قدر الأمم ومصيرها يبدأ من الفصل الدراسي، طموحات ما بعد الحرب – الجزء (18)
د. أحمد جمعة صديق
9 March, 2024
9 March, 2024
استراتيجية لإصلاح التعليم في السودان تماشياً مع شعارات ثورة ديسمبر 2018
بقلم
الدكتور أحمد جمعة صديق
جامعة الزعيم الأزهري - جامعة الخرطوم
شهادات التعليم العام في السودان بين الجرح والتعديل
)مشروع لاعادة صياغة الشهادة السودانية): الجزء (81)
الربح والخسارة: ماذا ينتج من إلغاء شهادات التعليم العام؟
مـن حقنـا أن يطرح السـؤال أعـلاه. وفي الحقيقـة نحـن لا نطالـب بإلغـاء الشـهادات العامة؛بل ندعـو الى آليـة جديـدة لمنح هـذه الشـهادات لتبشر بتخريـج ونجـاح الطالب في اكمـال مسيرته التعليمية. ونهـدف الى عمليـة منـح الشـهادة أن تكـون عمليـة ميسـرة بعيدة عـن إهـدار الوقـت والمال وخاليـة مـن الجهـد العقـلي والبـدني المتعاظم والتوتـر والضغـوط النفسـية للطلاب وذويهـم. نـرى منح الشـهادة السـودانية وبالاسم نفسـه لكـن بآليـات مختلفـة. سـيكون المرشـحون المؤهلون للحصـول عـلى هـذه الشـهادة هـم من أنهـوا تعليمهـم الثانـوي، بعـد أن جلسـوا لامتحانات النقـل التـي تجـرى في نفـس المدرسة، مـن قبـل نفـس المعلمين وفي نفـس المكان. إذن مـا الـذي تعتقـد أننـا سنخسره أو نكسـبه مـن ذلـك؟ مــن خلال اتبــاع هــذه السياســه الجديــدة في منــح هــذه الشــهادات دون الحاجــة الى إجــراء اختبــارات قومي موحــد، لــن نخـسـر شيئاً بــل سنكســب كل شئ تقريبــاً. وســتكون مكاســبنا كالآتي:
• تخفيف الضغوط النفسية:
يواجه الطلاب ضغوطاً نفسية هائلة عادة ما تنشأ من التوتر الناجم للاستعداد لخوض امتحانات الشهادة الثانوية السودانية. يعتبر الامتحان حدثًا مهماً ومحورياً، حيث يبذل الطلاب وأسرهم جهداً كبيرًا لتسهيل مرورهم بهذه التجربة بأفضل الطرق الممكنة. تؤدي هذه العملية إلى توليد توتر عالي بين الممتحنين وعائلاتهم، حيث يعيشون في حالة طوارئ تنتهي بانتهاء عملية الامتحان. أما الامتحان والشهادة في نسختها الجديدة التي نقترحها ستخفف من هذا التوتر وتحفظ كرامة الممتحن، حيث ستكون العملية سهلة وممكنة لتحقيقها بنهاية الدراسة في المدرسة. لن تكون هناك حاجة لمزيد من التوتر، حيث سيكون يوم الاختبار النهائي كأي يوم آخر في المدرسة. الاختلاف الوحيد الذي سيشعر به الطالب هو أن هذا اليوم سيكون اليوم الأخير في مدرستهم المحبوبة، وقد يكون ذلك اليوم هو اليوم الأخير الذي يودعـون فيـه زمالائهـم ومعلميهـم والاماكن المجاورة للمدرسة التي الفوها لفترة من الوقت.
وضع الأسرة:
يعتبر الجلوس لشهادة الثانوية وقتاً حرجاً للأسرة على المستويات النفسية والاجتماعية والاقتصادية.
• نفسياً:
تتعرض الأسرة لضغوط شديدة اذ ستعمل ليلاً ونهاراً لتزويد الممتحنين بكل ما يلزم لجعل رحلتهم إلى الامتحان النهائي سهلة ومريحة. وربما تتعارض هذه العملية مع احتياجات ورغبات الأشخاص الآخرين في الأسرة، اذ سيتعين عليها إلغاء معظم الارتباطات الاجتماعية مع الجيران والأقارب للحفاظ على مناخ هادئ للممتحن. هذه المسألة مرهقة للغاية ولها تأثير اجتماعي، حيث يتم إيقاف الزيارات أو الترفيه، وهذا سيؤثر بشكل خاص على الأطفال والشباب الآخرين في الاسرة الذيـن سـيتعين عليهـم الحفـاظ عـلى كل شئ هـاديء حتـى نهايـة الرحلـة.
