في حضرة المائدة المستديرة: السودان بين الحرب والسلام
رئيس التحرير: طارق الجزولي
1 December, 2024
1 December, 2024
الدكتور عزيز سليمان أستاذ السياسة والسياسات العامة
في عالمٍ باتت فيه المآسي البشرية مجرد أرقامٍ في نشرات الأخبار، يقف السودان اليوم على مفترق طرق. "مقترح" مائدة مستديرة تجمع قوات الدعم السريع، قوى الحرية والتغيير، والحكومة السودانية " الجيش"، هي فكرة "موزوزه" قد تبدو كحلمٍ بعيد المنال، في نظر ما حاق بالجيش من هدر كرامة من جهة وما حاق بالشعوب من طرد من الديار وإبادة واغتصاب وعودة الي جواري الجاهلية وسوق النخاسة. ورغم هذا وذاك تترنح المعتقدات بين همز "النخبة" في التقسيم كمهر لوقف الحرب ولمز النصر العسكري الكاسح الذي يخفي معالمه قائد الجيش في ضبابية يعلم وحيها من يعلمه.
مآسي الحرب وندوبها العميقة
لا يمكن الحديث عن حلٍّ دون مواجهة إرث الحرب الذي أوجع السودانيين. مليشيا الدعم السريع التي حولت الخرطوم ومدناً أخرى إلى ساحات حرب، ارتكبت انتهاكات جسيمة بحق المدنيين. تقارير الأمم المتحدة ومجلس الأمن حافلة بوصف الفظائع، من اغتصاباتٍ جماعية إلى عمليات قتل جماعي، وصولاً إلى تهجير الآلاف من منازلهم. هذا النزف المستمر جعل من السودان مرادفاً للمعاناة الإنسانية في هذا القرن.
وفي المقابل، تقف الحرية والتغيير بمواقفها المتناقضة. تقاربها مع الدعم السريع، رغم خطابها المدني، يثير تساؤلات حول نواياها الحقيقية. فهي لم تكتفِ بمحاولات تحجيم الجيش، بل دعمت تدخلاتٍ دولية فتحت المجال لتأثيرات خارجية مشبوهة، أبرزها علاقة بعض قياداتها بالإمارات، التي يُتهم دورها بتعميق الانقسامات الداخلية
الجالسين على الطاولة: سيناريوهات الحوار
إذا جلس الجميع على الطاولة "خط المجتمع الدولي"، فإن أول ما يُثار هو موازين القوى. الدعم السريع سيحاول التمسك بمكاسبه على الأرض، بينما ستسعى الحرية والتغيير إلى فرض أجندة مدنية تُهمّش الجيش. أما الحكومة، فستقف في موقع المساومة بين الأطراف.
لكن المعضلة الأكبر هي غياب صوت الشعب. الأغلبية الصامتة التي تحملت وطأة الحرب ليست على الطاولة. وفي ذلك، تكمن نقطة الضعف الأكبر في أي اتفاق محتمل. فالمجتمع الدولي الذي طالما كان لاعباً رئيسياً عبر قرارات مجلس الأمن، والفيتو الروسي الذي عرقل تحركات لصالح الدعم السريع، لن يكون بديلاً عن إرادة شعبية حقيقية.
الاحتمالات: بين السلام الزائف والتغيير الحقيقي
• الجلوس إلى الطاولة “كمفروضة"
قد يُثمر عن اتفاق هش يقوم على تقاسم السلطة والمصالح بين الأطراف، دون معالجة امر تأسيس الدولة. سيظل الجيش مُحجّماً، والدعم السريع محتفظاً بنفوذه، والحرية والتغيير مكبلة بتوازنات داخلية وخارجية وتوجس الرفض الشعبي وتحفظات المفكرين.
