في الاقتصاد السياسي لاستلاب المزارعين ما وراء (التنزيح) في الجزيرة (٢-٣)
طارق بشري (شبين)
15 January, 2025
15 January, 2025
طارق بشري(شبين)
الحرب والانتاج الزراعي و المنتجين{٨}
الحرب التي واجهها مشروع الجزيرة ودوره في النمو الاقتصادي والتنمية تعددت من حروب على مستوى السياسات الحكومية و ليدخل المشروع و منطقته الي مرحلة اخري تتخذ من الرصاص و ارهاب المنتجين و بل حرب على بنيته المعرفية و العلمية .التدمير الممنهج من قبل قوات الدعم السريع لكل مراكز البحوث الزراعية بالسودان (مركز بحوث شمبات، مركز بحوث الجزيرة) إضافة إلى إتلاف مستودعات الأصول الوراثية للعديد من الأصناف السودانية الخالصة خاصة الحبوب الغذائية. وبسبب الحرب تراجع في الإنتاج، إذ تناقصت المساحات من 70 مليون فدان إلى 36 مليونا على مستوى السودان.تقدر منظمة الفاو أن أكثر من 1.8 مليون أسرة سودانية تعمل في الزراعة والرعي، أي نحو 9 ملايين شخص......و كذلك تسببت في تدمير أنظمة الري والقنوات ومخازن الحبوب للتدمير، و نقص المدخلات الزراعية بسبب صعوبة الحصول على البذور والأسمدة والمبيدات الحشرية بسبب انقطاع سلاسل الإمداد وارتفاع أسعارها.(( الجزيرة نت 17/10/2024) https://shorturl.at/5yicE))
ووفق بيان عن تحالف مزارعي الجزيرة والمناقل(اغسطس ٢٠٢٤ https://shorturl.at/jUiMD ) يعد مشروع الجزيرة أحد أكبر المشاريع الزراعية في العالم، حيث يروي ملايين الأفدنة ويقدم خدمات لأكثر من 4.5 مليون نسمة. النساء يمثلن 35% من المزارعين ويقمن بأكثر من 80% من العمل الزراعي. هذا المشروع، الذي يساهم بأكثر من 65% من الدخل القومي السوداني، أصبح عاجزًا عن القيام بدوره بسبب التدمير والنهب المستمرين في مشروع الجزيرة.ويضم المشروع أكثر من 3 ملايين ونصف مليون نسمة يقيمون فيه بشكل مستقر، وجميعهم من المزارعين والعمال الزراعيين الدائمين والموسميين وعمال المؤسسات الخدمية.وكان يسهم حتى العام 2023 بنحو 65 بالمئة من إنتاج السودان من القطن، ونسبة كبيرة من إنتاج القمح والذرة والفول السوداني والقمح والخضراوات والأعلاف وزهرة الشمس بالإضافة إلى الإنتاج الحيواني(الجزيرة نت 17/10/2024).أدى القتال إلى نزوح حوالي 11 مليون شخص من سكان البلاد الذين يبلغ عددهم 48 مليون نسمة، مع إجبار الكثيرين على اللجوء إلى الدول المجاورة، وفقاً للأمم المتحدة.
تمرحلات سوق العمل السوداني و الرأسمالية النيوليبرالية{٩}
في دراسة ل جاي أوبراين (By ROPE -September 28, 2020)( The formation of the agricultural labour force in Sudan) تتخذ من علاقة الرأسمالية والحكم الكولونيالي البريطاني للسودان و تمرحلات تاريخ سوق العمل وفق المنطق الرأسمالي تصل الي ان هناك ٤ مراحل لهذا السوق و هي:
المرحلة 1: 1898-1925: هيمنت الأهداف الاستراتيجية البريطانية في احتلال السودان على السياسة في جميع المجالات. اقتصرت التنمية الزراعية على تجارب صغيرة النطاق في زراعة القطن، وكانت الحكومة تشرف عليها بصرامة. وخوفاً من تجدد الانتفاضات القومية، تم تقييد استخدام الضرائب وغيرها من الأساليب الاستعمارية التقليدية لتحفيز إمدادات العمالة بشدة.
