في الذهان النفسي لثلاثي الغدر أو (دقلوقراطية البلابسة) (1)
منعم عمر
15 June, 2023
15 June, 2023
أصدقاء المقال -كمراجع وحق أدبي ومقتطفات وليس بالضرورة اتفاق رؤى- عمرو صالح يس/ د. الواثق كمير/ د. محمد جلال/ رشا عوض/ د. بكري الجاك/ د. عبد الله علي إبراهيم/ فيصل محمّد صالح/ حمّور زيادة/عزّت الماهري وربّما آخرين لهم التحية والتقدير
__________________________
لا يُقدّم مقالنا هذا وصفاً، على الرغم من اهتمامه بالعلاقات السياقية، لكنّه يطمح لمحاولة فحص تفصيلي لكثير من التعقيد "البليد" الذي يُغيّب طبيعة مكوّنات أساسية، في هذه الحرب "القبيحة". ربّما يحاول تفسيرها بتشريح عوامل قادت إلى تشكّل إشكالها، بالنظر إلى كيف (حدس ما حدس)، أي أسباب كون هذا العبث عبثاً، وعلاقة السببية التي يبحث عنها العاقل، عبر حجّة استنطقت السياق، ونأت بها عن تماسّها مع ذات أسباب المنطق الدائري، لتدنو بها إلى رصانةٍ تتقصّد من خلال رؤيتها فعلاً مُلحّاً!
ولا نخشى من تصنيف المقال كنظريّة مؤامرة، لأننا ما تعوّدنا أن نُعطّل عقلنا أو نُخدّره؛ ولوعينا بأنّ محاولة النفي الناقد هذي دائماً ما تكون جزءاً من المؤامرة. إنّ مرضى الذهان النفسّي، هؤلاء بهذيانهم هذا، وهذا الفيض الجارف من الكذب والحوادث غير الحقيقية، يريدون الردّ على ما يتوهّمون من مؤامرة، بمؤامرة، فكانت "جاهزية سرعة حسم"، وبانت الإرادة الخفيّة لما يحدث عندما تعمّق إحساسهم بالتهديد، فتطرّفوا لدرجة صناعة حرب، حشدوا لها الإعلام غير الرسمي وأبعدوا المعلومات ومصادرها من قنوات فضّائيّة وصحف صادقة الخبر ورصينة التقرير. إلا أنّ تاريخ وأحداث (الجيشويد) و(الكيزان) ملئي بالتآمر، والكذب؛ فضّلاً عن فوضوية وعشوائية أحداث الحرب التي لا يمكن تفسيرها؛ والأهم من ذلك تلك الفجوة بين كل ما قيل مقابل ما قد حدث بالفعل (وأقرب الأمثلة والتي لا يتحدّاها أحد "الانكار في الهدن المزعومة طوال شهرين").. فإن لم تكف الحجج لتبرئة المقال من كونه مبنٍ على نظرية المؤامرة، فلن يخالفه أحد كمؤامرة بنّاءة.
(الجيش) طوال تاريخه كان أداة إخضاع وقمع لكل معارض، والحُكّام من خلفه لم يستنكفوا من استعداء من كان في دغل غابة أو حافّة صحراء، ولم يتأفّفوا من قتل، وحرق واغتصاب حتى من كان بمعسكر نزوح أو قرية نائية! فلماذا يريد أن يُصوّر (الكيزان) للناس أن كل من يقف ضدّ الحرب اليوم، هو ضدّ (الجيش)، وهل إذا فعلوا يُلاموا؟ أم أنّهم -بالفعل- يريدونهم كذلك، حتى تتم تصفية (الجيش) من الوطنيين الشرفاء بهذه الحرب، وبعدها يُعلن من تبقّى - وهم (الكيزان)- أنّهم قضوا على كل (الكيزان) في (الجيش)، ويتم بذلك تحويل القوات المسلّحة السودانية إلى مليشيا حزبية بالكامل يمكن لها أن تتصالح مع (الجنجويد) وإكمال ما تمّ التوصّل إليه - سلفاً - من اتفاق اندماج!
