آمنة تكفل الحد الأدنى بحفظ حق الحياة. نحن هنا بصدد معاينة الاقتصاد السياسي ل الاستلاب أي استلاب صغار المزارعين و العمال الزراعيين من أرضهم و مدى احتماليته في التحقق أثناء الحرب وما بعدها.
خلاصة القول{٢}
خلاصة القول في هذا المقال:أنه في السياق التاريخي للسياسات النيوليبرالية منذ بدايات الثمانينيات وبتحليل للتناقضات الاجتماعية الطبقية و التي تلعب فيها السلطة الحاكمة دورا جوهريا في غلبة مصالح رأس المال الطفيلي و المعولم على حساب مصالح العمل و قواه المنتجة - بالتحديد - فيما يعنينا هنا- صغار ومتوسطي المزارعين أصحاب الحيازات الصغيرة والمتوسطة ، العمال الزراعيين و المعدمين في( ولايتي)الجزيرة وغرب دارفور-وفي مرحلة أخرى من عملية الاستحواذ على الارض الخصبة(second stage of land grabbing)-و التي كانت منطقة الجزيرة جزء منها و التي تقدر مساحتها الكلية ما يقارب ال ٥ مليون هكتار من الأراضي الممنوحة بعقد إيجار يتراوح ما بين ٢٥ إلى ٩٩ عاما- فان الحرب وما بعدها يشير الى ان انه من المحتمل جدا أن يتم تحويل منطقة مشروع الجزيرة والمناقل إلى حيازات ذات مساحات اكبر او واسعة النطاق بدلا من الحيازات الصغيرة و (الحواشات) أي زيادة تركيز ملكية الأرض لصالح مصالح الرأسمالية المحلية و المعولمة (في القلب منها رأس المال الخليجي(الإمارات والسعودية الخ).و من غير الوارد أعمال عملية استبدال سكاني بالمفهوم الليبرالي و التحليل الثقافوي. او انه ليس الهدف الاستراتيجي ورا التهجير و النزوح القسري(أي استبدال مجموعة ثقافية بأخرى و كفي).و باستدعاء تاريخ تداخل بالبنك الدولي ومشروع الجزيرة والأزمة المتمظهرة على مستوى عالمي منذ ٢٠٠٨ في أزمة الغذاء و الطلب العالمي للمنتجات الغذائية.ما قد يتم هو تحويل اصحاب (الحواشات و الي عمال تستغلهم الشركات المعولمة و المحلية و التي تستهدف القيام باستثمارات كثيفة رأس المال والتكنولوجيا، و هكذا منطق التحليل في مقالنا والذي ننشره في عدة أجزاء(و على أن ينشر في موقع الحوار المتمدن بكامل المقال لاحقا).
مقدمة اخرى {٣}
و لأنها تجربة تبدو انها (جديدة ولكن اذا ما استدعينا تاريخ التراكم الرأسمالي ابان الحكم الكولونيالي ١٩٩٨-١٩٥٦ فإنها ليست بجديدة) في تاريخنا السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي فإننا هنا سوف نعكس لبعض التجارب و التي قد تتقارب و واقعنا و لكي نتدارس في احتمالية هذا الانتزاع من الأرض.و بالتحديد نتدارس حول التجربة الكولومبية و الباكستانية و التركيه و الاثيوبية و علاقات راس المال الاجنبي(الشركات المتعدية الجنسية ) و العلاقة بين انتزاع صغار المزارعين و المعدمين من أراضيهم و زيادة تركيز ملكية الأرض في أيدي قلة من الرأسماليين سواء علي المستوي المحلي او الاجنبي . و سوف نتدارس أيضا حول هذا النزوح و الانتزاع و التداخل الأيديولوجي و النظري للبنك الدولي بكونه يلعب مثلث ثلاثي الابعاد فهو يمثل ايديولوجيا النيوليبرالية و بكونه يتداخل في التأثير في صنع القرارات السياسية و الاقتصادية المعنية بإدارة الاقتصاد الوطني وخاصة المتعلقة بالقطاع الزراعي و ثالثا بكونه يستدعي جلب الشركات المتعديه الجنسيه (رأس المال الأجنبي).