• اقتصاديًا:
يضطر الأهالي إلى دفع أموال إضافية مقابل التدريس الإضافي، وقد تتحمل بعض الأسر تكاليف المعلمين الخاصين لإجراء دروس خصوصية لجميع المواد، بينما قد يجد البعض الآخر صعوبة في الحصول على هذه الدروس الخصوصية. تفتح المدارس الخاصة أبوابها للمعسكرات وتحتفظ بالأطفال لساعات طويلة في التدريس الإضافي، والعديد من هذه المعسكرات يشوبها بعض المخالفات. موسم الاختبارات القومية السنوية يكون دائماً موسماً لجني الاموال الطائلة في أنشطة غير ذات صلة مباشرة باهداف الدراسة. ومعظم هذه الأنشطة ليس لها تأثير إيجابي على التعليم والتعلم. لذلك، سيتم إلغاء كل هذه الممارسات السيئة لأنه ليس لها أثر إيجابي في عملية التدريس والتعلم،اذ يكون كل الجهود في التدريس من أجل الامتحان فقط. وهذا سلوك غير تربوي بل مدمر للعملية التعليمية برمتها.
• الدروس الخصوصية:
تستخدم المدارس الخاصة الدروس الخصوصية لتحقيق أقصى استفادة من هذا الوقت لجني المال دون معارف أو مهارات إضافية للأطفال. فالدروس تدور حول كيفية اجتياز الاختبار فقط، حيث يتم التدريس لأجل الاختبار. يتم إقامة المعسكرات ويجمع مئات الطلاب لاكتساب تقنيات إجراء الاختبار ولكن لا شئ يهدف بتأمين تعليم حقيقي وطبيعي.
• إعلان نتائج الشهادة السودانية:
طريقة إعلان نتائج الشهادة السودانية ممارسة سيئة؛ فعادة ما يأتي وزير التعليم ليصنع مهرجاناً من هذا الحدث. يقرأ الأرقام ويذكر أسماء المدارس التي تفوق فيها الطلاب. هذا النوع من الإعلان سلوك غير تربوي حيث تبدو وزارة التعليم مثل سمسار في بورصة يبيع سلعاً كاسدة في المزاد. هذه الممارسة ضارة للغاية ومخزية، إذ يستخدم الإعلان في تسويق بعض المدارس بدلاً من تقديم تحليل علمي مفيد مدعوم بالإحصائيات والأرقام عن المخرجات الحقيقة للتعليم والاختبارات، لتخبرنا مدى التقدم الذي تم تحقيقه ومقدارما تعلمه أبناؤنا في هذه المدارس، وإلى أي حد يستطيع هؤلاء الأطفال استخدام هذه المعارف والمهارات في حياتهم اليومية.
• تحسين التعليم والتعلم:
الامتحان وسيلة للقياس حيث يعطينا فكرة عن أداء الطلاب والمعلمين ومديري المدارس والمرشدين التربويين وكذلك يمكنه إخبارنا عن نجاح المنهج الدراسي ومدى تحقيق الاهداف التربوية والتعليمية على المستوى القومي.
تعتبر الاختبارات أيضاً وسيلة للتحكم حيث يمكن أن تعكس نتائج الامتحانات مقدار التزام المعلمين في تدريس عناصر المنهج الدراسي وتنفيذ الخطة التربوية واتباع الخريطة التعليمية كما هو مرسوم لها على مستوى الدولة، وأن الطلاب قد نجحوا في تعلم وفهم واستيعاب المقرر بأكمله.
