قصتي مع مشاركة الرئيس في قمة الدوحة وأهم سبق صحافي

 


 

 

محمد المكي أحمد

 

modalmakki@hotmail.com

  كتبت في مقالي الأسبوعي الذي نشرته ""الأحداث" يوم السبت الماضي بدلا عن موعد نشره المعتاد يوم الجمعة عن أهمية مشاركة الرئيس عمر البشير في القمة العربية التي عقدت في قطر في 30 مارس الماضي.المقال الذي جاء تحت عنوان " قمة الدوحة ومشاركة الرئيس.. وصرخة في آذان العرب" عكس رؤيتي لضرورات مشاركة الرئيس في القمة العربية في وقت كانت الساحة السودانية يتجاذبها تيار غارق  في الحماس والانفعالات الرافضة لمشاركة الرئيس في القمة العربية، وبالطبع في القمة التي أعقبتها وهي قمة الدول العربية ودول أميركا الجنوبية.لم أرغب في مقالي الذي اشرت اليه أن   انصرف الى انتقاد حملة الرفض الانفعالية لمشاركة الرئيس،  أو "للفتوى" التي صدرت في غير محلها،  والتي لم تجز سفر الرئيس للدوحة، مع احترامي للعلماء الأجلاء الذين  أطلقوها، وللدوافع الكامنة وراء ذلك.تلك الحملة تعددت  مشاهدها الغريية العجيبة  في الشارع السوداني  وتدخلت في شؤون سياسية لا تخصها، ولا ينبغي أن  يتم خلط  الأوراق بمثل تلك الأساليب المضحكة التي أثارت  الدهشة خارج السودان.عموما أطلقت في المقال الذي نشر يوم السبت الماضي العنان للأمنيات   وجاء في المقال  "أتمنى أن يشارك الرئيس في قمة الدوحة العربية لأسباب عدة، ومنها أن القمة تمثل مناسبة مهمة للسودان ليحظى بدعم  حقيقي كبير لقضاياه الكثيرة التي تتمثل في قضايا الاستقرار والحوار بين اهل الحكم والمعارضة المسلحة ومشاريع  التنمية".  لا أخفي ارتياحي بل سعادتي بمشاركة الرئيس في القمة العربية وقمة الدول العربية ودول أميركا الجنوبية في الدوحة   لسببين مهمين، أولهما أن مشاركة  الرئيس حققت  للسودان حضورا في  محفلين مهمين، وكان يمكن أن يتراجع الاهتمام بالشأن السوداني في ظل تعقيدات الوضع السوداني اذا غاب الرئيس ولم يسجل حضورا في القمتين.قضايا السودان كثيرة ومتعددة الأوجه ، والأهم في هذا السياق   أن تدعم الدول  العربية  السودان وقيادة السودان سواء اتفقنا أو اختلفنا معها  ليجتاز بارادة ابنائه وبناته من أهل الحكم والمعارضة المدنية وحاملة السلاح هذه المرحلة الشائكة والمعقدة والخطيرة  في تاريخ الوطن. السودان حظي وكذلك  الرئيس بدعم وتضامن عربي و ينبغي ان لا نتجاهل في هذا الاطار أيضا دلالات الدعم العربي  للجنة العربية الافريقية برئاسة قطر التي تسعى لعقد مؤتمر سلام  في الدوحة  بمشاركة المعنيين كافة لوضع حد لمعاناة أهلنا المعذبين والمقهورين في دارفور.هذا يعني أن مشاركة الرئيس في قمة الدوحة  شكلت حدثا  مهما، وكان متوقعا  أن يخسر السودان  ويخسر الرئيس الكثير اذا غاب عن القمة على رغم احترامي للرؤى التي أبدت مخاوف مشروعة  في ظل ظروف دولية غارقة أيضا في وحل المعايير المزدوجة.تلك  المعايير المزدوجة في السياسة الدولية  تعد أحد أهم  أسباب رفضي تسليم الرئيس سواء كان اسمه كما قلت في مقال سابق عمر البشير أو أي شخص آخر،  مع انحيازي للعدالة من الداخل ولحقوق أهلي البؤساء المعذبين في دارفور وكردفان وعموم مناطق التهميش وكل المهمشين .في هذا الاطار لا استطيع أن اتجاوز حدثا مهما في حياتي المهنية،   ويتمثل في أنني كنت أول صحافي يبث للعالم كله  خبر مشاركة الرئيس في قمة الدوحة في بث على الهواء مباشرة لاذاعة مونت كارلو الفرنسية.في الواحدة ظهر الأحد الماضي  أوردت في تقرير بثته اذاعة  مونت كارلو التي أعمل مراسلا لها من الدوحة  أن المصادر ترجح  مشاركة  الرئيس البشير،   ولم أرغب  وقتها  في تأكيد  المعلومة  قبل نحو ثلاث ساعات من وصول الرئيس انتظارا لخطوة أخرى.