المرحلة 2: 1925-1950: هيمن ضمان توفير إمدادات آمنة من العمالة الموسمية لمخطط الجزيرة الذي افتتح عام 1925، وعدد قليل من مزارع القطن الخاصة المروية بالمضخات التي افتتحت لاحقاً، على جميع سياسات العمل وتم تقييد جميع أشكال التنمية الاقتصادية الأخرى تقريباً. وقد شجع البريطانيون توطين أعداد كبيرة من المهاجرين المسلمين من غرب إفريقيا في منطقة الجزيرة وما حولها كمصدر للعمالة الزراعية. تتوافق هذه المرحلة مع فترة الامتياز الممنوحة للشركة الزراعية (SPS)، وهي شركة بريطانية، لإدارة مشروع الجزيرة.
المرحلة الثالثة: 1950-1975: بدأت هذه الفترة بتأميم وسودنة مشروع الجزيرة و توسعت سريعاً الزراعة الرأسمالية الالية، المروية على حد سواء، بما في ذلك بدايات الاستثمار السوداني الخاص واسع النطاق في الزراعة. وقد تحقق التوسع المقابل في القوى العاملة الموسمية من خلال نظام متقن للتوظيف، وأدى إلى تكوين قوة عاملة مقسمة إلى حد كبير إلى أسواق متميزة تقريباً لمختلف المهام الزراعية.
المرحلة 4: 1975 إلى الوقت الحاضر: بدأت الأزمة الاقتصادية المتفاقمة المصحوبة بتسارع التضخم ابتداءً من عام 1973 في إحداث آثار ملحوظة على أسواق العمل الزراعي و بعام 1975 بدأت معدلات الأجور في الارتفاع الحاد مما قاد لانهيار نظام التوظيف بين قطاعات سوق العمل.
وقد تعنينا المرحلة الاخيرة و التي وفقا له بدا من 1975 ة بدايات تبني نظام نميري سياسات التحرير الاقتصادي وإعادة الهيكلة و التي فيما بعد بدا من التسعينيات (نظام الانقاذ) قطع فيها شوطا بأسلوب الصدمة
ارتينا العديد من آثارها على مؤشرات الاقتصاد الكلي ة التنمية والتي من ضمنها التأثيرات السالبة بحدة على سوق العمل في التوظيف الرسمي وغير الرسمي.و نزعم ان جاز لنا القول بكوننا قبيل الحرب وما بعدها ندخل في مرحلة خامسة من تمرحل سوق العمل والتي قد تشهد تحويل الآلاف من صغار المزارعين والمنتجين إلى عمال بالأجر يعملون غالبا لأصحاب المزارع الرأسمالية واسعة النطاق المحتملة ة في موجة جديدة من الاستحواذ على الأرض (second stage of land grabbing)ة لهذا علاقة جدلية بما يجري من نزوح قسري.ة لهذا شكل جديد من عملية التراكم الرأسمالي ة تعميق تبعية الاقتصاد الوطني أكثر للمراكز الرأسمالية إقليميا وعالميا.
والتكلفة الاقتصادية للحرب تزداد مع استمرار الحرب وإلى الحد الذي قد يفلس فيها الاقتصاد أو يصل مرحلة متقدمة نحو ذلك و الذي تديره حكومة الأمر الواقع و تصريحات وزير ماليتها جبريل ابراهيم الأخيرة(٣١ ديسمبر ٢٠٢٤. https://www.sudanindependent.com) في لقائه مع الصحافة والذي أشار فيه ضمن ما أدلى به تجاه حكومته إلى بيع( أصول الدولة) و هنا لا يستبعد أن تؤجر لعقود طويلة بعض من مشاريع زراعية و مزيد من الأراضي الزراعية الخصبة لرأس المال الأجنبي.