ستشجع سياستنا الجديدة المعلمين على مراجعة المنهج بأكمله من خلال التعامل الجاد لأن الشهادة السودانية لن تكون المعيار الوحيد للقبول بالجامعة؛ اذ نقترح على الجامعات تصميم شروط قبول جديدة وإجراء تقييم محلي داخلي يمكنها من اختيار مرشحيهم الجدد من الطلاب. لذا فإن أي طالب يرغب في الالتحاق بالجامعة سيحتاج إلى تدريس حقيقي في مدرسته لتأهيله لاجتياز امتحانات القبول التي ستتم تصميمها من قبل السلطة المحلية بالجامعة المعنية. لذلك يتعين على كل من المعلمين والطلاب العمل بجد لمواجهة التحدي وتأهيل الطلاب لاجتياز امتحانات القبول التي ستجري بصورة شاملة أو فردية من قبل كل جامعة. وباختصار، ستكون لهذه السياسة الجديدة تأثير على المعلمين ليقوموا بالتدريس بفعالية لتحقيق أهداف المقرر الدراسي أو المنهج الدراسي وسيجبر الطلاب على تبني استراتيجيات وتقنيات تعلم حقيقية ليس من أجل اجتياز الاختبار بل من أجل الحياة. كما سينعدم الغش والتلاعب بالامتحانات وتتوقف عملية التسريب الذي يضر بسمعة الممتحنين والطلاب على السواء.
• تعديل سياسة القبول والاختيار للطالب الجديد في الجامعات ومعاهد التعليم العالي
ستلزم هذه السياسة الجديدة الجامعات في البحث عن معايير قبول جديدة في الأقسام والبرامج. لن تكون الجامعة ملزمة بعد الآن بالالتزام بالشهادات المدرسية من التعليم العام. ستكون للجامعات معايير إضافية تصممها وتديرها الجامعات بنفسها، وربما تحدد كل جامعة شروط قبولها للطلاب الجدد. لذا فإن الوافدين الجدد سيجلسون لبرنامج تحدده الجامعة نفسها. ومن المتوقع أن يتم تصميم هذا النوع من الاختبارات بصورة احترافية ليتم اختيار من بين أفضل الممتحنين للقبول بالجامعة المعنية.
• تقليل الفاقد التربوي:
نعتقد بأنه عندما يكون للجامعات حرية اختيار طلابها وفقاً لمعايير جديدة، فإنها ستحرص على التأكد من استخدام معايير جيدة لاستقطاب أجيال الطلاب الجدد الذين سيشرفون الحرم الجامعي بآمال حقيقية. وسيتم اختيار هؤلاء القادمين الجدد بنزاهة واحترافية عالية. وستقوم الجامعة بعد ذلك بتأمين برامجها والتأكد من أن جميع هؤلاء الأشخاص تقريباً سوف يجتازون اختباراتهم النهائية بنسبة 99% دون إهدار أو تبذير في الموارد البشرية.
• توفير المال:
يتـم تخصيـص الكثـر مـن الاموال من ميزانية الدولة كل عـام لادارة عمليـة امتحانـات الشـهادة المدرسية في السـودان. هنـاك العديـد مـن المراحل التـي تكلـف الكثيـر مـن المال لتمكـن الطلاب مـن الجلـوس للامتحانات النهائية. ليس في متناول يدي أن أقول كم من المال تكلف امتحانات الشهادة السودانية، ولكن على حد علمي، من مصدر رفيع يعمل في وزارة التربية والتعليم ولديه معرفة حول سير الأمور في قسم امتحانات السودان؛أخبرني أن تكلفة عملية إدارة امتحان الشهادة السودانية تبلغ أضعاف الميزانية السنوية لوزارة التربية والتعليم الفيدرالية في السودان. وليس لدي طرف ثالث للتحقق من هذه الأرقام، لكنني متأكد من أن هذه الأموال أموال مهدرة في مثل هذا العمل ومكاسب دون المتوقع، حيث أن هذه الأوراق (الشهادة) التي تمنح لمن أكملوا المرحلة الثانوية وانتهاء التعليم العام شهادات غير صالحة عملياً لقياس أي هدف من أهدافنا التربوية الخاصة أو العامة، إذ تخضع هذه الشهادات لعمليات إحصائية وعمليات تجميل في مطابخ وزارة التربية، وهي قطعاً لا تعبر عن الحقيقة. والطلاب أنفسهم يدركون أن هذا العمل لا يعبر عنهم بصدق، لانهم يعرفون تماماً ما يحدث في اختبارات الشهادة السودانية من غش وتسرب يقدح في صدق الأرقام التي يجدونها في أوراق شهاداتهم الموسومة بختم وزارة التربية والتعليم والموثقة بختم وزارة الخارجية بالسودان. نحن نرى توجيه هذه الأموال الطائلة لتحسين رواتب أعضاء هيئة التدريس وتدريب أفضل لكادر التعليم بالإضافة إلى تحسين البيئة المدرسية لجعلها أكثر جاذبية لصغار الدارسين.
