كتمت ،، مسرحية شبابية تعكس حال الواقع المأزوم

 


 

حسن الجزولي
21 September, 2017

 

 

أكثر ما أثار إعجابي في فصول المسرحية ومشاهدها المتعددة والممتعة وخفيفة الظل هو الخلاصة أو زبدة المعالجة عند ختام مسرحية كتمت قبل إسدار الستار عند النهاية، فقد جاءت جريئة و"بعلو الصوت وبالواضح" معلنة عن الحل الأمثل بصوت الأغلبية الشبابية، الصوت الذي " قرر ختام المهزلة"!.

فعلى مدى أكثر من ساعة ونصف الساعة استمتعت مع جمهور غفير من المشاهدين بوقائع مسرحية "كتمت"، ذات الفصلين من تأليف نصر الدين عبد الله وإخراج وتمثيل ـ حسب الظهور على الخشبة ـ أمل محجوب، إبراهيم شنتو، محمد صالحين، نصر الدين عبد الله، أمينة فتحي. ديكور محمد صديق، موسيقى عاطف صالح وقد ساعد في الديكور عادل فطر. وذلك في عرضها لليوم السادس على خشبة المسرح القومي بأم درمان. بعد نجاح عروضها الباهر بمسرح عروس الرمال بمدينة الأبيض، كمغامرة ناجحة للمسرح السوداني في تقديمه النادر لعروض مسرحية بالأقاليم دون أن تمر بمسارح العاصمة!.
كتمت مسرحية شبابية تتلمس أهم قضايا الشبيبة السودانية وتعقيداتها في الحياة والمجتمع، حيث يشير مخرجها حاتم محمد علي قائلاً "استطعنا من خلال ما قدمناه من عروض، اختبار العرض المسرحي في علاقته بالجمهور والتي كشفت وأكدت جماهيرية المسرحية من خلال ما طرحت من قضايا واقعية وحساسة جدا ترتبط بمستقبل الأجيال الحالية في إيجاد فرص للعمل بعد التخرج من الجامعات وما ينتج عنه من ظلال تتأثر بها شريحة مهمة في المجتمع، إن مثل هذا النوع من القضايا يحتاج إلى تقنية عالية في الكتابة وروئ مميزة في الإخراج لكشف مآلات الأحوال الاجتماعية والفوضى الضاربة في مفاصل المجتمع الأمر الذي يضطر بسببه الخريجون للعمل في مهمن لا علاقة لهم بها بعد ما طرقوا أبواب ونوافذ عديدة للأمل والعمل".
شكلت المسرحية إضافة إبداعية جميلة في مسيرة ما قدمه المسرح السوداني، من حيث النص والآداء والاخراج والديكور والموسيقى والاضاءة وكافة الفنيات الأخرى المصاحبة، ومن حيث الشكل والمضمون نشير إلى أن كتمت جائت كعمل مسرحي شبابي أبرز ما فيه أنه بسيط الفكرة، عميق المضمون وبعيد من التعقيد من حيث التنفيذ والاخراج والتي تشكل أفكار استوعبها المخرج وعمل على ترجمتها للمشاهد من نص التأليف.
إن أبرز ما تضمنه الذكاء في الاخراج هو تلخيص المخرج لنص المادة المسرحية حينما ضغط على الزمن والحوار وأجواء الآداء ليكون بين خماسي مسرحي متمكن عرف كيف يجسد الموضوع بشكل بسيط ودون تعقيد بعيداً عن كثرة المؤديين، ومن جانب آخر لعب بفن الديكور والاكسسوار المسرحي مما أكسب ريزم وإيقاع المسرحية رشاقة وتتالي سريع لسرد الحدث وما بعده.
