قراءة في كتاب: أطروحات ما بعد التنمية الاقتصادية: التنمية حريّة – محمود محمد طه وأمارتيا كومار سن (مقاربة)، (3- 15)

 


 

بدر موسى
10 July, 2024

 

تأليف عبد الله الفكي البشير- الناشر ط1: مركز أسبلتا للاستنارة والنشر، أيوا، الولايات المتحدة، الموزع: دار الأجنحة للنشر والتوزيع، الخرطوم..  ناشر الطبعة الثانية: دار بدوي للنشر، كونستانس، ألمانيا، 2022


بقلم بدر موسى

ماجستير برامج دعم التنمية في دول العالم الثالث (2000)، جامعة أيوا، الولايات المتحدة

يدرس حالياً في ماجستير التدريس والتعليم، جامعة أيوا، الولايات المتحدة

bederelddin@yahoo.com


أصالة الفكرة وعبقرية التناول

البروفيسور علي عبد القادر: رؤية أمارتيا سن تجاه التنمية تمثل آخر ما انتجه الفكر التنموي في العالم.


ترجع قيمة كتاب عبد الله وأهميته، إلى جدته وأصالة فكرته، وعبقرية التناول لرؤية الأستاذ محمود تجاه التنمية بإجراء المقارنة حولها في الأفق الكوكبي. لقد فاتت فكرة الكتاب على كل المتخصصين في التنمية، حتى من الجمهوريين تلاميذ الأستاذ محمود محمد طه، ويمكنني أن أقول وباطمئنان بأني منذ 30 أكتوبر من عام 1984، حين صدرت الديباجة التي كتبها الأستاذ محمود محمد طه، أني لم أقف على كتاب أصيل وجديد ومفيد وملهم، ويضيف الكثير للفضاء السوداني والأفريقي والعربي والإنساني، مثل هذا الكتاب للدكتور عبد الله. وأنا أعلم أن الكثير من الجمهوريين لم يكونوا يعلموا، ولم ينتبهوا من قبل، لهذه الرؤية التي فصلها عبد الله مشكورًا في كتابه، وأنا أولهم. رغم أني أحمل درجة الماجستير في التنمية من واحدة من أعرق الجامعات الأمريكية. ونحن ربما نكون معذورين إذا جهلنا تفاصيل هذه الرؤية الشاملة للتنمية التي قدمها الأستاذ محمود قبل صدور هذا الكتاب، ولكننا على التحقيق لسنا معذورين اليوم والكتاب بين أيدينا، لأن هذا الموضوع هو موضوع الساعة، الذي تتوقف عليه حياة الناس، ومعيشتهم، ورفاهيتهم، ومستقبلهم، في السودان خاصةً، وفي سائر الأرض، فمن غيرنا نحن الجمهوريين أصحاب الفكرة التنموية الحقة، (يعطي لهذا الشعب معنى أن يعيش وينتصر)؟! وهل ينتصر الانسان وبعمر الأرض ويحقق كرامة الانسان، بغير رؤية الأستاذ محمود للتنمية؟! فهذا الكتاب يقول بالحجج الناصعة والأدلة القاطعة بأن كل (خبير في التنمية)، لا يستحق صفته إذا تجاوز، أو أهمل، أو غض النظر، عن رؤية الأستاذ محمود الشاملة الكاملة للتنمية والحرية، خاصةً إذا كان هذا الخبير جمهوريًا، أو سودانيًا، ودارسًا للفكرة الجمهورية.

وهذا الكتاب قد صدر منذ أكثر من عامين، ودار حوله حوار مكثف، كما ورد آنفاً في الحلقة الماضية، وشارك في الترحيب به أكبر العلماء والمتخصصين في علم اقتصاديات التنمية داخل وخارج السودان، بدءًا من العلامة وأستاذ اقتصاديات التنمية، البروفيسور الراحل المقيم علي عبد القادر على الذي قال عن هذا الكتاب، كما ورد آنفاً: "هذا كتاب مذهل".


خدمة الثورة والتغيير تكون بالفكر والعلم

الدكتور خالد التجاني: "حقيقة إن هذا الكتاب جاء في وقت مناسب جداً، فهو يقدم خدمة كبيرة جداً للثورة، وخدمة كبيرة جداً للتغيير".


