في الجلسة الحوارية الثانية لمنظمة كونفليكت داينامكس إنترناشونال: دكتور النور حمد: مشروع الحركة الاسلامية فشل بعد أن اختطف الدولة

 


 

 

كتب: حسين سعد
واصلت منظمة كونفليكت داينامكس انترناشونال يوم الأربعاءالموافق 16 أكتوبر الحالي تقليدها المتمثل في سلسلة حواراتها التي درجت على عقدها مع نخبة من الصحفيين والمراقبين والسياسيين وأساتذة الجامعات والشباب، فاستضافت في جلسة حوارية جديدة انعقدت بفندق كلارنس هاوس بالعاصمة الكينية نيروبي، الدكتور النور حمد. وقد ابتدرت الجلسة مديرة المنظمة الدكتوره عزه مصطفي الحديث مرحبةً بالحضور وبضيف الجلسة الحوارية مشيرةً الي أن المنظمة سبق أن نظمت جلستها الحوارية الأولي مع الدكتور الشفيع خضر في وقت سابق. بعد ذلك طرحت د. عزة محاور السلسلة الحوارية الجديدة التي تشمل تاريخ الإسلام السياسي على المستوى الإقليمي وتاريخ الحركة الإسلامية السودانية ومشروعها وتطبيقاته ومخرجاته وما جرى من الحركة الإسلامية من محاولات لوأد ثورة ديسمبر. ثم طرحت سؤالاً عريضًا قائلة: (هل عدنا يا ترى للمربع الأول من جديد؟) ومن ثم قدمت د. عزة مصطفى الدكتور النور حمد للحديث في المحور الأول قام بسرد تاريخ الإسلام السياسي الذي يعود إلى حراك النهضة العربية في القرن التاسع عشر، ثم إلغاء الخلافة الإسلامية في تركيا وما أعقب ذلك من نشوء حركة الإخوان المسلمين في شبه القارة الهندية وفي مصر وكذلك نشأة حزب التحرير. وقال إن ما يجمع بين هذه الحركات هي نزعة إقامة دولة إسلامية عابرة للأقطار.

سرد د. النور الخلفيات التاريخية للحركة الإسلامية منذ نشأتها الأولي بتسلسل زمني لمشروعها ولنتائجه وقال إن دولتنا جرى اختطافها لصالح هذا المشروع العابر للأقطار، وأصبحت من ثم منصة انطلاق نحو تحقيقه. وقال إن هذا المسعى يجد تفسيره في محاولات تصدير نموذج ثورة الإنقاذ إلى أقطار الجوار كإريتريا وإثيوبيا. الأمر الذي خلق إشكالات مع الدولتين الجارتين. إضافة إلى الهجوم الشديد في بداية التسعينات على الدول الخليجية. كما تمثل هذا المنحى الأممي في إعجاب الحركة الإسلامية السودانية بثورة الخميني ودعمها لحركة حماس ودعوتها للمتطرفين كأسامة بن لادن للقدوم إلى السودان وانخراطها في تفجيرات سفارات الولايات المتحدة في شرق إفريقيا وفي محاولاتها اغتيال الرئيس المصري حسني مبارك. وقد جلب كل ذلك العقوبات الدولية على السودان وفرض عليه العزلة الدولية وانتهت طموحات الحركة الإسلامية إلى صراع داخلي مرير مع شعب السودان.

تعرض د. النور لشخصية الدكتور حسن الترابي عراب الحركة وأشار إلى تطلعه ليكون زعامة سودانية وعالمية وأشار إلى مصاهرته لأل المهدي وأنه قد جعل منها رافعة للصعود إلى ما يصبو إليه من زعامة. ومضي حمد في سرد أسلوب الحركة الإسلامية في افتعال الأزمات لتحقيق المكاسب السياسية وأشار إلى حادثة حل الحزب الشيوعي وابتزاز القوى السياسية الكبرى بمشروع الدستور الإسلامي وتحكيم الشريعة واستمر هذا النهج عقب المصالحة الوطنية التي أجراها الرئيس جعفر نميري مع القوة السياسية في عام 1977. حينها تغلغل الدكتور الترابي في أجهزة نظام مايو وتسلم منصب النائب العام وبدأ الدفع نحو تحكيم الشريعة الذي انتهى بتطبيق قوانين سبتمبر إلي أثارت جدلا كثيفا ووجدت رفضا شعبيا واسعا، بل قادت لسقوط نظام نميري بثورة أبريل 1985.

ذكر د. النور أن تغلغل الحركة الاسلامية في نظام نميري عقب المصالحة الوطنية قاد إلى اختراقها للجيش وجهاز الأمن كما قاد إلى تمكينها اقتصاديا خاصة بعد إنشاء بنك فيصل الاسلامي وتقديم القروض المالية لكواردهم ولضباط الجيش وابتعاثهم للمركز الإسلامي الإفريقي (جامعة إفريقيا العالمية حاليا) لجرهم نحو فكر الإخوان المسلمين. وأيضا ابتعاث كوادرهم للتحضير في الدراسات العليا بالجامعات الأجنبية استعدادا للحكم منفردين.