إنّ خطر (الدعم السريع) ليس الابتزاز بالمال وحده؛ بل بفكرة شرعنة وجوده كعدو لنظام (الكيزان)، كون صديق الأمس هذا استخدمه لتجييش البدو الرُحّل للقتال في دارفور، وأغراهم بأنّ الغنيمة الكبرى هي الصفوة النيلية، أو الخرطوم -على أقلّ تقدير-؛ والخطر الأكبر ليس فقط في دعم هذه الشرعنة بسلق شعار (((العسكر) للثكنات و(الجنجويد) ينحل)) بألسنة أسئلة تعجيزية تتطلّب الإجابة فوراً، من شاكلة: "كيف يتم حل الدعم السريع؟" و "هل يُجبروا على نزع السلاح ويعودوا إلى حيث جاؤوا، أم أنّ هنالك تفاوض؟! ودعمها أيضاً بالتمسّح في قوات السلام، والأنانيا، والمراحيل، ووراثة إرث كل ثائر دثاره الهامش، وأنّهم دعاة التغيير، وحماة ثورة ديسمبر، ويريدون تشكيل دولة المستقبل، ضد مستقبل الدولة القديمة.
يريد مستثارو ومستشارو (الدعم السريع) – (الجنجويد) - التملّص من تهمة مجزرة فضّ الاعتصام، و(زقلها) في (الكيزان) -الطرف الثالث- وبهذه الحرب يزعمون أنّهم قد تخلّصوا منهم، وبالتالي تمّ القصاص لشهداء المجزرة .. هكذا بكل بساطة! ويُعيبون على المفكرين والعقلانيين وقادة الرأي ما يرونه -بحق- من ضرورة التخلص من (حميدتي) والدعم السريع؛ عجبي! وكأنّما (حميدتي) و(الدعم السريع) لم يقتلوا الناس في مجازر دارفور وفي جرائم فضّ الاعتصام وفي جرائم انقلاب 25 أكتوبر، وفي جرائم هذه الحرب الدائرة الآن، وكأنّهم لم يحتلّوا بيوت المواطنين ولم يغتصبوا النساء ولم ينهبوا أموال الناس وأسواقهم! كل ذلك ويتقابل ثلاثي الغدر (الجيش) و (الكيزان) و (الجنجويد) - الاخوة الأعداء – يقهقهون ويضحكون، ويتداولون القوائم بأسماء من يُعتقد بأنّ فيه مسحة وطنية ليأسروه ويقتلوه أو يُشركوه في مسرحيات أنس والجزولي وغيرها.. وإن عنّ لك أن تناقشهم يستلّوا الأسئلة: "هل ذلك ممكناً دون حرب؟!".. نعم يريدون أن يحاربوا المواطنين الثوّار والوطنيين الأحرار، وهذه هي المعركة!
إنّ استثمار التموقفات من الحرب، هي استراتيجية هذه الحرب في معرفة الوطنيين والقضاء عليهم، فكل من يتبنّي شعارات العدالة وقبول التنوّع وبناء الدولة على أسس جديدة، (يبل راسه) لكن ليس كل من يبررون للوقوف مع (الجيش) باعتباره مؤسسة وطنية سيتم تصفيتهم! لأن هذه إحدى الدعوات التي من خلالها يعرفون من يرفع رأسه بحمية الجاهلية هذه (أعني الوطنية)! فقط يردّون عليهم بأن (الجيش) يسيطر عليه (الكيزان)، وأن (حميدتي) ابن الثقافة الإسلامية العربية، وهو خيرٌ لكم من عبد العزيز الحلو أو عبد الواحد أو مني أركو مناوي! ويرمون بالونات اختبار يُنفّذون بعضها بالفعل -كأجندة للغير-، وذلك مثل غياب (البرهان) أو مسرحية القبض عليه أو خبر موته، ومثل تحوّل (مالك عقار) لرئيس للدولة.
قال (حميدتي) للبرهان: "موش الناس قالوا (الجنجويد) ينحل، أصدر قرار بحل الدعم السريع، (واكتل ليهم الدش في يدهم)".. لكن هل تمّ الحل فعلاً؟! وهل سلّم الجنود الأسلحة والسيارات وغادروا، أم حوّلوا البلاد إلى رماد؟! هكذا طبخوها وهكذا أعادوا الكرة لملعب التساؤلات ومحاولات قبول/فرض (الدعم السريع) بالقوة لأنّ معه بندقية! وهكذا طبخ (الكيزان) السيناريو: "لن تستطيعوا قتل وإبادة (الدعم السريع) في قلب الخرطوم، فماذا تنتظرون؟! ليس عليكم/أمامكم سوى بناء (الجيش) المهني الواحد المتنوّع غير المُحزّب - وهم نواته - وقدّموا ورقة بذلك في ورشة الإصلاح الأمني والعسكري .. وكانت معدّة أصلاً بمعرفة (برهان) و(حميدتي) لتهيّج (الجيش) وداعميه على (الدعم السريع) وقيادته.
