قراءة في دفاتر نيويورك -2- .. طه .. رسالة أخيرة للعالم … بقلم: عادل الباز

 


 

عادل الباز
27 September, 2010

 


27/9/2010
بعث السيد علي عثمان برسالته النهائية للمجتمع الدولي، ورأى أن يعرض فيها كل إنجازات حكومته وهمومها، ويعلن فيها التزاماتها المستقبلية في دارفور والشرق والجنوب، ثم يحمّل المجتمع الدولي مسئولياته تجاه ما يجري في السودان باعتباره شريكاً ولاعباً أساسياً في ما جرى بالبلاد غرباً وجنوباً، ولدوره المتوقع في ما يجري بكلا الجهتين.
هناك إشاراتان جديرتان بالتوقف عندهما؛ لأنهما تمثلان جوهر خطاب الحكومة للعالم في الشأن الذي تنادى له المجتمع الدولي قاطبة. قبل ذلك لابد من الإشارة لبراعة الافتتاح وحسن الاستهلال الذي بدأ به الأستاذ علي عثمان خطابه. انظر لهذا المدخل الذكي: (كما أودّ أن أبدي إعجابي بالرئيس أوباما من أجل الجهود التي بذلها من أجل أن يكون هنا، بالتزاماته المعروفة تجاه السلام، وبجهوده الدولية غير المتوقعة والدوؤبة أبداً للوصول لنتائج جيدة في ما يتعلق بمآلات الأمة). عُرف عن علي عثمان الذكاء السياسي ومهاراته وبراعته، والتي استخدمها في محاولة لتحييد خصم ليس من صداقته بد!!.
(سيادتي سادتي نحن نواجه الآن مسئولياتنا ودعوني أضع خطاً تحت كلمة الاستفتاء ومآلاته التي ستنجم عنه، وأقول ذلك مخاطباً شريكنا «الحركة الشعبية» في الجنوب وشركاءنا الدوليين؛ أقول إن هذا الاستفتاء سيعكس رغبة الجنوبيين من الناحية اللوجيستية والسياسية دون أي تباطؤ متعمّد من أحد، وسنعمل بمثابرة ودأب على تنفيذ الاستفتاء والإيفاء بسهمنا فيه). الى هنا أسمع طه العالم النغمة التي كان يرجو أن يسمعها من فم النائب علي عثمان، وبدون هذه الكلمات المطمئنة حول الموضوع الأساسي لايستقيم أي حديث آخر، ولن يقبل العالم أن يستمع لأي شيء آخر. رمي هذا الكرت على الطاولة باكراً أراح أعصاب المجمع الغفير في قاعة الأمم المتحدة، ولكن في نهاية هذه الفقرة من الخطاب أشار الى أن تنفيذ الاستفتاء مرتبط بشريكين لا يمكن أن يجري تنفيذ أي شيء دون الطرف الآخر والذي جرى التأكيد على (بسهمنا فيه).
ما أن طويت هذه الصفحة حتى أطلّت فقرة أخرى في ثنايا الخطاب، أهمّ وأشدّ خطراً زرعت خصيصاً لإيصال الرسالة الحقيقية التي أراد طه أن يسمعها المجتمع الدولي (هنالك الكثير من المواضيع الأخرى التي ينبغي التعامل معها فيما يتعلق بترسيم الحدود، والتي من الممكن أن تكون مصدراً لقلق وتوتر مستقبلاً). هذا هو مربط الفرس وجوهر الخطاب الذي وضع به طه المجتمع الدولي أمام المهدّدات التي يتعين عليه الإسهام في معالجتها، إذا ما أراد أن يتم الاستفتاء في مواعيده، وإلا ستتحوّل هذه المهددات لمصدر توتر؛ وهي كلمة مهذبة لاحتمال عودة الحرب مرة أخرى.
اختار طه من بين قائمة المواضيع قيد الانتظار، للحسم موضوع الحدود؛ وهو بالفعل الموضوع الأشدّ خطراً وهو القنبلة الموقوتة بالفعل التي يمكن أن تفجّر الحرب مجدداً. فأبيي أول هذه المهددات؛ وهي تتعبأ الآن في اتجاه الحرب بعد أن تجاوزت مرحلة التوتر العابر.
هناك نقاط حساسة على الحدود، تنتظر الترسيم على الأرض، الذي ينتظر الاتفاق بين الشريكين «وهو بعيد الآن». الحركة تتمنع وتنتظر تنازلات المؤتمر الوطني، والمؤتمر الوطني لا يرغب في تقديم أي تنازل للحركة في مسألة الحدود، باعتبارها مسألة مصيرية، ثم إن أي تنازل مثلاً في حدود أبيي يمكن أن يشعل الحرب مباشرة. الحركة تراهن على ضغط المجتمع الدولي، والمؤتمر الوطني لم يعد يأبه لأي ضغوط. قصته مع المحكمة الدولية التي تمثل أعلى ما بيد المجتمع الدولي من كروت ضغط عليه، ولم يتبق للعالم من كرت ضغط قوي على الحكومة سوى أن يعلن الحصار والحرب، وكلاهما ليس مأمون العواقب. أخشى أن تكون الحركة تراهن على كرت ميت. على كل حال، سينكشف لها بعد عودتها من واشنطون أن لا حل أمامها سوى التوصل لتسوية مع شريكها في المؤتمر، فأصدقاؤها في نيويورك الذين عجزوا عن إقناع أوباما بلقاء سلفا كير هم أعجز عن إقناعه بخوض حرب ثالثة في العالم دعماً لانفصال الجنوب!!
 

 

آراء