مقاربة 3 تجارب دولية {١٠}
سوف ندلف هنا إلى عكس بعض التجارب الدولية و التي تبدو لنا اكثر مقاربة لمسالة النزوح القسري للمزارعين مما تعنيه من بعد في مآلات الصراع الاجتماعي الطبقي - عبر الية الحرب والعنف - من تركيز ملكية الأرض بيد رأس المال المحلي والأجنبي.تبدو التجربة الكولومبية هي الأكثر توافر تنظيرا و الأقرب لنا في السودان بكونها يتداخل فيها دور الدولة (النيوليبرالية) و جيشها والميليشيات المتعاونة معها و مع الدور البارز لرأس المال الأجنبي في الاستحواذ على تلك الأراضي المنزوعة من أصحابها من صغار المزارعين.ايضا سوف نعكس بعض من تجارب باكستان وتركيا على سبيل المثال لا الحصر.
كان الصراع على ملكية الأراضي بين القوى الاجتماعية سواء بزيادة أو تقليل الحيازات الاحتكارية سمة بارزة في تاريخ أمريكا اللاتينية و بل كانت سببا ضمن اسباب أخرى للحروب الداخلية. وفي كولومبيا، نجحت النخبة المالكة للأرض في التغلب على جميع محاولات كسر احتكارها. في أواخر القرن التاسع عشر، واجهت النخبة التجارية الحضرية في كولومبيا التحدي بمفردها، ولكن في العقود الأولى من القرن العشرين، شكلت النخبة التجارية الحضرية في كولومبيا تحالفًا مع البرجوازية الصناعية و التجارية الناشئة. ولم ينقطع احتكار ملكية الأراضي تقريبًا حتى القرن 21. وكانت إحدى النتائج الأكثر ديمومة لتركيز ملكية الأراضي هي خلق واحدة من أكثر النتائج انحرافًا في توزيع الثروة في العالم.
في كولومبيا، وفقًا الاقتصادي الفرنسي توماس بيكيتي، بلغت حصة الشريحة العليا % 20 من الدخل القومي خلال الفترة 1990-2010. علاوة على ذلك، يؤكد بيكيتي أن مستويات عدم المساواة في كولومبيا أعلى من تلك التي شهدتها الولايات المتحدة للفترة نفسها إذا ما تم خصم المكاسب الرأسمالية.ما يفسر هذا التركز العالي للثروة هو أن 11,000 من ملاك الأراضي في كولومبيا نجحوا في تجميع %67 من الأراضي الأكثر خصوبة، بينما ذهبت الـ %38 المتبقية من الأراضي إلى نحو 11 مليون شخص. نشأ هذا التراكم في حيازات الأراضي من قبل نخبة صغيرة من خلال نزع الملكية والتهجير القسري للملايين، وهي عملية تاريخية ظلت مستمرة إبان الحقبة الاستعمارية وما بعد الاستعمار الاسباني.مع استمرار الطبقة الاجتماعية الحاكمة في توسيع احتكارها للأراضي كان هناك دور متزايد أيضا إلى الشركات عابرة القومية وكبار المضاربين والصناديق السيادية والمؤسسات المالية.كولومبيا هي البلد الأكثر تفاوتاً في أمريكا اللاتينية في الحصول على الأراضي. وقد ارتفع مؤشر جيني منذ عام 1984 وبلغ 0,897 في عام 2014. زادت مساحة العقارات التي تزيد مساحتها عن 500 هكتار بنسبة 940% بين عامي 1970 و2014. وتضاعفت هذه المساحة بين عامي 2002 و2014 عندما بلغت 47'201.700 هكتار (أوكسفام، 2017).هذه الظاهرة هي نتيجة للنزاع المسلح الذي جرد الفلاحين من 6 ملايين هكتار من الهكتارات وأدى إلى نزوح 10% من إجمالي السكان في كولومبيا. بالإضافة إلى ذلك، أثر العنف على عدم المساواة الشديدة في ملكية الأرض.
في عام 2013 كانت كولومبيا تحتل المرتبة الثانية بعد سوريا من حيث عدد النازحين داخليًا ، حيث بلغ عددهم ما يقرب من 6 ملايين نازح، وقد اتسمت هذه العملية التوسعية بالعنف، و ترافقت مع مجازر ومظاهر علنية من الفظائع والاغتصاب وقطع الرؤوس والإعدامات التي تهدف إلى بث الرعب في نفوس الفلاحين.