إنّ تحالف (دقلو) و(البرهان) لم يجد قبولاً وسط قطاعٍ واسعٍ من ضباط القوات المسلحة الوطنيين -اصطلاحاً - وهذا بالضبط ما فطن له ثلاثي الغدر، فتُرِك أمر التوصل للاتفاق حول تكوين (الجيش) الواحد والموحّد للحوار في ورشة الإصلاح بأصوات بعض هؤلاء الوطنيين؛ فاختارت قيادتا (الجيش) و(الدعم السريع) السلاح لحسمِ الأمر، وتتويه "من انقلبّ على من"، ليتفرّق الدم بين البنادق! ولا تقف الحبكة عند هذا الحدّ، ففي أكثرِ من لقاء (صوتي) مع القنوات الفضّائية كررّ قائد مليشيا (الدعم السريع) وصفه للقائد العام للجيش بالمجرم (الانقلابي) وقال أنّه ابتدر هذا الاقتتال، بينما هو يقاتل من أجل التحوّل الديمقراطي! علماً بأنّ الكل يعلم أنّهما انقلبا معاً على الشراكة، فلا معنى لانقلاب (البرهان) على (حميدتي) إلّا إذا كان المقصود أنّه انقلب على نفسه! فكيف تنقلب قيادة (الجيش) على قواتٍ تابعةٍ لها.
حقيقي أن العداء للكيزان لوثة صائبة وقاصدة، لكن - اعتمادها ونفيها في آن واحد - ككلمة حق أُريد بها باطل – هو عين التهكّم؛ فالدمج أمر تمّ ابرامه - بالليل والنهار-، وتوقيعه -بالدارجة والفصيح- من القائد العام للجيش -الشرعي والمغتصب-، ومن قائد المليشيا -دعم سريع وجنجويد-، ومن القوى المدنية -المؤمنة بالديمقراطية والكافرة- الموقّعة على الاتفاق الإطاري؛ وبالفعل أن يكون رأس الدولة هو القائد الأعلى لقوات (الدعم السريع) وردت في نصوص قانون قوّات (الدعم السريع) الذي أصدره برلمان (الكيزان)، ووردت في الدستور الانتقالي المزمع، ووقّع عليه (البرهان) و(حميدتي) تماماً كما وقّعا ورقة الإصلاح والدمج والتحديث في يوم 15 مارس 2023.. فلماذا قامت هذه الحرب، إذاً؟!!
(الكيزان) يقومون بعمل محاضرات تلقين تمويهية تحت لافتات التنوير عن الموقف من التحول الديمقراطي والدولة المدنية، وبما استجدّ في هذه الحرب أصبحت القناعة الأكثر رسوخاً لدى (الجنجويد) أنّهم على طريق بناء دولة تحترم شعبها الريفي والصحراوي والبدوي ليس كالدولة القائمة الآن وهي دولة (الكيزان)، هكذا يُحدّثونهم فيحثونهم على الدمار، ولا يدرون بأنّ المدمِّر هم (الكيزان) وأن المدمًّر هو الوطن، والدولة المفترى عليها التي يريدون بناءها.
إنّ (الكيزان) يقومون باستخدام البدو كأدوات وسيتم رميهم - رضي الماهري أم أبى - ولن يكونوا جزءاً من مستقبل هذه البلاد إذا قُدِّر لها ألّا تنهار، لأن (الكيزان) و(البرهان) ولجنته الأمنية و(حميدتي) وقادة (الدعم السريع) ومن هم من خلفهم، فتحوا على الوطن والمواطن هذه الحرب من أجل كرسي الحكم والسلطة – رضي من رضى وأبى من أبى - فالكيزان والضحايا والبرهان هم أكثر من يعرف (حميدتي) وتاريخه، وليس المستشارين المستثارين مبرري الهمجية والهمبتة -على أنها فروسية وشجاعة- و (مُزغلَلِي) العيون بدولارات (دقلو) لازدراد حفنة من علوم التفاوض وفصاحة "الغلاط" لأغراض التسكع بين "الكلوب-هاوس" و "الفيسبوك" وعوالم الميديا الجديدة -القاطعة تاريخاً دهرياً مع البداوة - ولرفع عقيرتهم بأنّهم مستشاروا الفريق خلاء وكأنّها من تهدّجهم "شتيمة في ثوبٍ حميد" أو كأنها ليست الحقيقة!