aahmedgumaa@yahoo.com
//////////////////////
بقلم
الدكتور أحمد جمعة صديق
جامعة الزعيم الأزهري - جامعة الخرطوم
شهادات التعليم العام في السودان بين الجرح والتعديل
)مشروع لاعادة صياغة الشهادة السودانية): الجزء (81)
الربح والخسارة: ماذا ينتج من إلغاء شهادات التعليم العام؟
مـن حقنـا أن يطرح السـؤال أعـلاه. وفي الحقيقـة نحـن لا نطالـب بإلغـاء الشـهادات العامة؛بل ندعـو الى آليـة جديـدة لمنح هـذه الشـهادات لتبشر بتخريـج ونجـاح الطالب في اكمـال مسيرته التعليمية. ونهـدف الى عمليـة منـح الشـهادة أن تكـون عمليـة ميسـرة بعيدة عـن إهـدار الوقـت والمال وخاليـة مـن الجهـد العقـلي والبـدني المتعاظم والتوتـر والضغـوط النفسـية للطلاب وذويهـم. نـرى منح الشـهادة السـودانية وبالاسم نفسـه لكـن بآليـات مختلفـة. سـيكون المرشـحون المؤهلون للحصـول عـلى هـذه الشـهادة هـم من أنهـوا تعليمهـم الثانـوي، بعـد أن جلسـوا لامتحانات النقـل التـي تجـرى في نفـس المدرسة، مـن قبـل نفـس المعلمين وفي نفـس المكان. إذن مـا الـذي تعتقـد أننـا سنخسره أو نكسـبه مـن ذلـك؟ مــن خلال اتبــاع هــذه السياســه الجديــدة في منــح هــذه الشــهادات دون الحاجــة الى إجــراء اختبــارات قومي موحــد، لــن نخـسـر شيئاً بــل سنكســب كل شئ تقريبــاً. وســتكون مكاســبنا كالآتي:
• تخفيف الضغوط النفسية:
يواجه الطلاب ضغوطاً نفسية هائلة عادة ما تنشأ من التوتر الناجم للاستعداد لخوض امتحانات الشهادة الثانوية السودانية. يعتبر الامتحان حدثًا مهماً ومحورياً، حيث يبذل الطلاب وأسرهم جهداً كبيرًا لتسهيل مرورهم بهذه التجربة بأفضل الطرق الممكنة. تؤدي هذه العملية إلى توليد توتر عالي بين الممتحنين وعائلاتهم، حيث يعيشون في حالة طوارئ تنتهي بانتهاء عملية الامتحان. أما الامتحان والشهادة في نسختها الجديدة التي نقترحها ستخفف من هذا التوتر وتحفظ كرامة الممتحن، حيث ستكون العملية سهلة وممكنة لتحقيقها بنهاية الدراسة في المدرسة. لن تكون هناك حاجة لمزيد من التوتر، حيث سيكون يوم الاختبار النهائي كأي يوم آخر في المدرسة. الاختلاف الوحيد الذي سيشعر به الطالب هو أن هذا اليوم سيكون اليوم الأخير في مدرستهم المحبوبة، وقد يكون ذلك اليوم هو اليوم الأخير الذي يودعـون فيـه زمالائهـم ومعلميهـم والاماكن المجاورة للمدرسة التي الفوها لفترة من الوقت.
وضع الأسرة:
يعتبر الجلوس لشهادة الثانوية وقتاً حرجاً للأسرة على المستويات النفسية والاجتماعية والاقتصادية.
• نفسياً:
تتعرض الأسرة لضغوط شديدة اذ ستعمل ليلاً ونهاراً لتزويد الممتحنين بكل ما يلزم لجعل رحلتهم إلى الامتحان النهائي سهلة ومريحة. وربما تتعارض هذه العملية مع احتياجات ورغبات الأشخاص الآخرين في الأسرة، اذ سيتعين عليها إلغاء معظم الارتباطات الاجتماعية مع الجيران والأقارب للحفاظ على مناخ هادئ للممتحن. هذه المسألة مرهقة للغاية ولها تأثير اجتماعي، حيث يتم إيقاف الزيارات أو الترفيه، وهذا سيؤثر بشكل خاص على الأطفال والشباب الآخرين في الاسرة الذيـن سـيتعين عليهـم الحفـاظ عـلى كل شئ هـاديء حتـى نهايـة الرحلـة.