كان التوسع في تربية الماشية على نطاق واسع في مقاطعات منها بوليفار وقرطبة وسيزار ولا غواخيرا وسوكري - مدعومًا ضمنيًا من خلال سياسات حكومية مثل تسهيل الائتمان والإعانات المالية والضرائب المنخفضة على ممتلكات الأراضي والماشية.خلق منطق التوسع الرأسمالي وضخ رؤوس الأموال الجديدة طلبًا على الأراضي في سوق احتكارية غير مرنة بالفعل. أدى ذلك إلى نشوء ديناميكية صراع بين مربي الماشية وصغار الفلاحين الملاك والعمال الزراعيين.وقد اتخذت شريحة من البرجوازية الكولومبية و التي تشتغل في صناعة (المخدرات) مجال شراء الأراضي كآلية ميسورة لغسيل أموالها عبر شرا العقارات و الاراضي الزراعية.(( https://shorturl.at/TW9rQ).Columbia | Journal of International Affairs By Nazih Richani
April 20, 2015).
والتجربة الثانية و التي قد تتلامس واقع تجربتنا في السودان بعد ان اشرنا الى الملامح الجوهرية و التي عكست التجربة الكولومبية هي مبادرة باكستان الخضراء التي أطلقتها الحكومة وما تبنته من سياسات زراعية تنحاز لرأس المال الخاص والأجنبي والذي استهدف الاستحواذ على أخصب الأراضي - من تعظيم الربحية- في أقاليم باكستان والتي منها على سبيل المثال البنجاب والسند و بلوشستان و التي طرحت فيها السلطة الحاكمة ما يقدر وقتها 4.8 مليون فدان من الأراضي .وقد أدت هذه السياسة الزراعية في سبيل تأسيس المشروعات الزراعية واسعة النطاق لصالح رأس المال الخاص والأجنبي إلى تشريد آلاف الفلاحين المعدمين وصغار المزارعين بحجة التحديث الزراعي.و لكن في المقابل فقد واجه صغار المزارعين و الفلاحين المعدمين هذه السياسة - و التي اعتبروها سم قاتل للفلاحين والعمال الزراعيين وصغار المزارعين والتي استهدفت انتزاعهم قسرا من أراضيهم بالمقاومة.كما أن هذه السياسة تستجيب بشكل إيجابي لمؤسسة التمويل الدولية التابعة لمجموعة البنك الدولي والخدمة الاستشارية للاستثمار الأجنبي، اللتين كانتا مؤثرتين في تشكيل بيئة الاستثمار الزراعي في باكستان وتتماشى مع التعديلات التي يتطلبها اتفاق منظمة التجارة العالمية بشأن الزراعة….حاولت السياسة الزراعية للشركات في محاولة لتحديث القطاع الزراعي الذي يعتمد معظمه على الزراعة الأسرية القائمة على الكفاف والحيازات الصغيرة، والتي تتسم بتشكيلات اجتماعية تشمل الإقطاع وعدم امتلاك الأراضي والبنية القبلية.تقديم 7 ملايين فدان - في مرحله اخري - من الأراضي الباكستانية للمستثمرين الأجانب بموجب عقود إيجار تتراوح مدتها بين 49 و99 سنة….وكجزء من إطلاق هذه السياسة، أعلن وزير الاستثمار الاتحادي أنه سيتم إنشاء قوة أمنية قوامها 100 الف لحماية الاستثمارات.وهكذا أضعف الحرمان التاريخي لمجتمعات الفلاحين من حقوقهم في المساومة في الصراع على ملكية الأراضي، وهو ما ينعكس في أنماط ملكية الأراضي غير المتكافئة بشكل صارخ: تمتلك أغنى 4% من الأسر الريفية أكثر من نصف مجموع الأراضي المزروعة؛ و49% من الأسر الريفية لا تملك أرضًا(https://shorturl.at/UIJcG)..نواصل.