• عدم الجلوس "كعنديه"
إذا استمرت الحرب هكذا دون حسم او منهج لاستسلام الدعم السريع، فإن السودان سيواجه خطر التفكك الكامل وهذا ما تطلبه "النخبة" لذلك كلما اغلق منفذ لمد الدعم السريع بالسلاح فتحت " النخبة" اخر، مما يؤدي الي توسع رقعة النزاع وارتفاع كلفة الأرواح والموارد. في هذه الحالة، ستتفاقم الأوضاع الإنسانية، وسيتحول السودان إلى ساحة صراع إقليمي ودولي مفتوح على قدر ما تتحمل "مفاصل" الباب من سعة مرونة.
الحل: إشراك الشعب في معادلة التغيير
إن الحل يكمن في العودة إلى الشارع السوداني. فالأغلبية الصامتة ليست فقط ضحية، بل هي مفتاح السلام. لا يمكن لأي مائدة مستديرة "مفروضة" أن تنجح دون تمثيل حقيقي للمجتمع المدني، ولجان المقاومة، وكل من دفع ثمن هذه الحرب.
يجب أن يكون الشارع السوداني المحرك الرئيسي لأي حل. كما يجب أن يتم استدعاء التجارب السابقة، من مفاوضات السلام في جنوب السودان والتجربة الرواندية إلى تقارير الأمم المتحدة، التي أكدت مراراً أن الحلول المفروضة من الخارج مصيرها الفشل.
النهاية: الوطن أولاً وأخيراً
السودان ليس بحاجة إلى مزيد من الاتفاقيات الهشة أو التدخلات الخارجية المشبوهة. بل يحتاج إلى قيادة وطنية حقيقية تضع مصلحة الشعب فوق كل اعتبار. الجلوس إلى المائدة يجب أن يكون وسيلة لإنهاء الحرب بإرادة صوت الشعب وكتلته الحرجة، لا للحوار حول الكراسي والموارد الاقتصادية والإفلات من العقاب بدرق الوظيفة الدستورية وطول البندقية..
وفي كل هذا، يبقى السؤال الأكبر: هل سنشهد يوماً يُرفع فيه صوت الشعب فوق أصوات البنادق و "الكارتيلات"؟
quincysjones@hotmail.com
في عالمٍ باتت فيه المآسي البشرية مجرد أرقامٍ في نشرات الأخبار، يقف السودان اليوم على مفترق طرق. "مقترح" مائدة مستديرة تجمع قوات الدعم السريع، قوى الحرية والتغيير، والحكومة السودانية " الجيش"، هي فكرة "موزوزه" قد تبدو كحلمٍ بعيد المنال، في نظر ما حاق بالجيش من هدر كرامة من جهة وما حاق بالشعوب من طرد من الديار وإبادة واغتصاب وعودة الي جواري الجاهلية وسوق النخاسة. ورغم هذا وذاك تترنح المعتقدات بين همز "النخبة" في التقسيم كمهر لوقف الحرب ولمز النصر العسكري الكاسح الذي يخفي معالمه قائد الجيش في ضبابية يعلم وحيها من يعلمه.
مآسي الحرب وندوبها العميقة
لا يمكن الحديث عن حلٍّ دون مواجهة إرث الحرب الذي أوجع السودانيين. مليشيا الدعم السريع التي حولت الخرطوم ومدناً أخرى إلى ساحات حرب، ارتكبت انتهاكات جسيمة بحق المدنيين. تقارير الأمم المتحدة ومجلس الأمن حافلة بوصف الفظائع، من اغتصاباتٍ جماعية إلى عمليات قتل جماعي، وصولاً إلى تهجير الآلاف من منازلهم. هذا النزف المستمر جعل من السودان مرادفاً للمعاناة الإنسانية في هذا القرن.