• اقتصاديًا:
يضطر الأهالي إلى دفع أموال إضافية مقابل التدريس الإضافي، وقد تتحمل بعض الأسر تكاليف المعلمين الخاصين لإجراء دروس خصوصية لجميع المواد، بينما قد يجد البعض الآخر صعوبة في الحصول على هذه الدروس الخصوصية. تفتح المدارس الخاصة أبوابها للمعسكرات وتحتفظ بالأطفال لساعات طويلة في التدريس الإضافي، والعديد من هذه المعسكرات يشوبها بعض المخالفات. موسم الاختبارات القومية السنوية يكون دائماً موسماً لجني الاموال الطائلة في أنشطة غير ذات صلة مباشرة باهداف الدراسة. ومعظم هذه الأنشطة ليس لها تأثير إيجابي على التعليم والتعلم. لذلك، سيتم إلغاء كل هذه الممارسات السيئة لأنه ليس لها أثر إيجابي في عملية التدريس والتعلم،اذ يكون كل الجهود في التدريس من أجل الامتحان فقط. وهذا سلوك غير تربوي بل مدمر للعملية التعليمية برمتها.
• الدروس الخصوصية:
تستخدم المدارس الخاصة الدروس الخصوصية لتحقيق أقصى استفادة من هذا الوقت لجني المال دون معارف أو مهارات إضافية للأطفال. فالدروس تدور حول كيفية اجتياز الاختبار فقط، حيث يتم التدريس لأجل الاختبار. يتم إقامة المعسكرات ويجمع مئات الطلاب لاكتساب تقنيات إجراء الاختبار ولكن لا شئ يهدف بتأمين تعليم حقيقي وطبيعي.
• إعلان نتائج الشهادة السودانية:
طريقة إعلان نتائج الشهادة السودانية ممارسة سيئة؛ فعادة ما يأتي وزير التعليم ليصنع مهرجاناً من هذا الحدث. يقرأ الأرقام ويذكر أسماء المدارس التي تفوق فيها الطلاب. هذا النوع من الإعلان سلوك غير تربوي حيث تبدو وزارة التعليم مثل سمسار في بورصة يبيع سلعاً كاسدة في المزاد. هذه الممارسة ضارة للغاية ومخزية، إذ يستخدم الإعلان في تسويق بعض المدارس بدلاً من تقديم تحليل علمي مفيد مدعوم بالإحصائيات والأرقام عن المخرجات الحقيقة للتعليم والاختبارات، لتخبرنا مدى التقدم الذي تم تحقيقه ومقدارما تعلمه أبناؤنا في هذه المدارس، وإلى أي حد يستطيع هؤلاء الأطفال استخدام هذه المعارف والمهارات في حياتهم اليومية.
• تحسين التعليم والتعلم:
الامتحان وسيلة للقياس حيث يعطينا فكرة عن أداء الطلاب والمعلمين ومديري المدارس والمرشدين التربويين وكذلك يمكنه إخبارنا عن نجاح المنهج الدراسي ومدى تحقيق الاهداف التربوية والتعليمية على المستوى القومي.
تعتبر الاختبارات أيضاً وسيلة للتحكم حيث يمكن أن تعكس نتائج الامتحانات مقدار التزام المعلمين في تدريس عناصر المنهج الدراسي وتنفيذ الخطة التربوية واتباع الخريطة التعليمية كما هو مرسوم لها على مستوى الدولة، وأن الطلاب قد نجحوا في تعلم وفهم واستيعاب المقرر بأكمله.
ستشجع سياستنا الجديدة المعلمين على مراجعة المنهج بأكمله من خلال التعامل الجاد لأن الشهادة السودانية لن تكون المعيار الوحيد للقبول بالجامعة؛ اذ نقترح على الجامعات تصميم شروط قبول جديدة وإجراء تقييم محلي داخلي يمكنها من اختيار مرشحيهم الجدد من الطلاب. لذا فإن أي طالب يرغب في الالتحاق بالجامعة سيحتاج إلى تدريس حقيقي في مدرسته لتأهيله لاجتياز امتحانات القبول التي ستتم تصميمها من قبل السلطة المحلية بالجامعة المعنية. لذلك يتعين على كل من المعلمين والطلاب العمل بجد لمواجهة التحدي وتأهيل الطلاب لاجتياز امتحانات القبول التي ستجري بصورة شاملة أو فردية من قبل كل جامعة. وباختصار، ستكون لهذه السياسة الجديدة تأثير على المعلمين ليقوموا بالتدريس بفعالية لتحقيق أهداف المقرر الدراسي أو المنهج الدراسي وسيجبر الطلاب على تبني استراتيجيات وتقنيات تعلم حقيقية ليس من أجل اجتياز الاختبار بل من أجل الحياة. كما سينعدم الغش والتلاعب بالامتحانات وتتوقف عملية التسريب الذي يضر بسمعة الممتحنين والطلاب على السواء.