و منطق التحليل الملموس لواقع النزوح القسري الملموس في ظل هذه الحرب يسري وفق أقسام محددة هي - و بشيء من التحديد الأولي - اولا: عرضًا تاريخيًا موجزًا لسياق عملية التهجير ونزع الملكية والتراكم منذ الحقبة الاستعمارية و ما بعد الاستقلال.ثانيا :العلاقة بين النزوح وزيادة تركيز ممتلكات الأراضي. كما يناقش تطور وتوطيد اقتصاد المضاربة الريعي الذي أصبح سمة مميزة للاقتصاد السياسي الريفي.و اخيرا نتدارس نقد الأطروحات الأيديولوجية السائدة في تفسير هذا النزوح القسري . ما يهم هنا لا التفسير فقط بل القراءة الملموسة بهدف التفسر الملموس المحدد والتغيير عبر المقاومة الاجتماعية السياسية وفق منطق التناقض الاجتماعي الطبقي في جوهره التاريخي المحدد.
تنويعات النزوح القسري{٤}
على المستوى النظري
تعدد المفاهيم النظرية و التي تحاول أن تلامس نظريا نوعي النزوح(النزوح الطوعي و النزوح القسري) وهنا نبدو معنيين في هذا المقال بالنوع الثاني وهو النزوح او التهجير القسري و الذي بدوره تعددت مفاهيمه النظرية.في مبحث نقدي لتحديد أنواع النزوح والتهجير القسري تشير دراسة حديثة( المرجع هنا) إلى ضرورة نظرية معرفية لتمييز نوع اخر من انواع النزوح القسري وهو انتزاع الأرض لمصالح الطبقة الاجتماعية الحاكمة في البلد المحدد و في صالح ايضا راس المال المعولم(بسبق الاصرار والترصد الايدولوجي).من هذه الأنواع و التي تعددها الدراسة : النوع الأول من التهجير القسري هو التهجير او النزوح الناجم عن الكوارث الطبيعية من مثل الزلازل والانفجارات البركانية والانهيارات الأرضية والتسونامي والفيضانات والحرائق الهائلة والجفاف والتصحر…الخ.ففي العقود الأخيرة - في الثمانينات - شهد السودان - وعلى مستوى العالم هناك العديد من هذا النوع نقلته شبكات الإعلام - بعض من هذا النزوح بسبب من الجفاف و التصحر في دارفور.والنوع الثاني هو النزوح والتهجير بسبب من العنف و الحرب و الأمثلة هنا تعدد في تاريخنا القريب -مثالا معسكرات زمزم و السلام و ابوشوك . و بسبب من الحرب والاقتتال السياسي في دارفور منذ بدايات ٢٠٠٠ و راهنا في العديد من المدن والولايات(الخرطوم والجزيرة و وولايات دارفور و النوع الثالث يشار له النزوح او التهجير بزعم انتزاع الأرض من السكان المحليين بغرض بناء مشاريع تنموية وبنية تحتية( السدود و المطارات والطرق الخ) و مثال له ما تم من تهجير لسكان مدينة حلفا القديمة (جراء بناء السد العالي) ، سد مروي..والنوع الأخير هو التهجير والنزوح القسري جراء انتزاع الارض - عبر آليات الدولة القمعية و( التشريع القانوني(و التشريع القانوني للدولة في حد ذاته يعتبر من آليات الدولة القمعية)) و ايضا في مرحلة محددة قد تكون الحرب احدي الخيارات كالية أخري- من أصحابها على نطاق واسع بغرض ما يعرف الاستحواذ على الأرض( land grabbing) بغرض قيام مشاريع زراعية واسعة النطاق.
هذا التصنيف الثلاثي او الانواع الثلاثه الاولي من النزوح والتهجير القسري لا يأخذ في الاعتبار و التحليل الصراعات الاجتماعية والسياسية على الموارد والأراضي التي غالباً ما تكون جوهرية و حيوية لفهم القصص(السياسية) الكامنة وراء النزوح القسري. يظهر النزوح كشيء عرضي(الأضرار الجانبية) للحرب أو تغير المناخ. ومن بين هذه الأنواع الثلاثة، فإن نوع التنمية هو الوحيد الذي يستحضر فكرة النزوح كفعل متعمد لنزع الملكية. ومع ذلك، فإن كلمة ”التنمية“ توحي بالتبرير للحداثة و التحديث؛ حيث يظهر النازحون على أنهم ”أضرار جانبية“ ل ”التقدم“ الاجتماعي والاقتصادي.من المهم أن ندرك أن بعض عمليات الاستيلاء على الأراضي هي تعكس (انتهازية) تستغل النزوح الناتج عن الحرب.