وفي المقابل، تقف الحرية والتغيير بمواقفها المتناقضة. تقاربها مع الدعم السريع، رغم خطابها المدني، يثير تساؤلات حول نواياها الحقيقية. فهي لم تكتفِ بمحاولات تحجيم الجيش، بل دعمت تدخلاتٍ دولية فتحت المجال لتأثيرات خارجية مشبوهة، أبرزها علاقة بعض قياداتها بالإمارات، التي يُتهم دورها بتعميق الانقسامات الداخلية
الجالسين على الطاولة: سيناريوهات الحوار
إذا جلس الجميع على الطاولة "خط المجتمع الدولي"، فإن أول ما يُثار هو موازين القوى. الدعم السريع سيحاول التمسك بمكاسبه على الأرض، بينما ستسعى الحرية والتغيير إلى فرض أجندة مدنية تُهمّش الجيش. أما الحكومة، فستقف في موقع المساومة بين الأطراف.
لكن المعضلة الأكبر هي غياب صوت الشعب. الأغلبية الصامتة التي تحملت وطأة الحرب ليست على الطاولة. وفي ذلك، تكمن نقطة الضعف الأكبر في أي اتفاق محتمل. فالمجتمع الدولي الذي طالما كان لاعباً رئيسياً عبر قرارات مجلس الأمن، والفيتو الروسي الذي عرقل تحركات لصالح الدعم السريع، لن يكون بديلاً عن إرادة شعبية حقيقية.
الاحتمالات: بين السلام الزائف والتغيير الحقيقي
• الجلوس إلى الطاولة “كمفروضة"
قد يُثمر عن اتفاق هش يقوم على تقاسم السلطة والمصالح بين الأطراف، دون معالجة امر تأسيس الدولة. سيظل الجيش مُحجّماً، والدعم السريع محتفظاً بنفوذه، والحرية والتغيير مكبلة بتوازنات داخلية وخارجية وتوجس الرفض الشعبي وتحفظات المفكرين.
• عدم الجلوس "كعنديه"
إذا استمرت الحرب هكذا دون حسم او منهج لاستسلام الدعم السريع، فإن السودان سيواجه خطر التفكك الكامل وهذا ما تطلبه "النخبة" لذلك كلما اغلق منفذ لمد الدعم السريع بالسلاح فتحت " النخبة" اخر، مما يؤدي الي توسع رقعة النزاع وارتفاع كلفة الأرواح والموارد. في هذه الحالة، ستتفاقم الأوضاع الإنسانية، وسيتحول السودان إلى ساحة صراع إقليمي ودولي مفتوح على قدر ما تتحمل "مفاصل" الباب من سعة مرونة.
الحل: إشراك الشعب في معادلة التغيير
إن الحل يكمن في العودة إلى الشارع السوداني. فالأغلبية الصامتة ليست فقط ضحية، بل هي مفتاح السلام. لا يمكن لأي مائدة مستديرة "مفروضة" أن تنجح دون تمثيل حقيقي للمجتمع المدني، ولجان المقاومة، وكل من دفع ثمن هذه الحرب.
يجب أن يكون الشارع السوداني المحرك الرئيسي لأي حل. كما يجب أن يتم استدعاء التجارب السابقة، من مفاوضات السلام في جنوب السودان والتجربة الرواندية إلى تقارير الأمم المتحدة، التي أكدت مراراً أن الحلول المفروضة من الخارج مصيرها الفشل.
النهاية: الوطن أولاً وأخيراً
السودان ليس بحاجة إلى مزيد من الاتفاقيات الهشة أو التدخلات الخارجية المشبوهة. بل يحتاج إلى قيادة وطنية حقيقية تضع مصلحة الشعب فوق كل اعتبار. الجلوس إلى المائدة يجب أن يكون وسيلة لإنهاء الحرب بإرادة صوت الشعب وكتلته الحرجة، لا للحوار حول الكراسي والموارد الاقتصادية والإفلات من العقاب بدرق الوظيفة الدستورية وطول البندقية..
وفي كل هذا، يبقى السؤال الأكبر: هل سنشهد يوماً يُرفع فيه صوت الشعب فوق أصوات البنادق و "الكارتيلات"؟
quincysjones@hotmail.com