قلنا في الحلقة الماضية أن الكتاب وجد احتفاءً كبيراً من المثقفين داخل السودان وخارجه، وخاصة المتخصصين في التنمية، وقلنا إن البروفيسور علي عبد القادر، أستاذ اقتصاديات التنمية، وصف الكتاب، قائلاً: "هذا كتاب مذهل". كذلك أشاد بالكتاب الدكتور خالد التجاني، رئيس تحرير صحيفة إيلاف، وتحدث، قائلاً: "حقيقة قدم عبد الله الفكي البشير أطروحة قوية ومتماسكة في مقاربتها عن التنمية بين البروفيسور أمارتيا والأستاذ محمود.. أذكر أن الدكتور الباقر هاتفني وسألني، قائلاً: هل أكملت قراءة الكتاب؟ فقلت له قل لي كم مرة قرأت الكتاب؟". وتحدث خالد التجاني، قائلاً: "أنا أطلعت على كتاب أمارتيا سن من قبل: التنمية حرية، ولكن لأول مرة حقيقة اتلمس من المقاربة التي قام بها دكتور عبد الله أن هناك طرح لمشروع أو ركائز لمشروع وطني للتنمية، قدمه الأستاذ محمود.. وأن الإنسان هو غاية التنمية وجوهرها، وقضية الحرية ودور المرأة ودور المجتمع وقضية الديمقراطية... إلخ. وفصَّل خالد التجاني، قائلاً: "قد أوضح لنا عبد الله كل ذلك عبر المقاربة بين أمارتيا، وهو رجل لا ديني، مع الأستاذ محمود الذي ينطلق من منطلق روحاني مستمد من القرآن الكريم، وهنا بعد أخلاقي.. هذا الكتاب القيم للغاية، قدم لنا معاني كثيرة عن التنمية التي طرحها الأستاذ محمود، ورصدها الدكتور عبد الله".. ثم خلص خالد التجاني، قائلاً: "نحن حقيقة في حالة فراغ كبير جدا.. ليس لدينا أطروحات وطنية تجاه التنمية.. هذا الكتاب، بهذا العمق الذي طرحه وقدمه لنا الدكتور عبد الله، جعلنا نكتشف أن لدينا قواعد ومرتكزات لمشروع وطني للتنمية، طرحه الأستاذ محمود...". ثم أوضح خالد، قائلاً: "فما انتهى إليه البروفيسور أمارتيا سن، أستاذ الاقتصاد والفلسفة الشهير، والحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد في العام 1998، من أفكار وآراء تدعو لأنسنة قضية التنمية، وتجعل من قضية الحرية هي ذروة سنام العملية التنموية، فقد سبق للمفكر السوداني المعروف الأستاذ محمود محمد طه إلى طرح العديد من معانيها في طائفة من كتاباته قبل نحو خمسة عقود". (المصدر: صحيفة المدائن، الأحد 13 مارس 2022).


تعريف مختصر بالكتاب: هيكل الكتاب


تهيكل الكتاب في ثمانية فصول ومقدمة وخاتمة، إلى جانب فهرس الأعلام وثبت المصادر والمراجع. قدم الفصل الأول تعريفاً بأمارتيا سن والصدى العالمي لكتابه: التنمية حرية، وسلط الفصل الثاني الضوء على محمود محمد طه والفهم الجديد للإسلام والترجمة لأعماله. وتناول الفصل الثالث "منظور الحرية"، ودرس الفصل الرابع أهمية الديمقراطية باعتبارها العنصر الجوهري في عملية التنمية، وتناول الترابط المتبادل والمتداخل بين الحريات السياسية (الديمقراطية) والاحتياجات الاقتصادية والعدالة الاجتماعية، والديمقراطية والنمو الاقتصادي، وكما وقف عند السؤال القائل: هل ينجح الحكم الاستبدادي في النهوض بالنمو الاقتصادي؟ وخصص الفصل الخامس للأسواق والدولة والفرصة الاجتماعية، فتناول الأسواق والحرية والعمل واستمرار واقع العبودية، واقتصادات الطريق إلى العبودية، والملكية للجماعة لا للدولة، والحرية موؤدة في النظامين الرأسمالي والشيوعي. وناقش الفصل السادس موضوع "فعالية المرأة والتغيير الاجتماعي"، وذلك من خلال عدة محاور، منها: من الدعوة لرفاه المرأة إلى تجسيد فعالية المرأة وتأكيد دورها، واستقلال المرأة الاقتصادي، وإنتاج المرأة في البيت. ووقف الفصل عند مفهوم البيت عند طه، ورؤيته تجاه أثر التفكير الرأسمالي والتجارب الاشتراكية في تهميش إنتاج المرأة، ودعوته لإعادة النظر في تعريف وتقييم إنتاج المرأة في البيت ليكون بمثابة تخصص، ومطالبته بأن يدخل عمل المرأة في المنزل ضمن تقييم الدولة الاقتصادي.

ودرس الفصل السابع "الاختيار الاجتماعي والسلوك الفردي"، فركز على استخدام العقل من أجل النهوض بالمجتمعات، وأخطر التحديات التي تواجه الرأسمالية، البيئة والقوانين المنظمة والقيم. وركز الفصل الثامن على "الحرية الفردية التزام اجتماعي"، فوقف عند: الواجب والمسئولية تجاه تغيير العالم وتطويره، ورأس المال البشري والقدرة البشرية كتعبير عن الحرية، وغيرها.

وخلص الكتاب في خاتمته إلى أن البروفيسور أمارتيا انطلق في رؤيته تجاه التنمية من تخصصه العلمي وخبرته التي تمتد إلى أكثر من ستة عقود، كما وصف نفسه في كتابه، قائلاً: "As a nonreligious person" (أي لا ديني)، بينما انطلق الأستاذ محمود في رؤيته من مرجعية الفهم الجديد للإسلام، وهي القرآن في مستوى آيات الأصول (الآيات المكية)، كما سيرد التفصيل.

نواصل في الحلقة القادمة.


bederelddin@yahoo.com

 

آراء