tarig.b.elamin@gmail.com
الحرب والانتاج الزراعي و المنتجين{٨}
الحرب التي واجهها مشروع الجزيرة ودوره في النمو الاقتصادي والتنمية تعددت من حروب على مستوى السياسات الحكومية و ليدخل المشروع و منطقته الي مرحلة اخري تتخذ من الرصاص و ارهاب المنتجين و بل حرب على بنيته المعرفية و العلمية .التدمير الممنهج من قبل قوات الدعم السريع لكل مراكز البحوث الزراعية بالسودان (مركز بحوث شمبات، مركز بحوث الجزيرة) إضافة إلى إتلاف مستودعات الأصول الوراثية للعديد من الأصناف السودانية الخالصة خاصة الحبوب الغذائية. وبسبب الحرب تراجع في الإنتاج، إذ تناقصت المساحات من 70 مليون فدان إلى 36 مليونا على مستوى السودان.تقدر منظمة الفاو أن أكثر من 1.8 مليون أسرة سودانية تعمل في الزراعة والرعي، أي نحو 9 ملايين شخص......و كذلك تسببت في تدمير أنظمة الري والقنوات ومخازن الحبوب للتدمير، و نقص المدخلات الزراعية بسبب صعوبة الحصول على البذور والأسمدة والمبيدات الحشرية بسبب انقطاع سلاسل الإمداد وارتفاع أسعارها.(( الجزيرة نت 17/10/2024) https://shorturl.at/5yicE))
ووفق بيان عن تحالف مزارعي الجزيرة والمناقل(اغسطس ٢٠٢٤ https://shorturl.at/jUiMD ) يعد مشروع الجزيرة أحد أكبر المشاريع الزراعية في العالم، حيث يروي ملايين الأفدنة ويقدم خدمات لأكثر من 4.5 مليون نسمة. النساء يمثلن 35% من المزارعين ويقمن بأكثر من 80% من العمل الزراعي. هذا المشروع، الذي يساهم بأكثر من 65% من الدخل القومي السوداني، أصبح عاجزًا عن القيام بدوره بسبب التدمير والنهب المستمرين في مشروع الجزيرة.ويضم المشروع أكثر من 3 ملايين ونصف مليون نسمة يقيمون فيه بشكل مستقر، وجميعهم من المزارعين والعمال الزراعيين الدائمين والموسميين وعمال المؤسسات الخدمية.وكان يسهم حتى العام 2023 بنحو 65 بالمئة من إنتاج السودان من القطن، ونسبة كبيرة من إنتاج القمح والذرة والفول السوداني والقمح والخضراوات والأعلاف وزهرة الشمس بالإضافة إلى الإنتاج الحيواني(الجزيرة نت 17/10/2024).أدى القتال إلى نزوح حوالي 11 مليون شخص من سكان البلاد الذين يبلغ عددهم 48 مليون نسمة، مع إجبار الكثيرين على اللجوء إلى الدول المجاورة، وفقاً للأمم المتحدة.
تمرحلات سوق العمل السوداني و الرأسمالية النيوليبرالية{٩}
في دراسة ل جاي أوبراين (By ROPE -September 28, 2020)( The formation of the agricultural labour force in Sudan) تتخذ من علاقة الرأسمالية والحكم الكولونيالي البريطاني للسودان و تمرحلات تاريخ سوق العمل وفق المنطق الرأسمالي تصل الي ان هناك ٤ مراحل لهذا السوق و هي:
المرحلة 1: 1898-1925: هيمنت الأهداف الاستراتيجية البريطانية في احتلال السودان على السياسة في جميع المجالات. اقتصرت التنمية الزراعية على تجارب صغيرة النطاق في زراعة القطن، وكانت الحكومة تشرف عليها بصرامة. وخوفاً من تجدد الانتفاضات القومية، تم تقييد استخدام الضرائب وغيرها من الأساليب الاستعمارية التقليدية لتحفيز إمدادات العمالة بشدة.