تتريخه الأرض و استلابها السودان {٥}
تتعدد الأسباب - وفق الأدب المعرفي المعني بالاقتصاد السياسي للحروب الأهلية- و التي تقود إلى الاقتتال السياسي داخل الدولة و من هذه الأسباب الصراع الاجتماعي السياسي ل الاستحواذ على الموارد و من هذه الموارد الاجتماعيه و الاقتصاديه الأرض. كانت الأرض واحدة من القضايا المركزية التي ساهمت في الحروب الأهلية الأخيرة في السودان، وهي عامل أساسي أيضا في إنجاح أو إفشال اتفاقيات السلام المحددة. كانت الأرض محورية في سياسات التنمية في الزمن الكولونيالي وما بعد 1956، وتغيرت تشريعات الحصول على الأراضي وحقوق الأراضي مع تغير سياسة التنمية و التي تتشكل وفق أيديولوجية السلطة الحاكمة.تم تغيير قوانين الاراضي بهذا الشكل أو ذاك على مدى سنوات منها( ١٩٢٥ و ١٩٧٠ و١٩٧٤و ١٩٨٤ و١٩٩٠)وبالتالي كان لأفراد المجتمع المحلي داخل الدار حقوق أساسية أو مهيمنة في استخدام الأرض. غير أن حقوق الدار كانت تستوعب الحقوق الثانوية لمن هم خارج المجتمع المحلي في الحصول على حقوق محدودة في استخدام الأراضي على أساس عرضي أو موسمي.
بالتوازي مع تجاوز الحقوق العرفية في الأراضي و إلغاء الإدارة الأهلية في عام 1971، تم إزالة تلك المؤسسات التي كانت الأبرز في تنظيم وإدارة القوانين العرفية للوصول إلى الأراضي واستخدامها.
بقيام بعض من المشروعات الزراعية الآلية و التوسع فيها ازدادت الحاجة إلى قوة عاملة (مهاجرة) كبيرة، وقد تم توفيرها في المقام الأول من قبل صغار المزارعين الذين جردوا من أراضيهم والرعاة الفقراء الذين وجدوا أن وصولهم الموسمي إلى الأراضي مقيدًا أكثر من أي وقت مضى (دوفيلد 1992: 50-1): وهو ما أدى إلى مزيد من اغتراب سكان الريف عن الأرض التي يعيشون عليها. في جبال النوبة ”أدى نمو الزراعة الآلية إلى تحطيم جدوى زراعة أصحاب الحيازات الصغيرة من النوبة. كما أنه دمر العلاقات الودية مع الرعاة العرب.
وفقا لدوفيلد لم تكن الشعوب المتاخمة مباشرة لجنوب السودان هي وحدها التي تأثرت بالتغييرات في تشريعات الأراضي. فقد كانت السياسة الاستعمارية في منطقة القضارف في شرق السودان تنظم العلاقات بين رعاة سافانا البوتانا ومزارعي السهل الطيني الجنوبي عن طريق إنشاء خط (رعي) بين البطانة والسهل، حيث كانت الزراعة على نطاق واسع محظورة شمال الخط، بينما لم يكن مسموحاً للرعاة بالتحرك جنوباً حتى انتهاء موسم حصاد الحبوب، حيث كانوا يرعون حيواناتهم على القش و يحرثون الحقول في المقابل. وانهارت هذه الترتيبات مع التغييرات التي طرأت على التشريعات في السبعينيات، حيث تم توزيع الأراضي الزراعية على الأفراد الأغنياء والشركات الكبرى والمستثمرين الأجانب، وتوسعت الزراعة على نطاق واسع شمال وجنوب خط الرعي على حد سواء.