عندما  تأكدت من أن طائرة الرئيس دخلت الأجواء القطرية وأن طائرة  مرافقة للرئيس حطت على أرض مطار الدوحة وهي تحمل حرسا ورجال مراسم وغيرهم  اتصلت هاتفيا بزملائي في مونت كارلو وطلبت بالحاح  شديد  قطع الارسال  لأتحدث  في بث مباشر عن مشاركة الرئيس في القمة العربية في  الدوحة. في البدء تردد  زميل وزميلة في مونت كارلو من مغامرة قطع لارسال لبث خبر لا يعرفون صحته،  لأن الخبر اذا لم يكن صحيحا سيضرب مصداقية اذاعة مونت كارلو في مقتل. زاد الحاحي  من اجل قطع الارسال لأتحدث  في بث مباشر، واقتنعت زميلتي أمل نادر وقلت لهم انا أتحمل المسؤولية كاملة،  وقطعت مونت كارلو ارسالها في خطوة غير مسبوقة لأي وسيلة اعلامية في العالم ، وقبل قبل نشرة الربعة عصرا بفترة  تحدثت  في بث مباشر عن دخول طائرة الرئيس الأجواء القطرية وقلت إن  طائرة سودانية أخرى  ترافق  الرئيس  حطت بالفعل على أرض المطار، وتحدثت عن  ترتيبات الاستقبال.كنت سعيدا بنقل هذا الخبر للعالم قبل أن تبثه بتلك التفاصيل والسرعة أية وسيلة اعلامية في العالم ، ومصدر سعادتي أن الرئيس السوداني  يشارك في القمة رغم كل التحديات، كما سعدت بتحقيق سبق صحافي هو الأقرب الى نفسي من خبطات صحفية لا حصر لها على مدى   ثلاثين عاما في مهنة البحث عن المتاعب.بعدما بثيت للعالم في بث مباشر خبر دخول طائرة الرئيس السوداني الأجواء القطرية تحدثت مرة ثانية  في نشرةالرابعة عصر الأحد الماضي، وقلت إن طائرة الرئيس السوداني تحلق الآن في أجواء مطار الدوحة بانتظار أن تحط  طائرة عمانيةعلى أرض المطار، وكنت قلت أن مشاركة الرئيس البشير في القمة العربية   هي حدث مهم وهي  دعم للقمة العربية وللسودانيين وللرئيس.لن أنسى تلك اللحظات التي نقلت فيها خبر وصول الرئيس الى قطر قبل أن تبث الخبر قناة الجزيرة الفضائية  بفترة زمنية، وفي الوقت الذي  كانت قناة الجزيرة تشير الى انه لم يعرف من سيمثل السودان في القمة في  بث مباشر لوصول طائرة الوفد السوداني كنت قبل ذلك أعلنت وصول الرئيس وأيضا وصول طائرة سودانية  مرافقة للرئيس السوداني.في حياة الانسان المهنية محطات لا تنسى، وهذه محطة لن أنساها في حياتي،  خاصة أنها توافقت مع أمنياتي بمشاركة الرئيس البشير في قمة الدوحة لأسباب موضوعية تتعلق بمصالح السودان العليا.السيد الرئيس قرار مشاركتك في قمة الدوحة كان صحيحا وصائبا ونافعا، و أقول ايضا لكل من دعم مشاركة الرئيس من المسؤولين السودانيين إن   موقفكم حسب رأيي كان  صائب أيضا، وأقول أيضا للرئيس البشير إنك الآن أمام فرصة تاريخية لتنتقل بالسودان الى آفاق تبني الوطن بارادة جماعية،  لكن ذلك يتطلب منك الكثير الصعب ويكمن ذلك في تحقيق  مناخ  الحرية والعدل والمساواة.أمام الرئيس ونظامه وأركان حكومته أكبر تحديات الارتقاء بالممارسة السياسية الى مناخ يستجيب لتطلعات الشعب السوداني العظيم  الذي يعاني من ويلات ومشكلات عدة.لا سبيل لبناء الوطن الذي نحب الا من خلال تكاتف جهود جميع ابنائه، وهذا يتطلب أن يتم  بارادة جماعية سودانية  بناء نظام سياسي يقوم على الحرية والديمقراطية والعدل والمساواة وسيادة القانون.هنا يكمن السيد الرئيس التحدي الأكبر، وهنا يطل  جسر العبورا لجماعي السوداني الى مستقبل سوداني مشرق، ولعل أولى الخطى المطلوبة بالحاح  أن تتسارع الخطوات السودانية الجماعية بدعم رئاسي جماعي أيضا  للتوصل الى حل عادل وشامل لأزمة دارفور، ولوضع حد نهائي لأحزان كثيرين  في وطن رائع  لكنه  يتعرض لمخاطر التمزق اذا لم يتوافق أبناؤه على كيفيات تحقيق الاستقرار والامن والحرية والعدل والمساواة.هذا هو  التحدي الذي يواجه الرئيس البشير أولا، كما يواجه بقية القوى السياسية الحاكمة و التي تحمل لواء المعارضة المدنية والمسلحة في دارفور من دون استثناء.برقية: الوطن شجرة تستمد نضارها  وثمارها من كل الفروع )عن صحيفة الأحداث)                                         

 

آراء