عقب سقوط نظام نميري استطاعت الحركة الإسلامية أن تسيطر على الفترة الانتقالية عبر وجود عضوها الخفي، الفريق سوار الدهب على رأس المؤسسة العسكرية، وكذلك بتسريب عضو الحركة غير المعروف حينها، الدكتور الجزولي دفع الله، إلى منصب رئيس وزراء الفترة الانتقالية. ومن ثم استطاعت أن تحرز في الانتخابات التي تلت الفترة الانتقالية أكثر من 50 مقعدا. ومن هناك بدأ الهجوم على الأحزاب الكبرى وهلهلة الديمقراطية الثالثة عبر آلتهم الإعلامية الكبيرة. كما انخرطت الحركة الإسلامية في خلق الأزمات الاقتصادية وندرة السلع لإضعاف النظام القائم ومن ثم الانقضاض عليه. وانتهى ذلك بانقلاب الحركة الإسلامية على النظام الديمقراطي في عام 1989. عقب ذلك جرى فتح الباب أمام الحضور لطرح اسئلة والتعليقات وقد تباري الحضور في تقديم تعليقات عديدة شملت اشعال الحرب الجهادية في جنوب السودان والنيل الازرق وجنوب كردفان وتجيش الشباب في الدفاع الشعبي الذي أصبح قوة عسكرية موازية. وردا علي سؤال تجربة الحركة الاسلامية في مصر وفشلها في الإمساك بخناق الدولة المصرية مثلما حدث في السودان، قال النور إن مصر دولة راسخة وقديمة عكس السودان الدولة الهشة التي أصبحت اليوم أكثر هشاشة. فمصر تملك نواة صلبة تمنع الدولة من الانزلاق نحو الفوضى بعكس السودان الذي لم يعرف الدولة الحديثة إلا في القرن التاسع عشر وعلى يد القوى الأجنبية. وحين رحلت القوى الأجنبية ارتد على عقبيه في الخشاشة.

المحور الثاني: التيارات المعتدلة داخل الاسلاميين

قال حمد أن التجربة العملية أكدت له أنه لايوجد اعتدال وسط الاسلاميين وقال إن إدعاء الاعتدال وسطهم ليس سوى (شعار للمناورة). وعضض وجهة نظره هذه بالعديد من الأدلة والشواهد. ومن بين تلك الأمثلة محاورته الشخصية مع عدد من الإسلاميين في نهايات فترة حكم الإنقاذ. لكن عقب ثورة ديسمبر وخاصة بعد إشعالهم الحرب للقضاء نهائيا على الثورة عاد كل الذين تمظهروا بالاعتدال إلى تماهي كامل بلا شروط مع نظامهم القمعي القديم. ولا يستثنى من ذلك سوى بضع أفراد آثروا الصمت وهو تماهي من نوع آخر أخف جدة. في هذا الباب أشار حمد إلي عمل الإسلاميين المتصل على تخريب ثورة ديسمبر واجهاضها بخلق الضوائق المعيشية وبشيطنة الخصوم وبخلق الصراعات الأهلية الدامية وخلق السيولة الأمنية، وفي النهاية بإشعال الحرب.

عقب ذلك فتح الباب امام الحضور لطرح أسئلة أو اضافات وقدم الحاضرون تعليقات عديدة شملت عضدت أن التمظهر بالاعتدال وسطهم كان زائفا، وأنه مجرد ذر للرماد في العيون مثل خديعة إذهب للقصر رئيسا وأذهب إلى السجن حبيسا. وكذلك خطاب الوثبة وانخراطهم في الحرب الحالية بكل تياراتهم. وكذلك جهودهم في الاستنفار وإظهارهم الكتائب المتطرفة مثل كتيبة البراء بن مالك والعمل الخاص وكل تلك التشكيلات الأمنية الموازية للقوات المسلحة.

المحور الثالث الدولة الموازية

قدم النور في هذا المحور مقاربة لتجربة الإخوان المسلمين في مصر واستقطابهم للبسطاء عبر تقديم الخدمات. وهذا نهج بدأ مع وصول الرئيس السادات إلى السلطة وتفكيكه للطبيعة اليساروية لنظام عبد الناصر ومن ثم الشروع في التوجه غربا. أتاح السادات للإسلاميين التغلغل في المجتمع المصري عبر جمعيات الشباب المسلمين والفتيات المسلمات وتقديم الخدمات لفقراء المصريين. وللأسف انقلبوا على السادات واغتالوه. نهج خلق دولة موازية تقدم الخدمات للجمهور في مصر لإظهار ضعف الدولة القائمة نهجٌ مورس في السودان ولكن بصورة مختلفة أكثر فداحة. فعبر التمكين أصبح للإسلاميين في السودان دولتهم الخاصة بهم. وهي دولة جرى إخفاءها عن عين الرأي العام لأنها غير خاضعة للرقابة وللمراجعة. وأصبح في الناحية الأخرى للشعب دولته الفقيرة. وقد فتح هذا النهج الباب على مصراعيه للفساد المؤسسي.

