في انتظار الأوهام!!

 


 

 



من طريقة استقبالها  للقرار الأممي موضع الجدل يبدو أن سعادة غامرة قد أحست بها حكومة الجنوب والمفاوضون نتيجة للقرار 2046 الذي بلا شك أن أياديهم وأيادي حلفائهم قد تدخلت لتتم صياغته بتلك الطريقة التي خرج بها. في ظني أن مصدر سعادتهم يرجع لثلاث نقاط حواها القرار: الأولى تتعلق بأبيي، فلقد حدد القرار ثلاثة أشهر لحسم قضيتها، وفي ظنهم أن القرار الذي سيصدر عن مجلس الأمن سيكون في صالحهم دون شك، متوهمين أن حلفاءهم هناك سيستطيعون طبخ قرار في مصلحتهم. لنرى أين يقف قطار أبيي الآن.عقدة أبيي تتمثل الآن في من يحق له الانتخاب من أهل المنطقة. الجنوبيون يصرون على أن الذين يحق لهم التصويت فى الاستفتاء هم دينكا نوق وبعض أفرع المسيرية وليس كل قبيلة المسيرية التي تسكن المنطقة. يا ترى هل من حق مجلس الأمن التدخل لتحديد من يحق له التصويت؟، وهب أن مجلس الأمن قرر ذلك فمن سيجري ذلك الاستفتاء بدون موافقة المسيرية؟. في هذه الحالة إذا ما تجرأ مجلس الأمن التدخل في تلك القضية فسيصبح هو من يهدد الأمن والسلم العالميين وليس السودان، إذ إن النتيجة المباشرة هي بدء حرب لا نهاية لها بالمنطقة.
يتوهم الجنوبيون أن مجلس الأمن  سيتدخل في قضية النفط لصالحهم. لكن هل مجلس الأمن قادر على فرش السعر الذي يريده  الجنوب وبأي آلية وحق؟.لم يحدث في التاريخ أن قام مجلس الأمن بالتدخل في إجبار دولة على رسوم عبور على دولة ذات سيادة، لأن النزاعات التجارية ليست من اختصاصه ولأنها في الأصل لا تهدد السلم العالمي. فمثلا إذا رفض الشمال عبور النفط على أرضية فمن حق الجنوب أن ينشئ خطا آخر عبر ممبسا أو غيرها، فليس في ذلك ما يهدد الأمن العالمي.لا أعرف كيف يصدق الجنوبيون الأوهام!!  لقد صدقوا وعود العالم حين قال لهم إنه يمكن الحصول على قروض بناء على بيع نقط في باطن الأرض، واتضح بعد ذلك أنه مجرد كذب ووهم. ها هو البنك الدولي يعلن أن اقتصاد الجنوب على وشك الانهيار. عبارة بلغية قالها أحد الدبلوماسين البريطانين لوفد جنوبي ذهب يبحث عن تمويل في لندن . قال الدبلوماسي (لا أدري كيف يقطع الشخص يده اليمنى ليستجدي الآخرين باليسرى).
الوهم الأخير  هو موضوع هجليج  إذ يتوهم الجنوبيون أنه بإدخال كلمة (مدعاة) على فقرة المناطق المتنازع عليها من شأنها أن تمنحهم هجليج. السؤال الذي سيواجه الذين زرعوا تلك الكلمة هو: هل كل من ادعى أحقيته في منطقة تمنح له؟. إذن سيفتح التفاوض على مصراعية حول كل الجنوب وكثير من المناطق التي نقلت لجنوب السودان في أي فترة من الفترات. خلال فترة احتلال هجليج أدان العالم كله الجنوب واعتبر أن احتلالها غير شرعي، وقال الأمين العام للأمم المتحدة إن احتلالها غير قانوني بمعنى أن الجنوب قد احتل أرضا لا تخصه، فكيف سيبتلع العالم كلامه الذي هو مستند رسمي و لا يمكن للمؤسسات الدولية أن تفتي في أرض لا تعلم لمن تتبع قانونا.
المشكلة أن تملأ هذه الأوهام أشرعة المفاوض الجنوبي ويعتمد على حلول تأتيه من الخارج فلا يسعى للتفاوض بجدية فتطول المفاوضات في انتظار جودو الذي سيأتي لإنقاذ الجنوب وهيهات. الجنوب الذي يواجه انهيارا وشيكا لاقتصاده بحسب البنك الدولي الذي قدر موعدا أقصاه يوليو القادم من مصلحته أن يطوي على الأقل ملف الأمن الحدودي ويترك المناطق المتنازع عليها لتحكيم دولي ويعبر مباشرة إلى التفاوض على ملف النفط الذي هو في حاجة ماسة لعائداته. إذا سارت المفاوضات بنفس نهج المناورات العقيمة السابقة فإن الجنوب سيكون أكبر المتضررين ولن تنفعه وعود أصدقائه التي سيطول أمدها.

عادل الباز

 

آراء