دفعني لكتابة هذه الكلمة القصيرة مداخلة مبثوثة على قروبات الواتساب عن تجربة ليبريا في انتقال السلطة. جوهر البوست أن انشاء بعثة الأمم المتحدة المتكاملة في ليبريا (لحفظ السلام) ضمن ترتيبات السلام التي اعقبت انتهاء الحرب الأهلية الثانية في 2003, وبقائها حتى 2018، مكن البلاد من الانتقال إلى دولة ديمقراطية كاملة الدسم، بمؤشر تبادل سلمي للسلطة عبر ثلاث دورات انتخابية خلال هذه الفترة.
تجربة بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام في ليبريا تطورت من دعم المنظمة الإقليمية لغرب افريقيا ECOWAS، وبدأت منذ 1993 ببعثة الأمم المتحدة للمراقبة UNOMIL، وبعد اندلاع الجرب الأهلية الثانية في 1999 أنشأت الامم المتحدة المكتب الداعم لبناء السلام UNOL، ولم تشكل بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام الا في 2003
فتجربة ليبريا لا علاقة لها بالنزاعات السودانية، وطبيعتها مختلفة تماما عن ما يطلبه رئيس الوزراء الذي يطلب *بعثة سياسية خاصة من الأمم المتحدة SPM* وهي أحد آليات المنظمة الدولية في منع حدوث النزاعات والمساعدة في حلها، اضافة إلى بناء السلام المستدام.
ومن مهام مثل هذه البعثات قد تتضمن دعم عمليات سياسية وسلمية معقدة، قد تشمل: 1) دعم المصالحات (افغانستان والعراق)، 2) المصالحة والتسهيل (الشرق الأوسط)، 3) المحافظة على عمليات الحوار السياسي بين أصحاب المصلحة (لبنان والصومال)، 4) المساعدة الانتخابية (سيراليون)، 5) تنسيق مساعدات المانحين وتعبئة الموارد (غينيا بيساو وافغانستان)، 6) تقوية القدرات الوطنية ودعم الأولويات الوطنية اللازمة لإنجاح عملية بناء السلام، مثل *حكم القانون، إصلاح القطاع الأمني، DDR، إزالة الالغام (بروندي، ليبيا، سيراليون والصومال)!*
إذن لا خلاف حول طلب رئيس الوزراء ويتسق تماما مع دور الأمم المتحدة والآليات التي تستخدمها لحفظ السلام والأمن الدوليين! ولا يصح النيل من رئيس الوزراء ودمغه بالعمالة والخيانة الوطنية جراء طلب مشروع ومطروق، ولو كان مثيرا للجدل في سياقنا السياسي الراهن.
في رأيي، المشكلة في الأمر هي غموض طبيعة العلاقة، بغض النظر عن نصوص الوثيقة الدستورية، بين مؤسسات الانتقال، من جهة، وشروط وظروف عملية إتخاذ القرار، من جهة اخرى!
الرجوع لكل الأمثلة الواردة اعلاه يؤكد على أن استدعاء البعثة الأممية السياسية الخاصة يستدعى التوافق السياسي بين كل أصحاب المصلحة، من ناحية، وتوفر الشروط التي تدفع بمجلس الأمن لاتخاذ القرار بالموافقة!
نحن نعيش في وضع انتقالي نتج عن ثورة سلمية، وليس تسوية سياسية لنزاع مسلح، ولو أن مثل هذه تسوية ما زال الطريق إليها متعثرا. صحبت ثورة ديسمبر استقطابات سياسية حادة على المستويين المدني والعسكري، وبين الطرفين في مؤسسة الحكم الانتقالية، فالسؤال الذي يبحث عن إجابة *هل تنجح البعثة الدولية السياسية الخاصة في هكذا ظروف؟ وبجانب أصحاب المصلحة المدنيين، في تحالف قوى الحرية والتغيير، وغيرها من قوى فاعلة على الساحة، هل عمل رئيس الوزراء على جس نبض قوى التغيير المسلحة؟*
قلت لرئيس الوزراء في رسالة مفتوحة في أغسطس من العام الماضي أن *كلمة المرور للعبور الآمن تتلخص في مقدرته على خلق أكبر قدر من التوافق السياسي!*.
فإن نجاح فكرة الاستعانة المشروعة ببعثة دولية سياسية خاصة مرهون بتحقيق هذا التوافق عليها مع أصحاب المصلحة!