المرحلة 2: 1925-1950: هيمن ضمان توفير إمدادات آمنة من العمالة الموسمية لمخطط الجزيرة الذي افتتح عام 1925، وعدد قليل من مزارع القطن الخاصة المروية بالمضخات التي افتتحت لاحقاً، على جميع سياسات العمل وتم تقييد جميع أشكال التنمية الاقتصادية الأخرى تقريباً. وقد شجع البريطانيون توطين أعداد كبيرة من المهاجرين المسلمين من غرب إفريقيا في منطقة الجزيرة وما حولها كمصدر للعمالة الزراعية. تتوافق هذه المرحلة مع فترة الامتياز الممنوحة للشركة الزراعية (SPS)، وهي شركة بريطانية، لإدارة مشروع الجزيرة.
المرحلة الثالثة: 1950-1975: بدأت هذه الفترة بتأميم وسودنة مشروع الجزيرة و توسعت سريعاً الزراعة الرأسمالية الالية، المروية على حد سواء، بما في ذلك بدايات الاستثمار السوداني الخاص واسع النطاق في الزراعة. وقد تحقق التوسع المقابل في القوى العاملة الموسمية من خلال نظام متقن للتوظيف، وأدى إلى تكوين قوة عاملة مقسمة إلى حد كبير إلى أسواق متميزة تقريباً لمختلف المهام الزراعية.
المرحلة 4: 1975 إلى الوقت الحاضر: بدأت الأزمة الاقتصادية المتفاقمة المصحوبة بتسارع التضخم ابتداءً من عام 1973 في إحداث آثار ملحوظة على أسواق العمل الزراعي و بعام 1975 بدأت معدلات الأجور في الارتفاع الحاد مما قاد لانهيار نظام التوظيف بين قطاعات سوق العمل.
وقد تعنينا المرحلة الاخيرة و التي وفقا له بدا من 1975 ة بدايات تبني نظام نميري سياسات التحرير الاقتصادي وإعادة الهيكلة و التي فيما بعد بدا من التسعينيات (نظام الانقاذ) قطع فيها شوطا بأسلوب الصدمة
ارتينا العديد من آثارها على مؤشرات الاقتصاد الكلي ة التنمية والتي من ضمنها التأثيرات السالبة بحدة على سوق العمل في التوظيف الرسمي وغير الرسمي.و نزعم ان جاز لنا القول بكوننا قبيل الحرب وما بعدها ندخل في مرحلة خامسة من تمرحل سوق العمل والتي قد تشهد تحويل الآلاف من صغار المزارعين والمنتجين إلى عمال بالأجر يعملون غالبا لأصحاب المزارع الرأسمالية واسعة النطاق المحتملة ة في موجة جديدة من الاستحواذ على الأرض (second stage of land grabbing)ة لهذا علاقة جدلية بما يجري من نزوح قسري.ة لهذا شكل جديد من عملية التراكم الرأسمالي ة تعميق تبعية الاقتصاد الوطني أكثر للمراكز الرأسمالية إقليميا وعالميا.
والتكلفة الاقتصادية للحرب تزداد مع استمرار الحرب وإلى الحد الذي قد يفلس فيها الاقتصاد أو يصل مرحلة متقدمة نحو ذلك و الذي تديره حكومة الأمر الواقع و تصريحات وزير ماليتها جبريل ابراهيم الأخيرة(٣١ ديسمبر ٢٠٢٤. https://www.sudanindependent.com) في لقائه مع الصحافة والذي أشار فيه ضمن ما أدلى به تجاه حكومته إلى بيع( أصول الدولة) و هنا لا يستبعد أن تؤجر لعقود طويلة بعض من مشاريع زراعية و مزيد من الأراضي الزراعية الخصبة لرأس المال الأجنبي.