آلة الحرب وأداة عنف الدولة التي أحرقت الملايين، كان وظلّ يُديرها هذا الثلاثي الغادر، وأنت يريدونك "ترساً" فيها، ويمكنك أن تختار: مدفوعاً برغبتك، أو مدفوعاً لك.. فأصوات الرصاص التي لم تتوقف والأطفال الذين يحتمون بكهوف الجبال من ضربات الأنتينوف في جبال النوبة ودارفور، وبيوت القش التي أُحرقت ونزح سكّانها، يُسأل عنهم (حميدتي) و (البرهان) وأسيادهما (الكيزان)! وسواء أن تشكّل سودان جديد من بين دخان القنابل أو به، أو من التقاء مرج البحرين، فسيطرد الشعب (حميدتي) و (الجنجويد) و(البرهان) و (الجيشويد)!
ومهما يكن من أمر، فهل افتعال هذه الحرب يُخلّص مليشيا (الجنجويد) من تحمّل مسئولية جرائمها سابقاً في دارفور ولاحقاً في الخرطوم منذ انتفاضة سبتمبر؟! فالتهميش، وغيرها من قضايا لم تكن يوماً أجندة (الدعم السريع) حين نشأ.. فقد كان أداة الدولة في عنفها (وهذا باعتراف مستشاري قائد الدعم السريع.. وهم هنا ليسوا بأحسن حال من الخبراء "الاسطراطيجيين" بعيد انقلاب 25 أكتوبر، ولم يكن (الجنجويد) يوماً حركة مقاومة، وإنما كانوا فقط أداة لتنفيذ القمع، (فمن سعى لنقض ما تمّ على يديه فسعيه مردود عليه) ومن مبادئ العدالة ( “who comes into equity must come with clean hands.”). فلا تليق أبداً أدلجة هذه الحرب القبيحة وهذا الصراع الكريه على السلطة، بأن يتمسّح مشعلوها وحاملوا بنادقها بالتنمية والمساواة والوطنية والديمقراطية، مما جعل غمار الناس الذين تقتلونهم بعين بصيرتهم يُسمّونها (دقلوقراطية البلابسة) فما التخريب والتدمير وسياسة الارض المحروقة إلّا من فعل ثلاثي الغدر، وديدن (الجيش) و(الجنجويد) و(الكيزان)!
وإذا كان الشعب السوداني قد بدأ شهر الحرب الثالث ولا يزال في صدمة مما يجري على الأرض؛ إلا أنّه سيفيق. حتماً سيفيق لأنّه يعلم أنّ (الجنجويد) هم حرس الحدود، هم الدفاع الشعبي، هم كتائب الظل، هم الدولة العميقة، هم الثورة المضادّة، هم "الدقن الضلالية"، هم أنس عمر والجزولي و (علي عثمان)؛ هم (حميدتي) و(البرهان) وعبدالحيّ وكل أهل "الكاف" من (كيزان) (كوبر) و (كرتي) وبقيّة الشِغّيلة والهِتِّيفة! وهم حاء الحرب، وليس الحرية والحب، وياء التدمير ورائه وليس الديمقراطية والتغيير ! سيفيق الشعب ويعرف ما الذي (حدس)؟ سيفيق لأنّ الصدمة نفسها هي التي تُعرّفهم: ما الذي يجرى الآن؟!".
فهل يُخلي (الجيش) معسكرات التدريب لصالح ميليشيا؟ إن لم يكن هذا الجيش هو نفسه مليشيا (البرهان) الانقلابية، كما سمّته قوات (الدعم السريع) في بيان يوم 12 يونيو؟! وهل الضبّاط من خريجي العلوم العسكرية الأكفاء الشرفاء الوطنيين يستوعبون أن تُطبق "مليشيا" هكذا على عاصمة البلاد، وتفضحهم أمام العالم؟! حتى وإن كانوا لا يأبهون لإرهاب وترويع الناس، فكيف يسمحون للمليشيا أن تُمارس القتل والنهب والاغتصاب والتشريد على مرأىً من العالم وشاشاته المتوحشة؟! سيفيق، ويتذكّرون من الذي قال (اذهب إلى القصر رئيساً وأنا سأذهب إلى السجن حبيسا)! ولماذا يستبعد الناس الخيانة والمؤامرة ممن جُبلوا عليها بالعقود؟! وسيأتون بالأسئلة المباشرة البسيطة -أخت الحقيقة- هل فعلاً (الكيزان) داعمين للجيش في هذه الحرب الفضّيحة؟ أم أنّهم يدعمون (الجنجويد)؟ هل ينتظرون مفاصلة أو لقاء مع أحمد منصور حتى يتبيّن لهم أنّهم ليسوا بمؤمنين وعلى استعداد لأن يُلدغوا من هذا الجحر (عشرة مرّات)!! حتماً سيفيق الشعب ويفيض ويملأ الشوارع.