و تلعب الأرض دور أساسي في الحرب بخاصة في دارفور،بفعل العامل الطبيعي مثل الانخفاض الحاد في هطول الأمطار في شمال دارفور في السبعينات مما أدى لنزوح قسري للرعاة إلى الحزام الزراعي الأوسط، ومع تقليص كل من مناطق الزراعة المفتوحة والمراعي داخل الحزام الزراعي الأوسط من خلال التوسع في المشاريع الزراعية الآلية وفي الثمانينيات بدأت بعض المجموعات الرعوية النازحة في المطالبة الدائمة بالأراضي التي مُنحت لهم مؤقتًا، وعبر الاتكاء على نيران الاسلحة نحو استحوذ الرعاة على أراضي الملاك المزارعين من أراضيهم وأنشأوا لأنفسهم أوطانًا جديدة بحكم الأمر الواقع و و هذه تسمى عملية تحويل الحقوق الثانوية بالقوة إلى حقوق مهيمنة Ethnic Territories & National Development Decolonising the Borders in Sudan
,Douglas H. Johnson .الوصول إلى الأراضي هو مفتاح سبل العيش لجميع المجتمعات المحلية في دارفور، والحصول على الأراضي الزراعية هو أحد الأسباب الجذرية للنزاع ولا يزال أحد الأسباب الجذرية للنزاع. النتائج المستخلصة من الدراسات الثماني في دارفور التي أجريت في إطار صندوق بناء السلام صندوق بناء السلام في السودان في الفترة 2020-2021 أن %81 من النازحين داخلياً غير قادرين على الوصول إلى أراضيهم الزراعية في أماكنهم الأصلية.(https://shorturl.at/LLCAG)
المزارعين و العمال و زيادة الفوارق الاجتماعية{٦}
وبين سبعينيات وتسعينيات القرن العشرين، ازداد التفاوت في الثروة: فقد ازدادت حصة أغنى 20 في المائة من السكان من 50 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي إلى أكثر من 75 في المائة، في حين انخفضت حصة أفقر 50 في المائة من السكان من 20 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي إلى 7 في المائة فقط . وظل معدل البطالة ثابتًا (بين 13 في المائة و15 في المائة) على الرغم من التقلبات في نمو الناتج المحلي الإجمالي بين عامي 1991 و 2016 و ما بعدها
وعلى الرغم من صدور أكثر من 12 خطة استراتيجية في العقود التالية تهدف إلى تعزيز إدارة الموارد الزراعية، إلا أن عدم كفاية الاستثمار في البحث والتطوير، الذي كان باستمرار أقل من 1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للقطاع، أعاق التقدم. ويبقى هذا النقص في الابتكار والممارسات المستدامة عائقاً كبيراً أمام التنمية.
و من التغيرات البنيوية العميقة الاثر و التي أحدثتها سياسات النيوليبرالية ندلف لمعاينة صوره كلية في ازدياد الفوارق الاجتماعية والطبقية.حسب دراسة صدرت في أغسطس ٢٠٢٣ (WORKING PAPER STRATEGY SUPPORT PROGRAM | WORKING PAPER 12): سيتقلص الاقتصاد إلى نصف حجمه تقريبًا قبل الحرب، وينخفض دخل الأسر بأكثر من %40 في المناطق الحضرية والريفية، ويزداد عدد الفقراء بمقدار 1.8 مليون شخص إذا استمرت الحرب استمرت حتى نهاية العام. كان التأثير سيكون أقل بنسبة الثلثين لو كانت الحرب قد قبل يوليو 2023، وكان سيقل بمقدار الثلث إذا انتهت الحرب قبل أكتوبر 2023.السياسات النيوليبرالية منذ التسعينيات كانت لها أثر سلبي متعاظم في فضاءات الريف السوداني أكثر مما خلفته من فقر حاد في الحضر.و حسب ورقة (مجموعة البنك الدولي يونيو٢٠٢٠) معنونة :( Agricultural Productivity and Poverty in Rural Sudan).