مقاربة 3 تجارب دولية {١٠}
سوف ندلف هنا إلى عكس بعض التجارب الدولية و التي تبدو لنا اكثر مقاربة لمسالة النزوح القسري للمزارعين مما تعنيه من بعد في مآلات الصراع الاجتماعي الطبقي - عبر الية الحرب والعنف - من تركيز ملكية الأرض بيد رأس المال المحلي والأجنبي.تبدو التجربة الكولومبية هي الأكثر توافر تنظيرا و الأقرب لنا في السودان بكونها يتداخل فيها دور الدولة (النيوليبرالية) و جيشها والميليشيات المتعاونة معها و مع الدور البارز لرأس المال الأجنبي في الاستحواذ على تلك الأراضي المنزوعة من أصحابها من صغار المزارعين.ايضا سوف نعكس بعض من تجارب باكستان وتركيا على سبيل المثال لا الحصر.
كان الصراع على ملكية الأراضي بين القوى الاجتماعية سواء بزيادة أو تقليل الحيازات الاحتكارية سمة بارزة في تاريخ أمريكا اللاتينية و بل كانت سببا ضمن اسباب أخرى للحروب الداخلية. وفي كولومبيا، نجحت النخبة المالكة للأرض في التغلب على جميع محاولات كسر احتكارها. في أواخر القرن التاسع عشر، واجهت النخبة التجارية الحضرية في كولومبيا التحدي بمفردها، ولكن في العقود الأولى من القرن العشرين، شكلت النخبة التجارية الحضرية في كولومبيا تحالفًا مع البرجوازية الصناعية و التجارية الناشئة. ولم ينقطع احتكار ملكية الأراضي تقريبًا حتى القرن 21. وكانت إحدى النتائج الأكثر ديمومة لتركيز ملكية الأراضي هي خلق واحدة من أكثر النتائج انحرافًا في توزيع الثروة في العالم.
في كولومبيا، وفقًا الاقتصادي الفرنسي توماس بيكيتي، بلغت حصة الشريحة العليا % 20 من الدخل القومي خلال الفترة 1990-2010. علاوة على ذلك، يؤكد بيكيتي أن مستويات عدم المساواة في كولومبيا أعلى من تلك التي شهدتها الولايات المتحدة للفترة نفسها إذا ما تم خصم المكاسب الرأسمالية.ما يفسر هذا التركز العالي للثروة هو أن 11,000 من ملاك الأراضي في كولومبيا نجحوا في تجميع %67 من الأراضي الأكثر خصوبة، بينما ذهبت الـ %38 المتبقية من الأراضي إلى نحو 11 مليون شخص. نشأ هذا التراكم في حيازات الأراضي من قبل نخبة صغيرة من خلال نزع الملكية والتهجير القسري للملايين، وهي عملية تاريخية ظلت مستمرة إبان الحقبة الاستعمارية وما بعد الاستعمار الاسباني.مع استمرار الطبقة الاجتماعية الحاكمة في توسيع احتكارها للأراضي كان هناك دور متزايد أيضا إلى الشركات عابرة القومية وكبار المضاربين والصناديق السيادية والمؤسسات المالية.كولومبيا هي البلد الأكثر تفاوتاً في أمريكا اللاتينية في الحصول على الأراضي. وقد ارتفع مؤشر جيني منذ عام 1984 وبلغ 0,897 في عام 2014. زادت مساحة العقارات التي تزيد مساحتها عن 500 هكتار بنسبة 940% بين عامي 1970 و2014. وتضاعفت هذه المساحة بين عامي 2002 و2014 عندما بلغت 47'201.700 هكتار (أوكسفام، 2017).هذه الظاهرة هي نتيجة للنزاع المسلح الذي جرد الفلاحين من 6 ملايين هكتار من الهكتارات وأدى إلى نزوح 10% من إجمالي السكان في كولومبيا. بالإضافة إلى ذلك، أثر العنف على عدم المساواة الشديدة في ملكية الأرض.
في عام 2013 كانت كولومبيا تحتل المرتبة الثانية بعد سوريا من حيث عدد النازحين داخليًا ، حيث بلغ عددهم ما يقرب من 6 ملايين نازح، وقد اتسمت هذه العملية التوسعية بالعنف، و ترافقت مع مجازر ومظاهر علنية من الفظائع والاغتصاب وقطع الرؤوس والإعدامات التي تهدف إلى بث الرعب في نفوس الفلاحين.