aboann7@hotmail.com
__________________________
لا يُقدّم مقالنا هذا وصفاً، على الرغم من اهتمامه بالعلاقات السياقية، لكنّه يطمح لمحاولة فحص تفصيلي لكثير من التعقيد "البليد" الذي يُغيّب طبيعة مكوّنات أساسية، في هذه الحرب "القبيحة". ربّما يحاول تفسيرها بتشريح عوامل قادت إلى تشكّل إشكالها، بالنظر إلى كيف (حدس ما حدس)، أي أسباب كون هذا العبث عبثاً، وعلاقة السببية التي يبحث عنها العاقل، عبر حجّة استنطقت السياق، ونأت بها عن تماسّها مع ذات أسباب المنطق الدائري، لتدنو بها إلى رصانةٍ تتقصّد من خلال رؤيتها فعلاً مُلحّاً!
ولا نخشى من تصنيف المقال كنظريّة مؤامرة، لأننا ما تعوّدنا أن نُعطّل عقلنا أو نُخدّره؛ ولوعينا بأنّ محاولة النفي الناقد هذي دائماً ما تكون جزءاً من المؤامرة. إنّ مرضى الذهان النفسّي، هؤلاء بهذيانهم هذا، وهذا الفيض الجارف من الكذب والحوادث غير الحقيقية، يريدون الردّ على ما يتوهّمون من مؤامرة، بمؤامرة، فكانت "جاهزية سرعة حسم"، وبانت الإرادة الخفيّة لما يحدث عندما تعمّق إحساسهم بالتهديد، فتطرّفوا لدرجة صناعة حرب، حشدوا لها الإعلام غير الرسمي وأبعدوا المعلومات ومصادرها من قنوات فضّائيّة وصحف صادقة الخبر ورصينة التقرير. إلا أنّ تاريخ وأحداث (الجيشويد) و(الكيزان) ملئي بالتآمر، والكذب؛ فضّلاً عن فوضوية وعشوائية أحداث الحرب التي لا يمكن تفسيرها؛ والأهم من ذلك تلك الفجوة بين كل ما قيل مقابل ما قد حدث بالفعل (وأقرب الأمثلة والتي لا يتحدّاها أحد "الانكار في الهدن المزعومة طوال شهرين").. فإن لم تكف الحجج لتبرئة المقال من كونه مبنٍ على نظرية المؤامرة، فلن يخالفه أحد كمؤامرة بنّاءة.
(الجيش) طوال تاريخه كان أداة إخضاع وقمع لكل معارض، والحُكّام من خلفه لم يستنكفوا من استعداء من كان في دغل غابة أو حافّة صحراء، ولم يتأفّفوا من قتل، وحرق واغتصاب حتى من كان بمعسكر نزوح أو قرية نائية! فلماذا يريد أن يُصوّر (الكيزان) للناس أن كل من يقف ضدّ الحرب اليوم، هو ضدّ (الجيش)، وهل إذا فعلوا يُلاموا؟ أم أنّهم -بالفعل- يريدونهم كذلك، حتى تتم تصفية (الجيش) من الوطنيين الشرفاء بهذه الحرب، وبعدها يُعلن من تبقّى - وهم (الكيزان)- أنّهم قضوا على كل (الكيزان) في (الجيش)، ويتم بذلك تحويل القوات المسلّحة السودانية إلى مليشيا حزبية بالكامل يمكن لها أن تتصالح مع (الجنجويد) وإكمال ما تمّ التوصّل إليه - سلفاً - من اتفاق اندماج!
إنّ خطر (الدعم السريع) ليس الابتزاز بالمال وحده؛ بل بفكرة شرعنة وجوده كعدو لنظام (الكيزان)، كون صديق الأمس هذا استخدمه لتجييش البدو الرُحّل للقتال في دارفور، وأغراهم بأنّ الغنيمة الكبرى هي الصفوة النيلية، أو الخرطوم -على أقلّ تقدير-؛ والخطر الأكبر ليس فقط في دعم هذه الشرعنة بسلق شعار (((العسكر) للثكنات و(الجنجويد) ينحل)) بألسنة أسئلة تعجيزية تتطلّب الإجابة فوراً، من شاكلة: "كيف يتم حل الدعم السريع؟" و "هل يُجبروا على نزع السلاح ويعودوا إلى حيث جاؤوا، أم أنّ هنالك تفاوض؟! ودعمها أيضاً بالتمسّح في قوات السلام، والأنانيا، والمراحيل، ووراثة إرث كل ثائر دثاره الهامش، وأنّهم دعاة التغيير، وحماة ثورة ديسمبر، ويريدون تشكيل دولة المستقبل، ضد مستقبل الدولة القديمة.