أشار د. النور إلى دور مصر ومحاولاتها إجهاض الثورة. وتحدث عن مقايضة الفريق البرهان السيادة السودانية، بكل ما تعني، نظير دعم مصر له للبقاء في السلطة. فقد اعتمد الفريق البرهان علي مصر منذ الأيام الأولى للثورة. ولفت د. النور النظر إلي الزيارات المتتابعة للبرهان الي القاهرة وزيارة القيادات الأمنية المصرية الرفيعة المستوي إلي السودان. وقال ان الشركات الاقتصادية للجيش ليس عليها أي رقابة من وزارة المالية أو المراجع العام. لذلك تحول السودان إلي مجرد مزرعة يحصد منتجاتها الأجانب. فكل ثروات السودان الزراعية والحيوانية والغابية والمعدنية يجري تصديرها وتهريبها إلى الخارج دون عوائد تذكر للدولة، ولاسيما مصر. وأوضح د. النور أن الدولة الموازية انتهت إلي مباراة بين الاسلاميين للنهب والفساد. فقد تركت الدولة واجبها في تنمية القطر وتطويره وتقديم الخدمات الي مواطنيها، مشيرا إلي عائدات البترول والذهب والمنتجات الزراعية والغالبية والحيوانية الضخمة لم تنعكس بأي قدر يذكر علي حياة المواطنين. وقال: (هذا نموذج للدولة مزعج للغاية).

عقب ذلك فتح الباب أمام الحضور الذي أشاروا الي نماذج عديدة من ممارسات الدولة الموازية في كافة مفاصل الدولة الخدمية والصحية والتعليمية وفي الأراضي والإسكان وغيرها.

المحور الرابع الإسلاميين وثورة ديسمبر

ذكر د. النور أن الإسلاميين كانوا يرديون إزاحة البشير الذي اختطف منهم مقود الدولة وأصبح عبئا عليهم. ولفت النظر إلى ما أدلى به أمين حسن عمر من رفضهم ترشح البشير لولاية جديدة في انتخابات 2020. غير أن الثورة فاجأت الجميع واندلعت لأول مرة من خارج العاصمة. فقد اشتعلت في نيالا والدمازين وعطبرة ثم انخرطت فيها العاصمة بكل قواها الحية. وبعد فيضان الشارع بالمتظاهرين لأربعة أشهر وفشل الإجراءات القمعية قامت اللجنة الأمنية بالاطاحة برأس النظام والتحفظ عليه. واوضح النور أن هدف الاسلاميين كان الإطاحة بالبشير فقط، ثم العودة إلى السلطة عبر التحكم في فترة انتقالية قصيرة وإجراء انتخابات متحكم فيها وتقديم وجوه جديدة. غير أن اعتصام القيادة قاد الأمور إلى وجهة جديدة فكانت مذبحة القيادة التي أوحت بها مصر على نسق مجزرة ميدان رابعة العدوية. وفشل ذلك الإجراء بعد تظاهرات 30 يونيو التي قلبت الطاولة على قيادات الجيش فانخرطوا في مفاوضات مع قوى الحرية والتغيير وكان اتفاق الوثيقة الدستورية. غير أن أساليب المكر القديمة من افتعال للسيولة الأمنية وخلق حاضنة شعبية ضرار قاد إلى تكوين الحرية والتغيير الكتلة واعتصام الموز ثم انقلاب 25 لأكتوبر 2021 الذي أطاح بحكومة حمدوك منهيا الفترة الانتقالية. وحين فشلت خطة الانقلاب ولم يستطع الفريق البرهان تشكيل حكومة وظهر في الساحة مقترح الاتفاق الإطاري الذي نال قبول قوات الدعم السريع أصبح خيار إشعال الحرب وإغراق كل شيء فيها هو المخرج الأخير. وهكذا قام الإسلاميون بإشعال الحرب.

وحول التحالفات السياسية القادمة قال النور إن الحركة الاسلامية والأحزاب التقليدية الأمة والاتحادي الأصل سيكونون في حلف واحد عقب الفترة الانتقالية المقبلة وستكون قوى الثورة يسارية الطابع التي لا ترتكز على الخطاب الديني في حلف آخر، سيكون هو الأضعف انتخابيا. وأشار إلى ضرورة الإصلاح الديني لتحرير عامة الناس من قبضة الخطاب الديني الزائف والمضلل الذي يسوقهم للوقوف ضد مصالحهم.

عقب ذلك جرى فتح الباب أمام الحضور حيث أشاروا إلى فشل حكومة الثورة في خلق إعلام يخفف حدة الانقسامات ويدحض خطاب الكراهية. كما أشاروا إلى فشل قوي الحرية والتغيير في المحافظة علي تحالفها الذي يعتبر اكبر تحالف سياسي في السودان، وتكالب العديد من أفرادها على السلطة، فضلا عن التدخل الاقليمي لبعض دول الجوار في إجهاض الثورة. لقد كانت هذه الجلسة بالغة الحيوية. وقد حافظت على حيويتها على مدى أربعة ساعات وقد كانت مداخلات المشاركين فيها غنية. وما ورد في هذا التقرير ليس سوى شذرات متفرقة عما جرى فيها.

 

آراء