كان التوسع في تربية الماشية على نطاق واسع في مقاطعات منها بوليفار وقرطبة وسيزار ولا غواخيرا وسوكري - مدعومًا ضمنيًا من خلال سياسات حكومية مثل تسهيل الائتمان والإعانات المالية والضرائب المنخفضة على ممتلكات الأراضي والماشية.خلق منطق التوسع الرأسمالي وضخ رؤوس الأموال الجديدة طلبًا على الأراضي في سوق احتكارية غير مرنة بالفعل. أدى ذلك إلى نشوء ديناميكية صراع بين مربي الماشية وصغار الفلاحين الملاك والعمال الزراعيين.وقد اتخذت شريحة من البرجوازية الكولومبية و التي تشتغل في صناعة (المخدرات) مجال شراء الأراضي كآلية ميسورة لغسيل أموالها عبر شرا العقارات و الاراضي الزراعية.(( https://shorturl.at/TW9rQ).Columbia | Journal of International Affairs By Nazih Richani
April 20, 2015).
والتجربة الثانية و التي قد تتلامس واقع تجربتنا في السودان بعد ان اشرنا الى الملامح الجوهرية و التي عكست التجربة الكولومبية هي مبادرة باكستان الخضراء التي أطلقتها الحكومة وما تبنته من سياسات زراعية تنحاز لرأس المال الخاص والأجنبي والذي استهدف الاستحواذ على أخصب الأراضي - من تعظيم الربحية- في أقاليم باكستان والتي منها على سبيل المثال البنجاب والسند و بلوشستان و التي طرحت فيها السلطة الحاكمة ما يقدر وقتها 4.8 مليون فدان من الأراضي .وقد أدت هذه السياسة الزراعية في سبيل تأسيس المشروعات الزراعية واسعة النطاق لصالح رأس المال الخاص والأجنبي إلى تشريد آلاف الفلاحين المعدمين وصغار المزارعين بحجة التحديث الزراعي.و لكن في المقابل فقد واجه صغار المزارعين و الفلاحين المعدمين هذه السياسة - و التي اعتبروها سم قاتل للفلاحين والعمال الزراعيين وصغار المزارعين والتي استهدفت انتزاعهم قسرا من أراضيهم بالمقاومة.كما أن هذه السياسة تستجيب بشكل إيجابي لمؤسسة التمويل الدولية التابعة لمجموعة البنك الدولي والخدمة الاستشارية للاستثمار الأجنبي، اللتين كانتا مؤثرتين في تشكيل بيئة الاستثمار الزراعي في باكستان وتتماشى مع التعديلات التي يتطلبها اتفاق منظمة التجارة العالمية بشأن الزراعة….حاولت السياسة الزراعية للشركات في محاولة لتحديث القطاع الزراعي الذي يعتمد معظمه على الزراعة الأسرية القائمة على الكفاف والحيازات الصغيرة، والتي تتسم بتشكيلات اجتماعية تشمل الإقطاع وعدم امتلاك الأراضي والبنية القبلية.تقديم 7 ملايين فدان - في مرحله اخري - من الأراضي الباكستانية للمستثمرين الأجانب بموجب عقود إيجار تتراوح مدتها بين 49 و99 سنة….وكجزء من إطلاق هذه السياسة، أعلن وزير الاستثمار الاتحادي أنه سيتم إنشاء قوة أمنية قوامها 100 الف لحماية الاستثمارات.وهكذا أضعف الحرمان التاريخي لمجتمعات الفلاحين من حقوقهم في المساومة في الصراع على ملكية الأراضي، وهو ما ينعكس في أنماط ملكية الأراضي غير المتكافئة بشكل صارخ: تمتلك أغنى 4% من الأسر الريفية أكثر من نصف مجموع الأراضي المزروعة؛ و49% من الأسر الريفية لا تملك أرضًا(https://shorturl.at/UIJcG)..نواصل.
tarig.b.elamin@gmail.com