يريد مستثارو ومستشارو (الدعم السريع) – (الجنجويد) - التملّص من تهمة مجزرة فضّ الاعتصام، و(زقلها) في (الكيزان) -الطرف الثالث- وبهذه الحرب يزعمون أنّهم قد تخلّصوا منهم، وبالتالي تمّ القصاص لشهداء المجزرة .. هكذا بكل بساطة! ويُعيبون على المفكرين والعقلانيين وقادة الرأي ما يرونه -بحق- من ضرورة التخلص من (حميدتي) والدعم السريع؛ عجبي! وكأنّما (حميدتي) و(الدعم السريع) لم يقتلوا الناس في مجازر دارفور وفي جرائم فضّ الاعتصام وفي جرائم انقلاب 25 أكتوبر، وفي جرائم هذه الحرب الدائرة الآن، وكأنّهم لم يحتلّوا بيوت المواطنين ولم يغتصبوا النساء ولم ينهبوا أموال الناس وأسواقهم! كل ذلك ويتقابل ثلاثي الغدر (الجيش) و (الكيزان) و (الجنجويد) - الاخوة الأعداء – يقهقهون ويضحكون، ويتداولون القوائم بأسماء من يُعتقد بأنّ فيه مسحة وطنية ليأسروه ويقتلوه أو يُشركوه في مسرحيات أنس والجزولي وغيرها.. وإن عنّ لك أن تناقشهم يستلّوا الأسئلة: "هل ذلك ممكناً دون حرب؟!".. نعم يريدون أن يحاربوا المواطنين الثوّار والوطنيين الأحرار، وهذه هي المعركة!
إنّ استثمار التموقفات من الحرب، هي استراتيجية هذه الحرب في معرفة الوطنيين والقضاء عليهم، فكل من يتبنّي شعارات العدالة وقبول التنوّع وبناء الدولة على أسس جديدة، (يبل راسه) لكن ليس كل من يبررون للوقوف مع (الجيش) باعتباره مؤسسة وطنية سيتم تصفيتهم! لأن هذه إحدى الدعوات التي من خلالها يعرفون من يرفع رأسه بحمية الجاهلية هذه (أعني الوطنية)! فقط يردّون عليهم بأن (الجيش) يسيطر عليه (الكيزان)، وأن (حميدتي) ابن الثقافة الإسلامية العربية، وهو خيرٌ لكم من عبد العزيز الحلو أو عبد الواحد أو مني أركو مناوي! ويرمون بالونات اختبار يُنفّذون بعضها بالفعل -كأجندة للغير-، وذلك مثل غياب (البرهان) أو مسرحية القبض عليه أو خبر موته، ومثل تحوّل (مالك عقار) لرئيس للدولة.
قال (حميدتي) للبرهان: "موش الناس قالوا (الجنجويد) ينحل، أصدر قرار بحل الدعم السريع، (واكتل ليهم الدش في يدهم)".. لكن هل تمّ الحل فعلاً؟! وهل سلّم الجنود الأسلحة والسيارات وغادروا، أم حوّلوا البلاد إلى رماد؟! هكذا طبخوها وهكذا أعادوا الكرة لملعب التساؤلات ومحاولات قبول/فرض (الدعم السريع) بالقوة لأنّ معه بندقية! وهكذا طبخ (الكيزان) السيناريو: "لن تستطيعوا قتل وإبادة (الدعم السريع) في قلب الخرطوم، فماذا تنتظرون؟! ليس عليكم/أمامكم سوى بناء (الجيش) المهني الواحد المتنوّع غير المُحزّب - وهم نواته - وقدّموا ورقة بذلك في ورشة الإصلاح الأمني والعسكري .. وكانت معدّة أصلاً بمعرفة (برهان) و(حميدتي) لتهيّج (الجيش) وداعميه على (الدعم السريع) وقيادته.