• تعديل سياسة القبول والاختيار للطالب الجديد في الجامعات ومعاهد التعليم العالي
ستلزم هذه السياسة الجديدة الجامعات في البحث عن معايير قبول جديدة في الأقسام والبرامج. لن تكون الجامعة ملزمة بعد الآن بالالتزام بالشهادات المدرسية من التعليم العام. ستكون للجامعات معايير إضافية تصممها وتديرها الجامعات بنفسها، وربما تحدد كل جامعة شروط قبولها للطلاب الجدد. لذا فإن الوافدين الجدد سيجلسون لبرنامج تحدده الجامعة نفسها. ومن المتوقع أن يتم تصميم هذا النوع من الاختبارات بصورة احترافية ليتم اختيار من بين أفضل الممتحنين للقبول بالجامعة المعنية.
• تقليل الفاقد التربوي:
نعتقد بأنه عندما يكون للجامعات حرية اختيار طلابها وفقاً لمعايير جديدة، فإنها ستحرص على التأكد من استخدام معايير جيدة لاستقطاب أجيال الطلاب الجدد الذين سيشرفون الحرم الجامعي بآمال حقيقية. وسيتم اختيار هؤلاء القادمين الجدد بنزاهة واحترافية عالية. وستقوم الجامعة بعد ذلك بتأمين برامجها والتأكد من أن جميع هؤلاء الأشخاص تقريباً سوف يجتازون اختباراتهم النهائية بنسبة 99% دون إهدار أو تبذير في الموارد البشرية.
• توفير المال:
يتـم تخصيـص الكثـر مـن الاموال من ميزانية الدولة كل عـام لادارة عمليـة امتحانـات الشـهادة المدرسية في السـودان. هنـاك العديـد مـن المراحل التـي تكلـف الكثيـر مـن المال لتمكـن الطلاب مـن الجلـوس للامتحانات النهائية. ليس في متناول يدي أن أقول كم من المال تكلف امتحانات الشهادة السودانية، ولكن على حد علمي، من مصدر رفيع يعمل في وزارة التربية والتعليم ولديه معرفة حول سير الأمور في قسم امتحانات السودان؛أخبرني أن تكلفة عملية إدارة امتحان الشهادة السودانية تبلغ أضعاف الميزانية السنوية لوزارة التربية والتعليم الفيدرالية في السودان. وليس لدي طرف ثالث للتحقق من هذه الأرقام، لكنني متأكد من أن هذه الأموال أموال مهدرة في مثل هذا العمل ومكاسب دون المتوقع، حيث أن هذه الأوراق (الشهادة) التي تمنح لمن أكملوا المرحلة الثانوية وانتهاء التعليم العام شهادات غير صالحة عملياً لقياس أي هدف من أهدافنا التربوية الخاصة أو العامة، إذ تخضع هذه الشهادات لعمليات إحصائية وعمليات تجميل في مطابخ وزارة التربية، وهي قطعاً لا تعبر عن الحقيقة. والطلاب أنفسهم يدركون أن هذا العمل لا يعبر عنهم بصدق، لانهم يعرفون تماماً ما يحدث في اختبارات الشهادة السودانية من غش وتسرب يقدح في صدق الأرقام التي يجدونها في أوراق شهاداتهم الموسومة بختم وزارة التربية والتعليم والموثقة بختم وزارة الخارجية بالسودان. نحن نرى توجيه هذه الأموال الطائلة لتحسين رواتب أعضاء هيئة التدريس وتدريب أفضل لكادر التعليم بالإضافة إلى تحسين البيئة المدرسية لجعلها أكثر جاذبية لصغار الدارسين.
aahmedgumaa@yahoo.com
//////////////////////