تخلص إلى أن:في حين أن الزراعة لا تزال الركيزة لشريحة كبيرة من السكان في السودان، شهد الفقر في المناطق الريفية انخفاضاً كبيراً (بين عامي 2009 و2014/2015)، إلا أن الفقر لا يزال مرتفعاً نسبياً بين المشتغلين بالزراعة. وتشهد الأسر التي تعمل في الزراعة - سواء في زراعة المحاصيل وتربية الماشية - أعلى معدلات الفقر بين الأسر المصنفة حسب سبل العيش الرئيسية في السودان. وبما أن هذه الأسر تشكل الجزء الأكبر من مجموع السكان، فإن فهم سبب بقاء هذه الأسر فقيرة….تميل المناطق الريفية إلى أن تكون فجوة الفقر فيها أعلى، وهي النسبة التي ينخفض بها متوسط مستوى الرفاهية عن خط الفقر، مما يعكس ارتفاع حدة الفقر في المناطق الريفية…وداخل المناطق الريفية في السودان، ترتفع معدلات الفقر بشكل خاص لدى المشتغلين بزراعة المحاصيل مقارنةً بالمشتغلين بتربية الحيوانات.الفقر والإفقار يتبدى لنا بكونه ازداد على مستوى واسع مما عليه قبل الحرب وازداد أيضا من ناحية سرعته و المؤشرات الاقتصادية بعد اندلاع الحرب واستمرارها الي أكثر من ٢٠ شهرا (التضخم وسعر الصرف و النمو الاقتصادي الخ) إلى إشكالية الفقر والإفقار و التي تزداد أكثر قتامة أثرا اجتماعيا و طيبقيا على كل القطاعات المنتجة و الخدمية.
إشكاليات التمويل في القطاع الزراعي {٧}
و تعدد تمظهرات السياسات النيوليبرالية وانعكاساتها السالبة بامتياز على القطاعات المنتجة و بخاصة القطاع الزراعي و من هذه التمظهرات إشكالية التمويل الزراعي . واجه القطاع الزراعي تحديات مالية حرجة، حيث تم تخصيص %1 فقط من إجمالي التمويل لـ %65 من المنتجين الذين هم من صغار الملاك التقليديين، مما جعلهم أقل الجهات الفاعلة ربحية في سلاسل القيمة الغذائية الزراعية. ومن ناحية أخرى، ذهب %70 من التمويل المتاح إلى كبار التجار (منظمة الأغذية والزراعة 2020). وحدّ هذا التفاوت المالي بشدة من قدرة أصحاب الحيازات الصغيرة على النمو والابتكار. بالإضافة إلى ذلك، كان الحصول على المدخلات الزراعية المحسّنة منخفضًا بشكل مثير للقلق: إذ لم يحصل سوى 11.5 في المائة من المزارعين على بذور محسّنة و26 في المائة منهم فقط على لقاحات للحيوانات.ومن المؤشرات الأخرى التفاوت في العائد على الاستثمار بين أصحاب المصلحة في سلسلة القيمة الغذائية الزراعية في شرق دارفور. و علي سبيل المثال فبينما حقق صغار مزارعي الفول السوداني عائد استثمار بنسبة %7، وحقق التجار عائد استثمار بنسبة %29، بينما حقق المصدرون عائد استثمار بنسبة %110.((https://shorturl.at/vAspC(Gussai H. Sheikheldin and Muzan Alneel
منذ عقدين او اكثر و اضافة الي خصخصة ضربت مشروع الجزيرة في مقتل ظلت الدولة وعبر وزارة المالية و المؤسسات المالية و البنكية تجفف من تمويلها و بما فيهم وزير المالية الحالي- جبريل إبراهيم- له موقفه الواضح والمعلن تجاه المشروع والمتمثل في رفضه لتسهيل أي عملية تمويل إنتاجية خاصة بالمشروع (https://www.medameek.com/?p=135340).كشفت إدارة مشروع الجزيرة، عن رهن أصول المشروع بنحو ٧٥ مليار جنيه للبنك الزراعي لزراعة ٣٠٠ ألف فدان بمحصول القمح، في وقت طالبت فيه بتوفير الوقود اللازم لمكون الري لإنجاح الموسم الزراعي قبيل الحرب. وعزت دخول الإدارة في توفير التمويل لرفع وزارة مالية سلطة الأمر الواقع يدها عن التمويل، وكذلك الشركات
( https://www.medameek.com/?p=134929)
نواصل
tarig.b.elamin@gmail.com