إنّ تحالف (دقلو) و(البرهان) لم يجد قبولاً وسط قطاعٍ واسعٍ من ضباط القوات المسلحة الوطنيين -اصطلاحاً - وهذا بالضبط ما فطن له ثلاثي الغدر، فتُرِك أمر التوصل للاتفاق حول تكوين (الجيش) الواحد والموحّد للحوار في ورشة الإصلاح بأصوات بعض هؤلاء الوطنيين؛ فاختارت قيادتا (الجيش) و(الدعم السريع) السلاح لحسمِ الأمر، وتتويه "من انقلبّ على من"، ليتفرّق الدم بين البنادق! ولا تقف الحبكة عند هذا الحدّ، ففي أكثرِ من لقاء (صوتي) مع القنوات الفضّائية كررّ قائد مليشيا (الدعم السريع) وصفه للقائد العام للجيش بالمجرم (الانقلابي) وقال أنّه ابتدر هذا الاقتتال، بينما هو يقاتل من أجل التحوّل الديمقراطي! علماً بأنّ الكل يعلم أنّهما انقلبا معاً على الشراكة، فلا معنى لانقلاب (البرهان) على (حميدتي) إلّا إذا كان المقصود أنّه انقلب على نفسه! فكيف تنقلب قيادة (الجيش) على قواتٍ تابعةٍ لها.
حقيقي أن العداء للكيزان لوثة صائبة وقاصدة، لكن - اعتمادها ونفيها في آن واحد - ككلمة حق أُريد بها باطل – هو عين التهكّم؛ فالدمج أمر تمّ ابرامه - بالليل والنهار-، وتوقيعه -بالدارجة والفصيح- من القائد العام للجيش -الشرعي والمغتصب-، ومن قائد المليشيا -دعم سريع وجنجويد-، ومن القوى المدنية -المؤمنة بالديمقراطية والكافرة- الموقّعة على الاتفاق الإطاري؛ وبالفعل أن يكون رأس الدولة هو القائد الأعلى لقوات (الدعم السريع) وردت في نصوص قانون قوّات (الدعم السريع) الذي أصدره برلمان (الكيزان)، ووردت في الدستور الانتقالي المزمع، ووقّع عليه (البرهان) و(حميدتي) تماماً كما وقّعا ورقة الإصلاح والدمج والتحديث في يوم 15 مارس 2023.. فلماذا قامت هذه الحرب، إذاً؟!!
(الكيزان) يقومون بعمل محاضرات تلقين تمويهية تحت لافتات التنوير عن الموقف من التحول الديمقراطي والدولة المدنية، وبما استجدّ في هذه الحرب أصبحت القناعة الأكثر رسوخاً لدى (الجنجويد) أنّهم على طريق بناء دولة تحترم شعبها الريفي والصحراوي والبدوي ليس كالدولة القائمة الآن وهي دولة (الكيزان)، هكذا يُحدّثونهم فيحثونهم على الدمار، ولا يدرون بأنّ المدمِّر هم (الكيزان) وأن المدمًّر هو الوطن، والدولة المفترى عليها التي يريدون بناءها.
إنّ (الكيزان) يقومون باستخدام البدو كأدوات وسيتم رميهم - رضي الماهري أم أبى - ولن يكونوا جزءاً من مستقبل هذه البلاد إذا قُدِّر لها ألّا تنهار، لأن (الكيزان) و(البرهان) ولجنته الأمنية و(حميدتي) وقادة (الدعم السريع) ومن هم من خلفهم، فتحوا على الوطن والمواطن هذه الحرب من أجل كرسي الحكم والسلطة – رضي من رضى وأبى من أبى - فالكيزان والضحايا والبرهان هم أكثر من يعرف (حميدتي) وتاريخه، وليس المستشارين المستثارين مبرري الهمجية والهمبتة -على أنها فروسية وشجاعة- و (مُزغلَلِي) العيون بدولارات (دقلو) لازدراد حفنة من علوم التفاوض وفصاحة "الغلاط" لأغراض التسكع بين "الكلوب-هاوس" و "الفيسبوك" وعوالم الميديا الجديدة -القاطعة تاريخاً دهرياً مع البداوة - ولرفع عقيرتهم بأنّهم مستشاروا الفريق خلاء وكأنّها من تهدّجهم "شتيمة في ثوبٍ حميد" أو كأنها ليست الحقيقة!