الاشارة للخماسي المسرحي مقصود بها الممثلين المسرحيين الذين قاموا بتجسيد شخصيات المسرحية، حيث نجح المخرج في اختصار الحوار والديالوج والمنولوج المسرحي في خمس شخصيات فقط أبرزت الموضوع المعالج مسرحياً بشكل ناجح وخلاق من حيث ما أضفته الشخصيات المعنية من حيوية في الآداء وهضم لروح كل دور مطلوب منها تجسيده، وأما من ناحية إبتعاد المخرج من حشد خشبة المسرح بكم وافر من الممثلين واختصاره في خمس ممثلين فقط، فقد وفق كثيراً أن عالج تيمة العمل المسرحي بغير ترهل أو تعقيد من ناحية الفهم والاستيعاب. وفيما يخص الديكور فقد صاحبت معالجته في المسرحية رشاقة ذكية أيضاً عملت على إلغاء ضرورات الإظلام المستخدمة عادة بكثرة في الأعمال المسرحية، إلى أضيق الحدود عندما استخدم ما يمكننا الاشارة إليه في مصطلحات علوم المسرح بأنه "تكسير للحائط الرابع" بين الخشبة والجمهور في فنيات العمل المسرحي حيث عمل نفس الممثلين "كمتطوعين" لتغيير ديكور المشهد ـ بجانب مساعدة الاضاءة ـ كمؤديين مساعدين في أعمال الديكور وتغيره!.
فلم يحتاج الاخراج لتركيبات معقدة من ناحية الزمن والتطويل والتعقيد والاطالة، لكي يعقد من الديكور و الإكسسوار، ضف لهذا ملاحظة حركة لممثلين إثنين يؤديان أكثر من مشهد بأكثر من مؤدي " محمد صالحين عندما تحول لإمرأة، وعندما تحول لموظف استقبال في أكثر من شباك بالمصلحة الحكومية لتوظيف الخريجين الجدد وكذا الممثل نصر الدين عبد الله عندما تحول لشيخ ديني، فضلاً عن تجسيده لأكثر من شخصية، لا سيما دوره كمسؤل في المستوصف الطبي الذي أودى بحياة مواطن لا لسبب سوى التشخيص الخاطئ "!. هذه وغيرها تضاف لقدرات المخرج الفنية الممتازة التي وظف بها التخطيط الجيد لتوزيع العمل على جنبات خشبة المسرح بما يعمل على ملْ فراغاته.
وأما في جانب ملاحظاتنا التي تشير للسالب من المسرحية، فهناك بعض الهنات التي نرى أنه كان يمكن تلافيها، وأبرزها غياب ملء الفراغات بين حين وآخر بأغنيات الشباب، الشباب المتمرد الصانع للغته وأغنيته وريزم رقصته وإيقاع حياته ونظم نظرته للحياة والكون دون تعقيدات أو لوازم مستلفة زائدة عن اللزوم، أي الجيل الحالي الذي يمثل مع " أغنيته الشبابية " الموضوع الرئيسي في مجريات أحداث مسرحية "كتمت".
وفي هذا المقام لا بد من التركيز على آداء الممثلة القديرة أمينة فتحي والتي استطاعت أن تجسد دورها بأفضل ما عندها، حيث تقمصت شخصية الأم المكافحة ونجحت نجاحاً منقطع النظير، مما يجعلنا ونحن نقدم مسرحية "كتمت" بأن لا نتجاوز آدائها الرائع. هذا فضلاً عن الآداء المقنع لكافة الممثلين، سيما الممثل القدير محمد صالحين.
كتمت مسرحية سودانية خالصة ذات فصلين وعدة مشاهد ممتعة وخفيفة الظل وفيها محمولات شباب البلاد ومشاكلهم، والأسرة السودانية أيضاً، نرشحها للجميع كمسرحية إجتماعية في المقام الأول، تقضي فيها الجماعات والأفراد والأسر السودانية والأصدقاء المشتركون والذين يتضجرون من مساءات وليالي العاصمة الكئيبة، وقتاً طيباً ولطيفاً فيها.
توجب لفت نظر إدارة المسرح لضرورة القيام بين فترة وأخرى برش جنبات المسرح بمبيد البعوض الذي يقلق راحة الجمهور ويتسبب في إزعاجه بعدم متابعة العمل المسرحي بشكل مريح!.


helgizuli@gmail.com

///////////

 

آراء