قناة الجزيرة … فرع ام درمان (1) … بقلم: مصطفى سري
26 December, 2009
نقطة ... وسطر جديد
لا شك ان قناة الجزيرة العربية والتي مقرها دولة قطر، كانت نشأتها نتيجة المصالحة التاريخية بين القوميين العرب والحركة الاسلامية في المنطقة العربية ، خاصة ان المجموعتين (القوميين العرب والاسلامويين) كانوا خصماء الى ابعد الحدود وبينهما (ما صنع الحداد)، وتجلت تلك الخصومة منذ فترة الستينات ( عهد الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر واعدامه لقيادة الاخوان المسلمين في مصر وتصديره العداء بين القوميين العرب وحركة الاسلام السياسي الى كل المنطقة العربية حتى وقت قريب في دولة العراق ابان فترة حكم صدام حسين )، لكن المصالحة التي تمت بين المجموعتين ، وعرفت بمصالحة بيروت (1996) ، والتقت فيها فكرة المجموعتين (العروبية والاسلاموية) في نقطة مركزية واحدة ، هي سد الفراغ الذي نشأ بعد انهيار المعسكر الاشتراكي في الاتحاد السوفيتي ودول اوربا الشرقية وتحطم (جدار برلين ) ، وتحينت الحركة الاسلامية في السودان بزعامة حسن الترابي الفرصة باحتضان ما عرف وقتها في اوائل التسعينات بالمؤتمر( الشعبي العربي – الاسلامي )، الذي اتخذ من الخرطوم مقراً له بحكم ان الجماعة الاسلامية في السودان وفرت الملاذ الآمن للزواج (الكاثالوكي ) بين القوميين العرب والاسلاميين .
حاولت القناة الوليدة بعد نشأتها ان تصبح موضوعية ، وحقيقة هي استطاعت ان تثبت ذلك في بداياتها من خلال سياساتها التحريرية والقضايا التي تتناولها وجذبت العديد من المشاهدين واستطاعت كذلك ان تؤثر كثيراً على تشكيل بعض الوعي في المنطقة ، والهدف من ذلك كسب ثقة المشاهد العربي الذي كان يبحث عن قناة فضائية فيها الحرية في التناول والموضوعية في الطرح ، لتبعده عن القنوات الرسمية التي تنقل سفر (الرئيس وحله ) واخبار الحكومات، وما صنعته القنوات الرسمية من فجوة بين الحاكمين والمحكومين في المنطقة فيما يعرف بالاعلام الموجه الذي اول صنعته الكذب والتلفيق وانعدام المهنية بارضاء الحاكم وطغمته ، كما نشاهده في قناة تلفزيون (المؤتمر الوطني ) في ام درمان ، الذي خلق حالة من انفصام الشخصية للمشاهد السوداني الذي ما يراه ويشاهده من الواقع شئ ، وما تبثه قنوات تلفزيون المؤتمر الوطني في السودان شئ اخر ، ولا يعرف هذا المشاهد (هل يكذب ما تراه عينه ام ما يشاهده في المساء في منزله وهو جالس امام الشاشة ليعرف ما فاته من اخبار) ،غير انه يصطدم بواقع اخر تبثه قناة (المؤتمر الوطني ) التي تتحدث عن بلد اخر ومدينة اخرى (فاضلة ) تنقل اليه الاخبار ، ليست هي ذات المدينة التي يقطن فيها ، يشاهد ويرى الواقع بام عينيه !
وازاء تلك الفجوة الاعلامية في المنطقة التي يفتقد اعلامها الرسمي اسس الحرية والمهنية ، الى جانب ان الظروف السياسية التي تغيب فيها الحرية والديموقراطية ، بل ان هذه الشعوب تعيش اجواء من القمع والكبت والعنجهية والاستعلاء وهذا موجود في غالبية دول المنطقة العربية ، في ظل هذه الاجواء القمعية نشأة قناة الجزيرة في محاولة منها سد تلك الفجوة من هامش الحرية للمشاهد في المنطقة العربية وما جاورها ، الذين اصبحوا لا يثقون في قنواتهم الرسمية بل يتهكمون منها كما عندنا في السودان ، واخذ المواطن العربي يلجأ الى اذاعات اخرى مثل البي بي سي ليسمع اخبار بلاده وهي اذاعة عريقة ومهنية من الدرجة الاولى – نختلف او نتفق معها - ولكن قناة الجزيرة بعيد انطلاقها اظهرت حقيقتها بشكل سافر من انحيازها الواضح للحركات الاسلامية (الحاكمة او المعارضة )، بل انها في فترة اصبحت الناطقة باسم تنظيم القاعدة .
mostafa siri [mostafasiri@yahoo.com]