آلة الحرب وأداة عنف الدولة التي أحرقت الملايين، كان وظلّ يُديرها هذا الثلاثي الغادر، وأنت يريدونك "ترساً" فيها، ويمكنك أن تختار: مدفوعاً برغبتك، أو مدفوعاً لك.. فأصوات الرصاص التي لم تتوقف والأطفال الذين يحتمون بكهوف الجبال من ضربات الأنتينوف في جبال النوبة ودارفور، وبيوت القش التي أُحرقت ونزح سكّانها، يُسأل عنهم (حميدتي) و (البرهان) وأسيادهما (الكيزان)! وسواء أن تشكّل سودان جديد من بين دخان القنابل أو به، أو من التقاء مرج البحرين، فسيطرد الشعب (حميدتي) و (الجنجويد) و(البرهان) و (الجيشويد)!
ومهما يكن من أمر، فهل افتعال هذه الحرب يُخلّص مليشيا (الجنجويد) من تحمّل مسئولية جرائمها سابقاً في دارفور ولاحقاً في الخرطوم منذ انتفاضة سبتمبر؟! فالتهميش، وغيرها من قضايا لم تكن يوماً أجندة (الدعم السريع) حين نشأ.. فقد كان أداة الدولة في عنفها (وهذا باعتراف مستشاري قائد الدعم السريع.. وهم هنا ليسوا بأحسن حال من الخبراء "الاسطراطيجيين" بعيد انقلاب 25 أكتوبر، ولم يكن (الجنجويد) يوماً حركة مقاومة، وإنما كانوا فقط أداة لتنفيذ القمع، (فمن سعى لنقض ما تمّ على يديه فسعيه مردود عليه) ومن مبادئ العدالة ( “who comes into equity must come with clean hands.”). فلا تليق أبداً أدلجة هذه الحرب القبيحة وهذا الصراع الكريه على السلطة، بأن يتمسّح مشعلوها وحاملوا بنادقها بالتنمية والمساواة والوطنية والديمقراطية، مما جعل غمار الناس الذين تقتلونهم بعين بصيرتهم يُسمّونها (دقلوقراطية البلابسة) فما التخريب والتدمير وسياسة الارض المحروقة إلّا من فعل ثلاثي الغدر، وديدن (الجيش) و(الجنجويد) و(الكيزان)!
وإذا كان الشعب السوداني قد بدأ شهر الحرب الثالث ولا يزال في صدمة مما يجري على الأرض؛ إلا أنّه سيفيق. حتماً سيفيق لأنّه يعلم أنّ (الجنجويد) هم حرس الحدود، هم الدفاع الشعبي، هم كتائب الظل، هم الدولة العميقة، هم الثورة المضادّة، هم "الدقن الضلالية"، هم أنس عمر والجزولي و (علي عثمان)؛ هم (حميدتي) و(البرهان) وعبدالحيّ وكل أهل "الكاف" من (كيزان) (كوبر) و (كرتي) وبقيّة الشِغّيلة والهِتِّيفة! وهم حاء الحرب، وليس الحرية والحب، وياء التدمير ورائه وليس الديمقراطية والتغيير ! سيفيق الشعب ويعرف ما الذي (حدس)؟ سيفيق لأنّ الصدمة نفسها هي التي تُعرّفهم: ما الذي يجرى الآن؟!".
فهل يُخلي (الجيش) معسكرات التدريب لصالح ميليشيا؟ إن لم يكن هذا الجيش هو نفسه مليشيا (البرهان) الانقلابية، كما سمّته قوات (الدعم السريع) في بيان يوم 12 يونيو؟! وهل الضبّاط من خريجي العلوم العسكرية الأكفاء الشرفاء الوطنيين يستوعبون أن تُطبق "مليشيا" هكذا على عاصمة البلاد، وتفضحهم أمام العالم؟! حتى وإن كانوا لا يأبهون لإرهاب وترويع الناس، فكيف يسمحون للمليشيا أن تُمارس القتل والنهب والاغتصاب والتشريد على مرأىً من العالم وشاشاته المتوحشة؟! سيفيق، ويتذكّرون من الذي قال (اذهب إلى القصر رئيساً وأنا سأذهب إلى السجن حبيسا)! ولماذا يستبعد الناس الخيانة والمؤامرة ممن جُبلوا عليها بالعقود؟! وسيأتون بالأسئلة المباشرة البسيطة -أخت الحقيقة- هل فعلاً (الكيزان) داعمين للجيش في هذه الحرب الفضّيحة؟ أم أنّهم يدعمون (الجنجويد)؟ هل ينتظرون مفاصلة أو لقاء مع أحمد منصور حتى يتبيّن لهم أنّهم ليسوا بمؤمنين وعلى استعداد لأن يُلدغوا من هذا الجحر (عشرة مرّات)!! حتماً سيفيق الشعب ويفيض ويملأ الشوارع.
aboann7@hotmail.com